| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سفيان الخزرجي

www.afrodite.se

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 9/10/ 2012



بقرة حمدة الدوزة

سفيان الخزرجي

كان عندنا في القرية نظام ديموقراطي في رعي الابقار. فكل ابقار القرية تجمع من قبل الراعي ليأخذها الى المرعى خارج القرية. وهذا الراعي هو احد مالكي بعض تلك الابقار. والطريقة هي بأن يتقاسم اصحاب الابقار عدد نوبات الرعي حسب عدد الابقار عند كل عائلة. فمن يملك 3 بقرات عليه ان يرعى ابقار القرية 3 ايام ومن يملك بقرة واحدة فانه يرعى ابقار القرية يوما واحدا كل دورة.

ولاننا كنا نملك بقرة واحدة فان يوما واحدا يأتينا كل دورة. وكنت انا رغم صغر سني الوحيد في العائلة الذي يصلح لرعي الابقار خارج القرية. كنت اهرول بعصاي ناهرا بقرة البو علوان وشاتما بقرة حمدة الدوزة حتى اصل "الهورة" وهي سهل منبسط يقع خارج القرية في الجانب الثاني من نهر التحويلة.

وفي هذا السهل هناك مناطق معينة علينا حصر الابقار فيها وعدم السماح لها بالذهاب الى المناطق المزروعة بالمحاصيل.
وهذه مهمة صعبة جدا بالنسبة لي للسيطرة على حوالي 50 بقرة. وفي مرات يكفي ان تصرخ بالبقرة لكي تتوقف وتعود ادراجها، ولكن اكثر المرات علي
ّ ان اركض لالوح بعصاي امامها لكي تعود مع بقية القطيع.

ولكن امرا كان يدهشني ان بقرة حمدة الدوزة كانت لا ترتدع لصراخي وشتائمي وتمشي لمبتغاها حتى وان كنت اصرخ بكل قوتي قرب رأسها. وكانت وكأنها تشعر بامتعاضي من تصرفها هذا فتقابلني بعدم مبالاة قاتلة فتجعلني افقد اعصابي.

ذبحنا بقرتنا وتخلصت من نوبة رعي الابقار، ولكن عناد بقرة حمدة الدوزة ظل لغزا يحيرني حتى قبل ايام حين كنت استمع الى برنامج في الراديو عن صمم الابقار. فقفزت الى ذهني بقرة حمدة الدوزة وتكشف سر عنادها بعد 50 سنة. انها كانت صماء.

وقد فتح لي هذا السر آفاقا اخرى في التفكير. فطالما كنت اعجب من عدم اصغاء بعض الناس لما نكتب او نقول رغم اننا نصرخ بكل ما نملك من قوة. فيبدو انهم صُم، انهم يعانون من صمم في عقولهم وليس في سمعهم، فعلينا معالجة صممهم وان لا نعاملهم مثل بقرة حمدة الدوزة.

 

 

free web counter