| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الخميس 2/1/ 2012



تحديات ومهمات الحكومة السابعة لفيدرالية كردستان العراق

د. صباح قدوري  

تم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، بتشكيل حكومة جديدة. وهي السابعة في الادارة الفيدرالية، منذ عام 1992، عندما اصبح الاقليم الحالي شبه مستقل عن العراق. ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم يجري التناوب على السلطة بين الحزبين الحاكمين وفق الاتفاق المبرم بينهما. وبذلك اصبح السيد نيجيرفان رئيسا لحكومة الاقليم ثلاث مرات، ويستمر في السلطة حتى اجراء الانتخابات التشريعية القادمة، التي من المفترض ان تتم في نهاية عام 2013 .

ومن الصعوبة التكهن من الآن كيف ستكون خارطة الانتخابات القادمة وما تفرزه من تحالفات جديدة ، على ضوء تنامي قوة الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير وغيرها كقوى معارضة في السلطة الكردستانية ، وعدم قناعة هذه القوى باستمرار الحكم وفق هذا النسق. ومن المحتمل ايضا ان ينفرط التحالف الاستراتيجي بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، لان القاعدة الجماهيرية للحزب الديمقراطي الكردستاني، لم توافق على تمديد رئاسة الحكم لممثل الاتحاد الوطني الدكتور برهم صالح سنتين اخرتين، اي حتى موعد الانتخابات التشريعية القادمة في 2013 ، كما وافق الاخير في حينه على تمديد مدة حكم للسيد نيجيرفان بارزاني لسنتين 2005-2007. وايضا محاولة قواعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الضغط على قيادته للمشاركة في الانتخابات المحلية القادمة بمعزل عن حليفه الاستراتيجي الاتحاد الوطني.
كل ذلك ممكن ان تشهده الادارة الفيدرالية في الفترات القادمة.

السؤال يطرح نفسه : هل يستمر السيد نيجيرفان برزاني في اكمال برنامج الدكتور برهم صالح ؟، ام يطرح برنامج اخر، ويحاول اشراك المعارضة في حكمه؟.. في الوقت الذي نرى بان المعارضة من الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير اعربوا عن عدم رغبتهم المشاركة في هذه الحكومة، ويفضلون البقاء في صفوف المعارضة والرقابة على السلطة التنفيذية. اما احزاب الشيوعي الكردستاني، والاشتراكي الديمقراطي الكردستاني و الكادحين الكردستاني ، فانهم لم يعلنوا لحد الان عن رأيهم بخصوص الموضوع.

والسؤال الذي اطرحه ايضا مرارا وفي كل المناسبات وعندما اكتب عن الادارة الفيدرالية في كردستان العراق، وهو: هل ان الادارتين موحدتين فعلا بين نفوذ الحزبين الحاكمين في السليمانية واربيل، والمقترن هذا التوحيد باسم السيد نيجيرفان بارزاني؟.. الجواب بالطبع كلا، قد تكون الادارتين موحدتين من حيث الشكل الاداري والقانوني، وليست من حيث مركز صنع القرارت المهمة والمصيرية فيهما، وهي من اهم وظائف الادارة الفعالة.
ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في الادارات المالية والداخلية والامن وشؤون البيشمركة، وهي ثلاث وزارات مهمة وذات صلة مباشرة بالجماهير من النواحي الاقتصادية والامنية، وتأمين السلم الاجتماعي في الاقليم. وقد صرح مؤخرا بذلك الدكتور برهم صالح، بانه يأمل بتحقيق التوحيد الفعلي في مجال الحكومة الجديدة.
لا يزال هناك مركزين لرسم السياسة الاقتصادية والمالية في الاقليم ، وذلك بسبب عدم توحيد هذه السياسة في وزارة مالية موحدة، وما تميّزت به هذه المسألة من التعقيد والغرابة وفقدان الشفافية في تحديد المال العام ، بنتيجة خلط مال الحزبين الحاكمين بالمال العام.

وباعتقادي ان هذه المسألة هي غاية من التعقيد ، ولا يتوقع حلها في الوضع الراهن، لان جذورها قديمة تمتد الى السنوات الاولى من حكم المناصفة بين الحزبين، وعدم تصفية حساب جبايات ابراهيم الخليل وسرقات النفط، والفساد الاداري والمالي التي تشهدها الادارة الفيدرالية منذ تكوينها في عام 1992 لحد اليوم، وتفاقم ذلك بعد عام 2003 ، بنتيجة زيادة ايرادات الاقليم من عائدات ميزانية الحكومة الفيدرالية، وانتاج النفط والحصول على المساعدات الخارجية غير المعلن عنها حتى اليوم.

