| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

الثلاثاء 22/6/ 2010

 

حول خيار الكتلة التاريخية / الى الاستاذ فارس كمال نظمي

سلام كبة

  تأسس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934 على نهج يجمع بين النضال الوطني من أجل تحقيق تطلعات وآمال شعبنا بمكوناته جميعاً،والنضال في سبيل مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وعامة الكادحين من شغيلة الفكر واليد،من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة.واكدت برامج الحزب استرشاده في كفاحه،وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه،بالفكر الماركسي والتراث الاشتراكي عامة،وسعيه إلى تجسيد  ذلك  في ظروف العراق الملموسة بابداع،استنادا الى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في ميادينه كلها.ويناضل الحزب الشيوعي العراقي من أجل تكريس الطابع الوطني الديمقراطي للدولة الجديدة وفق سياساته الاقتصادية – الاجتماعية وفي حقول الضمانات الاجتماعية والسياسة النقدية والمديونية الخارجية والتعويضات والاستثمار الأجنبي والقطاعات الاقتصادية و الخدمية والاجتماعية  وشؤون العمال والشغيلة والمرأة والشبيبة والطلبة وحقوق الطفل ومنظمات المجتمع المدني والجيش والقوات المسلحة وحقوق القوميات ..الخ.

   والحزب الشيوعي العراقي اذ يدرك حجم التركة الثقيلة التي ورثناها عن النظام السابق،لكن من حق المواطن ان يرى توجهاً واضحا وسياسة متكاملة مرسومة بدقة وعناية،تستفيد من الامكانيات والطاقات العراقية لرسم معالم الخروج من دائرة الازمات الخانقة المستفحلة،التي تحيط بالوطن والشعب،الى عتبة العيش الكريم والرفاه والاستقرار.وهذا ما لم يتلمسه طيلة حكم الطائفية السياسية الراهن،وهي مرحلة اتسمت بالخطابات الانشائية الضبابية النفعية الفارغة والوعود الطنانة او ما شاكل!،مثل ادعاء التمسك بمفاهيم التخطيط والتنمية والاعمار،وفي حقيقة الامر تكشف بوقاحة عن الغطرسة والقمع السياسي وازدياد الاعمال الارهابية والاغتيالات ومحاربة مشاريع العقل الاجتماعي والسياسي في المجتمع،والالحاح على اشاعة المحافظة في الحياة السياسية!

    النتيجة كانت الابقاء على  التركيب وحيد الجانب للاقتصاد الوطني والاستعجال غير المبرر في اتخاذ قرارات مصيرية دون التفكير بمستقبل الأجيال القادمة كاللهاث وراء العودة السريعة للاحتكارات النفطية العالمية العملاقة للسيطرة على النفط العراقي!الاستيراد التجاري المشوه او سياسة الباب المفتوح للاستيراد،تردي الخدمات العامة ليجر استخدامها للابتزاز والضغط على الشعب وامتصاص قوته وللضغط السايكولوجي على المواطنين لتجذير العبث واللامعقولية وتمزيق النسيج المنطقي للأحداث لتضيع في غموض الصدفة واللاوعي.

    اتفق مع فارس كمال نظمي ان التأريخ العراقي الحديث يزخر بصور التقارب السياسي بين التيارين اليساري والديني،ولم يعن تسييس الدين في تاريخ العراق السياسي الحديث سوى الغاء دوره الارشادي والتثقيفي.الا انه بودي تسليط الضوء على سفسطة  او روزخونية قوى الطائفية السياسية اي انكار الحقائق الموضوعية وتشبثها بنسبية معارفنا كنسبية ذاتية تموه فيها عن الحقائق التاريخية!وعبر المبالغة والاطلاق والنظرة الميتافيزيقية المقلوبة اي تقديس الحركة والتغير الدائمين واختلاقهما!بدل السكون المطلق،للتمويه والتضليل ولمسخ الجدل المادي والغاء جميع الحدود في الظواهر الموضوعية وبين المفاهيم،وافساح المجال لكل انواع البهلوانية في تحديد المفاهيم ولتخلط بلامعقولية العلائق الجوهرية بغير الجوهرية وليجر الخلط الذاتي اللامنطقي لجميع المفاهيم.نعم،تختار هذه القوى اللحظات والجوانب والمراحل المنعزلة من المراحل السياسية لفصلها عن السياق التاريخي الحسي،وتأتي بالبراهين التي اساسها الفصل الكيفي للجوانب المنعزلة من المسيرة السياسية عن السياق المركب،ثم تتحفنا بالمقارنات الشكلية بين النماذج باسلوب تعسفي!وتقوم بالخلط بين المفاهيم ومسخها الى اضدادها او مجرد اللعب الكيفي بالمفاهيم الفارغة وتطبيق  القياسات الشكلية على قضايا غير قابلة للمقايسة!وتبرر السفسطة جدوى الشمولية بالنفاق والتستر بصيحات السلام ومعاداة الارهاب ومشاريع المصالحة الوطنية دون جدوى،مسخرة لتحقيق اغراضها المؤسسة الدينية والدولة والميليشيات اي القوة المسلحة المقرونة بالترهيب والترغيب الديني والمادي.ولا عجب ان يقع الاستاذ فارس كمال نظمي في الفخ السفسطائي بالمقارنة التعسفية حول خيار الكتلة التاريخية!

