| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الأربعاء  25 / 9 / 2013



الانتخابات البرلمانية الرابعة في اقليم كردستان العراق

د. صباح قدوري

في 21 من شهر ايلول /سبتمبر الجاري ، جرت الانتخابات البرلمانية في اقليم كردستان العراق . وبلغ عدد المواطنين الذين لهم حق التصويت ، مليونين وثمانمائة الف ، وبلغت نسبة مشاركة الناخبين فيها بحدود 74%. وساهم فيها ايضا اكثرمن ثلاثين كيانا وائتلافا سياسيا ، واعتمد فيها القائمة شبه المفتوحة ، واعتبر الاقليم دائرة انتخابية واحدة ، وذلك للتنافس على 111 مقعدا في البرلمان. 100 منها عام و 11 منها خصص للاقليات القومية والدينية الكردستانية ، وفق نظام (الكوتا)، و30% منها للمراة. وتقدر النتائج النهائية غير الرسمية لهذه الانتخابات ، كالاتي :

الكيانات السياسية

عدد المقاعد

النسبة المئوية

الحزب الديمقراطي الكردستاني 39 39%
حركة التغيير 25 25%
الاتحاد الوطني الكردستاني 18 18%
الاتحاد الاسلامي 10 10%
الجماعة الاسلامية 6 6%
الاخرى 2 2%
(الكوتا) 11  
المجموع العام 111 100%

ندرج ادناه بعض الملاحظات الاساسية بخصوص العملية الانتخابية ونتائجها ، وكالاتي:

1- أهنئ الشعب الكردي بمناسبة هذه الانتخابات.ان ممارسة عمليتها ، هي ظاهرة من ظواهر ممارسة الديمقراطية ، ولها نتائجها الايجابية الملموسة في مسيرة الفيدرالية. وان المساهمة الواسعة فيها ، تدل على نهوض الوعي السياسي والثقافي والديمقراطي لدى الناخب الكردي. والرابح الاساسي من هذه العملية، هو الشعب الكردي في الاقليم ، بغض النظر عن نتائجها المتحققة.

2- جرت بعض الخروقات اثناء الحملة الدعائية الانتخابية ، من قبل بعض الكيانات السياسية ، التي شاركت في الانتخابات. واكدت مفوضية الانتخابات تسجيل 200 مخالفة في ضوابط الحملات الانتخابية، منها على سبيل المثال : استخدام النفوذ الحزبي والحكومي المهيمن للحزبين الرئيسيين ، على وسائل الاعلام والمال في شراء ذمم واصوات الناخبين لمصلحتهما. استخدام القوة والعنف والتهديد واطلاق نار بين حركة التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية، مما اسفر عن مقتل امرأة وشاب واصابة اخرين في التجمع الانتخابي، وغيرها. لا تزال الثقافة الانتخابية في العراق بشكل عام وفي الاقليم بشكل خاص، بعيدة عن الاسس الديمقراطية الحقيقية ، وتنقصها الاستقلالية والنزاهة والشفافية ، والاقرار بمبدأ التعددية في تداول السلطة ، منذ قيام النظام الفيدرالي في الاقليم عام 1992 ولحد اليوم.

3- جرت الانتخابات في اجواء امنية ، وتحت اشراف اللجان الانتخابية المحلية ، وممثلي الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات ، ومندوبين عن منظمات المجتمع المدني، والمراقبين الدوليين ، الى جانب عدد من وسائل الاعلام المحلية والدولية. ورغم ذلك جرت خروقات اثناء عملية تصويت الناخبين، من حيث ضبط قوائم الناخبين، ضعف مراقبة التصويت، خلل فني في الجهاز الجديد للختم الالكتروني ، مما سبب تأخير في موعد الانتخابات الخاصة ، التأثيرات الحزبية والادارية على الناخبين بشكل عام. وقعت ايضا اشتباكات بالايدي بين مؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، عشية عملية التصويت قرب احدى المراكز الانتخابية في مدينة اربيل. ضعف تأمين ضمان حماية صناديق الانتخابية، و نقلها الى الجهات المختصة لاجراء عملية عدها وفرزها. وعدم احتفاظ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بحياديتها ، والانحياز الى قوائم الاحزاب الحاكمة والمتنفذة، وغيرها.

4- تميز الحزب الديمقراطي الكردستاني بنوع من الثبات النسبي في جماهريته ونشاطه وتأثيره في الساحة الكردستانية . ساعد ذلك على الاحتفاظ بحصته العالية في الانتخابات التشريعية ، منذ اكثر من عقدين. وذلك لطبيعة تركيبة الحزب والتأثيرات العشائرية و العائلية والدينية فيه، وسيطرة نفوذها على المراكز القيادية في الحزب وادارة الاقليم ، وعدم اعطاء اي مجال لبروز الاختلافات والتكتلات التي قد تظهر للعيان هنا وهناك ، والقدرة على حلها ، وابقائها ضمن اطار التنظيم الداخلي للحزب. بالاضافة الى تمتع كثيرين من اعضائه بامتيازات معنوية ومادية وادارية ، وخاصة في اربيل ودهوك.

