سلام إبراهيم كبة
الأربعاء 15 /8/ 2007
القضاء العراقي ومسؤولو قطاع الكهرباء
المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة
يترنح قطاع الكهرباء العراقي هذه الايام من الرائحة النتنة لفساد مسؤوليه وموظفيه ليقع وهو القطاع الانتاجي الارتكازي الاساسي في البنية التحتية منذ عدة سنوات بين سندان الارهاب ومطرقة الفساد الاداري مما تسبب في تقليص عدد ساعات تجهيز المواطنين به في عموم البلاد الى الحدود الدنيا منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان ، وخصوصا الايام الماضية التي تراجعت فيها المنظومة الكهربائية في مدينة بغداد ومحافظات الفرات الاوسط بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة. الغريب في الامر ان القضاء العراقي وهيئة النزاهة الموقرة تطالب بمحاسبة اول وزير للكهرباء بعد سقوط النظام الدكتاتوري وتغض النظر عن طرطرة وجهل وحماقة وفساد وعلاسة الوزراء الآخرين وكبار مسؤولي العهد الحالي ! ... نعم ، الأول امريكي الجنسية ويمتلك شركات انتاج للكهرباء في امريكا وعضو في الكونغرس الامريكي .. وما الى ذلك من مهام جعلته موزعا بين مشاريعه الكهربائية .. وكونه مواطن امريكي عليه حقوق وواجبات لوطنه ، ووزير كهرباء عراقي عديم المسؤولية سواء انتجت وزارته الكهرباء ام لم تنتج فهو لا يخشى غضب الشعب العراقي لأن المواطن العراقي في عرفه هو من الدرجة العاشرة قياسا.
لكن الذي تلاه هو المتهم رقم واحد في فضيحة اختلاس تخصيصات مشروع تصنيع السيارات الصالون (اولدز موبيل) في العراق بالاسكندرية عام 1988 وكان هذا المشروع مشترك مع شركة (جنرال موتور) الأمريكية ، وبلغ انقطاع الكهرباء في عهده الزبى واحيانا اكثر من يوم كامل ! كما قام بإصدار أوامر وزارية تعمدا للتشويش واثارة البلبلة وأقل ما توصف به أنها غير مدروسة وتحمل مفاهيم (ميكافيلية) حيث خلقت الفوضى الواضحة في الوزارة وبحجج واهية كالحاجة لإجراء التغييرات وابعاد غير النزهاء من مراكز القرار ولكن عبر القاء التهم جزافا دون التأكد والتحقيق. التصرفات غير المسؤولة للوزير شلش زادت الواقع الفاسد في الوزارة فسادا ،وظلت محنة نقص الكهرباء قائمة في عاصمة فيها خمس محطات توليد كبرى ! واعتمدت فلسفة عمل الوزير شلش على الفردية المطلقة في اتخاذ القرارات ، وهو من كبار ممثلي البورجوازية الكومبرادورية والطفيلية في العراق .
اما وزير الكهرباء الحالي فهو طرف رئيسي في مافيا قطاع الكهرباء العراقي قبل وبعد سقوط الدكتاتورية ، المافيا الضاغطة لتسيير شؤون هذا القطاع بما ينسجم والسياسات المركزية مهما كان خطلها زمن الدكتاتور والعهد الحالي .. ( كريم وحيد - عضو قيادة فرقة في الحزب العفلقي وشغل منصب مديرا عاما للشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية ومديرا عاما لشركة الرافدين للحاسبات ومديرا عاما للدائرة الفنية في هيئة الكهرباء ، صلاح كزير - عضو قيادة فرقة في الحزب العفلقي ووزير سابق ومن رموز نظام المافيات العفلقية في دوائر الدولة ، سلام رزق الله ،عماد العاني ، ليث الشيخلي ، مؤيد معيوف ، ممتاز رضا، صبيح خماس، عبد الرحمن قاسم ، رعد الحارس … وجميع هؤلاء هم من أقطاب المافيا العفلقية وأعضاء في شركات عديدة حقيقية ووهمية في خارج العراق وبالذات في الأردن ، استطاعت أن تجمع الأموال الطائلة لحسابها الشخصي من خلال الحصول على قومسيونات ومضاربات بين الشركات المنفذة للمشاريع في العراق وأيضا بيع المواد والآليات العائدة للدولة بأثمان بخسة لمقاولين وتجار من أقاربهم وأقارب الدكتاتور صدام... ) والاخطر في الموضوع مشاركة بعض الاطراف المحسوبة على القوى الوطنية المساهمة في العملية السياسية الجارية اليوم في التعاون مع هذه المافيا لتكون النتيجة مأساوية بحق...... استغلال المسؤولين لمناصبهم وعلاقاتهم وصلاحياتهم المالية والإدارية وما موجود تحت تصرفهم من اموال الدولة لتحقيق المنافع الشخصية بحيث يتحول المسؤول من شخص متواضع الامكانيات الى صاحب ثروة ومالك للعقارات والمكائن والسيارات بفضل ما يحصل عليه من اتباع طرق ملتوية وحيل قانونية....الفساد الاداري في وزارة الكهرباء يتجلى بالمكافآت الى المنتسبين او غير المنتسبين بحجة الجهود المبذولة لانجاز عمل ما والتي تحولت الى وسائل لاستعباد المرؤوسين ولشراء ذمم المسؤولين في الدولة ..... الفساد الاداري في وزارة الكهرباء يتجلى بحصرالتعيينات لأغراض توسيع الحاشية ! وبالعشعشة وباستخدام السيارات الحكومية للاغراض الشخصية والعائلية.. الخ .