فكيف يتم اذاً الحكم في الادارة الفيدرالية بوضعها الحالي وبوجود مركزين لاتخاذ القرارات الهامة والمصيرية؟!... هناك تداخل عضوي بين الهيمنة الحزبية المباشرة واتخاذ القرارات الفعلية في الادارة الفيدرالية. تعطيل السلطات الحقيقية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى السلطة الرابعة الاعلامية، والتدخل الحزبي المباشر في شؤونها، وهذا ما يؤكد عليه ايضا القياديين انفسهم من الحزبين الحاكمين، ويوعدون الجماهير كل مرة بعدم تدخلهم في شؤون هذه السلطات عند تسلمهم للسلطة وتشكيل الحكومة ، الا انه في الواقع الفعلي يطبقون عكس ذلك ويفرضون قرراراتهم الحزبية الضيقة على هذه السلطات، وفي كل المرافق الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاقليم.
مما احال هذه المسألة الى مرض مزمن ، يحتاج علاجه لفترة طويلة، وصعوبة تحقيق ذلك الا من خلال تطبيق المهمات الاتية:-

1- اجراء اصلاحات جذرية في الهيكلية الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم .
2- تطبيق الديمقراطية الحقيقية والفعلية في الحياة الحزبية والادارية.
3- الاقرار بمبدأ التعددية وانتقال السلطة بشكل سلمي.
4- محاربة الفساد الاداري والمالي، من خلال تفعيل دور هيئة الرقابة المالية، ودراسة تقاريرها السنوية بجدية في البرلمان، ومحاسبة مرتكبي جريمة الفساد وفق القانون والقضاء. الاسراع في تشكيل هيئة النزاهة وتفعيل دورها على الاصعدة الشعبية والحكومية والبرلمان. تبني هيئة الاستثمار الاستراتيجية الواضحة والشفافة، وفق خطط مدروسة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتوفير البيانات والاحصائيات بالتعاون مع وزارة التخطيط، ووضعها في متناول الباحثين والاكاديميين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية في الاقليم.
5- حماية السلم الاجتماعي من خلال احترام الحقوق العامة والخاصة للمواطنين، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وازالة الفوارق الكبيرة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، وتخفيف حدة البطالة ، وخاصة بين الشباب والنساء.
6- ان المسؤوليات والواجبات الاولية للادارة الفيدرالية هي توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء و المشتقات النفطية، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي ، وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البني التحتية وغيرها من المؤسسات التي لا تزال مهملة في اغلب مناطق محافظات اقليم كردستان الحالي، وخاصة في القرى والارياف.
7- الألتزام بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في اختيار من يشغل أي موقع في جهاز الدولة على صعيد الفيدرالية والعراق والسفارات والمنظمات الدولية في الخارج، ويجب ان لا تعتمد فقط على المعايير الحزبية الضيقة والعشائرية والقرابة والمحسوبية المعمول بها لحد الان. تفعيل وتعزيز دور المرأة في هذه الاجهزة.

ان مسألة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الاقليم ، هي من الاوليات الاساسية للادارة الجديدة. حيث ان الادارات السابقة، لم تكن قادرة على إعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية. والتي انشغلت بالتنافس بين الحزبين من اجل الهيمنة على السلطة وعلى المال والنفوذ.

واليوم يُنتظر من الكابينة السابعة بمزيد من المسؤولية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها العراق والمنطقة وخاصة دول الجوار، ازاء تدخلاتها في الشؤون العراقية بما في ذلك في شؤون الاقليم. والوضع الداخلي المتأزم نتيجة لتراكم المشكلات الكبيرة ولفترة طويلة من دون ايجاد حلول صائبة لها، مما ادت هذه الحالة الى توسع ازمة الثقة بين الحكومات السابقة والشعب الكردي ، الذي يتطلع اليوم الى ضمان تحقيق مستقبل زاهر ومتقدم على كافة الصعد ، ويطالب باجراء اصلاحات وتغيرات ضرورية جذرية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تنصب في خدمة الجماهير الكردستانية، وحماية المكتسبات المتحققة، والسير قدما في تطوير الافاق المستقبلية للفديرالية، وتحقيق غد افضل ومشرق للشعب الكردي والاجيال القادمة.


 


 

free web counter