| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 17/4/ 2013



اوجه التشابه والاختلاف بين ديكتاتورية صدام والمالكي

د. صباح قدوري

كلمة ديكتاتورية مشتقة من الفعل اللاتيني (
dictātus) وتعني يملي او يفرض او يأمر.
ان نظام الحكم الديكتاتوري، هو شكل من اشكال الحكم المطلق، حيث تكون قرارات سلطات الحكم محصورة في شخص واحد كالملكية او مجموعة معينة كحزب سياسي او ديكتاتورية الجيش . وهناك نمطين من الديكتاتورية في الحكم : الدكتاتورية الفردية ، وتكون بتسلط فرد على مقومات الدولة تسلطا شاملا ، معتمدا بالدرجة الاساسية على القوة العسكرية والاقتصادية ، ويحيط نفسه بهالة من الحصانة والعصمة. والديكتاتورية الجماعية ، وتكون بتسلط جماعة على مقومات الدولة.(
انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).

واستناداً الى هذا التوضيح المختصر (من دون الدخول في التفاصيل) عن تعريف وانماط النظام الديكتاتوري في الحكم، نستطيع اقرار الحكم الديكتاتوري على صدام والمالكي ، كالاتي:

في حكم صدام

1- مجئ صدام الى الحكم عن طريق حزب البعث بعد الانقلاب الاسود المشؤوم في 63 وكذلك في 68، الذي صعد صدام الى دست الحكم بعد ازاحته للبكر من السلطة وليس عن طريق الانتخابات المعروفة. ظهرت بوادر تحول حزب البعث فيما بعد الى حزب ديكتاتوري في اواخرالسبعنيات من حكمه. وبعد هذا التاريخ حاول صدام الانفراد في السلطة كديكتاتور بدلا عن الحزب ، وذلك بعد تأميم النفط في عام 1972 وارتفاع اسعار النفط في اواسط السبعينيات وزيادة الايرادات الريعية من النفط ، مما ساعد النظام في تقوية العامل الاقتصادي في الحكم.
2- استغل صدام الموارد الريعية الهائلة من بعد تاميم النفط في بناء جهاز حكم بيروقراطي على صعيد الوزارات ورؤساء المحافظات والاجهزة العليا في مستويات ادارة الدولة كموالين له بشكل مطلق.
3- بناء قاعدة اجتماعية طفيلية ومافيات من المحسوبين لصدام من اواسط الحزب البعث وكذلك من العشائر الموالية اليه وفي مقدمتهم من اهالي تكريت والعوجة مسقط راس صدام، وعشائر المنطقة الغربية السنية وفي الموصل، عن طريق شراء الذمم وانتشار الفساد الاداري والمالي فيهم.
4- استثمار مبالغ هائلة في تقوية ترسانة الجيش وتوسيح وحدات الجيش عن طريق بناء الالوية الموالية له بشكل مطلق. وكذلك الحال في قوات الشرطة، وخاصة بعد ازاحة ناظم كزار عن سلطة وزارة الداخلية والامن، وتصفية اعوانه والمجئ بانصار صدام لفرض هيمنته على الجهاز الاستخباراتي للجيش والشرطة. والهيمنة التامة على وسائل الاعلام المختلفة في الداخل ، وتمويل قسم منها في الخارج ايضا للدعاية والتأييد لسياسته الديكتاتورية.
5- تأسيس وحدات خاصة من الحرس الجمهوري وفدائيي صدام موالين بشكل مطلق لحكمه، والاعتماد عليهم كقوة رئيسية واداة فعالة في عمليات القمع والارهاب وتصفية المعارضة باشكالها المختلفة في داخل وخارج العراق.
6- كسب تأييد البلدان العربية باسم العروبة والقضية الفلسطينية ومحاربة الصهيونية كذبا وبعيدا عن الواقع والحقيقة
وذلك عن طريق تقديم الرشاوي وكسب ود كثير من رؤساء هذه الدول، وخاصة الخليجية منها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي اليه فيما بعد في حربه غير العادلة ضد ايران في الثمانينات، وضد الكويت في التسعينيات من القرن الماضي.
7- كان عميلا للاستخبارات المركزية الامريكية (سي اي اي)، ومتعاونا ومنفذا للسياسة الامريكية في المنطقة وشريكا اقتصاديا مع روسيا، عندما قامت بدعمه في عملية تأميم النفط، وبدعم وتأييد من الحزب الشيوعي العراقي الذي كان متحالفا مع حزبه في بداية مجيئه الى سدة الحكم في اواسط السبعينيات.