5- اما بالنسبة للاتحاد الوطني الكردستاني، هناك تراجع ملحوظ في ثقله السياسي وجماهريته، منذ الانتخابات الماضية في عام 2009. وفقدانه لعدد كبير من مقاعده في هذه الانتخابات، بالقياس الى الانتخابات السابقة. والسبب يرجع الى ما يلي:
ا- الانشقاق الذي حصل في صفوفه بقيادة نائب رئيس الحزب السابق نوشيروان مصطفى وانصاره، وتشكيلهم حركة التغيير في المعارضة للحزبين الحاكمين في الاقليم . ودخول الحركة في الانتخابات التشريعية بقائمة مستقلة عن الاتحاد الوطني، وحصولها على عدد كبير في انتخابات سنة 2009.واصبحت منافسة قوية للاتحاد الوطني.

ب- تهميشه من قبل حليفه الاستراتيجي الحزب الديمقراطي ، مما اوصلت الحالة الى تهديد بالاتفاقية الاستراتيجة المبرمة بينهما. وابعاد عناصره عن المناصب الادارية ومراكز اتخاذ القرارات ، على صعيد الاقليم والحكومة المركزية ، وخير مثال على ذلك، ما حدث مؤخرا في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة في بغداد والموصل. وتقدم الحزب الديمقراطي شكوى على حليفه لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالنسبة لمجلس محافظة بغداد ، واستحواذه على المناصب المهمة في ادارة محافظة نينوى، وحرمان حليفه من اي منصب في المحافظة.

ج- ان غياب رئيس الحزب مام جلال طالباني ، نتيجة لمرضه ، قد ترك فراغا كبيرا في قيادة الحزب، اثرت هذه الحالة على ظهور تكتلات بين العناصر القيادية العليا في الحزب ، والمتمثلة في كوسرت رسول، وبرهم صالح ، وملا بختيار ، والسيدة هيرو عقيلة الرئيس جلال طالباني، وعادل مراد . وانعكست تأثيراتها على وحدة قرار الحزب تجاه المتغيرات السريعة التي حدثت في الاقليم في الاونة الاخيرة ، وخاصة العلاقة مع الحكومة الاتحادية، وعلى صعيد الاقليم والعلاقات الاقليمية مع تركيا وايران، وملفات النفط والفساد، واخيرا حول الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجالس المحلية ، وحول دستور الاقليم. وتراجع موقف الاتحاد من طروحاته بهذا الخصوص . والموافقة على تمديد مدة رئاسة الاقليم لسنتين، وتأجيل انتخابات المجالس المحلية والبلديات لمدة شهرين الى 21 تشرين الثاني /نوفمبر 2013 . اثرث كل هذه العوامل سلبا على نتائج الانتخابات، وبالتالي يضطر الحزب الى تقديم بعض التنازلات للحزب الديمقراطي الكردستاني ، حتى يبقى ضمن الاتفاقية الاستراتيجية معه، ويحافظ على بعض المكاسب بالسلطة والنفوذ السياسي في الاقليم والحكومة الفيدرالية.

6- اما بخصوص حركة التغيير، فقد حققت نتائج جيدة ،وتأتي في المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذه الانتخابات ، رغم حداثة عهدها قبل اربع سنوات. وتعد هذه النتائج حافزا قويا ومهما ودافعا لكي تتطلع الحركة على مستقبل باهر، وامكانية تحويلها الى حزب جماهري واسع مستقبلا.

يتطلب ذلك ان تطرح الحركة رؤيتها وبرنامجها الاستراتيجي بكل وضوح وشفافية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. توجيه نضالها السياسي لاجراء الاصلاحات والتغييرات الاساسية والضرورية في الاقليم ، وذلك من خلال مكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري والمستوطن بقوة في الاقليم على المستويين الحزبي والاداري. ومحاربة التفاوت الطبقي من جراء الفجوة الكبيرة بين الاغنياء والفقراء ، ومعالجة مشكلة تفاقم حجم البطالة ، جراء السياسة النيوليبرالية المتبعة من الحزبين الحاكمين والمتنفذين في الاقليم اكثر من عقدين. واعتماد استراتيجة بناءة في التنمية الوطنية المستدامة . والدفاع عن المكتسبات المتحققة ، وتطوير مفهوم الفيدرالية وافاقها المستقبلية ، ومعالجة مشكلة المناطق التي لم تنضم لحد الان الى الاقليم الحالي، وخصوصا مسألة كركوك. والابتعاد عن الانشغال بالقضايا الجانبية وشخصنتها مع الحزبين الرئيسيين، وخاصة مع الاتحاد الوطني الكردستان ، مما تبعدها عن الاهداف الاساسية المنشودة من اجلها الحركة .