المواطن العراقي يتساءل اليوم اين هيئة النزاهة من الفساد الذي يمارس بالبلاد واستهداف شبكة الكهرباء الوطنية منذ سقوط صدام في التاسع من نيسان و حتى يومنا هذا، أليس في هذه الفترة ما يسيل لعاب السادة القائمين على هيئة النزاهة لتقصي الحقائق و المطالبة بمحاكمة السارقين و السارقات ، المهربين والمهربات ؟ وهي فترة قريبة ومن السهل الوصول إلى ملفاتها، و شهودها يسعدهم تقديم شهاداتهم على ما رأوه من سرقات تمت على يد مجموعات منتظمة و منضوية تحت لواء أحزاب بعينها، ولازال بعض هؤلاء الفاسدين يجاهرون بسرقاتهم ويسكنون فيها وينعمون بها باعتبارها من الحقوق التي ورثوها عن آبائهم!.
لا احد يشك في ان بعض العناصر المكلفة بحفظ الامن في منظومة حماية الكهرباء في العراق من العلاسة الذين يقدمون تسهيلات كبيرة للارهابيين واعوان النظام البعثي السابق مقابل مبالغ مالية كبيرة. بالخط العريض أن عمليات تخريب أنابيب النفط ومعامل الكهرباء موجهة بدقة ضد الأماكن الحساسة أي أن مرتكبيها لم يطلعوا على طريقة تركيب شبكة الطاقة فحسب بل على مواطن الضعف فيها أيضا ، الامر الذي يؤكد ان الارهاب مصدره من داخل السلطات الجديدة ( حاميها حراميها ) وليس كما تحاول هذه السلطات اشاعته وفق التسجيلات المتلفزة ... ويبدو ان ايران قد اخذت قسطها عبر تمويل هذه العمليات وتوفير الاجواء الجيوسياسية والبيئات الاجتماعية لها .
يذكر ان مجلس محافظة بغداد الموقر قد تبنى مؤخرا آلية جديدة - قديمة تخدم النخب الثيوقراطية الحاكمة تتضمن تخصيص متعهدين في المناطق لتحديد 10 امبيرات لكل منزل بالاعتماد على قاطع ( C.B. ) يساهم في تحديد عدد الوحدات الكهربائية الواصلة إلى كل منزل ، ورفع تسعيرة الوحدة الكهربائية للإسهام في ترشيد الاستهلاك. هذه الآلية هي استنساخ للتجربة الكردستانية في الاعوام المتأخرة قبل سقوط الدكتاتورية ، وكانت علاج سطحي اثبت فشله بسبب مظاهر الفساد الاداري الآفة التي تختزن الابعاد والآثار الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة... وتعاطي العاملين الرشاوي .. وتغليب الولاءات والهويات اللاوطنية .. وعدم الالتزام بالمواصفات الفنية.. والاخطر في الموضوع مناصرة جهلة قطاع الكهرباء لهذه السياسة الهوجاء من امثال المدعو حسن كاظم - مستشار شؤون الطاقة في وزارة الكهرباء الذي يخدع نفسه قبل محاولته خداع الشعب حينما يؤكد " ان هذه التجربة تبدأ بتجهيز العوائل ب 10 امبيرات لكل عائلة وقد تصل الى 20 امبيرا للمسكن الذي يحتوي على عدة عوائل، بعد تاييد من المجلس البلدي لكل منطقة سكنية... ان الوزارة ودوائرها شرعت بتوزيع استمارات استبيان على المواطنين لشرح ابعاد هذه التجربة وتوعية المواطنين بجدواها الاقتصادية والخدمية، واستكشاف مدى موافقة أو معارضة المواطنين لها... انها طبقت ايضا في محلة 405 من منطقة الشالجية (الكرخ _ العطيفية)... ان مديريات توزيع الطاقة الكهربائية المنتشرة في عموم مناطق بغداد والمحافظات ستعمد بعد استكمال حصر عدد المشتركين الى تحديد مصادر التغذية الكهربائية لكل منطقة وبما لا يسبب حدوث تجاوزات من مناطق اخرى مجاورة، وربط مدى نجاح هذه التجربة بمدى فهم ووعي المواطن، لابعادها، حيث تسعى الى توزيع الانتاج الفعلي من الطاقة الكهربائية بشكل