نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

 

الخميس 20 /4/ 2006

 

 

 

زيادة أسعار الوقود ... حماية دخل الكادحين ام افلاس حكومي

 

المهندس الاستشاري / سلام إبراهيم عطوف كبة

جاءت زيادة اسعار وقود السيارات ووقود الدور السكنية من نفط وغاز ، اثر القرار الخاص بزيادة أسعار الوقود بعد إنتهاء عملية التصويت لإنتخاب مجلس النواب في ضوء الدستور " الدائم " ، .... جاءت استجابة للضغوط الدولية المتعلقة بموضوعة الديون التي يراد لها الشطب وموضوعة الخصخصة الموعودة التي ستحرق بنارها الاغلبية التي سحقتها الدكتاتورية ولم ينصفها بعد عراق ما بعد التاسع من نيسان ، وتوفر بذات الوقت الربح الوفير غير المعقول للأقلية القديمة - الجديدة من البورجوازية البيروقراطية والطفيلية والنخب المتنفذة السياسية الحاكمة في بلادنا اليوم!. وما اثار الاستغراب ان هذه الخطوة جاءت مع ارتفاع عائدات العراق النفطية في السنة الماضية بنسبة كبيرة مقارنة مع سنة 2004، فيما تواتر الحديث عن تنمية الاحتياطي الحكومي من العملة الأجنبية !.أخذت عملية تسويغ القرار منحى المخادعة المباشرة والمكشوفة عبر التمشدق بدعم الفقراء وذوي الدخل المحدود ومساعدتهم وتقديم المن والسلوى لهم (تعديل أجور الموظفين والعاملين وفق سلم محدد وواضح يتناسب والزيادات الحاصلة في اسعار الوقود ) تارة ! ودعم الرعاية الإجتماعية التي خصص لها 80 مليار دينار وتكوين صندوق خاص للمساعدة الإجتماعية تارة أخرى ! ..
جعلت موضوعة الديون وضرورة إلغائها عبر المفاوضات مع البنك الدولي أو أعضاء نادي باريس المالي ، وبالشكل المخادع الصارخ الذي نفذته حكومة الجعفري ببراعة ، من مصلحة الشعب العراقي و قدراته الحالية موضع إستخفاف ولأغراض استغفال أواستغباء ابناء شعبنا الابي الذي اختبر بحنكته وتجاربه الاعيب شركات النفط الاحتكارية والثالوث الرأسمالي العولمياتي ( البنك الدولي WB ، صندوق النقد الدولي IMF ، منظمة التجارة العالمية WTO ) طيلة سني القرن العشرين . وبسلوكيتها الديماغوجية المتسترة بالعباءة الدينية تقوم حكومة الجعفري عن عمد وسبق اصرار بتغطية الجوهر اللصوصي للعولمة الرأسمالية والتستر على عسكرة الاقتصاد العراقي وتعبئة الموارد للتسلح والاعداد للحروب الجديدة بحجة القضاء على الارهاب ! ولتتحول الغزوات والاعتداءات الاحتكارية الدولية في العرف العولمياتي الرأسمالي الى تمهيد لتنظيم السوق العالمية والرأسمالية المخططة ! و لتتحول الخصخصة في نهاية المطاف الى إعادة توزيع الثروة لصالح البورجوازية المحلية والأجنبية وليتسنى بمقتضاها نزع ملكية الدولة ونقل أصولها الإنتاجية للقطاع الخاص بغض النظر عن هوية جنسيته.
على مدى أربعة أشهر اي منذ صدور القرار الخاص بزيادة أسعار الوقود ... والأسعار تشهد ارتفاعات متواصلة لم تشهد البلاد مثلها من قبل فيما عدا الفترة التي تلت فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن المنصرم !.... عدوى ارتفاع الأسعار التي أطلقها الدكتور أحمد الجلبي رئيس لجنة الطاقة ونائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة الجعفري صارت كالمارد الخارج من القمقم لا يستطيع أحد ايقافه. تراوحت نسب ارتفاع الأسعار مابين 200% الى 250% إلا أن غالبية المستهلكين يرون أن نسب الارتفاعات تتجاوز ذلك بكثير. ارتفعت أسعار جميع السلع الغذائية والاستهلاكية الأساسية ، والسلع الزراعية ، واسعار الملابس ، وأسعار الخدمات.
ينهك هذا الوضع مستوى معيشة الملايين من الفقراء، الذين ظلت القوى الشرائية لدخولهم تتراجع طوال السنوات الماضية... رغم التضليل الاعلامي الحكومي والوعود المخملية ، وهو ما انعكس في عودة عدد غير قليل من الموظفين الى ممارسة مهنهم الحرة ( سواق تاكسي ... تصليح المعدات الكهربائية ... الخ ) بعد الدوام الرسمي واثناءه لعدم قدرتهم على الوفاء باحتياجات أسرهم ، وتفاقم عطالة الشبيبة العراقية التي تملأ (جنابرهم) شوارع الوطن ولا تتعلم سواعدهم غير دفع عربات الحمل الحديدية والخشبية .
