| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

 

السبت 14 /1/ 2006

 



 


المهندسون وخصخصة كهرباء العراق

( 1 - 3 )

 

المهندس الاستشاري / سلام إبراهيم عطوف كبة

لم تفلح السلطات الحاكمة الجديدة بعد انهيار الدكتاتورية الصدامية في ضبط السوق الوطنية التي سادتها الفوضى الشاملة المنسجمة مع السياسة الأقتصادية للإدارة المدنية الأميركية في تشجيع القطاع الخاص والتجاري دون قيد أو شرط وإغراق هذا السوق بالسلع الاستهلاكية ومنها المعدات والأجهزة الكهربائية والمولدات.وبذل كل من مجلس الحكم المعين والحكومة المؤقتة وحكومة الائتلاف العراقي الموحد الجهد لأستيعاب الآثار التدميرية التي خلفها النظام المقبور وبالأخص انهيار الدولة لكن واقع الحال اكد ان الجهد الحقيقي انصب على تهميش القطاع العام وتشجيع انطلاقة العنان اللامحدودة للقطاع الأهلي . كل ذلك وسط تواصل أزمة أنقطاعات الكهرباء وتربع شراذمة البعث المنهار والنخب السياسية الطائفية على المفاصل الرئيسية في منظومة الكهرباء الوطنية وكامل الاجهزة الحكومية الأمر الذي ولد الأستياء عند العراقيين وأثار الشكوك حول التواطؤ السافر للإجهاض على تجربة القطاع العام في مضمار الطاقة الكهربائية وبقية القطاعات الاقتصادية الوطنية الارتكازية.
السلطات العراقية تبيح لنفسها تبرير الأنقطاعات في التيار الكهربائي وسلوك منهج الذرائعية والنفعية الاقتصادية ، كما تقوم بذات الوقت في تشجيع الولاءات الرجعية وبالاخص الطائفية ولم تتخذ الاجراءات الحازمة لملاحقة الصدامية في الاجهزة القمعية ، وهي نفس القوى التي تتجاوز على الكهرباء وتسرقه وتستخدمه للأبتزاز السياسي وتنتهج الاستغلال السياسي للدين وتدعم اشباح الدوائر... فهذه السلطات غير بعيدة عن غليان التجييش الطائفي في العراق الذي يهدد بحرب اهلية. ويستمر الائتلاف الموحد بالتكتم على صلب الموضوع، وهو حل جميع المليشيات ومواجهة الارهاب الطائفي وإعادة جميع الأموال المنهوبة من المتنفذين في السلطة حاليا والذين هم خارجها، والقضاء على رؤوس الفساد والتهريب في العراق، وحل مشكلة تهريب النفط والمشتقات . إن الذريعة التي تتذرع بها الحكومة بأن شروط البنك الدولي لشطب الديون هو رفع الدعم عن المشتقات كاذبة ، لذا كان على الحكومة أن تصارح الشعب بالحقيقة كاملة وليس بعض الحقيقة متسترة بذلك على المليشيات والعصابات المسلحة ومن يدعمهم في المنطقة الخضراء.
يضع البنك الدولي شروطه المعروفة على الحكومات التي تقترض منه ويلزمها بقواعد دفع لخدمة الدين ( الأقساط + الفوائد) وبأوقاتها المحددة . وهو يزعم تولي مسوؤلية الجوانب الهيكلية الأجتماعية للتنمية الى جانب صندوق النقد الدولي واسندت اليه مهمة مراقبة الأوضاع الأقتصادية في البلدان الأعضاء وفرض السياسات الأنكماشية عليها مثل تعويم العملات الوطنية ، وزيادة الرسوم والضرائب على ذوي الدخل المحدود ، وتقليص الأنفاق العام على الخدمات الأساسية للمواطنين.أما منظمة التجارة العالمية فتنظم إجراءات ترتيب التجارة الدولية …وبذلك يضمن الثالوث الرأسمالي الدولي " البنك الدولي WB ، صندوق النقد الدولي IMF ، منظمة التجارة العالمية WTO " باعتباره قاعدة العولمة الرأسمالية تسرب الفائض الأقتصادي من الدول المسحوقة والفقيرة الى الغنية وترسم به الأحتكارات العالمية سياستها في تعميم النموذج الأميركي كنظام اجتماأقتصادي ديمقراطي للسير بأتجاه الأقتصاديات الأستهلاكية والتحلل من الألتزامات والأخلاقيات الوطنية وصوب تحجيم القطاع العام مما يلحق أفدح الأضرار بإعادة توزيع الثروة لصالح الشعب ويسهم في تفعيل تأطير التناقضات الداخلية. في ظل هذه الأجواء المكهربة انتقلت دوائر الكهرباء العراقية مثلا الى نظم إدارة الشركات وفق قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 في محاولة ديماغوجية وبراغماتية مفضوحة لأنقاذ الصناعة الكهربائية من الأنهيار ومعالجة أزمة أنقطاعات التيار الكهربائي حسب زعمها.وهاهي سلطات الائتلاف الموحد تنتهج نفس الطريق الاخرق الذي انتهجه صدام حسين وهو جوهر سياسة نوري السعيد الاستعمارية !
