| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سفيان الخزرجي

www.afrodite.se

 

 

 

                                                                                  الجمعة 8/6/ 2012



نحن شعوب تمشي على رأسها

سفيان الخزرجي

يبدو ان هناك خطأ متوارثا في تركيبتنا الفسيولوجية فاصبحنا نستعمل اقدامنا للتفكير ورؤوسنا للمسير. فنحن نرى الامور مقلوبة رأسا على عقب. وانا اعتقد ان العيش في الصحراء هو الذي جعل البدوي يستعمل اقدامه للتفكير. فليس امام البدوي في الصحراء غير فضاء خاو على مدى البصر، وما من شيء يربطه بالعالم غير الرمل الذي تحت اقدامه، فتطورت قابلية التحسس والاستشعار باقدامه، وبدأ يرى بقدميه ويقيس المسافات بهما، ولهذا لم يستعمل الحذاء لكي لا يحجب قابلية قدميه في التحسس. وحتى عندما دخل الحذاء الى عالمه فقد استعمله للتعبير عن خلجاته ومشاعره، فهو يلوّح به عند التهديد ويقذف به خصومه عند الوعيد.

دعوني اروي لكم هذه الحادثة الحقيقية وهي تلقي الضوء على طريقتنا في التفكير.
كان لي صديق عراقي يتردد كثيرا على بيتنا هنا في السويد، وهذا الصديق العزيز مدمن على التدخين حد (الثمالة)، وانا المتحفظ جدا على التدخين والكاره لرائحته تركته يدخن داخل بيتي. وفي احد ايام صيف السويد رزقت بمولود. وعندما عادت الوالده مع ابنها من المستشفى كان صديقي في البيت. ولما كان الوليد في ساعاته الاولى لاستنشاق الهواء طلبت من صديقي ان يدخن في الشرفة المفروشة. امتثل صديقي على مضض ومشت الامور كما يرام كما اعتقدت. بعد عام جمعني بذلك الصديق محفل، فلم يحتمل صديقي كتمان غيظه حتى شكى سوء معاملتي له حين طلبت منه ان يدخن في الشرفة وقال بالنص: انا مستعد ان اذبح ابني من اجل سفيان بينما هو (يقصدني) غير مستعد لان ادخن بحضور ابنه. ضحكت وقلت له : يا صديقي لماذا تضحي بابنك حين لم تستطع ان تضحي بنزوة تدخين من اجل ابني؟ لماذا هذا التفكير البدوي بأن نضحي بالآخرين؟

إن طريقة التفكير هذه ظاهرة عربية بإمتياز، فنحن نفكر بالمقلوب.
كل شعوب العالم تفتخر بحاضرها الا نحن، فان ماضينا مصدر فخرنا.
كل شعوب العالم تحتكم الى العقل في حل معضلاتها الا نحن، فأننا نحتكم الى السيف.
كل شعوب العالم تفضل مواطنيها على الاجنبي الا اننا نفضل الاجنبي على مواطنينا.
كل الثورات قادت شعوبها الى الامام الا ثوراتنا فهي تقودنا الى الوراء.
وما يسمى بالربيع العربي مثال ساطع لعالمنا المقلوب.

فقادة الربيع العربي اكثر بني البشر تخلفا وتعلقا بالماضي المهتريء. وان الدول التي تتبنى هذه الثورات اما دول عربية غارقة في الدكتاتورية ولا تمارس فيها الشعوب ادنى الحقوق الانسانية، او انها دول غربية لم تصحُ مستعمراتها لحد اليوم مما جلبت لها من ويلات.

والاكثر مأساوية ان بعض الحركات (الماركسية) اضحت تصلي ليل نهار مع اصحاب اللحى على اعتاب البيت الابيض. فقبلة الماركسيين لم تعد موسكو كما كان شائعا وانما البيت الابيض اولا ومكة ثانيا. ومفكرو الامس الذين كانوا يملأون صفحات الحوار المتمدن لغوا ضد الامبريالية وحلفائها، ويتباكون لان بعض الدول الرجعية (حسب تعبيرهم) تحجب مقالاتهم، هم يجلسون اليوم في احضان تلك الدول، ويتصدرون مجالسها ويلقون من قنواتها الفضائية أكثر الخطب حماسية. وقد قلبوا مقولتهم من "يا عمال العالم اتحدوا" الى "يا عمال العالم صلوا على النبي".

نحن شعوب تمشي على رأسها يا اصدقائي.

 

free web counter