| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الخميس 17/1/ 2013



تفاقم الازمة بين الاطرف المشاركة في العملية السياسية ، والمضحي الاول والاخير ،هو الشعب العراقي
 

د. صباح قدوري  *

منذ الانتخابات التشريعية الماضية في سنة 2010 ، واعادة السلطة التنفيذية مرة اخرى الى التحالف الوطني ، بقيادة حزب الدعوة، المتمثل بدولة القانون، وتشكيل الحكومة برئاسه نوري المالكي على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية. اخفقت هذه الحكومة وسابقتها في تعاملها مع شركاءها، لتوحيد الخطاب السياسي الحكومي على اسس الديمقراطية والشراكة الحقيقية ،ولمّ شمل البيت العراقي وفق معايير المواطنة والوطنية، بل بالعكس ادت النتيجة الى التباعد وعدم الثقة بين الاطراف السياسية المشاركة في الحكم ، وحتى بين أطراف التحالف الوطني نفسه، حيث أن التيار الصدري بين الاونة والاخرى يبدي تأييده لبعض الطروحات والاراء التي تبديها الاطراف الاخرى المشاركة في الحكومة وخصوصا الكتلة العراقية والكردستانية , مما أدى الى ظهور هذه المناكفات الواضحة في الازمة الاخيرة .

استمرت هذه الحالة الى يومنا هذا ، مما اسفرت الى تعميق ازمة الثقة بين الاطراف المشاركة في الحكومة، وارتفاع حدة الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي , وتدويلها بشكل واضح للعيان .افتعال المشاكل ووضع العراقيل من قبل الكتل المشاركة في الحكم، واتباع سياسة ديماغوغية والتلاعب بمشاعر ومقدرات الشعب العراقي، وبث الضغائن بين مكوناته، وضرب بعضها ببعض، قد تقود هذه الحالة الى ارجاع العراق مرة اخرى الى المربع الاول، التي قد تؤدي الى نتائج كارثية، واندلاع حرب مذهبية وطائفية وعرقية، او تمزيق وتفكيك العراق الى ولايات وامارات، تحكم وفق المنطق المذهبي والطائفي والاثني، ، هذا ما يشير اليه العامل الذاتي – الداخلي، والمؤيد له بقوة الاجندات الخارجية التي تخطط لذلك، وفق خارطة الطريق المرسومة للشرق الاوسط الجديد من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وتنفذها كل من قطر والسعودية، وتهرج لها الفضائيتين العربية والجزيرة، وبقيادة تركيا في المنطقة. ومن جهة اخرى التدخل الايراني السافر في شؤون العراق الداخلية منذ سقوط الصنم الى يومنا هذا، بذريعة وحجج دعم الشعب العراقي ومساعدته سياسيا واقتصاديا ، في بناء نظامه الجديد، وتضامنا معه لطرد المحتل واقامة نظام ولاية الفقيه .

ان انظمة الحكم في العراق منذ تأسيسه ولحد الان كمسألة سياسية موضوعية ، تتأثر باستمرار في العامل الموضوعي في حسم موضوع شكل الحكم ، مع ضعف واضح دائما في العامل الذاتي، الذي من المفروض ان يلعب الدور الرئيسي في هذه العملية ، ويكرس العامل الموضوعي للاستفادة منه لصالح العامل الذاتي.

ان اصرار الاحزاب المهيمنة على بقائها في الحكم ، بدل الحوار الحضاري والمصالحة الحقيقية، مع اشتداد حالة التنافس بينها للانفراد والاستحواث بالسلطة، وتوسيع النفوذ والاستيلاء على المال العام، وعدم اقرار تداولها، اضعف العامل الداخلي، والتجأت كل من الاطراف المنخرطة في الحكم الى التعاون مع الاجندات الاقليمية والدولية المشار اليها آنفا، لخلق البلبلة وعدم الاستقرار في العراق. وهكذا تشابك العامل الداخلي مع العامل الخارجي ، مع طغيان تأثير الاخير على حساب الاول، وبذلك فقدت الاطراف المشاركة في الحكم دورها الايجابي في معالجة الاوضاع التي آلت اليها الحالة العراقية منذ سقوط الديكتاتورية ولحد اليوم ،واصبحت اسيرة العامل الخارجي . فتحاول كل من حكومات تركيا وقطر والسعودية، المنفذة للسياسة الامريكية وحلفاءها في المنطقة ، تدويل الحالة العراقية الراهنة اسوة بالحالة السورية , واعطاء مقدمات لاندلاع المجابهات العنفية بين اطرافها، ومن ثم احتوائها ، بهدف اضعاف وافشال تجربة الحكم ، من خلال التدخل المباشر في شؤونها، بشكل يخدم مصالحها، و مصالح الامبريالية والصهيونية في المنطقة، والنتيجة نرى بأن المضحي والخاسر الاول والاخير هو ابناء الشعب العراقي المظلوم.

