| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

الأحد 24/1/ 2010



الرجل المخيف *

صباح كنجي

بعد عدة أيام شاقة وعصيبة من البقاء في (كند دوغات) قررَ علي خليل ومن معه من المتخفين في العراء بين التلال التوجه إلى بغداد.. حينما جاءهم أمرٌ من توما توماس بالمغادرة والتفرق بعد ان وصلته إشارات من احتمال حدوث إنزال عسكري واعتقال المجموعة المتخفية هناك.. كانَ ذلك في نهاية عام 1978.. عندما بدأت أجهزة الأمن بملاحقة الشيوعيين وأصدقائهم بما عرف في الذاكرة الشعبية الساخرة بحملة محو الأمية..

توجهت المجموعة إلى بغداد وجرى البحث عن منازل للأقرباء تحوي أفراد منها حسب مقتضيات الوضع الأمني واستعداد صاحب الدار لاستقبال زبائنه الجدد من الذين أدرجتهم دوائر الأمن والمخابرات وصنفتهم بالمطلوبين الخطرين..

هكذا توجه خمسة بينهم أبو ماجد وأبو فؤاد إلى غرفة أبي حربي الوحيدة مستغلين عدم وجود عائلة معه.. ومن أجل ترتيب أمر بقائهم، تقررَ أنْ يقوم أبو حربي بشراءِ المستلزمات الضرورية من خبز وطعام دون الحاجة لخروجهم إلى الشارع واحتمال تعرضهم للكشف والمخاطر.. انقضى الأسبوع الأول بسلام.. مما دفعَ المجموعة للتفكير بتخفيف الأعباء عن أبي حربي وتكليف فرداً منهم لشراء الحاجات اليومية المطلوبة في كل يوم بالتناوب...

عند ذهاب علي خليل للشراء.. شعر بوجود شخص يتابعهُ.. بعدما تيقن من حدسهُ بوجود الرجل الذي يلاحقه.. قررَ الابتعاد وعدم العودة للدار.. كي لا يُسببَ لهم الكشف ويشكل خطورة عليهم... انتظروا عودته لساعاتٍ دون نتيجةٍ.. أخذوا يتوجسون من احتمال اعتقاله.. ووضعوا خطة للمغادرة مع حلول الليل بعد أن عاد أبو حربي مساءً.. وقبل أن يفترقوا عاد إليهم أبو ماجد من جديد.. تحدث لهم عن متابعة ذلك الشخص المجهول له.. لذلكَ قررَ الأبتعاد وعدم العودة كي يحميهم... مما دفعهم في الأيام التالية للمزيد من الحذر رغم أنها سارت بشكل عادي.. إذ لم يشعر أو يكتشف أحداً منهم أنه مراقب أو متابع.. بدأوا يغمزون.. أكيد أنت خائف لهذا استنتجتَ أنك متابع ومراقب..

في المرة الثانية .. تأكدت ظنونه.. إذ شاهد ذات الشخص يسرعُ لمرافقته حالما خرج من الدار.. بدأ يتعقبهُ بشكل ملفتٍ للنظر.. كانت الخطورة تحدق به.. لذلك قررَ الانطلاق والابتعاد منه.. وبشق الأنفاس تمكن من التخلص منهُ ولم يعد للمرة الثانية.. تجددت حالة الإنذار بين القابعين في الدار.. بدوْا أكثر حيرة من المرة الأولى.. وعند المساء جاءهم ليؤكد أن الرجل عينه لاحقه واخذ يسهب في شرح التفاصيل لما جرى معه... تيقنوا أن حديثه جاد يعكس حالة متابعة ومراقبة حقيقية لا يجوز التقليل من مخاطرها واحتمالات مداهمة الوكر واعتقالهم... لكن الأمر كان عادياً للآخرين إذ لم يجدوا أو يشخصوا ما يمكن أن يؤشر على أية متابعة أمنية لهم.. فهم يذهبون ويأتون تباعاً من دون ان يلاحظوا او يشاهدوا الرجل المخيف.. أيقنوا أن الأمر يخصه وحدهُ، من المحتمل أن شخصاً ما قد عرفه ويتقصده.. للتأكد تقرر أن يرافقه من بعيد أبو حربي في المرة القادمة.. كي يصلوا إلى قرار بترك الدار الوكر في حالة وجود خطورة عليهم إن تطلب الأمر...

للمرة الثالثة.. خرج ليواجه بنفس الموقف.. ذات الشخص يلاحقهُ.. أخذ يمشي والرجل المخيف يقترب به.. حاول أبو حربي أن يراقب الموقف من بعيد تأكد من وجود رجل غريب لاحظه يلتصق بعلي خليل الذي وجد نفسه محاصراً لا يتمكن الإفلات منه.. تشجع وقرر أن يواجه الموقف العصيب بلا تردد.. حزم أمره ليلتفت نحوه مستفسراً بغضب:
ـ لماذا تتبعني؟!!.. ماذا تريد؟!!
أجاب هو الآخر مستعلما ً:
ـ ألا تريدُ أن تتونس؟..

حينها فقط أدرك انه مُلاحق من قبل قوادٍ يمتهنُ الدعارة .. انه بالفعل قواد مخيف ومرعب.. لكنه غير مؤذي وخطير كرجال الأمن..



* مقتطف من كتاب يعده الكاتب بعنوان حكايا الأنصار والجبل


 

 

free web counter