| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

 

الخميس 17 /5/ 2007

 

 
 

الانفراج السياسي والتعديلات الدستورية في العراق

 
المهندس الاستشاري / سلام إبراهيم عطوف كبة

    غير خاف على احد اليوم ان ارساء الحريات الديمقراطية وكفالة الحقوق المدنية وحقوق المرأة والاقليات وضمان تفادي انبثاق الفيدراليات الجهوية والطائفية دستوريا في العراق هو ليس من باب التمنيات او منتوجا جاهز الصنع بل مسارا طويلا لا يترسخ الا بتوفر البيئة السياسية الملائمة التي تنحو الى الاستقرار وبتوطيد بناء مؤسسات القانون . فالدستور الدائم رغم ارتقاءه على جميع الدساتير المؤقتة التي سبقته ومع كل ايجابياته الا انه ينطوي على مواد متناقضة وفراغات تشريعية ومؤسساتية قضائية وقانونية واقتصادية تتعلق بنواظم الحريات السياسية والاقتصادية ودور الدين وحقوق المرأة ووضع الاقليات واستقلالية المجتمع المدني  ... قادرة على تهديد الحياة الهادئة الآمنة ومجمل الحريات السياسية والمدنية وحقوق الانسان وسط اجواء العنف اللامحدود والفوضى العارمة وقوة النفوذ الميليشياتي وضعف المؤسسة القضائية والامنية.ان التوافق على التعديلات الدستورية يحقق حالة من الانفراج السياسي ويخلق الاجواء السياسية المناسبة لنجاح اي مشروع للمصالحة الوطنية ويعبد الطريق للسير قدما في ميادين التقدم الاجتماعي والاقتصادي وانجاز مهمات استكمال الاستقلال الوطني الناجز .

    لقد عالجت المواد(122- 127)و(142) من الدستور الدائم آلية التعديلات الدستورية .. ان اقرار التعديلات المقترحة من لجنة تعديل الدستور في مجلس النواب يتم بموافقة الاغلبية المطلقة من النواب على ان تعرض هذه التعديلات على المجلس دفعة واحدة وفق المادة 142 التي نصت على ان " يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي ، مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب ، خلال مدة لاتتجاوز اربعه اشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور ، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها"...الا ان القرار النهائي لتعديل الدستور يبقى للشعب العراقي عبر الاستفتاء على التعديلات الدستورية. واوقفت المادة 142 كل قيد او حظر موضوعي وزمني عند التعديل الدستوري كما اكدته المادة 126 .. اي ان جميع المواد الدستورية ستكون خاضعة لأعادة النظر وامكانية التعديل.

    من المفيد التأكيد وجوب استهداف التعديلات الدستورية عرقلة استخدام الدين في القضايا الدنيوية لأن ذلك يضر بالدين نفسه قبل غيره .. فحشر الدين في كل مكان ممكن داخل الدستور الدائم وبالنكهة الطائفية ذات الشأن لا يعني سوى محاولة أسلمة النظام السياسي والمجتمع ، والسعي لأقامة الدولة الدينية ، واعادة قانون الاسرة الى قواعد الشريعة حسب المذاهب والاديان ، والعمل على استغلال الدولة لفرض القواعد الاخلاقية المحافظة . ولابد ان تسهم التعديلات الدستورية في مقاومة اشتداد النزعة الاسلامية المحافظة وصعود الهويات الطائفية وتشظي مفهوم المواطنة وغياب الحماية المؤسساتية للحريات المدنية . ان مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الاساسية والشرعية الدولية لحقوق الانسان قد تتضمن ما يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام التي نصت عليها المادة (2) مثلا .. بينما تفتح المادة (89) الباب امام رجال الدين ( خبراء في الفقه الاسلامي) لأشغال عضوية المحكمة الاتحادية العليا !. وتشيع المادة (39) الولاء دون الوطني شئنا ام ابينا وتجرد القاضي من مهنيته في النصوص القانونية لتحوله الى اداة طائفية لأشاعة الآراء الفقهية المختلفة " العراقيون احرارٌ في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون " وهذه المادة تنفي انجازات قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959. اما المادة (41) فتبرز الشعائر الحسينية على عموم الشعائر الدينية في سابقة طائفية خطيرة " ان اتباع كل دينٍ او مذهبٍ احرارٌ في ممارسة الشعائر الدينية، بما فيها الشعائر الحسينية".

