| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

السبت 31/10/ 2009

 

هل الحديث عن حقوق الانسان مضيعة للوقت في العراق؟
 

المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

انتهاكات حقوق الانسان في العراق لا ينبغي ان تبرر وانما تستنكر وتدان ويعاقب مرتكبوها!هذا ما يقره القانون الدولي والفكر الانساني،الا ان ما يحدث في العراق انتهاكات تقع ضد شعب ابي مكافح عنيد وبشر ضعفاء لا يملكون الدفاع عن انفسهم،وهي منافية لكل القيم الانسانية.الديمقراطية الشفافة لا تدعي العصمة من الاخطاء،انما فقط كفيلة بالكشف عن هذه الاخطاء وتصويبها.منهجنا العلمي في التحليل والتقييم والنقد يكشف ازدواجية معايير لا الادارة الاميركية التي تخجل من الجرائم المرتكبة في العراق وتفتخر بما تقوم به اسرائيل،بل وحتى القوى السياسية المتنفذة في العراق اليوم التي تستفيض بالحديث عن حقوق الانسان والحوار البناء تجاوبا مع متطلبات العصر،الا انها تستميت لتحويل المواطن الى دمية يمكن شطبها من اجل اوهام جماعات حالمة نافذة،بل وتنفي حق الرأي الآخر عندما تستسهل القسر والعنف وسيلة لبلوغ الأهداف في اقصر وقت افتراضي بدلا من استخدام اساليب العمل السياسي الاخرى،وتنفر من اللوحة الملونة التي تقر بحق الاختلاف باتجاه ان يكون الجميع على صورة واحدة وبنسخة واحدة لانها ثقافة خائفة مرتجفة من كل تغيير.
يزداد عدد الضحايا الأبرياء بسبب الارهاب الذي يرتكب الفظائع في المدن العراقية ومدفوع بآيديولوجية شريرة لا علاقة لها بالظلم او القضايا المسببة لسخط الناس،وابتداعه الأساليب الجديدة عبر تفخيخ السيارات والأحزمة الناسفة وزرع العبوات الناسفة واللاصقة على جوانب الطرق وفي الاسواق والتجمعات المكتظة بالناس،والتي كان آخرها تفجيرات الاربعاء والاحد الداميين.فضائح السجون والمعتقلات تظهر الحال السئ الذي وصلت اليه حقوق الانسان في العراق والتي تنتج لنا كل يوم عشرات الجثث المعروفة والمجهولة؟!لم تتشكل لجان تحقيق وغابت وطمرت ذاكرة نصف عقد من الزمن،لان ثقافة شراء السكوت المتبادل بين الضمائر العفنة(اصحاب النفوذ)،وازدهار تجار السياسة والثقافة في كرنفالات الاستعراض والتهريج وشراء الذمم وولائم الصفقات والعمولات والتعهدات خلف الكواليس والمغانم،هي الثقافة السائدة،لينام اللصوص والحرامية والقراصنة رغدا في بلادنا..