    انقاذ العراق بالوقفة التأصيلية الشجاعة لا تعني السقوط في المتاهات الانتهازية والاستسلامية والانبطاحية والنفعية السياسية!ويدرك فارس كمال نظمي اكثر من غيره ان النفعية او البراغماتية هي المدرسة الاميركية في المذهب الوضعي،احد اوسع الاتجاهات المثالية الذاتية انتشارا في علم الاجتماع البورجوازي منذ اكثر من قرنين،وتدعي بامكانية تفسير كل حركة بتعقب نتائجها العملية الخاصة فقط وضمن التجارب اليومية المعاشة،دون الغور بعيدا بتطابق هذه التفسيرات مع الحقائق الموضوعية.ولانها لا تحتمل اي نوع من النظريات العامة،تعيد البراغماتية صياغة الافكار التقليدية لتنسجم مع الظروف الخاصة المتميزة في مختلف البلدان،مقتنعة ان القضية الاساسية تكمن في انجاز الاعمال المفيدة وما هو مربح من قبل دعاة المغامرة،ومستهدفة سد طلب الحاجة للتوفيق بين وجهات النظر الدينية والعلمية!مادامتا تؤديان الى النتائج المربحة المرجوة،ومستنتجة الرب للاغراض العملية وحدها،فالعلم والدين وفق تفسيراتها مؤشران للعمل اكثر من كونهما وجهتي نظر عن طبيعة العالم تحتلان مواقعهما الخاصة في السلوك الانساني.

   البراغماتية اتجاه رجعي خطير في الفلسفة البورجوازية في عهد الامبريالية،يعتبر الحقيقة كل ماهو نافع فقط،وكل ماهو مفيد،وكل ما يصمد في الموقف المعين!البراغماتية كأسلوب تحايلي لا تهتم الا بالارباح التي تعود بها الافكار الحقة!بحجة الخطوات الثلاث المعروفة بها!

  1. الجدل ضد المثالية ومهاجمتها.
  2. الجدل الرئيسي ضد المادية لتأكيد ان الحقيقة هي ما يثبت نفعها فقط اي التي تخدم الصالح العام،لا مفهوم عكس التفكير للحقيقة الموضوعية بأمانة او الواقع الموضوعي كمجموعة من العمليات توجد فيها الاشياء والظواهر والتصورات الفكرية في تبدل مستمر لتظهر وتزول بالتعاقب.ان الاقرار بالواقع الموضوعي هو الذي يميز الاشتراكية العلمية عن اللارادية النسبية وعن المثالية.الفرق بين البراغماتية والاتجاهات الاخرى من المثالية الذاتية من منظور الاشتراكية العلمية تافه وعديم الاهمية.
  3. اعادة انتاج المواقف المثالية بتعابير جديدة مختلفة.

   الافكار والتصورات والمناهج والخطط في البراغماتية ليست بيانات عن الحاضر او الماضي،بل عن الاعمال واجبة الانجاز في المستقبل فقط،لان هذه الافكار لا قيمة لها الا اذا تحولت الى اعمال لاعادة ترتيب الحياة الاجتماعية مهما كانت متواضعة،وعبر المبدأ القائل ان قيمة اية فكرة يجب الحكم عليها بالارباح التي تعود بها!ولم تدرك البراغماتية ان ماهو مربح لفئات اجتماعية معينة قد لا يكون مربحا لفئات اجتماعية اخرى!فالرأسمالية تفضي الى مزيد من بطالة العمال مثلا!

