| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الجمعة  18 / 7 / 2014



مجموعة "بريكس" الاقتصادية، وتحديات المستقبل

د. صباح قدوري
 
حدث صعود الهيمنة الامريكية على مقدرات الكون السياسية والاقتصادية والعسكرية، على إثر الانتكاسة التي أصابت النظام السياسي والاقتصادي في الاتحاد السوفيتي السابق، والبلدان التي كانت مرتبطة به في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وتحاول أمريكا منذ ذلك الوقت استكمال السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم، مستندة على الطروحات التي تطرحها الليبرالية الجديدة ومعلمها الاول الكاتب والاقتصادي فرنسيس فوكوياها، الذي اعتبر هذه الانتكاسة بمثابة نهاية التاريخ للفكر الماركسي، وبداية عهد للنظام الليبرالي،وهو كذلك انتصار لاقتصاد السوق وهيمنة امريكا على العالم في كافة مجالات الحياة.

مجموعة "بريكس"،هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006. وهو مختصر للحروف الاولى (BRICS) اللاتينية المكونة لاسماء الدول صاحبة اسرع نمو اقتصادي في العالم. وهي: البرازيل، روسيا، الهند،الصين، وجنوب أفريقيا. عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع في ييكاترينبرغ ، روسيا في حزيران 2009 ،حيث تضمن الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. وعقد اول لقاء على المستوى الاعلى لزعماء دول "برهص" في يوليو/تموز عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية، حيث اجتمعت انذاك قمة "الثماني الكبرى"، وشارك في هذه القمة كل من رؤساء روسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية، والبرازيل، ورئيس وزراء الهند ، واتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. .(
انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).

ان هذه المجوعة كانت في البداية اسمها "بريك". وقد انضمت جنوب أفريقا اليها في عام 2010 ، فتحولت اسمها الى "بريكس". وقد عقدت قمة "بريك" الأولى في ييكاترينبرغ الروسية في العام 2009، للبحث عن مخرج من مضاعفات الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن، سرعان ما بدأ البحث في مشاريع استثمار مشتركة بين هذه الاقتصادات، وفي القمة الثانية التي عقدت سنة 2010، في العاصمة البرازيلية، وبعد مناقشة المسائل المتعلقة بالتجارة البينية بين الدول الأربع، تم إنجاز الخطوة الثانية، وهي توقيع اتفاقات بالغة الأهمية بين مؤسسات بلدان بريك المالية، وتم الاتفاق على التعاون في مجال السياسات المالية، وأما القمة الثالثة فعقدت في الصين سنة 2011، ووضعت قمة "بريكس" نصب أعينها مهمة البحث في إصلاح منظومة التمويل العالمية والنظام النقدي والمالي الدولي القائم ،وتنويع نظام عملة الاحتياط الدولي الذي يسيطر عليه حاليا الدولار الامريكي. ووقعت اتفاقاً إطارياً للتعاون في مجال الإقراض بين بنوك التنمية في الدول الأعضاء وبين عملاتها، وفي القمة الرابعة التي عقدت في نيودلهي عام 2012، تم الاتفاق على تشكيل بنك بريكس المتحد. وفي قمة مجموعة "بريكس" الخامسة التي عقدت في ديربان بجمهورية جنوب افريقا عام 2013، للتباحث على وضع ستراتيجية طويلة الامد للتعاون الاقتصادي من شأنها ان تراعي خطط التنمية في كل بلد ، وتساهم في الوقت ذاته في نمو اقتصادات بلدان المجموعة.كما وعقد خلال يومي 15و16 من يوليو/تموز الجاري ، اجتماعا على مستوى الرؤساء للدول المجموعة في مدينة فورتاليزا البرازيلية، لوضع ستراتيجية انطلاق مؤسسة مالية جديدة ، بهدف تكوين احتياطي عملات تقيها التقلبات والمخاطر والمشكلات المالية المحتملة ، كعجز الموازنة واسعار صرف العملات البلدان النامية امام الدولارالامريكي، وتقلل الى حد ما من هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين على اقتصادات البلدان النامية والتدخل في سياساتها السيادية.

من المتوقع ان يبلغ رأسمال البنك الذي سيكون باسم (بنك التنمية الجديدة) ، 100مليار دولار امريكي، منها 50 مليار راسمال مخصص، و10 مليار راسمال مدفوع و40 مليار تحت الطلب، علماً بأن رأس المال المدفوع سيتم تشكيله في غضون سبع سنوات.

يمكن تلخيص دور وفاعلية"بريكس" الاقتصادية، ومؤسستها المالية الجديدة من الجوانب الاقتصادية والسياسية، ضمن العلاقات الدولية السائدة وافاقها المستقبلية، بالاتي :

1- قدرة دول "بريكس" الصاعدة اقتصاديا، وذلك للكثافة السكانية فيها، وهي تشكل قرابة ثلث سكان العالم ، وتمثل ما يزيد على ربع مساحة المعمورة. وامتلاكها المواد الاولية وخاصة الطاقة والنفط والغاز والحديد والموارد الطبيعية الاخرى، والتكنلوجيا المتطورة، والقوة البشرية المؤهلة لعملية الانتاج والبناء.