• التدخل الحكومي
التدخلات الحكومية في الشؤون الداخلية للاتحادات والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية وصل الى مدياته القصوى!وهذا يذكرنا بموقف الدكتاتورية من المنظمات المهنية الديمقراطية اواسط سبعينيات القرن الفائت،عندما وجهت انذارها الشديد اللهجة الى الحزب الشيوعي وطلبت منه التدخل لحل هذه المنظمات وانضمام منتسبيها الى منظمات السلطة.انباء مداهمة المؤسساتية المدنية والنقابات وتهديد مجالس نقاباتها اكثر من مرة وتحت حجج واهية(الاتحاد العام لعمال العراق ونقابة المعلمين ونقابة الفنانين واتحاد الصناعات والاتحاد العام للجمعيات الفلاحية..)،مضايقة الصحفيين والاعلاميين والاعتداءات المتكررة عليهم وترويعهم بالقوة ومنعهم من ممارسة حقهم المهني والدستوري(احمد عبد الحسين،زهراء الموسوي،مصطفى ابراهيم،مخلد قاسم..)،تولي وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني مهام المكتب المهني التابع لقيادة قطر حزب البعث المنحل للأشراف على النقابات ومنظمات المجتمع المدني،تعطيل الدراسة في الجامعة المستنصرية وجهل جامعاتنا العراقية التي لا تعرف حتى الآن صلاحياتها الادارية وهبوط مستوياتها الاكاديمية والتدخل الميليشياتي السافر في شؤونها بالاضافة الى المضايقات اليومية التي يتعرض لها الطلبة وخصوصا الطالبات،عودة المنظمات التابعة للدكتاتورية والسائرة في فلكها كالاتحاد الوطني لطلبة العراق والاتحاد العام لشباب العراق(مرتزقة كريم الملا ومحمد دبدب وفهد الشكرة وعبد الواحد الحصونة..ومن لف لفهم)الى واجهة العمل العلني بحضور ممثلين عن وزارة الثقافة وبحماية مرتزقة من الحكومة ونادي الصيد!التدخل الحكومي في الشأن الرياضي خرقا للقانون ومبررا للمؤسسات الدولية لاتخاذ مواقف مؤذية تجاه كرة القدم العراقية والغطرسة النادرة لعلي الدباغ!..كل هذه الانباء باتت تزكم الانوف وتثير سخط ابناء الشعب العراقي الذي يرى في هذه التدخلات سيفا مسلطا على الاتحادات والنقابات المهنية لا يمكن القبول به في نظام جديد يريد تجسيد وتطبيق الديمقراطية الحقيقية بعد زوال النظام الدكتاتوري السابق،وتعديا صارخا على استقلالية وحرية الاتحادات والنقابات المهنية كتنظيمات مهنية مستقلة تخضع للقوانين والانظمة التي جرى تأسيسها عليها والنافذة المفعول،ويتقاطع مع القواعد الدستورية والمواثيق والاتفاقيات الدولية.

• دستور 2005
حقوق الأنسان في العراق غائبة ومغيبة بسبب غياب الدولة المدنية المؤسساتية الحديثة التي يسود فيها القانون العادل بلا تمييز،واستمرار هدر هذه الحقوق!وفشلت الحكومة العراقية الراهنة،حالها حال جميع الذين قبضوا على السلطة سواء في العهد الملكي او الجمهوريات المتعاقبة في حماية حقوق الانسان،رغم التوصل الى دستور 2005 الذي بقى للاسف اسير مصالح القابضين على السلطة لا وليد مصالح الشعب،وبقي الهاجس الأوحد الذي يحكم نشاطاتها هو الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن،ولو على حساب مصادرة الحريات العامة والخاصة وانتهاك حقوق الإنسان.
والملفت للانتباه ان الحكومة الحالية شرعت للامتثال بسلوكيات الانظمة التي سبقتها،خاصة الدكتاتورية البائدة رغم ضجيج انتقاداتها لها!يذكر ان صدام حسين عطل من الناحية الفعلية مواد الدستور المؤقت كافة عدا الفقرة أ من المادة الثانية والأربعين التي اطلقت يده في اصدار قرارات لها قوة القانون(لمجلس قيادة الثورة اصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون،بعدها اصبحت لرئيس الجمهورية صلاحية اصدار القرارات التي لها قوة القانون)،جاءت مطلقة ليحصل الذي حصل فكان كارثيا بكل المقاييس،الحروب واهدار الثروات الوطنية وسفك الدماء والتفريط بالارض والمياه!
تضمن دستور 2005 اهم ما جاء من مبادئ في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاعلانات الدولية الاخرى،وشكل قفزة نوعية كبيرة في ميدان الحقوق والحريات يكاد ينفرد بها بين دول المنطقة بأسرها،رغم قرار الجمعية الوطنية في حينه الغاء المادة 44 من مسودة الدستور التي نصت علي الاعتراف بالشرعية الدولية لحقوق الانسان!ويبقى التساءل مشروعا عن مدى التزام الحكومة بالنصوص الدستورية؟واقع الحال يؤكد الانتهاكات السافرة لحقوق الانسان والتذرع بالضرورات الأمنية وغيرها من الحجج الممجوجة،ويبقى التداول السلمي للسلطة ووجود برلمان منتخب وقضاء مستقل وصحافة حرة ورقابة الشعب هي الضمان الحقيقي لصيانة الحقوق الواردة في هذا الدستور!

