سلام إبراهيم كبة
الثلاثاء 16/11/ 2010
الحكومة العراقية الجديدة بين اللغو والتعامل الواقعي
سلام كبة
اكدت احدث تقارير المنظمات الدولية ان العهد المالكي الاول – عهد الحكومة العراقية التي ترأسها نوري المالكي - اخفقت في الوصول الى الامنيات ومجمل الاهداف التي كان ينشدها الشعب العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية العراقية التي انشغلت باسقاط دكتاتورية صدام حسين لتحقيق اهداف سامية يقف في مقدمتها الموقف من الديمقراطية،ومن نظام الحكم والادارة في بلادنا،وتطويع الموارد البشرية والقدرات المادية لرفع الحيف والمظالم التي جرت على الشعب العراقي بطبقاته وفئاته الاجتماعية،وخاصة الكادحة والفقيرة!
التجربة الديمقراطية العراقية الوليدة لم تتلكأ في الاداء الحكومي فقط ،كما يحلو لبعض من هذه القوى ابرازه للعيان كانتقادات خجولة،بل منيت بالفشل بعد ان عولت عليها الادارة الاميركية والقوى الاقليمية ان تكون تجربة ريادية في البلاد العربية والشرق الاوسط على المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية وما يتعلق بالنزاهة.لقد حملت هذه التجربة تناقضاتها الصارخة منذ ولادتها عام 2003،لأن سياسات الاحتلال والشركات الغربية اعتمدت،وتعتمد موضوعيا في كل زمان ومكان،على الولاءات دون الوطنية،والتخاريف الاجتماعية من مشايخ اقطاعية ومدينية واصوليات دينية وطائفية،والبيوتات الكبيرة والتجار الكومبرادور والشرائح الطفيلية،والبورجوازيات البيروقراطية في المؤسسات الحكومية،على اساس ايجاد وحدة في المصالح بين هذه الطبقات والمحتل،وتسخير الحثالات الطبقية الرثة لخدمتها وفرض ديمقراطيتها بقوة التضليل والنفوذ والسلطة والسلاح والارهاب والقمع!
الارهاب ينمو ويزدهر في ظل الفقر ومجتمعات التهميش،كما ان ضحايا الفقر هم ضحايا الارهاب!لقد كان الفقر عنوانا كبيرا من عناوين الازمة في العراق،رغم سعة الحديث عن الاعمار ونصرة الجائعين ورفع الحيف عن المعوزين وذوي الشهداء والسجناء السياسيين،وتعبيد الطرقات وتشييد البنايات وتخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية.فالسياسة التي مارستها الحكومة العراقية السابقة ضيقة الأفق وقصيرة النظر وضد مصالح الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي وكانت عواقبها وخيمة للغاية،سواء ادركت ذلك ام لم تدركه!ولا تعالج هذه الازمة السياسية والاقتصادية بعصا سحرية وبالتأمل وحده،او التعكز على قاعدة"لا تفكر لها مدبر"!
يمتد مؤشر خط الفقر افقيا بشكل خطير بفضل سياسة بول بريمر والحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة،وتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليان!وتتوسع الفجوة في بنية الاقتصاد العراقي ليزداد الفقراء فقرا،ويزداد ثراء ورفاهية الطبقة المرتبطة بانشطة اقتصاد التساقط(TRICKLE – DOWN ECONOMY) ومجتمع الرشاوي والارتزاق،وهي تقبع على قمة توزيع الدخول والثروات في بلادنا.هكذا تستجد ظاهرة الاستقطاب الحاد بين الاغنياء والفقراء لان الفقر المدقع هو الوجه الآخر للعملة،اي الثراء الفاحش.ويلعب الفساد والرشوة وسلطان وجبروت المال الدور الكبير في تكريس الانتماء الضيق في بلادنا،وفي توسيع شبكة العلاقات المتداخلة التي يتحكم فيها اللص الكبير بالسارق الصغير!
