| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سفيان الخزرجي

www.afrodite.se

 

 

 

 

الأربعاء 25/10/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

سعدي.. فَلَيــتَ أَنَّــا بِقَــدْرِ الحُـبِّ نَقتَسِـمُ


سفيان الخزرجي

يتعرض احد اكبر الشعراء العرب الاحياء سعدي يوسف لحملة من النقد المزاجي او بالاحرى من الانتقاد السلوكي والاخلاقي.
فسعدي عدو تحرير العراق وهو شيوعي غارق في خمرة الرأسمالية او انه يسير بساقين معوجتين او غيرها من الصفات التي تتناول كل شيء آخر ما عدا ما يتعلق بشاعريته.
وظيفة النقد على مر العصور هو تسليط الضوء على العمل الفني ومحاولة سبر اغواره وان تناول المبدع شخصيا ففي حدود علاقته بابداعه. وقد زخر التاريخ بشخصيات فنية وادبية غريبة الاطوار والمواقف قد يصل بعضها حد الجنون الحقيقي ولكننا لم نجد في سجلها غير الاشراقات العبقرية واما السلوك الشخصي فلم يكن سوى هامش عابر.
ولكن ما يحدث لسعدي هو العكس تماما فان عبقريته الادبية تصبح هامشا عابرا بينما ان سلوكه الشخصي وموقفه من الاحتلال مثلا (رغم سمو هذا الموقف) هو المعيار الوحيد لتقييم كل تاريخه.
فهل ان سعدي اكثر سوءا من السياب او اكثر جنونا من سفادور دالي او اكثر غطرسة من المتنبي.
فلماذا لم تشن حملات التجريح ضد اولئك المشاهير بنفس الكثافة والحدة كما يحصل لسعدي اليوم؟
فما الذي جرى؟ ولماذا؟
اني ارى ان ظاهرة تجريج اعلام ثقافتنا الحديثة ليست مقتصرة على سعدي يوسف رغم ان مواقف سعدي الجريئة والصريحة تجعل مهاجمته سهلة التبرير عند المغرضين.

هذه من وجهة نظري اهم العوامل والاسباب وراء تجريح اقطاب ثقافتنا المعاصرة :

1- وجود الفنان والاديب في دائرة الضوء
كان الادباء قبل ثورة الاتصالات المرئية والمسموعة يعيشون في وسط ثقافي خاص وعلاقاتهم الشخصية محدودة بهذا المحيط الخاص وبالتالي فان سلوكهم الشخصي غير مكشوف للجماهير التي لا ترى فيهم الا جمال وسحر نتاجاتهم او رداءته وعندها لا يتعرض للنقد الا هذا النتاج. اما ادباء وفنانو اليوم فانهم في دائرة الضوء عبر كل وسائل الاعلام المتطورة، فهم يفطرون معنا ويسكرون معنا ونرافقهم في كل خلواتهم ونزواتهم، نمجدهم حين ينشدون قصائدهم ونطردهم حين نضيق يهم ذرعا. وهنا لابد من الاشارة الى ان هذا القرب من الاديب والفنان ليس حميميا لانه لا يتم بشكل شخصي ولا بطريقة متبادلة وانما عبر وسائل الاعلام التي تتسلل الى مكاتبنا ومضاجعنا.

2- الحاجة الى اعداد كبيرة من الكتاب
ان هذا الانتشار والتوسع الاعلامي والثقافي والكم الهائل من الصحف والمجلات الالكترونية يخلق حاجة لاعداد كبيرة من الكتاب والمحررين. وبما ان الامكانيات الثقافية والادبية والقدرات الابداعية في المجتمع محدودة فستظهر اعداد كبيرة من انصاف المثقفين لسد الفراغ الانتاجي.
ويشرع هؤلاء (المثقفون) بطرح انفسهم كنقاد وعارفين في كل مجالات الادب.

3- الانترنت وسهولة النشر
كان يجد صاحب المقالة سابقا صعوبة بالغة لكي يوصل مقالته للقراء عبر الصحف او وسائل الاعلام المرئية والمسموعة. ولم يكن يحظى بالنشر الا النخبة المميزة.
لكن الانترنت اتاحت لكل فرد ايا كانت مكانته او كفاءته ان يوصل افكاره لكل سكان الكرة الارضية. وهذا فتح الباب على مصراعيه لان يكتب كل من هب ودب وان يوصل المرضى قيحهم الفكري الى القراء.

4- الاحتباس التفسي
كما يقال ان الاحتباس الحراري وراء الاعاصير العاتية فاقول انا ان الاحتباس النفسي الذي يعيشه الفرد وراء كثير من الازمات التي تعصف بالمجتمع العصري.
رغم التقارب بين القارات وابنائها حتى ان العالم اصبح كما يقال قرية صغيرة لكنه تقارب معلوماتي وتقني اكثر من كونه تقارب روحي.
فاصبح الفرد يفتقر الى انسنة العلاقات.
فبدلا من ان تذهب مع اصدقائك وزملائك لحضور ندوة ثقافية في اتحاد الادباء فانك تجلس وحيدا في غرفتك لتستمع الى ندوة تدار في احدى غرف الانترنت.
وبدلا من ان يصب الساديون جام غضبهم على النادل في الحانة اوان يكسروا الصحون على رؤوس الحاضرين فانهم يجلسون وراء الكومبيوتر ليشتموا سعدي يوسف ويلعنوا ادونيس.

5- اثبات وجود
حين يهاجر المثقف العربي الى العالم الغربي يجد نفسه محاصرا بثقافة عملاقة وعلاقات ضيقة وصعوبات لغوية واجتماعية واقتصادية، ويصبح من علم في بيئته الى رقم مهمش تتقاذفه دوائر المعونات الاجتماعية ومكاتب الهجرة وهذا الوضع الجديد يجعله يفتش عن ذاته التي افتقدها فتكون الانترنت ملاذه الوحيد. فتراه يصرخ باعلى صوته ليثبت وجوده. ولن يكون تصرفه بافضل حالا من تصرف فؤاد عيدان.
فؤاد عيدان هذا احد شباب السبعينات في بعقوبة وكان عاشقا لجون بول سارتر والفلسفة الوجودية كعشقه للعرق والجاجيك.
وفي احد الايام وجدنا فؤاد جالسا في مقهى رحمن وسط بعقوبة مرتديا بطانية. لم يكن يظهر منه الا رأسه من ثقب في وسطها، فكان موضع تعجب ودهشة. وحين سألناه عن هذا التصرف الغريب اجاب بانه يريد ان يثبت وجوده.

6- الموقف السياسي
ان الحملة الممنهجة لتدجين الاحزاب السياسية التقدمية ولي عنق الافكار اليسارية هي وراء محاربة اصحاب هذا الفكر من الفنانين والادباء.
وليس غريبا ان يكون المطبلون للاحتلال في مقدمة الجوقة التي تحارب شاعرنا سعدي يوسف.

الله يا ابا حيدر لو تقرأ لي مقطعا من قلعتك لاغسل به اذني من ضجيجهم.