السبب الأول الذي قدمته الحكومة العراقية لتفسير ما يحدث هو موضوعة الديون التي يراد لها الشطب وارتفاع الأسعار العالمية . السوق العالمي الذي شهد لفترة طويلة للغاية تراجعا في أسعار المواد الخام والسلع الأساسية، بدأ يشهد موجة من الارتفاع بعد انهيار فقاعة الأسهم في البورصات العالمية . ويشير مؤشر الايكونوميست لأسعار السلع الى ارتفاع يزيد على 25% منذ مطلع عام 2002 بالنسبة للقمح والزيت والسكر مثلا .... .ولم يؤد هذا الوضع مباشرة إلى موجات الارتفاع السعري .. بل ان ما ضاعف تأثير ارتفاع الأسعار العالمية على الاقتصاد العراقي هو خرابه وعجز ميزانه التجاري ودنو معدلات الاستثمار وعموم النشاط الاقتصادي بفعل العقوبات الاقتصادية والاحتلال ، لدرجة انه يستورد تقريبا كل شيء من الخارج.
لقد فرض الاحتلال وضعا غريبا استثنائيا لم يشهده العراق من قبل ، وهو سياسة ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي وبالتالي تأثره بتذبذبات الأخضر عالميا، والوقوع تحت رحمة السياسة النقدية الأمريكية. ويدعم هذا الارتباط بالتأكيد مراكز اتخاذ القرار السياسي في بلادنا اي الرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية المرتبطة عضويا بالولايات المتحدة الأمريكية. وفاقمت الأزمة تصاعد الطلب المحلي على الدولار بسبب تراجع الثقة في السياسات الحكومية وأثرها على قيمة الدينار العراقي ، فيما يسمى بظاهرة الدولرة...اي الاحتفاظ بالنقد الأجنبي كمخزن للقيمة...لقد تصاعدت معدلات الدولرة في الاقتصاد العراقي لتصل الى معدلات مرتفعة للغاية وتزيد من حساسية الاقتصاد لسعر الصرف أكثر فأكثر.... الى جانب ظاهرتي المضاربة وغسيل الاموال . ووضع الدولار الأمريكي وأثره على الأسعار ينبعان بالأساس من أوضاع الاقتصاد العراقي الهيكلية وفساد برجوازيتنا وحكومتنا وسياستها الاقتصادية. فالاحتلال وسلحفة معدلات النمو الحقيقي ، بالقياس لطاقات المجتمع من ناحية، والاحتياجات المتصاعدة للسكان من ناحية أخرى، هي الأساس في فقدان المناعة تجاه أي تطور اقتصادي ولو طفيف الأثر.
في هذا الوضع الاقتصادي السيء للغاية وبدلا من زيادة الدعم المقدم لأسعار السلع الأساسية كاجراء مسكن لتحجيم ارتفاع الأسعار ، وخوض معركة السلعة الوطنية التي تعني خلق الالاف والملايين من فرص العمل الجديدة والمنتجة للعاطلين ... يأتي القرار الخاص بزيادة أسعار الوقود لتهشيم دخول الفقراء لا لحمايتها كما ادعت الحكومة العراقية . ارتفاع الأسعار الحادث اليوم يكشف عن عمق أزمة نظام ما بعد التاسع من نيسان .. وإفلاس البورجوازية العراقية ، وعن انحيازه الشديد ضد جماهير الفقراء في بلادنا بما يؤدي إلى مزيد من التردي في أحوالهم. ومع استمرار الأزمة، وعجز النظام عن تجاوزها، لنا أن نتوقع تصاعد جديد في النضالات الجماهيرية، فارتفاع الأسعار دائما ما كان القشة التي تقصم ظهر البعير.
يعيش اكثر من 20 % من العوائل العراقية تحت مستوى خط الفقر ، وتبقى البطالة (التي تتراوح معدلاتها بين 30 و50 في المئة من القادرين على العمل) مستشرية بين الشباب بشكل خاص، رغم اعادة المفصولين وتوظيف الكثيرين في الشرطة والجيش. يرتفع التضخم وترتفع الاسعار ملتهمة الزيادات في الرواتب. ويتدهور توزيع مواد البطاقة التموينية على المواطنين، ولن ينفع ما يقدم من تعويض نقدي عن البطاقة ... فكل ما يدفع في اطار هذا او ذاك سيلتهم التضخم الجزء الاعظم منه قبل ان يصل الى المواطن!. ان جماهير واسعة تحركت خلال الشهور الماضية ضد تفاقم صعوبات العيش واشتداد الازمات في شتى ميادين الحياة اليومية، وتحت تأثير الشعور بالاحباط ازاء مجمل اداء الحكومة وعدم وفائها بما اطلقت من وعود، والسخط على بعض الاجراءات المستعجلة وغير المدروسة التي اقدمت عليها. وتجلى التحرك في المظاهرات الواسعة التي غطت العراق محتجة على قرار رفع اسعار المشتقات النفطية.
تؤكد فحوى التقارير الدولية على نوايا شركات النفط الامريكية والبريطانية من استغلال العنف الدائر في ظل الاوضاع السائدة في العراق لكسب المفاوضات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حول تقسيم الانتاج النفطي من خلال فرض عقود طويلة الامد لا تقل مدتها عن( 25- 40 سنة) مع الحكومة العراقية وربط العراق بها بالشروط المجحفة المعروفة سلفا مع سبق الاصرار ! . لابد من الاهتمام بملف النفط في العراق لما له من اهمية على مستقبل العراق وعلى مستقبل شعبنا وعلى طموحاته المشروعة ... هذا يستوجب وضع الملف النفطي في اولويات الاجندة الوطنية لكي يكون الجميع على دراية تامية عن كل ما جرى ويجرى من الامور المتعلقة بالنفط في العراق عامة والتي غالبا ما تجري مداولاته خلف الابواب المغلقة .