• القيم البالية
تفرض الحريات السياسية والحقوق المدنية وحقوق الانسان نفسها بوصفها حاجة واقعية ومطلبا سياسيا ومسألة عملية.الانتقال من الولاء دون الوطني الى مفهوم الشعب والامة يتوقف على علمنة المجتمع وتحديث بناه واطلاقه الحريات السياسية والحقوق المدنية على اساس من المساواة واطلاق حرية الفرد وحقوق الانسان بضمانات دستورية وقانونية.وعليه ليست الديمقراطية وحقوق الانسان موضة حديث وخلق شعبيات مؤقتة،والحريات الديمقراطية توسع من الحقوق الدستورية في جدل التناقضات الاجتماعية وتقترن عادة بالتحالفات الاجتماعية والثوابت الوطنية الديمقراطية،ومن دون احترام حقوق الانسان واقرار مشروعيتها التي حددتها المواثيق واللوائح الدولية فان النظام السياسي القائم يفقد اسباب تواجده،وهي كالمجتمع المدني ليست افكار دخيلة على العراقيين ولا هي بقصائد شعر موسمية،بل تتطلب النيات الحسنة والتواضع والمصداقية والعمل الجدي وتضامن جميع القطاعات التي تنشد السلام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمدنية.وتبقى القيم البالية المعرقل الرئيسي لتأسيس ارضية صالحة لقيام المجتمع المدني واحترام حقوق الانسان.
رغم التحسن الأمني فان حقوق المواطنة المتساوية مفقودة اصلا في العراق حتى الوقت الحاضر.ولا تزال حقوق الانسان في العراق بعيدة كل البعد عن المبادئ التي كرستها اللائحة الدولية لحقوق الانسان والمواثيق والعهود الأخرى،وهي المهمة التي تستوجب مواصلة النضال من اجل تحقيقها في دولة كانت من اوائل من صادق عليها،لكنها لم تلتزم بها ابداً!وتؤشر تقارير حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية عن تصاعد مستوى الانتهاكات الدستورية المفزعة،وان المدنيين الابرياء هم ضحايا الاعمال الارهابية والقنابل المزروعة على جوانب الطرق واطلاق النار من السيارات المارة والخطف والتجاوزات القانونية من قبل رجال الشرطة والجرائم والعمليات العسكرية وتبادل النار بين الجماعات المتنافسة او بين المسلحين ورجال الامن والشرطة.ومما يبعث على المزيد من القلق،الانباء بوجود اختراق لعناصر من الجماعات المسلحة والميليشيات داخل القوى الامنية.