كل هذه العوامل الداخلية ، الاقتصادية والجيش والشرطة والعشائر واجهزة الدولة البيروقراطية ، والسيطرة على وسائل الاعلام المختلفة للدعاية والتمجيد له ، وحصر كل السلطات الحكم بمجلس قيادة الثورة وهو على راسه وبينه وبين شلة من اعوانه لا حول ولا قوة لهم ، بالاضافة الى التأييد العربي والاقليمي عدا ايران، وعمالته لامريكا. ساعدت كل هذه العوامل بان يبرز صدام دكتاتورا على راس نظام الحكم في العراق لغاية سقوطه بيد الاحتلال الامريكي في 9 نيسان 2003 . ويتصف نظام حكم صدام بسمات الديكتاتورية ، كالاتي:

1- قمع الشعب وكل المعارضة ، وشن الحرب العبثية في الداخل ضد الشعب الكردي وحملات الانفال سيئة الصيت، والحروب الخارجية ضد الجارتين ايران والكويت.
2- تحطيم البني التحتية والانهيار الاقتصادي من انتشار الفقر والبطالة وارتفاع التضخم بشكل لا مثيل له في تاريخ العراق، وسوء الخدمات وفرض الحصار الاقتصادي على العراق طال امده 13 سنة. كما وفرض حصار الاقتصادي الداخلي على الاكراد.
3- تفكيك البنية الاجتماعية للشعب العراقي وظهور بوادر الطائفية والشوفينية ومحاربة الاقليات . وابقاء الشعب على الجهل والتخلف. واستغلال الدين بعد اخفاقاته في حروبه المجنونة، ووضع شعار الله اكبر على العلم العراقي ، وبناء المساجد، ومحاربة النشاطات الثقافية التنويرية والمحلات العامة للغناء والموسيقى وشرب الحكول واقامة المهرجانات الفنية وغيرها.
4- اشغال الشعب بعدو وهمي، تارة ضد ايران واخرى ضد الكويت او محاربة الصهيونية والامبريالية او غيرها، وتحميسه ضد هذا العدو، كما في حربه مع ايران وسماها (بالقادسية)، والانفال ضد الاكراد.

