| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الأحد  8 / 12 / 2013



اين هو البرلمان الجديد... ومتى تشكل الحكومة في اقليم كردستان العراق؟!

د. صباح قدوري

يبدو ان مباشرة البرلمان الجديد المنتخب في21 ايلول/سبتمبر2013 بمهامه، وتشكيل الحكومة الجديدة لاقليم كردستان العراق، قد يمران بمرحلة متشابهة نوعا ما، لتلك التي مرت بها الحكومة الاتحادية في الانتخابات التشريعية لسنة 2010، والتي اسفرت بفوز القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي. اذ تأخر في حينه تشكيل الرئاسة في البرلمان لمدة اكثر من المسموح بها وفق الدستور، كما تأخر ايضا تشكيل الحكومة لاكثر من السنة. وفي نهاية المطاف وبعد الالتفاف على القانون والدستور، اسفرت عن تشكيل حكومة المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، والتي شوهت مفهوم الحكومة الديمقراطية والشراكة الوطنية الحقيقية ، ونتجت عنها حكومة فاشلة بامتياز وفق كل المعايير والاصول المتعارف عليها في مفهوم ومعرفة الادارة الرشيدة ، التي تستند اركانها على الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية، بحيث تكون مسؤولة عن تأمين الامن والاستقرار وحماية حقوق المواطنين، وتقديم خدمات اساسيه لهم، ورؤية واضحة وشفافة في استراتيجية التنمية الوطنية المستدامة، وتقر بمبدأ تعددية السلطة والعدالة الاجتماعية. ولم تحقق اي من هذه الاركان على ارض الواقع لحد اليوم.

منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة في الاقليم ، والتي اسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الاولى، تم عقد جلسة واحدة للبرلمان بهدف تحديد رئاسة البرلمان، وبسبب ضعف الثقة والحساسية والنزاعات الداخلية بين الكتل الفائزة في الانتخابات ، لم يسفر هذا الاجتماع عن تحقيق اهدافه ، واعتبرت الجلسة مفتوحة الى يومنا هذا،علما بان مفهوم الجلسة المفتوحة، هو 24 ساعة وفق الدستور!.

تم تسمية نيجرفان بارزاني ، رئيس حكومة الاقليم المنتهي ولايته من قبل حزبه الديمقراطي الكردستان، للاتصال والتشاور والتفاوض مع الكتل الفائزة في الانتخابات لتشيكل حكومة توافقية على غرار مفهوم الشراكة الوطنية للحكومة الاتحادية. وفرض شرط حاسم للمشاركين في الحكومة، بعدم معارضة نهجها والتقيد به من دون الانسحاب لحين انتهاء الدورة الانتخابية الحالية، ويعني هذا اقرار الحزب الديمقراطي الكردستاني بتنصيب نيجرفان برزاني للمرة الرابعة كمرشح وحيد لهذا المنصب، وعدم وجود مرشح اخر، وفرض شروط مسبقة للمشاركة.

من المفروض ان يكلف نيجرفان بارزاني بشكل رسمي من قبل رئيس الاقليم بهذه المهمة ، ومنحه مهلة خلال ثلاثين يوما من بدء التكليف لتشكيل الحكومة. ويبدو لا تزال هناك اشكالية وصعوبة في تحديد النائبين من الكتل الفائزة لرئيس الحكومة الجديدة ، وكذلك في توزيع الوزارات السيادية والمهمة بين الكتل، والالتجاء الى زيادة عدد الوزارات الحالية الى ضعف، كحل لهذه الاشكالية.

ان هذا الاسلوب سيؤدي الى تعقيد مفهوم الادارة الرشيدة ، ويزيد من البيروقراطية وهيمنتها، ويزيد في مراكز اتخاذ القرارات في تسيير الحكومة، بالاضافة الى تحميل الميزانية العامة بعبء مالي كبير ليست له مبررات منطقية وموضوعية ولا جدوى اقتصادية.

امام هذه الحالة المعقدة في العلاقات بين الكتل الفائزة في الانتخابات، وعلاقة المد والجزر بين حكومة الاقليم والمركز، في قضايا متعددة ، وعلى رأسها مسألة النفط ، مع تعقيد الوضع الاقليمي، وخاصة ما يتعلق بالوضع في سورية وانعكاساتها على اكراد سورية، وعلاقة الاخيرة مع اقليم كردستان، ووضع اكراد تركيا وتعثر مشروع الحل السلمي للمسألة الكردية فيها، ومسألة حزب العمال الكردستاني. تحاول كل من ايران وتركيا ، الجارتين الاقتصاديتين ، فرض اجندتها السياسية المباشرة على تشكيل الكابينة الثامنة للحكومة المزمع انشائها خلال الايام القادمة، وبهذا الصدد يمكن ان نتصور بعض السيناريوهات، كالاتي:

1- تحاول ايران ايجاد نوع من التوافق بين الكتل الفائزة في الانتخابات ومشاركتها في تشكيل الحكومة، من خلال علاقتها المتميزة مع الاتحاد الوطني والعلاقة الجيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وذلك مع الاخذ بنظر الاعتبار التأثير المباشر للتدخل الايراني في الانتخابات التشريعية القادمة للعراق ، والمزمع اجرائها في نهاية نيسان من العام القادم. وتزكيتها لمشاركة الاتحاد الوطني الكردستاني ، اما في رئاسة البرلمان او في رئاسة الجمهورية، في الحكومة الاتحادية الجديدة. يتجاوب هذا الاجراء ايضا مع رغبات الحزب الديمقراطي الكردستاني، على ان تبقى رئاسة الاقليم للحزب الديمقراطي الكردستاني.

