| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

الأحد 4/10/ 2009



على هامش فضيحة
شركة النفط النرويجية
DNO

د. صباح قدوري

ان تبني صيغة الادارة الفيدرالية ، جاء نتيجة نضالات الشعب الكردي، التي تكللت بانتفاضة الشعب العراقي المجيدة في اذار/مارس 1991. منذ تطبيق النظام الفيدرالي الذي أقره البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني،ولا في بناء مؤسسات راسخة للرقابة على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتنظيم العلاقة بينها، ولا في ترسيخ مبدأ الديمقراطية الحقيقية ، وممارستها فعليا في الحياة اليومية،ولا في احترام وصيانة حقوق الانسان، مع عدم استقرار النظام الاقتصادي حتى هذه اللحظة.ان ركود الحالة الاقتصادية في الاقليم وعدم تطويرها الى الامام ، هو نتيجة جملة من العوامل الموضوعية والذاتية،ونركزهنا على الاخيرة، ومنها على سبيل المثال:-

1- وجود حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته. وانعدام رؤية شفافة واستراتيجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.وطبيعة فلسفة النظام الاقتصادي الذي يستند على الاقتصاد السوق- الحر.
2- يدار الاقتصاد بالامر من قبل الحزبين الحاكمين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني. وهذه مشكلة تزداد تعقيدا اذا كان هذا الاقتصاد مطالبا باستيعاب التكنلوجيا الحديثة، والاستجابة مع حركة السوق.
3- تفشي ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي على كافة المستويات الادارية والحزبية.
4- غلبة نشاط الاقتصاد الاستهلاكي على نشاط الاقتصاد الانتاجي.
5- تفاقم حجم البطالة بين كافة فئات المجتمع.وتفضيل تشغيل العمالة الاجنبية غير الماهرة على حساب العمالة الوطنية.
6- انعدام الشفافية ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، ومراكز البحوث، مما أدى بهم ان يكونوا مجبرين على تنفيذ توصيات وممارسات صندوق البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية , السيئتا الصيت, مما يؤدي الى الحاق الضرر بكافة الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
7-ان تحرير الأسواق والأسعار بأشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي، ساعد في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما أدى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء.
8- لا يزال هناك مركزين لرسم السياسة الاقتصادية والمالية في الاقليم ، وذلك بسبب عدم توحيد هذه السياسة في وزارة مالية موحدة، وماتميّزت به هذه المسالة من التعقيد والغرابة وفقدان الشفافية في تحديد المال العام ، بنتيجة خلط مال الحزبين الحاكمين بالمال العام.

ان توصيف ملامح اقتصاد الاقليم وفق المعطيات المذكورة اعلاه ، قد نجد انعكاساتها تماما على اغلب الصفقات التجارية التي ابرمت مع شركات النفط وغيرها العاملة في الاقليم ، وفي مقدمتها الشركة النرويجية المذكورة اعلاه، صاحبة الفضيحة المالية الكبرى لنفسها وللاقليم، وذلك:

1- ان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية والشركة النرويجية المعنية تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. وفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركة المذكورة حصة تبلغ أربعين بالمئة من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقل في زاخو، فلو أرادت حكومة كوردستان تطوير حقول النفط بإنتاج نصف مليون برميل يوميا المعلن عنه في حينه من قبل الشركة، وهذا ما ذكرته الكثير من المصادر، فإن هذه الشركة سوف تستثمر ما قيمته مليارين ونصف مليار دولار خلال ثلاث أو أربع سنوات، وذلك وفق أعلى التقديرات العالمية، لكن الشركة سوف تحصل على كميات نفط مقدارها مائتي ألف برميل يوميا، أي تجني من خلال هذا التوظيف بعد ثلاث سنوات من بدء العمل، ما مقداره خمسة مليارات ومئة مليون دولار سنويا، وذلك وفق اسعارالنفط ،التي كانت سائدة عند ابرام العقد في حينه .، أي أنها سوف تسترجع في السنة الأولى ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركة تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة، أو ما مقداره مئتي مليار دولار فترة التعاقد التي رشحت عن هذه العقود المجحفة.ان هذه العقود تتماشى مع مبداء العولمة الراسمالية،وذلك تمهيدا لالتحاق النخب الحاكمة في الآقليم بالفكر اللبيرالي الجديد. وتشجع هذه الحالة ايضا على مزيد من الفساد الاداري والمالي .
2- باعت الشركة المذكورة في السنة المنصرمة اسهما بقيمة 35 مليون دولار سرا، الى شخص وزير الموارد الطبيعية في الاقليم ، آشتي هورامي، واخفاء اسم مالكي الاسهم في البورصة النرويجية، وتعتبر ذلك خرقا واضحا لنظامها ولوائحها.واراد الدكتور خالد صالح مستشار رئيس حكومة الاقليم المنتهية ولايته، ان ينقذ الوزير آشتي هورامي من هذه الورطة ، ويضلل الجماهير في الافليم والعراق ،في بيان له بهذه المناسبة ، بان الوزير كان يتعامل مع هذه الصفقة بصفته الرسمية كوزير وليس على اساس الشخصي، ومن اجل مساعدة الشركة ماليا في تنفيذ مشاريعها في الاقليم؟!.
3- عقدت هذه الصفقة بامر من الاحزاب الحاكمة، من دون علم مجلس رئاسة الوزراء وبرلمان كر دستان، وبسرية وتعتيم اعلامي تام.
4- ان بضعة ملاين من هذه الاسهم المباعة الى السيد هورامي، قد تحولت الى شركة جيتيل التركية ، المشارك فيها الاقليم ب 75% من قيمة اسهمها، وبذلك اصبحت هذه الشركة التركية شريكا ايضا بحصتها في نفط كوردستان، وهذا ما كانت تحلم بها تركيا. ان القيمة السوقية لاسهم الشركة النرويجية قد هوت بنسبة 55% من قيمتها يوم الخميس 17 ايلول/سبتمبر2009 في بورصة اوسلو ، بسبب افتضاح امر الصفقة ، مما كلف كل من الشركة المذكورة وادارة الاقليم المساهم ب 75% من اسهم الشركة النرويجية للنفط، بخسارة كبيرة ، قدرت بحدود 500 مليون دولار امريكي، بنتيجة الهبوط في قيمة اسهمها.
5- على ضوء ماتقدم اعلاه ، لا نستغرب بوجود تستر وتعتيم تام وحتى الشكوك في تفاصيل بيانات وبنود معظم العقود المبرمة مع الشركات التجارية وبالخصوص النفطية منها ، وكذلك نقص في المعلومات والاحصائيات اللازمة في متناول المختصين في الشؤن الاقتصادية والاجتماعية والاطلاع عليها من قبل الجهات الادارية والبرلمان والاعلام والشعب في الاقليم والعراق، وكذلك انعدام التنسيق بين الاقليم والحكومة المركزية بخصوص هذه العقود ، مما سببت الى تفاقم حجم ظاهرة تفشي الفساد الاداري والمالي على كافة الاصعدة الحزبية والادارية ، وبلغت ذروتها بشكل لا مثيل له في تاريخ الاقليم والعراق الجديد. واصبحت اليوم هذه المشكلة من اوليات مشاكل الاقليم ، التي يجب على الادارة الجديدة معالجتها ووضع حلول عملية لها.
6- ان التجاهل بالقوانين الاقتصادية ، وعدم استخدام الطرق والبحوث العلمية في اعداد البرامج الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة للاقليم،وتنسيق العمل في هذا الميدان مع الحكومة المركزية، سيبقى الاقليم يعيش على الاحلام والامال، وتركض وراء استنساخ بعض الموديلات الاقتصادية ، التي لا تتناسب ولا تتلائم مع البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاقليم في المرحلة الراهنة.

وفي الختام ،اريد ان اسجل ملاحظتي، وهي: عندما نريد بناء اقليم متطور حداثي وعصري، يجب الاستعانة بثورة المعرفة التكنولوجية ، من اقتصادية ، واجتماعية، وثقافية، والاطلاع على كل ما يجري من تغيرات اقتصادية عالمية كبيرة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الاقتصادي وليام اي. هلال، في كتابه "اقتصاد القرن الحادي والعشرون-افاق الاقتصادي والاجتماعي لعالم متغير مع زميله كينيث ب. تايلور، والمشارك معه في كتابة هذا الكتاب "اليوم اصبح واضحا كون المعرفة وخاصة اقتصاديات المعرفة هي الاصل الاكثر استراتيجية في المنشآت ومصدر الابداع والابتكار والقيم والتقدم الاجتماعي- اي المورد الذي لا ينضب". ويجب ان تنصب برامج الادارة الفيدرالية في خدمة مصالح ورفاهية الشعب الكردي والعراقي. ويصبح الاقليم نمودجا ، يلعب دوره الحقيقي على صعيد تطوير الفيدرالية والحركة الكردية التحررية في كافة اجزاء كردستان والعراق والمحافل الاقليمية والدولية. يجب دراسة جميح التجارب السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية، وجميع الافتراضات التي تقوم عليها ، والاستفادة من كل ماهو يصلح ويتماشى مع اقليم كوردستان والعراق، واهمال سواها،والا فان التاريخ لن يكون رحيما في حكمه. وعلى المعارضة البرلمانية في دورتها الحالية، ان تلعب دورها التاريخي، وبذل قصار جهدها من اجل تشريع القوانين التي تخدم مصالحه، وتشديد الرقابة الفعلية على الادارة التنفيذية وقياس أدائها، ومعاقبة المقصرين فيها.كما عليها استدعاء الوزير هورامي للاستجواب في هذه القضية وتوضيحها للرأي العام الكردي والعراقي.واتباع نفس الطريقة مع غيره من المسؤلين الاداريين الذين يشتبه بهم بقضايا الفساد الاداري والمالي،او تسخير مناصبهم لمصالحهم الخاصة التي تضر بالادارة الفدرالية ومواطنها، والشعب العراقي بشكل عام .


 


 

free web counter