متساو بين المواطنين وفي جميع المحافظات.." انتهى حديث المستشار الذي شرب الطلا .... وكما نرى فهو بدلا من ان يضع النقاط على الحروف، زاد الطين بلة، فالمستشار لا يتحدث عن دور المولدات المضافة المقترحة في الاحياء كما حصل في حي الصدر في النجف ، عند حديثه عن المحلة 405 -شالجية الكرخ - ولم يتحدث عن الاجراءات التي تمنع التجاوز، ولم يشر الى دور برنامج القطع وهل ان ايصال الامبيرات العشرة يتم خلال اليوم كله، ام انه يصل خلال ساعات محددة، هي ساعات الوصل خلال برنامج القطع؟ .
الأزمة في كهرباء عراق اليوم احد معالم "قوس الازمات" الذي يحيط بحياة المواطنين وجزء من أزمة عامة اجتما - اقتصادية تعصف بعموم البلاد بفعل نهج الصدامية الارعن والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ارتكبتها الحكومات العراقية في فترة ما بعد التاسع من نيسان ، وشيوع الفساد والارهاب ، ومحاولات تصفية القطاع الحكومي بمختلف الذرائع ، وبرامج الانفتاح الاقتصادي والخصخصة (Privatization) ونبذ التخطيط المركزي ، وفتح الابواب مشرعة على مصراعيها للتجارة الحرة والمضاربات وجشع المرابين ومشاريع الربح السريع …واستيلاء الولاءات دون الوطنية على مؤسسات الدولة . .. وبحكم عملية فساد وافساد النخب السياسية العراقية التي بلغت مواقع السلطة وتفتحت شهوتها السنوات الاربعة الاخيرة للاستفادة من العقود والدخول في المناقصات خصوصاً ما يتعلق منها باعادة الاعمار او الهواتف النقالة وما الى ذلك.... حاميها حراميها .. والفرهود مستمر في عهد ديمقراطية الحرامية !... فيــا رئيـس الــــوزراء والوزراء وجهابذة الأئتلاف العراقي ، كفــــاكــم الضـحــك عـلـــــى الــذقــون وتحـلوا بقـدر مـن الشجاعة والشفـافية عســى ان يغفــر لكـم الشعــب العراقي ..؟ لا غرابة، في ظل أجواء الكسب السريع، أن يكون بعض فرسان "الكشف" عن الفساد هم أنفسهم من أصحاب السوابق أيام اللص الكبير ممن بدلوا، بعد سقوط الصنم، ألوانهم، كالحرباء، ليواصلوا نهجهم في العراق "الجديد"، خصوصاً وأن هناك من يغض النظر، بل ومن يريد إعادة تاهيل أيتام النظام المقبور! .
وزارة الكهرباء وتمشيا مع المثل القائل (لا عين تشوف ولا قلب يحترك) تركت دوائر الكهرباء في المناطق الساخنة على الرغم من نقل جميع الدوائر الاخرى خارج تلك المناطق، لكي لا يتمكن المواطنين من بلوغها وتحميلهم ما لا طاقة لهم به.. والباب اللي تجيك منه ريح، سدّه واستريح. نعم ، وزارة الكهرباء هذه تقطع التيار الكهربائي عن معظم مناطق العاصمة وبعض المحافظات وتتعاون معها وزارة البلديات بقطع المياه معظم ساعات النهار والليل عن المناطق ذاتها، الأمر الذي جعل الحياة لا تطاق. لعل من أطرف التصريحات الرسمية التي صدرت بهذا الشأن قبل مدة قول مسؤول حكومي " ان سبب انقطاع المياه عن أحياء العاصمة بغداد ومحافظات اخرى هو انقطاع التيار الكهربائي".وحين سأل عن سبب انقطاع التيار الكهربائي لم ينسبه، في هذه المرة، الى "اعمال التخريب التي تقوم بها المجموعات المسلحة والخارجة على القانون"، بل الى "نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية"، ملقياً تبعة ذلك على وزارة النفط... عادت حليمة لعادتها القديمة .. وجهلة قطاع الكهرباء العراقي يدورون في حلقة مفرغة !.