كان انبعاث الطائفية والولاءات الاخرى دون الوطنية كالعشائرية،والتنظيمات السياسية التي مثلتها،تراجعا حضاريا وارتداد رجعيا خطيرا تجاوبت معه الحركات السياسية المختلفة والحكومات المتعاقبة بدرجات متباينة.واستمدت مراتب هذه الولاءات قوتها مما يكون لها من وضع اقتصادي تستطيع به الغلبة على المنافسين والسيطرة على افراد الطائفة والعشيرة بتقديم المنافع المادية والخدمات المتعلقة باوضاعهم المعيشية،لتغتصب وتكدس الثروات وتنمي ملكياتها الخاصة لوسائل الانتاج تارة وباللصوصية تارة اخرى وعبر المبادلات التجارية وجباية الضرائب على العامة!وقد عملت الحكومة السابقة على تحويل الدولة الى مزرعة خصوصية لأصحاب السلطة والنفوذ من زعماء هذه الولاءات،دولة اللغو الفارغ والخطابات الانشائية ونهوض الخطابات السلفية والغيبية في مواجهة العلمانية والعقلانية،دولة الاتيكيتات الدبلوماسية والدعوة والمجاهرة الشكلية بالوحدة الوطنية والمشاركة الفعالة بقتلها فعليا ويوميا،دولة الحديث عن حل المليشيات المسلحة والعمل الدؤوب لتقوية عودها،دولة قتل الناس والنواح عليهم والسير وراء نعوشهم واتهام الآخرين بقتلهم.
وبات جليا للقاصي والداني مهازل العهد الجعفري والعهد المالكي الاول في الانتهاكات الفظة لحقوق الانسان،الانتهاكات الصارخة بحق اصحاب الكلمة والقلم وتهميش الثقافة والفن والابداع،والتدخلات السافرة في شؤون المؤسساتية المدنية والنقابات والمنظمات المهنية!والاخطر من ذلك كله هو سعي كلا العهدين لشطب التاريخ الوطني النضالي المشرف للعراق والعراقيين،واعادة سجن الاقتصاد العراقي في زنزانة لا يستطيع ان يتنفس منها الا بشق الانفس ليجر تكبيل سيادة العراق،لأن عقود الخدمة النفطية الجديدة ادلة دامغة على الاهداف غير المعلنة لنزع ملكية الشعب العراقي لثرواته النفطية والغازية على مراحل!وكل ذلك ليس بمعزل عن تنامي دور الليبرالية الاقتصادية الجديدة بالاعتماد المفرط على آليات السوق والتحرير الاقتصادي،وجعل التنمية مرهونة لدور القطاع الخاص الضعيف اصلا،ورفض الدور الراعي للدولة ومعارضة التدخل الاجتماعي والتنظيمي والرقابي.ان النمو البطئ والمتوقف للقطاعات الانتاجـية العامة والخاصـة هدد ويهدد الانسجام الاجتماعي!
هل سترجح الحكومة الجديدة العقل والتعامل الواقعي،بما يعزز وحدة العراق وسعادة شعبه وترسيخ العلاقات التي تعزز الشراكة الوطنية والعمل على كل ما يحفظ المصالح العليا للبلاد ويثبت الأمن والاستقرار ويوسع رقعة الديمقراطية،ويطلق حرية وسائل الاعلام كسلطة رابعة في كشف الفساد الذي لا يعرف الجيل الجديد من ابناء الشعب العراقي الكثير عنه،واتخاذ الاجراءات الادارية والمالية للخلاص من مفهوم السلطات – الدولة – المزرعة؟هذا ما ستميط اللثام عنه السنوات القليلة القادمة.ان العقلية المؤسساتية العصرية عقلانية الطابع تحكم العقل في التفكير والسلوك وتنبذ الفردية في اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتقوم على صرحها العلمانية،اي التفكير الاجتماعي القائم على فصل الدين عن الدولة،والحماية الحقة لحرية الدين والعقيدة والفكر والابداع،وبالتالي المجتمع المدني!
بغداد
16/11/2010