    يحول الدستور الدائم بصيغته الراهنة المؤسسة الدينية العراقية الى مجموعة ضغط او لوبي مستقل في البنية السياسية تعين قواعد السلوك في المجتمع والدولة وفي اتخاذ القرارات عبر الشعارات الدينية السياسية لتغطية المصالح الشخصية للزعماء السياسيين والدينيين الذين يعتمدون على تقاليد الدعم العشائري او الديني ولتغدو الركيزة الآيديولوجية للرأسمال التجاري ... وتساعد العلاقات العشائرية على استمرار النزوع الغيبي والوعي الديني بشكله السلفي والمتخلف وتكريس رموز الاستفزاز الشيعي - السني المتبادل  بينما لم يعط الاسلام لا للخليفة ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الاسلام ولا لآيات الله اية سلطات في مجال العقيدة او سن التشريعات ومهما كانت الصلاحيات التي يمتلكونها تبقى سلطاتهم مدنية يحددها الشرع الاسلامي ! ... ولا يحق لأحد منهم القيام بالرقابة على العقيدة  او على ايمان الفرد او ان يطلب اليه ان يدافع عن شكل تفكيره . إن ابتعاد المرجعيات الدينية عن التدخل في الشؤون السياسية والقضايا العقدية الوطنية واوضاع الدولة العراقية يساعد المجتمع العراقي على إيجاد صيغ سياسية للتعاون والتنسيق والتكامل والتوافق بدلاً من الخلاف والصراع والنزاع الديني والمذهبي.وعلى المرجعيات الدينية الابتعاد عن إسناد هذا الطرف أو ذاك ، والطلب من رجال الدين عدم التدخل في الشؤون السياسية ما داموا يمارسون شؤون الدين وما داموا يقدمون الاستشارة الدينية والاجتماعية للناس ، وتقديم النصح كي لا تنشأ الأحزاب السياسية على أسس دينية بل على أسس مدنية بحتة بعيداً عن زج الأديان بمشكلات لا أول لها ولا آخر.... من الضروري اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الدين من التدخل السياسي في شؤونه وحماية الدولة من رجال الدين وأحزابها السياسية. الدين لله وحده والوطن للجميع، فلا منافسة على هذا الوطن، بل يفترض أن تكون المنافسة في خدمة الوطن.... وعكس ذلك يجر تحويل هذه المرجعيات الجليلة الى الإقطاع الديني وهو ربيب الدول والحكومات ، وصوت الكرنفال السياسي للحكام، هذا الذي يفصل الأحكام لبدلات الحكام، فإذا كانت ضيقة ضيقها، وإذا كانت واسعة وسعها، وأجره في آخر الشهر . ... كلما سكتَ عن الظلم اتسع رزقه، وحصل على الأراضي، وكثرت أموالهُ في البنوك ... وكلما نبه إلى ظروف (الرعية) السيئة، واظهر العين الحمراء بلع ألفاظه ولغته وضميره الديني .ان أكبر إساءة توجه للدين هو إستغلاله كواجهة للعمل السياسي والصراعات السياسية الذي قد يؤدي الى تناحرات خطرة يصعب السيطرة عليها وهو ما نشهده في الزمن الحالي البالغ الخطورة.  