7- اما الاحزاب والتيارات السياسية الاسلامية فانها مرتبطة بالاجندة الخارجية في الدول الاقليمية ، وخاصة السعودية وقطر وتركيا. وهي جزء من احزاب جماعة الاخوان المسلمين، ويتم تمويلها ماديا ومعنويا من هذه الدول ومن حكومة الاقليم . لها ايضا بيئة دينية واجتماعية حاضنة في المناطق الفقيرة والنائية من قرى وارياف اقليم كردستان العراق . تمتلك قنوات اعلامية ومنابر الجوامع، تنطلق منها فعليا للتعبير عن الهوية الايدلوجية الحقيقية لهذه الاحزاب ، التي تهدف وتطمح للوصول الى السلطة ، وتأسيس "الخلافة الاسلامية". لقد حققت بعض النجاحات ووصلت الى البرلمان في الدورات السابقة، و اليوم هناك تراجع نسبي في قاعدتها الشعبية ، وذلك لأسباب موضوعية ، منها انتكاسة حركة الاخوان المسلمين في مصر، ومواقف التيارات الاسلامية الجهادية المقاتلة تجاه الشعب الكردي في سوريا، وتماطل اردوغان في الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا، و تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية ضد حكومته .

8- لا يزال دور العامل الذاتي ضعيفا بالنسبة للاحزاب الاخرى من الشيوعيين والكادحين والاشتراكيين وبقية اليسار .بالاضافة الى تهميشها من طرف الحزبين الحاكمين والرئيسيين، منذ اكثر من عقدين . ومحاولاتهما شراء الذمم، وتقديم المنافع الاقتصادية والادارية لبعض قيادات هذه الاحزاب ، بهدف ابعادها عن الجماهير والحد من نشاطاتها ومشاركتها الفعلية في عملية صنع القرار السياسي، مما اثر ذلك على تراجع كبير في جماهيرتها ، وصعوبة تمكنها من الحصول على المقاعد في البرلمان لدورات عديدة ، والتي لا تتناسب فعليا مع تاريخها ونزاهتها ووطنيتها، ودورها المشرف في حركة تحرر الكردية والنضال الوطني.

9- ضمن المعطيات الجديدة التي افرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية في الاقليم ، يعتبرحزب الديمقراطي الكردستاني الجهة الرئيسية في البرلمان في دورته الحالية ، لأمتلاكه على 39 صوتا. وفي حالة اتفاقه مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يملك 18 صوتا والاتحاد الاسلامي المعارض 10 اصوات، والذي اعلن في وقت سابق رغبته للاشتراك في الحكومة القادمة ، واكثر من نصف اصوات (الكوتا)، ستحصل مجتمعة على الاكثرية الساحقة في البرلمان . وستكون لهذه الكتلة البرلمانية ايضا فرصة اكبر لتشكيل كابينة الحكومة الجديدة بمعزل عن حركة التغيير ، التي لم تطرح لحد الان الرغبة للمشاركة في حكومة يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني .

كما ستكون للاحزاب والكيانات السياسية الاخرى دور معارض فعال ونشط في البرلمان ، وايضا في مراقبة اداء الحكومي.

آن الاوان لادارة الاقليم الجديدة ، التفكير الجدي وباخلاص للانتقال الى مرحلة جديدة. تتبنى فيها رؤية استراتيجية واضحة وشفافة ، لاجراء الاصلاحات والتغييرات المهمة والجذرية في نهجها السياسي والاقتصادي وهيكلتها الادارية .تستند على مفاهيم العدالة الاجتماعية ، وممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية ، وعدم اختزالها فقط بالانتخابات ، واحترام كرامة وحقوق الانسان. التركيز على تطوير مفهوم الفيدرالية ، وترسيخ اسس اسس مستقبلها ومؤسساتها وقوانينها.التعميق والحفاظ على المكتسبات المتحققة، من خلال تفعيل المؤسسات الادارية واحترام استقلالها وسيادتها وفق اسس الادارة الرشيدة وسلطاتها، كي تقوم بمهامها على احسن وجه ، بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في شؤونها ، والتسلط على مراكز القرارات في اداءها. وتفعيل دور الجماهير للمشاركة في عملية صنع القرارات المصيرية. وانتهاج سياسة واضحة وشفافة في عملية اعادة وبناء الاقليم، وفق استراتيجية بناءة للتنمية الوطنية المستدامة.

بذل جهود استثنائية لجمع البيت الكردي ، من خلال توحيد الخطاب السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي . وتفعيل دور العامل الذاتي، من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة ، بامكانها ان تؤثر بصورة افضل على العامل الخارجي ، وبوسعها وحدها ادارة الكيان الفيدرالي على خير وجه. كذلك الاستفادة العقلانية والواعية من الظروف الخارجية والتجارب السابقة ، وعدم التورط في الاضطرابات والمؤامرات الدائرة في المنطقة ، وقد يطول امدها وتكلف خسائر بشرية ومادية باهضة. وبذل كل الجهود والامكانيات من اجل تحقيق طموحات الشعب الكردي، وايجاد الحل العادل لقضيته الانسانية والقومية والوطنية في اقامة دولة كردستان الكبرى.
 

 

free web counter