| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سفيان الخزرجي

www.afrodite.se

 

 

 

الأثنين 10/2/ 2008



قدسية حرية الرأي والتعبير، وفاء سلطان نموذجا

سفيان الخزرجي

أثارت وتثير الدكتورة وفاء سلطان زوبعة من ردود الافعال كلما كتبت مقالا او ظهرت في محفل او قناة تلفزيونية. وكانت آخر زوبعة لها في ظهورها في الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة.
كان موضوع النقاش هو حرية التعبير والرسوم الكاريكتارية عن الرسول محمد بمناسبة اعادة نشرها في الدنمارك.
وانا هنا لست في صدد نقاش افكار الدكتورة وفاء سلطان فقد تناولت تلك الافكار في 3 مقالات وقد دافعت السيدة وفاء عن طروحاتها بمقال: السيد سفيان الخزرجي: نحتاج الى فك الارتباط!!
اني اريد ان اتطرق الى حرية التعبير، والتعبير هنا في كل اشكاله: الكلام، الكتابة، الرسوم، المظهر وعلاقة هذه الحرية بمشاعر الناس.
ان حرية الرأي والتعبير هي مفهوم مطاطي يكيفه اصحاب الشأن حسب مصالحهم واهوائهم. فما هو قابل للنقد وحتى التجريح عند فئة من الناس تجده مقدسا عند فئة أخرى.
واكثر المناطق الساخنة التي تصطدم بها حرية الرأي والتعبير هي المقدسات.
ورغم ان الدين اكثر المقدسات شيوعا ولكن هناك مقدسات اخرى تختلف درجات قدسيتها حسب المجتمع والعصر.
هذه اكثر المقدسات صلابة قبل ان تكسر الحضارة الغربية عودها:
1ـ المقدسات الدينية
2ـ المقدسات السياسية
3ـ المقدسات الاخلاقية
4ـ المقدسات الاجتماعية
5ـ المقدسات الثقافية

وعلى مر العصور وقف المفكرون متحدين تلك المقدسات حتى ان بعضهم ذهب ضحية تحديه.

تجاوز المجتمع الغربي اكثر تلك المقدسات او حوّل قدسيتها من مفاهيم قائمة بذاتها الى قدسية مشاعر حامليها. فاذا كان الله مقدسا بذاته في الاديان السماوية فقد اصبح حق الايمان بالله هو المقدس بغض النظر عن وجود الله او عدم وجوده. فكل المقدسات تكسب قدسيتها من خلال الانسان وتفقد كثيرا من قيمتها اذا تعارضت مع الانسان.
فالانسان ومشاعره اصبح مركز اهتمام الحضارات الحديثة وعنده تتهاوى كل المقدسات. والمقدسات الانسانية الجديدة لم تعد مطلقة وانما نسبية تكسب شرعيتها من مدى تطابقها مع المصلحة الانسانية.
حرية الرأي والتعبير هي احدى القيم الجديدة التي رفعت لواءها الحضارة الغربية واضفت عليها قدسية، فهل انها قدسية مطلقة ام نسبية؟

قبل ان اجيب على السؤال دعونا نرى كيف تعامل الغرب مع قدسية حرية الرأي والتعبير.

الهولوكست كارثة انسانية تعرض لها اليهود على يد النازية لمجرد انتمائهم الديني، وهو امر يندى له جبين البشرية.
وتاريخ هذه المحرقة مثبت تاريخيا بالوثائق والصور وبروايات الناجين منها. فإنكار تلك المحرقة من قبل فرد ما لن يقدم او يؤخر في حقيقة وجودها او عدمه، كما ان انكار دوران الارض لن يوقفها عن الدوران.
فكيف تعامل قانون الدول الاوربية (بما فيها الدنمارك صاحبة الرسوم الكاريكتارية المسيئة للرسول) مع التعبير عن عدم وجود المحرقة؟
ان مجرد القول (انتبه الى "القول") بعدم وجود المحرقة يحكم عليه القانون بالسجن.

حين اعتبر الغرب ان نكران الهولكوست جريمة يعاقب عليها القانون لم يكن ذلك من اجل انصاف التاريخ ولا من اجل اثبات حقيقة وجودها وانما لان في انكار الهولكوست اهانة لفئة من الناس وتهميش لمشاعرهم. فلم تكن المحرقة مقدسة بذاتها بقدر ما لمشاعر الناس من قدسية.
فعندما اصطدمت قدسية حرية الرأي والتعبير مع قدسية الانسان ومشاعره وقف القانون مع مشاعر الانسان ضد حرية الرأي والتعبير.
وبهذا يكون الغرب قد اجاب بالقانون على تساؤلنا عما اذا كانت قدسية حرية الرأي والتعبير مطلقة ام نسبية.
واذا عدنا لاقوال الدكتورة وفاء سلطان بأن الرسول محمد مريض جنسيا وان الله يثرثر في القرآن فهل تقع هذه الاقوال في اطار قدسية حرية الرأي والتعبير؟
دعونا نتخيل امرأة مسنة قضت حياتها بالتعبد في الكنيسة وهي تسمع ضيف احدى الفضائيات يقول ان مريم زانية تستحق الرجم وان المسيح ابن زنى وشاذ جنسيا دفعته عقدة كونه ابنا غير شرعي الى ادمان الخمر (معذرة، صدقوني اني اخجل من طرحه حتى وان كان مثالا فقط). فهل ستعتبر تلك الانسانة المؤمنة ان هذا الكلام من باب حرية الرأي والتعبير ام انها ستعتبره اهانة لمشاعرها ومشاعر الملايين من امثالها؟
ولان الدكتورة وفاء سلطان متخصصة في علم النفس فإنها اكثر دراية بما يُقال او ما لا يُقال دون المساس بمشاعر الناس وقدسيتها التي تفوق حرية الرأي والتعبير قدسية حسب المعايير الغربية التي تستحوذ على جل اهتمام الدكتورة وفاء سلطان.



 


 

Counters