    لم تشر مواد الدستور الدائم الى الشرعية الدولية لحقوق الانسان بل اقتصرت في فصلها الثاني على التأكيد على بعض الحقوق والحريات الاساسية .. ان الغاء المادة 44 من مسودة الدستور التي نصت علي الاعتراف بالشرعية الدولية لحقوق الانسان ، الغاءها على طريقة التمشدق الديمقراطي ... لا يعني سوى تغييب حاضر الوطن العراقي الحر والشعب السعيد بنبش الماضي راهنيا .. حلمنا العيش في عراق حر ديمقراطي يحترم أسس حقوق الانسان التي تدعم تعدد الثقافات والنظام السياسي الفيدرالي البرلماني الذي يقر بالشرعية الدولية لحقوق الانسان. كان الغاء المادة 44 من مسودة الدستور التي نصت علي الاعتراف بالشرعية الدولية لحقوق الانسان في حقيقة الامر عودة الى مفاهيم مرحلة ما قبل حركة حقوق الانسان ودعوة مبطنة لفتح بوابة العنف والعنف المضاد في المجتمع !. شدد النص المحذوف (المادة 44) على حق العراقيين في التمتع بالضمانات وأشكال الحماية المكرسة في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق. واكدت منظمة العفو الدولية ( AMNESTY ) إنه " بينما يتضمن الدستور العراقي الجديد المقترح العديد من النصوص الإيجابية لحقوق الإنسان ، إلا أن حذف هذا النص يشكل خطوة خطيرة إلى الوراء". وأضافت " إن هذه الواجبات المترتبة بموجب المعاهدات لاحترام حقوق الإنسان الأساسية لم تحترم في عهد صدام حسين، لكن إدراج المادة 44 في الدستور الجديد شكلت فرصة حقيقية أمام العراق لفتح صفحة جديدة في مجال حماية حقوق الإنسان .... وهي فرصة لا يجوز تفويتها" .الدستور الدائم فوتها ! ليكفل للدستور سابقة استبدادية خطيرة وهي امكانية التشريع الوضعي للحد من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور " لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية". من دون احترام حقوق الإنسان وإقرار مشروعيتها التي حددتها المواثيق واللوائح الدولية فان النظام السياسي القائم يفقد أسباب تواجده. وهي كالمجتمع المدني ليست أفكار دخيلة على العراقيين عربا وكردا وأقليات ، ولا هي بقصائد شعر موسمية.. وهي كالحرية ليست بمائدة تهبط من السماء على طالبيها .. بل تتطلب النيات الحسنة والتواضع والمصداقية والعمل الجدي وتضامن جميع القطاعات التي تنشد السلام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمدنية... وتبقى القيم البالية لاسيما العشائرية او القبلية والطائفية منها معرقلة لتأسيس أرضية صالحة لقيام المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان. وهذه القيم البالية تعارض المسيرة المنتصرة للديمقراطية السياسية في العالم وتشيع المحافظة في الحياة السياسية وترفع شعار  اصمت وكن مع مشروعي والا ( فستكون من الكافرين ) سئ الصيت ...

    يجيز الدستور الدائم اعتماد الفيدراليات الطائفية والجهوية مما يكرس النزعة الطائفية ويغذي الروح الانفصالية وذلك يعود إلى أن العراق تتقاذفه أمواج الصراعات الطائفية الناتجة عن التداخلات الدولية / الاقليمية.ويفضي اعتماد هذه الفيدراليات إلى تفكيك المشروع الوطني الديمقراطي عبر حصر الكفاح الوطني في كانتونات طائفية / عرقية، وما يعنيه ذلك من تغليب الروح الفئوية على الروح الوطنية. لا بأس من العودة الى قانون ادارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية الذي نص على أن العراق لكل العراقيين، وعلى ضمان حق مواطني كردستان العراق في فيدرالية سياسية جغرافية وعلى أن جرائم التعريب في كردستان، في كركوك بالتحديد، التي ارتكبها نظام البعث المقبور لا تسقط بالتقادم الزمني.

    من جديد الدستور الدائم يتمتع بسمو واعلوية على جميع القوانين الاخرى في المجتمع لأنه اعلى وثيقة في الدولة تؤطر سلطاتها وتحدد اختصاصاتها وتضمن عدم المساس بحقوق المواطنة الامر الذي يلزم التعديلات الدستورية التأكيد على فصل الدين عن الدولة واحترام التعددية السياسية والدينية والقومية والمذهبية والفكرية...،واستقلالية القضاء، وضمان حرية الصحافة،ووضع الثروات الوطنية  كالنفط والكهرباء خارج حدود مخاطر الخصخصة.... الدستور الدائم هو ظهير الشعب العراقي وليس آلية لتفكيك المشروع الوطني الديمقراطي واشاعة الثقافات البالية .. قومية كانت ام طائفية !.