2- تحقيق ناتجا محليا اجماليا اسميا مجتمعا بقيمة13.6ترليون دولار امريكي، وهو يقدر ب 19.5 في المائة من اجمالي الناتج المحلي في العالم عام 2011. وقد نمت التجارة فيما بين دول "البريكس" بمتوسط سنوي نسبته 28 في المائة من 2001 إلى 2010 ووصلت إلى 239 مليار دولار في 2010، لتمثل نسبة أكبر بكثير من التجارة الدولية.وتساهم ب15 في المائة من التجارة العالمية، ويبلغ مجموع احتياطيتها من النقد الاجنبي 4 ترليون دولار، مما تؤهلها في تقوية وتعزيز دورها في المحافل الدولية.

3- القدرة العسكرية العالية، وخاصة الصين وروسيا، والهند ، وامتلاكها القوة النووية، مما تساهم في ايجاد التوازنات العسكرية وابعاد شبح الحرب، وتعزيز نهج السلم في العلاقات الدولية.

4- توحيد العملة بين هذه المجموعات في التعامل التجاري في المدى المنظور ،وذلك لمواجهة عدم فرض فقط الدولار الامريكي المعمول به في التعامل التجاري الدولي حاليا.

5- منافسة صندوق نقد الدولي والبنك الدولي في سياستها تجاه الدول النامية والصاعدة ، وذلك من خلال السياسة الاستثمارية والائتمانية الضرورية والمهمة ، التي تساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لهذه الدول، من خلال تقديم القروض بفوائد مقبولة، والمساهمة في بناء المرتكزات الضرورية للبني التحتية ، وعدم التدخل في سياساتها السيادية.

6- يهدف البنك الجديد إلى تمويل المشاريع التي تعود بالنفع على البلدان النامية وليس على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. والافضلية سيكون للمشاريع الخارجية بدلا من الخاصة بالدول الاعضاء.الحد من سياسة التوسع و الهيمنة الامريكية والاوروبية في العلاقات الدولية التجارية ،وفرض سياستها على العالم كقطب واحد، وايجاد نوع من توازن للتحكم في الاقتصاد العالمي .

7- سيعمل البنك بشكل وثيق من أجل الشراكة مع بنوك التنمية الإقليمية بهدف تعزيز فاعلية العمل الجماعي. وسيكون مكملا للمؤسسات التنموية القائمة مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.

8- ان تاسيس مجموعة "بريكس" وحجم تنميتها السريع ، سيساعد على تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، واحداث توازن امام القوة المطلقة للدول الصناعية المتقدمة، والاتجاه نحو عالم متعدد الاقطاب.

9- وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة، بصرف النظر عن تأثير الأزمة المالية العالمية، وصل إلى 7.1 في المائة في العام 2010و الى 6.4 في المائة فى العام 2011.

10- تحاول هذه المجموعة انشاء المؤسسات المالية الاقليمية الهادفة الى دعم النمو والتنمية المستدامة على المستوى العالمي ، وتكون رديفة ومنافسة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية من صندوق النقد والبنك الدوليين المسيطر عليهما اداريا وسياسيا وفي قراراتها المهمة ، الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية، وتحرير العالم من تاثيرتها السلبية المعروفة على نمو اقتصاديات بلدان العالم الثالث.

11- وعلى الصعيد السياسي، وافقت الدول الخمس في منظمة "بريكس" وفي مناسبات عديدة، على موقف موحد بشأن القضايا الدولية الرئيسية. وعلى سبيل المثال، أكدت الكتلة في إعلان الحاجة إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي سعيا لتحسين تمثيل أصوات ومصالح الاقتصادات الصاعدة. وفيما يتعلق بالمسألة الليبية، امتنعت الدول المؤسسة في البريكس عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا. في حينه، تعارض عسكرة النزاع في سورية، وبناء المستوطنات الاسرائيلية الجديدة يخالف القانون الدولي، وتؤيد سياسة السلم والحوار، بدلا من سياسة التدخلات العسكرية بشأن البلدان التي يتواجد فيها مشكلات كالعراق واوكرانيا وغيرها لحل الازمات السياسية.

وختاما، وبشكل عام، فإن صعود "البريكس" يجلب أخبارا سارة للعالم لوضع نظام اقتصادي أكثر عدلا ومعقولية، تسمع فيه أصوات الدول الصاعدة وآرائها مسموعة على نحو أفضل. ويتعين على الدول المتقدمة الآن أن تواجه الحقيقة وهى أن المشهد الاقتصادى والسياسى العالمى قد تغير، وأن النظام الاقتصادي التقليدي يفسح الطريق أمام نظام جديد أكثر عدلا وتوازنا ومعقولية. بيد أن النظام الاقتصادي الجديد المرتقب لا يمكن أن يحل محل النظام الراهن ما بين عشية وضحاها. فسوف يتشكل بالتدريج بجولات من التنسيق والتعاون بين أعضاء البريكس، وبين البريكس والاقتصادات الصاعدة الأخرى، وبين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة.

 

free web counter