    تعبر البراغماتية عن وجهة نظر وكلاء ومرتزقة عالم المشاريع الكبيرة والبيزنس،خبراء المبيعات وقادة الاحزاب والكتل السياسية ورجال السياسة في عهود الاحتلال والتبعية!وبالبراغماتية والتضليل الاعلامي الاجتماعي تتحول الاحتكارات الى مشاريع حرة،والحكم المطلق غير المحدود والشمولية والتدخلات السافرة في شؤون الحركة الاجتماعية الى ديمقراطية!البراغماتية تعني بتثبيت صحة الآراء الغيبية في ذهن المواطن!وبالتالي تبرير جملة التوجهات الرأسمالية التي تشمل جميع ميادين النشاط الاجتماعي،في التاريخ والقانون والتربية والتجارة والسياسة،وخدمة صقور الثيولوجيا الطائفية والليبرالية الجديدة في بلادنا!وتعبر البراغماتية عن نظرة ومطامح كبار رجال الاعمال – البيزنيس والصناعيين باعتبارها"مثالية عملية"باتجاه اقصى الارباح،كما تعبر عن وجهة النظر الطبقية لاشد اقسام الرأسمالية الجديدة في العراق عدوانية ورجعية،لانها نظام للتضليل والديماغوجيا موجه للشعب العراقي ومحاولة للتقولب في النموذجين الاميركي والايراني عبر الشعارات الزائفة عن المشروع الحر والديمقراطية الليبرالية ونظام ولي الفقيه!فالبراغماتية فلسفة عاجزة عن اي سلوك معارض لانها تقبل اصلا بالاخلاق الوحشية للرأسمالية!في البراغماتية لم يعد المهم ان تكون النظرية او تلك موافقة للحقيقة بل ان تكون نافعة او ضارة بالرأسمال،مناسبة او غير مناسبة،ترضى عنها الشرطة ام لا ترضى.بدلا عن البحوث المجردة تظهر المماحكات المأجورة،وبدلا عن التحقيقات العلمية يظهر الضمير الشرير والغرض الاعمى للدفاع عن النظام القائم ودولة القانون.

   لقد ناهض الحزب الشيوعي العراقي طيلة تأريخه المشرف النزعات السياسية الضارة التي لم تسء للكفاح  الطبقي العادل فحسب بل عرقلته وحجمته.ومن اخطر هذه النزعات:الاصلاحية التي تنفي الكفاح الطبقي والسياسي الحق وتدعم مشاريع التعاون الطبقي التي تسعى الى جعل الرأسمالية مجتمع الرخاء الشامل عبر الاصلاحات في اطار الشرعية البورجوازية،الانتهازية،التحريفية وذرائعية التجديد واعادة التجديد والنظر والتصحيح والتقويم والتنقيح والتعديل للتهجم على حركات التحرر الوطني وجماهير الشعب والسنن العامة للتطور الاجتماعي،الدوغمائية!وبينما يتشبث السفسطائي باحد البراهين فقط وفق القدرة على ايجاد البراهين لكل شئ في المعمورة فان التفكير العلمي يبحث في الظاهرة الاجتماعية المعينة في تطورها من كل جوانبها ويعني بالآثار والانعكاسات على القوى الدافعة الرئيسية وتطور قوى الانتاج والكفاح الطبقي.

   نعم،يمتلك الشيوعيون امكانيات ذهنية عالية،ولا يفتقرون إلى القاعدة الجماهيرية كما يتوهم فارس كمال نظمي،والانتخابات ليست مقياسا!لقد تطلع الشعب العراقي الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتكون الحكم العادل والمنظم الحيادي لتقرير مصيره بنفسه،لا ان تكون الوعاء الجامع للفساد المركب الذي يمنح التهور صفة الشجاعة واللؤم صفة الحصافة ويزور كل المفاهيم والقيم ويعطيها معان جديدة فارغة،وليلطم صاحب الحق على فمه كي لا ينطق بكلمة حق،ويتحول السارق الى سبع وشاطر!!ان الحزب الشيوعي لم ولن يعقد على نتيجة الانتخابات الاخيرة الآمال العريضة في ان يرى نتائج كبيرة لصالحه!ولا تختزل القضية الديمقراطية بالاعمال الانتخابية،وان دولة القانون لا تبنى بالنوايا الطيبة والساذجة!

   من جديد نتمنى لفارس كمال نظمي الهبوط من مركبة الاحلام والاوهام الى التفكير العلماني العقلاني!ولا بأس ان نذكره ان التحالفات ليست مقدسة بل هي معطى سياسي لنشاط الحزب والقوى المتحالفة معه في فترة محددة،والتحالف ليس نتاج رغبة بل هو حاجة موضوعية تمليها التقاء مصالح طبقات وفئات اجتماعية حول اهداف محددة في وقت محدد،والتحالف لا ينبغي ان يشل نشاط الحزب بين الجماهير بل ينبغي ان يعززه،واذا كان التحالف هو التقاء مصالح مختلفة حول برنامج محدد قصير او طويل الامد فإنه لا يمكن المشاركة في أي تحالف على حساب مبادىء الحزب واهدافه العامة او هويته.  

 

بغداد

22/6/2010
 

 

free web counter