احمد دعيبل احد فرسان الطائفية السياسية والناطق الاعلامي لمحافظة النجف يؤكد في تصريحات صحفية وعلى مرأى ومسمع مكسور الجناحين رئيس وزراءه :" ان العمل جار في فصل اجهزة السيطرة المركزية للمحطة الغازية في النجف عن الشيكة الوطنية حتى يتم اعطاء ما تنتجه وهو ما يقارب 55 ميكاواط الى محطات انتاج المياه والمستشفيات وباقي خطوط الطوارئ في المحافظة ... يذكر ان مجلس محافظة النجف اتخذ قرارا هذا الاسبوع بفصل النجف عن الشبكة الوطنية للكهرباء ". ولا نعلم كيف بحكومة تدعي سيادتها على كامل الاراضي العراقية تقف مكتوفة الايدي امام طراطير مجلس محافظة النجف ، وهي تعلم ان تجاوز المحافظات على الحصص المقررة وعدم الالتزام بأوامر مركز السيطرة الوطني يؤدي الى حدوث حالات الاطفاء التام للشبكة والى خسائر مادية وأضرار فنية كبيرة تشمل الجميع!؟
لا يعرف أحد كيف يمكن لمسؤول يزعم الاستعداد للتضحية في سبيل الحق والعدل أن يغط في نوم عميق، وحين يستيقظ من سباته لا يرف له جفن وهو يرى البلاد تنهب وجيش جياعها ومحروميها يغلب! لكن هؤلاء الجياع والمحرومين يعرفون أن من بين من أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بشأن سرقات لصوص النظام الفاشي لا يحركون اليوم ساكنا بشأن فساد "ما بعد التحرير"، لأنهم يمارسونه جالسين على كراس هزازة ومستلقين على أرائك وثيرة...ماذا يخبأ لنا مستقبل السراق والحرامية اصحاب الضمائر الميتة ؟ ـــ وهل هناك معالجات حقيقية وعقاب قانوني رادع لأكبر رأس يتجاوز على اموال الدولة التي هي اموال الشعب؟
المطالب الشعبية تمتلك الوجهان : الناعم والخشن . بالناعم ، أصبح توفير الخدمات مطلبا شعبيا شديد الألحاح وشرطا لمعالجة الأزمات الحياتية في جميع المجالات، الامر الذي يستدعي من الحكومة إيلاء أكبر الإهتمام لتأمين الحلول وتوفير مستلزمات تحقيقها. ومن الإجراءات الملموسة الواجبة في هذا الاتجاه :
1. استكمال اعادة تاهيل وتحديث محطات التوليد والتوزيع وخطوط نقل الطاقة الكهربائية مع الاجراءات التقنية والبشرية لحمايتها.والتفكير بتوفير محطات صغيرة لمعالجة حالة الاختناق الراهنة.
2. اعتماد ستراتيجية جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية تهدف الى مضاعفة القدرات الانتاجية وتنويع مصادر الانتاج ، بالتمويل الذاتي أو بالقروض والاستثمارات وفق افضل شروط التعاقد.
3. تشجيع المشاريع والبحوث الهادفة الى تطوير مصادر الطاقة المتجددة كالمياه والشمس .... الخ، والاهتمام بحماية البيئة.
4. رعاية الكوادر العاملة في قطاع الكهرباء وتكثيف برامج تدريبها وتأهيلها وزيادة الحوافز المادية والمعنوية للعاملين عموما وتحسين ظروف سكنهم وتوفير الحماية اللازمة لهم خلال ادائهم لعملهم.
وبالخشن ، هل تمر جرائم السراق والحرامية اصحاب الضمائر الميتة من مسؤولي قطاع الكهرباء العراقي والنخب الارستقراطية وحنقبازية الطائفية السياسية دون عقاب ، هل تمر جرائم كريم وحيد وجرابيعه على القضاء العراقي مر الكرام ؟!
بغداد
14/7/2007