عندما يتولى القطاع الخاص ادارة مؤسسات الكهرباء يجري التنافس عادة على أسعار الكهرباء عبر بورصة الكهرباء واطلاق الأسعار حسب العرض والطلب ..ويتاح عادة للمستهلك الكبير حرية التعامل مع أي شركة كهرباء تتيح له بالنهاية السعر الأرخص ! وفي الخصخصة تحاول الشركة المنتجة للكهرباء بما لديها من تكنولوجيا ان تنتج الكهرباء بأساليب اقتصادية تتيح لها تخفيض السعر كي تمتلك الأولوية في بيع الإنتاج للشركة القابضة - النقل - التي تقوم هي أيضا ببيعه لشركات التوزيع كل على حدة.وتختلف الأرباح حسب المواقع الجغرافية والبيئية. وفي الخصخصة تقيم أصول شركات الكهرباء العاملة عبر( المكتب الأستشاري الخبير المركزي) ليجري أختيار المستثمر الرئيسي لشراء النسبة التي يتم طرحها للأكتتاب العام على هيئة أسهم حيث تظهر أهمية البورصة في تحديد الأسعار للكهرباء المنتج والمباع !..ويمتلك القطاع الخاص في الولايات المتحدة - النموذج الرأسمالي المتقدم - وبقية البلدان الرأسمالية أسهما في شركات الكهرباء بنسبة لا تزيد عن 49% بينما تبقى شبكات الضغط الفائق والعالي بيد الدولة لأغراض الأمن القومي .... والمعروف ان يجري طرح الشركات للبيع بنسب تتناسب مع قيمها الحقيقية لتجنب الاضرار بالشركات والمشترين معا ! ومن الضروري ان تجري مراقبة كفاءة واسعار الكهرباء في فوضى السوق الوطنية ، وان تسير ميادين توليد ونقل وتوزيع الكهرباء في اطار الالتزام بالقوانين الوطنية لاسيما تلك المتعلقة بحماية البيئة ووضع الضوابط التي تكفل المنافسة المشروعة في هذه الميادين ضمانا للنفع العام ، ويجري تنظيم منح تراخيص انشاء وتشغيل وصيانة مشاريع الكهرباء ... ولا تولي الانظمة الرأسمالية اية اهمية لهذه المعايير بل تتجاوزها جشعا بالربح السريع واغتصاب فائض القيمة الاجمالي .ويسبب السكن والتواجد لفترات طويلة بالقرب من المحولات الكهربائية والقابلوات والمولدات ناهيك عن المحطات الكهربائية نفسها التعرض لمخاطر الاصابة بسرطان الدم ( اللوكيميا ) وسرطانات الاطفال بسبب الدقائق الكهرومغناطيسية !
يقبع المهندسون في مقدمة الجهاز المخطط والتنفيذي لمشاريع الخطط الانمائية والاعمار ويقع على عاتقهم العبئ الاكبر من مهمة التنفيذ ... ويتوزع عمل المهندسين في مختلف القطاعات الاقتصادية وفي عمل المنظمات غير الحكومية ، والعقود مع الامم المتحدة والشركات الاجنبية . ولا يستطيع المقاولون تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها دون مهندسين .. لذا يقوم المقاولون باغراء المهندسين العاملين في اجهزة الدولة لحملهم على ترك وظائفهم والعمل لديهم .. وتلعب الشركات الاجنبية والامم المتحدة والمنظمات الاهلية والقطاع الخاص دور المقاول ! وحتما تثمر خطط المقاولات الى حد ما نظرا للتباين الكبير في الرواتب بين القطاع العام وبقية القطاعات . ويشجع ذلك على تهرب المهندسين من العمل في القطاع العام .. ولم تنفع اساليب دوائر الدولة للحيلولة دون ذلك ! وستبقى هذه الاشكالية مادام الفارق في الرواتب وخدمات السكن والنقل مستمر . اما المهندسون الاجانب والخبراء والمرتبطون بعقود تكفل لهم الاجور المرتفعة فتخلق لدى المهندس العراقي ردود الفعل السلبية لأن كفاءته لا تقل عن المهندس الاجنبي ان لم تتفوق عليها ! ويواجه المقاول – الرأسمالي الوطني في العراق والذي يفكر بالربح الاكبر مشاكل الاجازة والتصنيف