سلام إبراهيم كبة
الأثنين 7/9/ 2009
الفساد الصحي في العراق..
عبد المجيد حسين ومستشفيات كربلاء نموذجا
المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة
الى مَتى صَمْتُ الخِرافِ يَطولُ ** وَلِنَحرِهمْ زُمَرُ الذِّئابِ تَجولُ
ان كانَ قد رَحَلَ الرُّعاةُ الم نَجِدْ ** في بَيتِنا غَيرَ الرُّعاعِ تَصولُ
فَاذا صَمَتْنا قيلَ مِثلُ خِرافِهِمْ ** وَ اذا نَطَقْنا ما عَسى سَنقولُ
في غابَةٍ يُنهي القَويُّ ضَعيفَها ** لا شيءَ يَمْنَعُ ظُلْمَهُ ويَحولُ
لا خَيرَ في اقوالِنا او صَمتِنا ** مِن غَيرِ افعالٍ لنا وفَعولُالطب مهنة انسانية تقدم خدماتها لابناء الشعب العراقي وخاصة في هذا الظرف العصيب الذي يمر به من انعدام الخدمات والتلوث البيئي والجهل الصحي،ومن المخجل ان نرى قسما من الاطباء ينظر لهذه المهنة من زاوية الكسب المادي ويريد الاغتناء باسرع وقت،وعلى حساب العامة.وقد ارتفعت اجور الاطباء في العيادات الخاصة ولمختلف الاختصاصات في عموم بغداد والمحافظات حتى وصلت الى اضعاف مضاعفة،بينما افتقدت العيادات الطبية الشعبية لشعبيتها بسبب ارتفاع اسعار خدماتها هي ايضا والمقدمة الى ذوي الدخل المحدود.ويلجأ الميسورون الى المستشفيات الاهلية هربا من سوء الرعاية في المستشفيات الحكومية كونها تعليمية وتسودها الفوضى بسبب الزخم.قرارات صدام حسين حول مبادئ السوق في المستشفيات العامة ووجوب تحول المراكز الصحية الى وحدات للتمويل الذاتي لازالت سارية المفعول،تستخدمها الرأسمالية الجديدة لخدمة مآربها!.
تنتعش الرأسمالية في القطاع الطبي بالعراق الجديد متلفحة دوما بالفساد الذي يعكس الوشائج البنيوية الطبقية في بلادنا،وتمتلك المحتوى الطبقي عبر الترويج لأفكار الطبقات البورجوازية وبالاخص الكومبرادورية والطفيلية والبورجوازية الصغيرة(الديمقراطيـة الليبراليـة...)،وهي طبقات انانية الطابع مبتذلة مشبعة بالقسوة الاستفزازية والاغتراب والانعزال،وتتمسك بالمسرح السياسي ومواقع اتخاذ القرارعبر شتى الوسائل،طبقات اعتمدت عليها قوى الاحتلال في تنفيذ مآربه ومصالحه.
وتتصاعد استثمارية الطبابة الاهلية،ومحاولات احتواء الطبيب والصيدلي والممرض اصحاب المهنة الانسانية في دائرة اية مستشفى تدفع اكثر،والكشفيات المرتفعة والابتزازية للاطباء والاتفاقات الجانبية مع مختبرات التحليل والاشعة والسونار والجوامع والحسينيات(مستشفى عبد المجيد حسين الاهلية في الكرادة نموذجا)!،كما تتسع الهوة المتزايدة بين الطبابة الحكومية والطبابة الاهلية في ترصين الامن الصحي وتحقيق قفزة نوعية في ادائه،والسعي باستمرار لتنشيط مفاصلها ومعالجة مشاكلها،ويزداد التراخي في ايجاد هيكل اداري يضمن ابقاء المؤسسات الصحية الأهلية تحت اشراف الدولة ضمانا لتنمية المصالح العلمية والوطنية العليا،على ان لا يمتد الى الامور الادارية والعلمية الاخرى،وينسجم مع توجيهات وزارة الصحة بشأن المؤسسات الصحية الأهلية!
ومن مظاهر الازمة الصحية في بلادنا التوجهات الحكومية لتوظيف خريجي كليات الطب بنظام العقود،اي النظام - الجسر للوساطة والمحسوبية ممن لديهم اقارب او قريبين من المتنفذين في الحكومة والاحزاب فضلا عن اطلاق يد المسؤولين بفسخ عقد العمل متى شاءوا.وكذلك افتتاح جامعات اهلية غير مطابقة للمعايير الدولية للجامعات،والتي لا تشترط حصول الطالب على درجات بعينها للقبول بكليات الطب كما هو الحال في الجامعات الحكومية،لكن من يستطيع ان يدفع يحصل على الكلية التي يريدها!
