| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

الخميس 1/10/ 2009

 

قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958
 

المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

قفْ صامدا وتحدّ َ المارقَ العابرْ
وانصرْ عراقـَكَ وانقذ ْ شعبَك الصابرْ
مع العراق ارتفع ْ كالنخل مزدهيا
لاينحني للدخيل الغاشم الجائرْ
كن العراق ترابا ً في تلاحمِهِ
كن نارَ سفح ٍ ، وسهلاً مُوْرقا ً عاطرْ
كن التآلفَ في كرد ٍ وفي عرب ٍ
وكن تركمانـَهُ ، آشورَهُ الزاهرْ
كن التآخي بأديان ٍ موحدة ٍ
ولا تكن طائفيا ً قاتلا ً غادرْ

30 ايلول 1958 تاريخ صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم 30،اول ضربة تتلقاها العلاقات الانتاجية شبه الاقطاعية في بلادنا،وكذلك وزن ودور الشيوخ والاغوات من الاقطاعيين وكبار ملاكي الاراضي الزراعية في اعقاب ثورة تموز المجيدة،وتسلم السلطة من قوى وقفت من حيث المبدأ ضد الاقطاع وهيمنة المشايخ على الفلاحين!ويكتسب القانون اهميته ايضا من كونه باكورة انجازات ثورة 14 تموز،الثورة الوطنية الديمقراطية التي ترقبها الشعب بفارغ الصبر،والتي سجـلت انحيازهـا للفقراء ونصرتها لنضال الشعب الكردي،وعبرت عن عجز النظام السياسي والاجتماعي المباد في حل تناقضاته الاساسية والاستجابة لمصالح الجماهير في الحرية والحياة الكريمة!الثورة التي اثبتت ان الملوك ليسوا من طينة غير طينة البشر فسحقتهم بالاقدام!لما ارتكبوه من آثام!
لم تملك 85%من العوائل الريفية حتى ثورة 14 تموز شبرا واحدا من الارض في حين ان 1%من العوائل الريفية امتلك ثلاثة ارباع الاراضي!،وبقي فقراء الفلاحين هم المرتبة او الطبقة الاشد ثورية في الريف،ولا يفتقرون الى الارض وحسب بل يفتقرون ايضا الى الرأسمال.وحسب احصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد اي سدس حصان لكل عائلة،وكان مابين 60%- 70%من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا او بغلا او حتى حافرا!وقد استغلت في زراعة ما قبل 1958(2712)ساحبة و(1056)حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية،مما اسهم في تفكيك العلاقات الابوية،الا ان انتشار الوعي السياسي بين الفلاحين فجر غضبهم على الاقطاع لا الآلة فايدوا الاصلاحات الزراعية.
سجل القانون رقم 30 لعام 1958 البداية المثلى لمسيرة الاصلاح الزراعي الجذرية،الا ان التراجع الخطير في تطبيق فقراته والتجاوز عليها في كثير من الاحيان اعطى الفرصة للملاكين الكبار للالتفاف على القانون وافراغه من محتواه.واسهمت اجهزة الزراعة والاصلاح الزراعي التي ترتبط مصالحها بالاقطاع من تحقيق اغراضها للعودة بالريف الى ما كان عليه ايام العهود السابقة!.واصطدم تطبيق القانون رقم 30 لسنة 1958 بالمقاومة الضارية من كبار الملاكين الذين لجأوا الى كل سلاح بما فيه اغتيال انشط المناضلين من الفلاحين حتى بلغ عدد القتلى العشرات.ولجأوا الى تخريب الانتاج،خاصة في الاراضي الخاضعة للاصلاح"فوق الحد الاعلى"والتي لم يتم الاستيلاء عليها،بل بقيت ادارتها بايدي الملاكين بالامتناع عن التسليف وتجهيز البذور كليا او جزئيا.
لقد رزخ الفلاح تحت وطأة الديون الحكومية مما دعاه الى ترك الأرض والهجرة الى المدن بسبب سلبيات القانون رقم 30 رغم الصراع الساخن بين الاغوات والشيوخ القدامى وبين الفلاحين المستفيدين من تشريعاته وتعديلاته!ولم يكن اتحاد الجمعيات الفلاحية المشكل وفق القانون رقم 139 عام 1959 سوى اتحادا لكبار مالكي الارض والشيوخ القدامى عرقل عمليا تنفيذ القانون رقم 30.اضافة لذلك لم يقدم القانون رقم 30 العلاج لحل مشاكل الفلاح المنتج كالتقاليد البالية والمفاهيم المخطوءة والقيم العشائرية،ومشاكل السلوك وضعف القدرات والنشاط وسوء التنظيم وتخلف المستوى التكنولوجي.