في حكم المالكي

1- مجئ المالكي الى الحكم للمرة اولى على راس حزب الدعوى في قائمة دولة القانون عن طريق الانتخابات في سنة 2005، وللمرة الثانية في 2010 عن طريق التحالف الشيعي المسمى بالتحالف الوطني/ دولة القانون، بعد ان تم التوافق بين الاطراف المشاركة في الحكم من الكثل السنية المتمثلة بالقائمة العراقية ، التي فازت باكثرية الاصوات، والكتلة الكردية المتمثلة بالتحالف الكردستاني.
2- ركز المالكي في بداية حكمه على معالجة الجانب الامني والقضاء على الميلشيات الداخلية ومحاربة القاعدة وبقايا ازلام النظام الديكتاتوري البائد. والتعاون في مغادرة قوات الاحتلال الى دولها وخاصة الامريكية، وعقد الاتفاقية الامنية والاقتصادية مع امريكا، مع تقوية العلاقة مع النظام الايراني.
3- بعد تحسين وتأهيل اداء القطاع النفطي عن طريق الاستثمارات الخارجية ، ورفع الطاقة الانتاجية للتصدير الى 2,5 (مليونين ونصف مليون برميل يومياً) ، وارتفاع اسعار البرميل الواحد من النفط من 2005 الى اليوم بمعدل اكثر من 100 دولار ، مما ساعد على زيادة الموارد المالية الريعية للعراق بشكل كبير، واصبح لدى حكومة المالكي امكانية مالية واقتصادية هائلة ، كما حدث ذلك ايضا في اواسط السبعينيات من عهد صدام حسين بعد تأميم النفط.
4- بدأ المالكي ببناء جهاز دولة بيروقراطي على صعيد الوزارات والاجهزة العليا في المستويات الادارية المختلفة، تحت تسميات مختلفة ،كالتوافقية والشراكة الوطنية، وعلى اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية ،والمحسوبية والحزبية الضيقة، مع بقاء الوزارات المهمة من الداخلية والامن القومي تحت قبضته وسيطرته بشكل مطلق، على وزارة الدفاع ، وهي موكلة بشكل شكلي الى سعدون الدليمي ، وقرارات الجيش المهمة بقيت بحوزة المالكي ، لكونه القائد العام للقوات المسلحة.
5- بناء قاعدة اجتماعية طفيلية ومافيات من المحسوبين على المالكي وعناصر من حزبه وشركائه المقربين من الاوساط الشيعية ومن العشائر الموالية اليه في جنوب ووسط العراق عن طريق شراء الذمم وانتشار الفساد الاداري فيهم بدرجة كبيرة لم يشهد لها تاريخ العراق الحديث من قبل، بهدف تقديم الولاء اليه وبقائه وسيطرته على قبضة السلطة الى امد غير محدد. وتعتبر هذه الحالة بداية توجهه نحو فرض النظام الدكتاتوري قد منحه الدستور الحالي ، مليئة بالمفخخات، ولابد من تعديل كثير من فقراته ، وفق ما جاء في الدستور نفسه في فترة زمنية محددة بذلك، الا انه لم يتم ذلك لحد الان من البرلمان.
6- استثمار مبالغ طائلة في اعادة بناء وتقوية ترسانة الجيش وتوسيع وحدات الجيش عن طريق بناء الالوية الموالية له بشكل مطلق. وكذلك الحال في قوات الشرطة ، وسلطته المباشرة على وزارتي الداخلية والامن القومي ، باعتباره وزيرا لهما بالوكالة، واعطاء مسؤوليات مهمة في هذه الوزارات الى اعضاء حزبه والعناصر المواليه اليه، بهدف الهيمنة على اجهزة الجيش والشرطة والامن والاستخبارات، مع تأسيس وحدات عسكرية خاصة مواليا بشكل مطلق لحكمه.
7- كسب تأييد بعض البلدان العربية وغيرها لحكمه عن طريق تقديم الرشاوي والهبات الاقتصادية والعمولات في الصفقات التجارية مع الشركات في هذه الحكومات منها على سبيل المثال ، تجهيز النفط باسعار منخفضة الى الاردن ، تقديم تنازلات للكويت والاستمرار في دفع التعويضات وتسوية النزاعات الحدودية معها لصالح الكويت. وعدم تسوية النزاعات الحدوية مع ايران ، بعد اتفاقية الجزائر. تقديم مساعدات نقدية الى مصر والتعويضات للعاملين المصرين في العراق ابان النظام البائد اثناء حربه مع ايران. انفتاح ابواب اسواق التجارية والشركات على مصراعيها للجارتين ايران وتركيا.
8- يرتبط المالكي بعلاقة جيدة وصداقة سياسية واقتصادية وامنية مع حليفه الاول امريكا وحليفه الثاني ايران، وهما معادلتين مهمتين في سياسة منطقة الشرق الاوسط والبلدان العربية حاليا، وكذاك علاقة اقتصادية جيدة مع روسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية وبعض البلدان الاوربية ، وخاصة الوحدة الاوربية منها .
كل هذه العوامل الداخلية ، الاقتصادية والجيش والشرطة والعشائر واجهزة الدولة البروقراطية ، والسيطرة على وسائل الاعلام المختلفة للدعاية والتمجيد به، وسيطرته على الوزارات الامنية والشرطة والجيش ، بالاضافة الى التأييد العربي النسبي والاقليمي، وخاصة ايران ومع امريكا وروسيا والصين والبلدان الاوربية ساعدت كل هذه العوامل ، بان يتوجه المالكي نحو النظام الدكتاتوري على راس نظام الحكم في العراق. ويتصف نظام المالكي بسمات الديكتاتورية، كالاتي:

1- استغلال الدين لتثبيت حكمه.
2- تفشي نظام الفساد الاداري والمالي على المستويات الحزبية والادارية ، بشكل لا مثيل له في تاريخ العراق الحديث. وقد بلغت موارد العراق خلال الخمس سنوات الاخيرة 465 مليار دولار، تم تبديد قسم كبير منها في مشاريع وسياسات لا علاقة لها بتحقيق التنمية الوطنية، ونهب عشرات منها بالفساد المالي والاداري. ويحتل العراق الان المرتبة الثالثة بعد الصومال وافغانستان في الفساد المالي والاداري . بلغ مستوى خط الفقر بين ابناء الشعب العراقي الى اكثر من 20%. انتشار البطالة ، حيث اصبحت اكثر من 25%. كما وان نسبة التضخم لا زال عاليا، وعدم استقرار العملة.
3- خلق ازمات مفتعلة مع شركائه في الحكم ، وخاصة مع الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق.
4- نشر النعرات والخلافات الطائفية والمذهبية والدينية والاثنية بين مكونات الشعب العراقي، على حساب المواطنة والوطنية . ابقاء الشعب على الجهل والتخلف، من خلال تكييف العلوم والمعرفة وبلورتها حسب ايدولوجيته الدينية.
5- الاخفاقات الاقتصادية في كافة القطاعات، الانتاجية والتجارية والخدمية وخاصة في الخدمات الاساسية من توفير ماء الشرب والكهرباء والوقود والادوية والصحة والتعليم والطرق والمواصلات، وتدني مستوى البني التحتية ، وغيرها.
6- تشكيل الشعب بقالب معين ، وتدجينه وفق ايدولوجية دينية متخلفة . ومحاربة الافكار التنويرية والحداثة والمنطق وتكفير المناطقة، وكل ما يخالف روح العصر من الديمقراطية والمساواة لحق المرأة والحقوق العامة والخاصة للمواطنة، وعدالة القانون والحقوق الاجتماعية.

والاختلاف بين الاثنين في تكريس الديكتاتورية والنظام الديكتاتوري ، هو ان صدام استخدم العنف ضد معارضه ، مما سبب باشعال الحروب الداخلية والخارجية ، وقمع الشعب بالحديد والنار والقتل والتشرد والهجرة والابادة الجماعية للشعب الكردي وضد المذاهب الدينية ، وخاصة الشيعية ، والقبور الجماعية هي خير دليل على ذلك.

اما المالكي فهو في بداية طريقه الى الدكتاتور. وان مدة حكمه قصيرة ثمانية سنوات ، وهي اقل بكثير من حكم صدام حسين، الذي دام بحدود 30 سنة. كما وان الوضع الدولي السياسي اليوم يختلف عن ما كان عليه قبل ثلاثين سنة مضت. وهل ان بقاء المالكي مدة اطول في حكمه ، سوف يغيره ليؤمن بالتعددية السياسية وبمبدأ تداول السلطة سلميا وفصل الدين عن حكم الدولة، أم قد يحوله الى دكتاتور اكبر من صدام؟، وهل ان الشعب العراقي وقواه المخلصة الوطنية والديمقراطية والتقدمية والانسانية ، و منظمات المجتمع المدني ، قادرة للتصدي على الديكتاتورية وعدم اعطاء فرصة للمالكي للاستمرار في دكتاتوريته ؟.

الجواب على ذلك ، قد تكون مرهوناً بالعامل الداخلي بالدرجة الرئيسية ، خاصة بنتائج الانتخابات النزيهة المحلية الحالية ، والانتخابات التشريعية القادمة في العام 2014 ، وبالعامل الخارجي على صعيد الموازنات في السياسات الاقليمية والدولية التي تفرض نفسها على المنطقة في المدى المنظور.

 


 


 

free web counter