2- تحاول تركيا تعزيز موقعها في كوردستان العراق ، من خلال العلاقة المميزة التي تربطها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، في المجال الاقتصادي وخاصة النفطي منه. اما علاقة تركيا بالاتحاد الوطني الكردستاني، فهي ضعيفة نسبيا ، بسبب الخلافات بينهما في مسألة سورية، وحل القضية الكردية في تركيا، ووجود نوع من التقارب بين الاتحاد الوطني وحزب العمال الكردي في تركيا، وكذلك مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وقوات الحماية الشعبية ذات النفوذ والجماهير الواسعة في سورية، الذي يقود الادارة الذاتية في المناطق الكردية من سورية اليوم . بذلك تحاول تركيا تقوية كفة الحزب الديمقراطي الكردستاني في الحكومة الجديدة ، لسهولة التعامل معه في تحقيق مصالحها الاقتصادية، وتوافق وجهات نظرها مع الحزب تجاه القضية السورية والحل السلمي لمسألة اكراد تركيا.

3- يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني الاحتفاظ بالعلاقة الاستراتيجية مع الاتحاد الوطني الكردستاني في مستوى ضعيف، وتقاسم السلطة معه بشروط في تحديد المناصب لرئاسة الحكومة و بعض الوزارات السيادية، والتعامل مع حركة التغيير بنفس الحالة ، في حالة موافقة الاخيرة على الشروط المطروحة عليهم ، في اللقاء الذي جرى بين مسعود ونوشيروان بهذا الخصوص ، وذلك لايجاد نوع من التوازن في العلاقات بين الكتل الرئيسية الفائزة في الانتخابات، ويعتبر هذا الاجراء مقبولا ايضا من ايران .

4- تقاسم الحزب الديمقراطي الكردستاني السلطة مع الاتحاد الوطني بنفس الصيغة السابقة، واعطاء بعض الوزارات الخدمية الى الاحزاب الاسلامية ومن الفائزين في (الكوتا). بمعزل عن حركة التغيير. ففي هذه الحالة ستستمر الحكومة محتكرة بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستان، مع دور ضعيف للاخير، كما كان في الفترة السابقة. وتكرس هذه الحالة نوع من الديكتاتورية في الحكم مستقبلا ، وعدم الاعتراف بتداول السلطة سلميا واجراء الاصلاحات والتغييرات الضرورية في البنية السياسية والهيكلية للحكومة ، والتي هي من المطاليب الاساسية والمهمة، التي تطالب بها وتنتظرها الجماهير الكردية من الادارة الجديدة في الاقليم.

5- ان استمرار الحزبين الحاكمين في احتكار السلطة من اجل النفوذ والمال، وعدم السماح للاخرين في المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي والاداري والاقتصادي ، مع انفراد كل منهما بالاحتفاظ بتشكيلات بيشمركة وقوات امن عائدة لهما كل ضمن حجم نفوذ حكمه الفعلي في ادارته، كما لاحظنا ذلك بوضوح في الحادثة الارهابية الاخيرة على احدى مقرات الاستخبارات في كركوك، وسابقا في محافظة نينوى، في انعدام التنسيق بين هذه القوات ، فيما بينها من جهة ومع قوات الحكومة الاتحادية من جهة اخرى، بل بالعكس حاول كل منهما اتهام الاخر بضعف المسوؤلية في اداء واجبه تجاه الحادث، مع استمرار ظاهرة الفساد المالي والاداري المزمنة في كافة المستويات الحزبية والادارية ، منذ تأسيس الادارة الاولى ولحد اليوم ، وتركها من دون ايجاد حلول فعلية وجذرية لمعالجتها، سوف لا يتم تأمين الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن تحويل اي برنامج او استراتجية بناءه في مستقبل الفيدرالية الى واقع ملموس في الاقليم ، ما لم يتم اجراء الاصلاحات والتغيرات الجوهرية والاساسية في نهج وسياسة الاقليم الحالي.

6- ففي حالة تشيكل الحكومة الجديدة وفق التصورات المقدمة في النقاط السابقة ، عليها قبل كل شئ ان تلتزم بتعهداتها الانتخابية في تنفيذ برامجها، وخاصة في مجالات فصل السلطة عن التسلط الحزبي الضيق. بناء اقليم وفق اسس دستور يقره الشعب الكردي ، واحترام القانون والقضاء وصيانة الحريات ، ومحاربة الفساد المالي والاداري وقطع جذوره ، وحل المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية ، انتهاج سياسة خارجية بناءة وعقلانية ، والاستفادة من العامل الموضوعي في تقوية العامل الذاتي ، وتوحيد الخطاب السياسي الكردي ، وتعميق وتطوير المكتسبات المتحققة.

لابد وان تبادر وتتخذ ايضا اجراءات شفافة ونزيهة وحاسمة وشجاعة، لتبني رؤية واستراتيجية بناءة في التنمية الوطنية المستدامة، وهي من الاوليات الاساسية للادارة الجديدة. حيث ان الادارات السابقة لم تكن مؤهلة على اعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية والادارة الرشيدة، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في اطار واحد يتجاوز الولاءات الحزبية العقائدية الضيقة والعشائرية والمحسوبية.لابد من ايجاد اليات فعالة وضرورية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة ، وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب وتوفير الامن الاقتصادي والسياسي والسلم الاهلي، والرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية، والقضاء على البطالة ، وبناء اقتصاد متين يتحقق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية للجيل الحالي والاجيال القادمة في الاقليم ، بما يعود ريعه وخيراته على شعبنا والشعب العراقي اجمع.

 

free web counter