فوق هذا وذاك،وحال صدور القانون رقم 30 الذي شرع بتوزيع الاراضي على فقراء وصغار الفلاحين،ساند البعثيون الاقطاع ضد الاصلاح الزراعي،وحاربوا القطاع العام في الاصلاح الزراعي،وشهروا بسياسة وزارة الاصلاح الزراعي واطلقوا الاكاذيب والافتراءات ضدها وجهدوا في مضايقة خيرة الموظفين ومحاولة شل جهاز الاصلاح الزراعي.كما ساند البعثيون الاجهزة القاسمية للقيام بالمخالفات القانونية الصريحة مثل تأجير اراضي الفلاحين للاقطاعيين وجعل حق الاختيار مطلقا من قبل الاقطاع في الاراضي المجنبة خلافا لروح القانون وتأجير اراضي الاوقاف لغير الفلاحين وتزوير الجمعيات الفلاحية والتدخل للسيطرة على انتخابات جمعيات الفلاحين.وضاعف البعثيون محاولاتهم المسعورة لاجراء التعديلات الرجعية الخطيرة في قوانين الاصلاح الزراعي وتأجيل الاستيلاء على اراضي بعض الاقطاعيين خلافا للقانون.
في العهد البعثي الثاني تمكنت الدكتاتورية من ايصال عدد من السراكيل والمتنفذين الى مجالس ادارة التعاونيات لشرعنة الحجج والتعديلات القانونية الرجعية على قوانين الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958،و117 لسنة 1970،وقانون رقم90 لعام 1975 الخاص بتنظيم الملكية الزراعية في كردستان،ولاستعادة مكانة الاقطاعيين والملاكين،ولابقاء الفلاحين يعيشون في اجواء الفاقة المذلة لكرامة الانسان.وبدأ صدام حسين بالاجهاز على المكتسبات الفلاحية فشرع القانون 35 لسنة 1983 لتأجير الاراضي الزراعية،واصدر القرار 364 لسنة 1990(ملحق بالقانون 35)ليستحوذ الاقطاعيون واغنياء الفلاحين وازلام النظام من ضباط وحزبيين على الاراضي الزراعية في المشاريع التي الغيت والمزارع الجماعية ومزارع الدولة أو اراضي البادية،وتمكنوا من فتح المشاريع الاروائية لها لقدراتهم المالية،في الوقت الذي كان فيه الفلاحون وابناؤهم في صفوف الجيش والجيش الشعبي في جبهات القتال لتتملح وتتصحر قطعهم الزراعية،وليلجأ القسم الكبير منهم بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية الى تأجير قوة عملهم الى الاقطاعيين والملاكين الجدد لقاء نسبة قليلة من الحاصل لا تتجاوز 10- 15 بالمائة او اجور بالقطعة او الهجرة الى المدينة بحثاً عن العمل،ولتتسع العلاقات الاستغلالية وتزداد البطالة،ولينشأ الصراع الطبقي ذو النمط الجديد بين(الأجير والمؤجر).كما اصدر مجلس قيادة الثورة المقبور تعليمات وضوابط جديدة عام 1992 خوّلت الدوائر تأجير الاراضي المستصلحة ايضاً للافراد والشركات وفق معدلات محددة .
وبعد الغاء المشاريع والتعاونيات الزراعية ونشوء النظام شبه الاقطاعي الجديد جرت تصفية ممتلكات التعاونيات والمشاريع،وحولت الى المجهود الحربي الكثير من الاموال والالات الزراعية.ولم يكن حال التنظيم الفلاحي بأحسن من ذلك بعد ان سيطر الملاكون الجدد على الجمعيات الفلاحية فتحولت الى اجهزة تابعة للنظام.