حيث الاستئثار الطائفي والحزبي والفساد .. الا ان فوضى السوق تبقي المشاريع حكرا على نخبة من المقاولين الكبار الذين يحتكرون المشاريع الكبيرة ويتحكمون باسعار السوق ، وعادة يكون هؤلاء اليوم تحت الخيم الطائفية الضيقة المقيتة بعد ان كانت تحت الخيمة البعثية الكريهة ! . أما الكادر الوسيط بين المهندس والشغيل فان النقص له اجبر المهندسين على القيام بدوره واغفال واجباتهم الرئيسية لضرورات تمليها عليهم طبيعة العمل .. ولا توكل لخريجي الكليات التكنولوجية والتقنية والمعاهد الفنية المشاريع والاعمال التي تتناسب مع اختصاصاتهم باتصال مع فقر الاجور والمخصصات الامر الذي أوجد ظاهرة الورش والمحلات التجارية . تراكمت المشاكل وتعقدت قضايا المهندسين والتي من أبرز ملامحها .. قضايا البطالة ، الدخل الملائم ، الخدمات المقدمة للمهندسين ، الحقوق الديمقراطية ، اهمية التمييز بين المهندس (engineer) والتقني ( technologistأو technical) والغاء قرارات مجلس قيادة الثورة اللعين ووزارة التعليم العالي ذات العلاقة ....
الكهرباء صناعة ارتكازية أولا وخدمة أساسية ثانيا .. وجب حمايتها من ضروب المنافسة والأحتكار أي أن لا تكون بيد فرد او حفنة في مواجهة الآخرين.ولابد للحكومة أن تلعب الدور الفاعل في تقديمها وتذليل التمتع بها في سبيل الحفاظ على كيان المجتمع وسلامة أمنه الأجتماعي على نحو يضمن المنافسة المشروعة والعدل والمساواة في الحصول عليها.أما اتباع مبدأ الربح والخسارة لتحديد أجور الكهرباء ... وهذا نتاج اية خصخصة لمشاريع الكهرباء ... فيؤدي الى عجز الأعداد الواسعة من المواطنين ليقعوا فريسة القطاعات غير الحكومية التي يتقوى عودها في العهد الجديد مع استمرار الأحتلال الأميركي وتطبيق سياسات الثالوث الرأسمالي الدولي ... وهذه السياسة استمرار لنهج صدام حسين و نوري السعيد الاستعماري والتابع ولبناء الاقتصاد الوطني المشوه جملة وتفصيلا ! وتؤدي الخصخصة عموما الى تمتين عرى الزواج الكاثوليكي اللامقدس بين البورجوازية الطفيلية العراقية والأحتكارات الرأسمالية لتواجه الدولة العراقية الأقتصاديات الأستهلاكية ، والأختلالات الهيكلية ، والعجز في الموازنة الحكومية العامة . كما تؤدي الخصخصة الى شرذمة المهندسين العراقيين والانتعاش المقاولاتي الكومبرادوري .. ولا يمكن ان تكسب مواقعها لأعلاء شأن القطط السمان في عراق اليوم الا بنصرة الطائفية السياسية والدينية ولاءا عصبويا دون وطنيا ...... اي عرقلة الديمقراطية كمشروع للعقل الاجتماعي والسياسي في المجتمع ! وهنا مكمن المفارقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية اي البارادوكس ( Paradox ) الخصخصياتي ... لا عجب ان تروج الطائفية وثقافة القطيع كذات السياسة التي اوجدها وعمل بها نظام الاستبداد في حكم البلاد ... وبدلا من احداث التغيير الاساسي على تلك السياسة واتباع السياسة الوطنية العقلانية الحضارية مورست نفس الاساليب والادوات الطائفية والاثنية ولم تتخذ الاجراءات الحازمة لملاحقة الصدامية في الاجهزة القمعية الامر الذي تسبب في خلق الاحتقان الكبير في الشارع وتفجر الارهاب ليلجأ الناس للاحتماء بالمكونات الاولية لهم وهي المرجعيات الطائفية والاثنية !.... وتقود ديمقراطية الطوائف والأعراق إلى انهيار العقيدة الوطنية الحافظة لمصالح البلاد السياسية - الاقتصادية والخضوع لمشيئة الثالوث الرأسمالي الدولي اي تواصل تفكك التشكيلة الوطنية وإبقاءها في حدود العجز عن بناء الدولة الديمقراطية المستقلة ، واعتماد ديمقراطية منبثقة من التوازن الأهلي المرتكز على الحماية الخارجية وإبقاء المشاركة الأجنبية في صياغة المستقبل السياسي - الاقتصادي للعراق ..


راجع
http://www.rezgar.com/m.asp?i=570