الاطباء يتعرضون الى المضايقات والتهديدات بالقتل،ويتعرض العديد من الجراحين والاطباء الى المضايقات اليومية من ذوي المرضى الذين تجرى لهم عمليات جراحية(مستشفى الحسين العام في كربلاء نموذجا)،وتصل حدة التهديدات الى الفصل العشائري!
الفساد الصحي في العراق في اوجه اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الوضع المعيشي المتردي للاسرة العراقية يؤثر سلبا في صحة الطفل الجسدية والنفسية،وان الرقابة الدوائية غائبة ومغيبة،ويجري بيع الادوية التي تتعلق بالجنس والمخدرات التي اصبحت تنتشر بشكل واسع في عدد من احياء مدينة بغداد وباقي المدن العراقية واغلبها منتهي الصلاحية او فاسد!وتنتشر دكاكين اللاصحة التي تبيع الدواء ويمارس اصحابها المداواة وزرق الابر،وانتشارها يفوق انتشار محلات بيع الكماليات!بائعات الأدوية التي يطلق عليهم اسم"الدلالات"يترقبن في الاسواق زبائنهن!ومن اللافت للنظر وجود ادوية غير مسجلة لدى وزارة الصحة تأتي عن طريق القطاع الخاص ويباع اغلبها على الارصفة في ظاهرة ما يعرف ب"صيدليات الأرصفة"،وان"نسبة 70% من ادوية الصيدليات الاهلية غير مسجلة"،وشيوع ادوية مشابهة رديئة وفاسدة،مما ادى الى نشوء سوق الأدوية السوداء.كما يلاحظ ارتفاع عدد المرضى النفسيين،ومن يتعاطون المخدرات ويمارسون الكبسلة،بسبب الحروب والعنف والعوز والانحدار الصحي والاجتماعي خلال العقود الأربعة الماضية.
ومن اللافت اتساع ظاهرة المتاجرة بنفايات وفضلات المستشفيات ليعاد استخدامها في تصنيع الادوات البلاستيكية وادوات حفظ الاغذية!الى جانب معاناة صيدلة العراق من المسخ المهني الحاد وترويج الثقافة الصحية بالمقلوب عبر البيع المباشر للادوية الى المرضى والمتمارضين دون وصفات طبية!واحجام فرق التفتيش الصحية عن زيارة المعامل الاهلية والورش الحرفية والمطاعم ومحال صناعة المرطبات منذ سقوط الدكتاتورية!مع ارتفاع اسعار الادوية وانحسار تواجدها في العيادات الشعبية،خاصة تلك المتعلقة بالامراض المزمنة!وتعاني مستشفيات بغداد نقصا حادا في كميات الدم بما فيها الانواع النادرة،وثلاجات حفظ الدم واجهزة تقطيع اكياس الدم والطرد المركزي،ومعدات فصل مكونات الدم وفحص الفيروسات فيه!
وسط الفوضى القائمة يتجه المزارعون الى زراعة نباتات الخشخاش الذي يستخرج منه مادة الأفيون المخدرة،في الأراضي المروية بشكل جيد غرب وجنوب الديوانية وحول مناطق الشامية،الغماس،والشنافية.وكان تجار المخدرات قد اعتادوا على العراق كنقطة عبور لتمرير الهيروين الذي يتم انتاجه في افغانستان،ويتم ارساله عبر ايران الى اسواقه الكبرى في السعودية ودول الخليج،كما كانت اجهزة صدام حسين الامنية متورطة في هذه التجارة القذرة.العصابات التي تمول المزارعين مجهزة بشكل جيد بالأسلحة والحافلات ومنظمة ايضا بشكل جيد.
ان اكثر من 40%من العراقيين يفتقرون الى المياه الصالحة للشرب،الامر الذي يثير القلق حول سوء نوعية المياه في البلاد،التي تتعطل فيها ابسط خدمات البنية التحتية،مما يشكل مصدر خطر على صحة ملايين المواطنين.وتتجسد الأزمة الصحية في مؤشرات عديدة،بينها غياب المياه الصالحة للشرب عن كثير من المواطنين،مما يؤدي الى شيوع الأمراض المعدية وانتشار الأوبئة الخطرة جراء التلوث،وارتفاع حالات التسمم الغذائي،وازدياد عدد المصابين بالأمراض المتوطنة،والمصابين بالسرطان جراء التلوث البيئي الكيمياوي والاشعاعي،وازدياد عدد وفيات الأطفال عند الولادة ودون سن الخامسة،وعدد الوفيات لدى النساء الحوامل وعند الولادة،وعدم توفر مستلزمات العلاج بصورة سليمة وسريعة بعد الاصابة جراء اعمال ارهابية،ناهيكم عن شحة الأدوية الضرورية.ومما يزيد من قتامة اللوحة ان الجهاز الاداري يعاني من الفساد والتخلف وتدني مستوى الخدمات الصحية ولامبالاة"المقررين"بهذا التردي المريع،وعدم تحسسهم معاناة الملايين،طالما انهم يجدون العلاج المناسب سواء داخل البلد او في دول الجوار او دول"الحلفاء".ويصب في هذا الاتجاه ما تعانيه المستشفيات من خراب شامل ونقص في ميدان المعدات والأجهزة الطبية،فضلا عن غياب النظافة والتعقيم،وانحدار الثقافة الصحية للمواطنين،في وقت ينشغل مسؤولون في وزارة الصحة بمنهجية التسييس وصراع الامتيازات.