• الفساد والنظام القضائي
ان عدم قدرة مؤسسات الدولة والنظام القضائي على حماية المواطنين العراقيين ادى الى زيادة الانطباع بان هذه الميليشيات والعصابات الاجرامية تعمل تحت حصانة متنامية.التدخل الحكومي في شؤون النقابات،النظرة الدونية تجاه المرأة،الفساد،التمييز المذهبي،التعذيب،التهجير القسري،غياب القانون وسلطته،اعمال الخطف والابتزاز،..كلها عناوين عريضة لانتهاكات حقوق الانسان في العراق.لقد واجهت الاجهزة الامنية والشرطة وحراسات المسؤولين الجرارة المتظاهرين والمحتجين والابرياء المسالمين مرارا في مناطق عدة ومناسبات عديدة بالسلاح،وسقط الضحايا والجرحى.
يتخبط المسؤولون في بلادنا في طمس الحقائق ومحاولات تشويه وعي الناس،تارة تشكيل غرفة عمليات وتارة منع التجول واخرى اغلاق الجسور فأخرى تشكيل لجان تحقيق وتعيين المخصصات لاعالة عوائل ضحايا التفجيرات،الا ان الفساد المتفشي في اغلب مؤسسات الدولة كان ولا يزال احد الروافد الحيوية المغذية للانتهاكات الدستورية وخرق حقوق الانسان وعوامل العنف المباشر ومصدر تمويل ثري بالنسبة للجماعات المسلحة،فضلا عنه كونه وسيلة غير شرعية لدى القوى السياسية المتنفذة لتمويل نشاطاتها واثراءها دون مراعاة لحقوق الشعب.
جعجعة السلاح تتعالى وطبول الحرب تدق ايذانا بوجود منازلة كبرى بين الفساد ومن يتحمل مسؤولية الدفاع عن المال العام وحقوق الانسان!لمصلحة من يحصن الفاسدون؟تحقيق التوازن بين ملاحقة الفساد والحفاظ على حقوق الانسان موضوعة شائكة،ومن غير المقبول ان تهدر مبادئ حقوق الانسان تحت حجة ملاحقة الفساد،لان الحفاظ على اعراض الناس وحرياتهم مسألة لا تقل اهمية من السيطرة على الفساد!
ستبقى انتهاكات حقوق الانسان الى ان تستقل السلطات عن بعضها البعض وفق الدستور،وخاصة السلطة القضائية التي يجب ان تتحرر من كل الضغوط ومنها الخوف.ستبقى انتهاكات حقوق الانسان ما دام المواطن دون ضمان صحي ولا ضمان اجتماعي ولا ضمان شيخوخة ولا ضمان للعاطلين عن العمل.ستبقى انتهاكات حقوق الانسان ما دامت المــرأة لم تدخل لحد الان في معادلة التوازن الاجتماعي للوجود الانساني،ومادام الطفل يولد ويترعرع في بيئة الشد والجذب دون قواعد قانونية صلبة تضمن حاضره ومستقبله.

القضاء دعامة المجتمع القانوني الذي يحقق الطمأنينة والاستقرار ويصون الحقوق وتحترم به حقوق الانسان،وتواجه اليوم مهمة:
1. التعجيل في احالة الذين يجري القاء القبض عليهم الى المحاكم ومحاكمتهم،وعدم التهاون في الاحكام التي لا تتناسب مع حجم او نوع ما جرى اقترافه من جرائم يندى لها الجبين!الامر الذي يشجع المجرمين على اقتراف المزيد من الجرائم ناهيك عن ان بقاء الموقوفين بالسجون دون محاكمة يعد انتهاكا لحقوق الانسان.
2. فرض سلطة القانون،لا سلطة الولاءات الضيقة.
وتتعزز مصداقية القضاء فقط بمواصلة محاكمة اعوان صدام حسين ومرتكبي الارهاب،مرورا باصدار قرارات القاء القبض على مرتكبي الفساد والجرائم والسرقات بما في ذلك كبار رموز الحكم الحالي ورموز مؤسسات الدكتاتورية المقبورة وكبار رجال الدين والمرجعيات الدينية بمختلف درجاتهم وبغض النظر عن مواقعهم وغيرهم فيما لو تحقق انهم ارتكبوا فعل الفساد والجريمة والارهاب.
العبرة ليس فيما تطرحه الدساتير واللوائح والوثائق الحقوقية والسياسية بل في التطبيق وخلق الانسجام المتكامل بين الحرية الفردية والامن العام،فالامن لا يقف على مفترق طرق مع حقوق الانسان لانه بذاته حق انساني وحق في الحياة المعقولة،ويرتهن امن الفرد بامن الجماعة،ويعتمد التمتع الخاص بالحق على التمتع العام به.الحرية والامن ينتميان الى مصدر واحد،والبلاد الحرة اكثر امنا من البلاد غير الحرة!.بانتهاك حقوق الانسان تتجه البشرية الى الهمجية وتصبح الحضارة اداة لهمجية حديثة!



بغداد
31/10/2009
 



 

 

free web counter