| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

                                                                                    السبت 13/8/ 2011



أبو ظفر.. الطبيب الماهر والإنسان النادر

صباح كنجي

لكَ تنحي الجبال، عنوان لكتاب خاص الفتهُ بلقيس الربيعي ـ أم ظفر يحكي بتفصيل متميز قصة حياة وكفاح المناضل الدكتور محمد بشيشي ـ أبو ظفر عبر سفر إنساني غني بالحكايات والعطاء والتنقل في ميادين السياسة والعلم والثقافة والعلاقات الاجتماعية، فاض بها أبو ظفر لمن حوله من أصدقاء ورفاق درب ومرضى ومحتاجين ناهيك عن عائلته.. زوجته بلقيس وابنه يسار وبنته ظفر.. التي جمعتني بهم أجواء ستوكهولم في لقاء نادر ونحن نحتفل بعيد ميلاد (روني ـ الضوء) حفيد علي خليل أبو ماجد..

ذلك الإنسان الذي رافق أبو ظفر في محطات مهمة من كفاحه في فترة الكفاح المسلح حينما نسِبَ الدكتور أبو ظفر للعمل معه في مفرزة أنصارية كانت تجوب شعاب و وهاد كردستان في تلك الأيام الصعبة.. لم يكن فيها أبو ظفر مجرد طبيب أو نصير عادي يقارع الدكتاتورية ويحلم بوطن تغفو فيه الناس دون كوابيس..

أجل لم يكن إنساناً أو نصيراً يمكن اختزاله في الوصف مهما بلغت براعة من له القدرة والمعرفة بالثناء.. كان بالرغم من ميله الظاهر للمرح والهدوء وحديثه المتميز بلكنته الجنوبية الهادئة، يجيدُ السخرية في أصعب المواقف واعقدها محتفظاً بذات الهدوء وبقية الخصال في حالة يصعب تكرارها عند مقارنته بالآخرين مما تواجدوا في صفوف الأنصار..

كنتَ تحسُ به شعلة من العطاء تفيضُ إبداعاً، وهو يتحرك من بيت لآخر، يعالج المرضى ويجمع المعلومات ويؤرشفُها في أوراق، تتحول مع الأيام لسجلات نادرة للكثير مما نحتاجه، وعند السؤال والاستفسار يكون الجواب جاهزاً.. لم يكن قاموساً فقط للمعرفة والعلم بل مكافحاً من الطراز الأول.. يناقش في الاجتماعات.. ينتقدُ .. يحرضُ.. لا يقبل الأخطاء ولا يميل للتبرير والمساومة.. لديه بعد نظر وقدرة على التحليل والاستنتاج مستندة على ثقافة متنوعة تراكمت عبر الزمن من حصيل مطالعاته في بيت ثوري، ترسخت مع الأيام بين مقاعد كلية الطب في جامعة بغداد والعمل في العراق واليمن، قبل توجهه للكفاح في صفوف الأنصار متسلحاً بغضب الثوار وحاملا لشعلة بركان لا يخبو، يحسدهُ رفاقه على الكثير من صفاته وقدرته على التحمل والصبر وتجاوز التعب وهو يتابع بشغفٍ حقائب الأنصار وجعبهم التي يحشرون فيها الكتب والروايات ليتبادلون بها كزاد يومي في تلك الأجواء التي كان الحصول فيها على الطعام يكلفنا أحياناً فقداننا للكثير من الدماء والضحايا..

في حياة أبو ظفر الكثير من الأحداث والمواقف والمتناقضات التي يمكن الحديث عنها، واستذكارهِ من خلالها، ليس كحالة فردية رغم أهمية ذلك إنسانياً وعاطفياً كما فعلت السيدة بلقيس في كتابها.. بل كحكايا ذات أبعاد تختزل وتكثفُ معاناة جيل مطاردٌ مقموع في عهد الدكتاتورية.