وقد اتسمت تقارير الواقع البيئي الاشعاعي الصادرة عن مركز الوقاية من الاشعاع في وزارة البيئة للاعوام الماضية،بالتخبط اذ ابتعدت عن اعطاء الكشوفات التحليلية والاحصائية الحقيقية واعطاء التقييم الموضوعي للمشاكل البيئية التي يعاني منها العراق بسبب الاهمال وهيمنة التوجهات الطائفية السياسية على سياسة المركز.ويتسم نشاط هذا المركز بفوضى منح التراخيص الخاصة بجميع الفعاليات المتعلقة بمصادر الاشعاع،وتواضع الكشوفات الموقعية والمسوحات الاشعاعية الاولية والدورية للمؤسسات المالكة والمستخدمة للمصادر المشعة والاجهزة الاشعاعية،وفوضى انتشار مواقع تجمع السكراب وحديد الخردة،مع تواضع الكشوفات الموقعية للمواقع الميدانية التي تعرضت للقصف ابان القادسيات الكارثية!.
معاناة المعوقين في بلادنا تضم خمسة ملايين يتيم وثلاثة ملايين ارملة،وفيها ربع الالغام غير المنفجرة في العالم،وجعلتها الحروب العبثية من اكثر بلدان العالم تلوثا،معاناة لا نظير لها،وهم يواجهون اهمال الدولة وازدراء المجتمع ونظرته الدونية وغياب الرعاية الأسرية،بل ولجوء الاسر الى استغلال معوقيها في التسول،والافتقار الى ابسط الحاجات والحقوق في ظل غياب تشريعات تحميهم وتنصفهم،ومتاجرة الجهات المهتمة بشؤون المعوقين بمعاناتهم،مما يفضح مدى الانحدار المأساوي الذي وصل اليه البعض في مجتمعنا المبتلي بتشوهات محبطة.
من المسؤول عن تسويق البضائع الفاسدة التي تستهدفنا وتستهدف اطفالنا والمطروحة في اسواقنا بمئات الأطنان؟ومتى نرى تجار الموت يخضعون لمحاكمات منصفة لنا ولاطفالنا؟لقد اعلن مجلس القضاء الاعلى العراقي عن صدور احكام اعدام بحق اربعة من المتهمين في عملية سرقة فرع مصرف الرافدين في الزوية ببغداد،محاكمة دامت 3 جلسات لتسجل رقما قياسيا في موسوعة جينس،بينما لازال وكيل وزارة الصحة السابق حكيم الزاملي،وقائد القوات المكلفة بحماية الوزارة والمستشفيات اللواء حميد الشمري،يخضعان منذ اشهر للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم قتل طائفي بعد ان شكلا ميليشيات مصغرة مكونة من 150 شخصا مهمتها مداهمة المستشفيات في بغداد وقتل المرضى طائفيا!اما وزير التجارة العراقي الفاسد فلاح السوداني فقد ابدع في ترسيخ شعار"انهب كما تشاء واهرب من القضاء".هل تتعض حكومة نوري المالكي وتستجيب للمطالبة الشعبية بعلنية جلسات محكمة الجنايات العليا في القضايا الخطيرة المرفوعة امامها ليطلع ابناء الشعب العراقي على حقائق الامور عن كثب،ام ستلجأ للتعتيم الاعلامي والالاعيب والخطط الديماغوجية ثانية؟
رغم تواضع الامكانيات المتاحة للمستشفيات والمراكز الصحية،وافتقارها الى المستلزمات الطبية الخاصة بقي الابداع الطبي العراقي يتدفق رغم المحن ويجري اعقد العمليات الجراحية التي لا يمكن ان تجر الا في المراكز التخصصية.الاطباء العراقيون مفخرة للعقل العراقي الخلاق والعمل بكل نكران ذات والتزاما بشرف المهنة!
بغداد
6/9/2009