واليوم اذ يتصاعد نشاط الملاكين ويتنامى نفوذ الاقطاعيين في المناطق التي تشهد استيلاءهم على اراضي الاصلاح الزراعي،من دون ان تتحرك الجهات الرسمية المسؤولة،واذ يحتدم الصراع الطبقي في الريف متمثلا بالهجوم على مصالح الفلاحين والسعي،تحت ذرائع مختلفة،للاستحواذ على اراضيهم بالقوة،وقد نهب بعضها فعلا،واذ تتحول ارض السواد الى يباب قاحلة متصحرة،ولينخر القطاع الزراعي الدمار الشامل والشلل التام مع انطمار كافة المشاريع الحيوية وفي جميع مفاصل العملية الانتاجية،ولتتراجع مشاريع الثروة الحيوانية،ولتبقى منظومة الري المعتمدة في البلد الآن في خبر كان!واذ تنتهك حقوق العراق المائية من الدول المجاورة،وتتدهور اوضاع الفلاحين نتيجة فتح الحدود العراقية على مصاريعها دونما ضوابط وتدفق المنتوجات الزراعية المستوردة وارتفاع تكاليف الخدمات والمستلزمات الزراعية...فان مناطق عديدة تشهد نشوء التحالفات الميدانية بين الفلاحين والجمعيات التعاونية والمهندسين الزراعيين وغيرهم،في مسعى يستهدف التصدي لهذه المحاولات.
ويتضامن عمالنا البواسل بهمة لا تلين مع الكفاح العادل للفلاحين في سبيل تكوين جمعياتهم التعاونية وانتخاب ممثليهم الحقيقيين في ظل اجواء ديمقراطية،وبعيدا عن التأثيرات الضارة للاقطاعيين والملاكين الجدد،واستناداً لكل المفاهيم والقوانين الدولية التي تقر بالحقوق الاساسية للفلاحين،والتي حرموا منها طيلة العقود الثلاثة الماضية في ظل سياسة الاستبداد والدكتاتورية!
اللافت للانتباه بعد مضي نصف عقد على سقوط الدكتاتورية،خلو السلة البرامجية للحكومة العراقية والقوائم السياسية الفائزة من السياسات الزراعية والتعاونية الديناميكية والخطط الوطنية المتكاملة للاستصلاح ضمن السياسات التنموية الوطنية الشاملة،بحكم مواقفها الاجتما- اقتصادية وتوجهاتها الديمقراطية المبتسرة وتهميش دور المؤسساتية المدنية والتغيرات الجيوسياسية القسرية!يذكر انه ومن البديهي ان تعني السياسة الزراعية وفلسفة الاصلاح الزراعي بمعالجة سوء توزيع الثروة في الريف بما في ذلك الأرض الزراعية التي تعتبر من عناصر الانتاج الرئيسية ومصدر المعيشة والرزق،ومعالجة بقاء التوترات الاجتماعية والسياسية بسبب الفروقات الطبقية وانتشار الفقر والتخلف!ويعني الاصلاح الزراعي الحديث باعادة بناء اقتصاد المجتمع الريفي بكامله لتحسين وضع الفلاحين ورفع مستواهم المعيشي وتغيير العلاقات الانتاجية.
يستوجب تعزيز الامن المائي للعراق الادارة المتكاملة للموارد المائية عبر تنمية وادارة المياه والاراضي بشكل منسق،ودعم خطط الاستثمار الرشيد للمياه وتطوير مصادرها السطحية والجوفية وتقليص هدرها الى ادنى حد ممكن،من خلال تبني مختلف السياسات والتدابير اللازمة،مع ايلاء اقصى الاهتمام بالسدود التجميعية للمياه واستثمارها الامثل.لقد تسببت السياسة الاقتصادية التي انتهجها النظام الدكتاتوري البائد على تعميق معاناة الشعب،لأن السلطات العراقية فشلت في تحقيق السلام الاجتماعي وحماية البيئة والحياة وضمان استمرار النمو للاجيال القادمة وتحقيق الديمقراطية الحقيقية وحقوق الانسان!
على الحكومة العراقية الاسراع بالغاء المراسيم الصدامية كقانون 35 لسنة 1983 لتأجير الاراضي الزراعية والقرار 364 لسنة 1990 وكل تعليمات مجلس قيادة الثورة المقبور ذات العلاقة،وكذلك القرار الديواني رقم 8750 في 8/8/2005 الذي يتعارض مع مصلحة القلاحين وعموم ابناء الشعب العراقي،وفي خلافه تبقى الحكومة خاضعة لضغوطات الاقطاعيين والعلاقات الاستغلالية في الريف العراقي!
في الثلاثين من ايلول حيث ذكرى صدور قانون الاصلاح الزراعي لابد من وقفة جادة وتدقيق شامل لاوضاع الريف العراقي وحشد الامكانيات والطاقات،في حملة وطنية لتجديد الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيه،بعد سنوات الاهمال والتعثر،خدمة لانسان وادي الرافدين الذي عرف الزراعة والحضارة قبل آلاف السنين.

 


بغداد
30/9/2009

 

free web counter