تجسد فيما مرّ به الدكتور البشيشي في العراق، بين صباهُ وتخرجه كطبيب بما فيها فترة انزلاق قيادة الحزب الشيوعي للتحالف مع السلطة الدكتاتورية التي تعاملت مع طبيب الأطفال الشيوعي البارع بسيل من الإجراءات التعسفية المتعاقبة، التي كانت تهدفُ وتسعى لتحجيمه وحصره كي تسهل تصفيته كإنسان حر وطبيب ناجح، طالما بقي محتفظاً بقيمه وخصاله الثورية التي لا تتفق مع نهج الدكتاتورية وعَبثِ حزب البعث والمشروع الدموي المدمر للقتلة. فأصبح مطلوباً وملاحقاً من قبل أجهزة الأمن التي طاردتهُ واضطر للاختفاء ومغادرة وطنه وعائلته.. ينتقلُ في محطات المنفى بين سوريا وصوفيا قبل أن يتوجه إلى اليمن الديمقراطية ويعمل في مؤسساتها الصحية ويبدع في تقديم ليس الخدمات الطبية والعلاج، بل ليساهم في تكوين وتشييد المشافي والإشراف على البرامج الصحية للدولة في أكثر من محافظة، مما جعله محط أنظار المسئولين في الدولة والمجتمع آنذاك، يشيدون بخصاله ومساهماته وانجازاته، ابتداءً من رئاسة الدولة بشخص علي ناصر محمد وانتهاء بأبسط مواطن عرفهُ وتأثر بهِ وجعلهُ قدوة له في السلوك والعمل ..

هكذا كان المطاردُ والملاحقُ الدكتور محمد البشيشي الذي سعت سلطة البعث في العراق لتصفيته، يبدعُ في اليمن.. يحققُ انجاز بعد آخر.. ينجحُ في تخصصه كطبيب.. يشيد علاقات إنسانية راقية.. ما زال يعتز بها كل من عرفه من أهل اليمن.. وقد نعاهُ وزير الصحة الدكتور عبدالله بكير الذي كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني واعتبر استشهاده خسارة كبيرة لليمن وأشاد بالخدمات الجليلة التي قدمها الدكتور أبو ظفر للشعب والدولة أثناء وجوده في اليمن..

وفاء لذكرى قيم ما زالت في الوجدان.. أدعو رفاقه ومؤسسات الدولة العراقية في العاصمة بغداد وكردستان، في المقدمة منها المؤسسات ذات العلاقة بالشهداء وضحايا الدكتاتورية، ومنظمة الأنصار الشيوعيين..

إلى المزيد من البحث وتقصي الحقائق عن حادثة استشهاده مع كوكبة من رفاقه في مفرزة الطريق أثناء عبورهم لنهر دجلة بتاريخ 27/9/1984 .. التي أدت لاستشهاد وجرح عدد من الأنصار الشيوعيين.. وتتبع مجرى الجريمة، وقد احتوى الكتاب على تفاصيل كثيرة تمكنُ عبر الوصول لخيوطها لمعرفة مكان إخفاء جثمانه..

واترك لوزارة الصحة في عراق ما بعد الدكتاتورية.. وكردستان الفرصة للتفكير بتخليده بالطريقة التي تناسبهم..


أوائل/ آب/2011

للمزيد من الإيضاح حول الموضوع.. بعد وقوع مفرزة الطريق في الكمين ليلة27/9/1984 وإطلاق النار على المجموعة، أثناء الخوض في مياه النهر استشهد وجرح عدد من الأنصار، ونجا آخرون ممن كانوا على الضفة الأخرى للنهر وتمكنوا من العودة للحدود السورية.. في حينها تناقلت أخبار متضاربة عن مصير الدكتور أبو ظفر.. بين استشهاده في الحال.. أو جرحه ونقله مصاباً إلى الموصل..

بعدها وصلت إلينا عبر (أبو سلمى ـ طه المزوري) الذي يسكن الموصل رسالتين كانت في حوزة أبو ظفر أثناء نقله جريحاً إلى الموصل، وإنّ ممرضة كردية من بامرني لها صلة بالشيوعيين تمكنت من إيصالها إليه.. وقد استلمت الرسالتين في حينها منه مباشرة وسلمتها بدوري لسكرتير محلية نينوى.. اعتقد يمكن تتبع خيوط الجريمة ومعرفة مصير الفقيد أبو ظفر من هذه المعلومة عبر الاستفسار من الممرضة وأبو سلمى عن تفاصيل هذه الرسائل وهل كانت طبيعية أم كانوا مجبرين لنقلها والجهة التي أجبرتهم؟ ..
 

free web counter