لقد حان الوقت للقوى السياسية اليسارية والديمقراطية والوطنية العراقية، المنخرطة ضمن مشروع التيار الديمقراطي والوطني ، الذي يعبر عن تطلعات واهداف كل اطياف والوان الشعب العراقي، ان يتبنى بجدية مطاليب الجماهير الشعبية ، وينهض بمسؤولياته ومهامه امام خطورة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المزري الذي يمر به البلد، واخراجه من هذه الازمة المستفحلة ، ويبادر قبل فوات الاوان، لاعادة الاعتبار والحيوية لتجربة شعبنا في النضال، وان تعاد روح المواطنة والوطنية فيه، ووضع العملية السياسية على مسارها الصحيح، على اسس الديمقراطية الحقيقية، والهوية الموحدة ،واحترام الهويات الفرعية، والاقرار بكافة حقوقها ومساواتها امام الدستور والقانون، ولتحقيق ذلك يتطلب من هذه التيار النزول الى الشارع العراقي ،وتحشيد الجماهير من كل القوى دون استثناء، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني،وتعبئتها واعدادها للتظاهر سلميا، وتحريكها مرة اخرى باسلوب نضالي صحيح ،والرجوع الى ساحة التحرير في بغداد وفي مدن اخرى، مطالبا باصلاح النظام وتحقيق المطاليب الشرعية والعادلة، ،في تحسين الوضع المعيشى، ومعالجة البطالة، وتأمين الامن والاستقرار، ،وضمان واحترام الحريات العامة والخاصة للانسان العراقي ، ضمن وحدة العراق الفيدرالي الحقيقي واستقرارها، ومكافحة الارهاب باشكاله المختلفة ضد الطائفية والمذهبية والاثنية، وعسكرة العراق، وفصل الدين عن السياسة ، ومحاربة الفساد الاداري والمالي المستشري في كل المرافق الادارية والحزبية الضيقة.

التأكيد على المطالبة باجراء انتخابات تشريعية مبكرة، هو الحل الامثل والدستوري لانقاذ البلد من هذه الازمة الخانقة، وذلك بعد تعديل قانون الانتخابات، وتشريع قانون الاحزاب السياسية، وتضمين سلامة عملية الاقتراع، ونزاهة العملية الانتخابية ، وان تجري تحت اشراف الامم المتحدة ، واجراء التعداد السكاني ، وان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، والمباشرة بالتغيير الموعود لبعض مواد الدستور الذي لم ينفذ لحد الان.

على التيار الديمقراطي ان ينهض بمهمته التاريخية ، لانقاذ البلاد من السقوط في الهاوية، التي يخطط لها انصار المحاصصة والطائفية والمذهبية والاثنية ، وبالتعاون مع الاجندات الخارجية ، التي تلعب دورا قذرا ولاأخلاقيا تجاه الشعوب في المنطقة ، وخير مثال على ذلك الحالة السورية، حيث اصبحت سوريا عبارة عن بحيرة من الدماء , والاف الشهداء من الاطفال والشبيبة والشيوخ، والمهجرين، اضافة الى الخسائر المادية، والخراب والفقر والجهل الذي حلّ بالبلد . فهل يلبي التيار الديمقراطي، امال شعبنا العراقي ،ويستقبل هذه المبادرة، من اجل خلاص العراق شعبا ووطننا , من هذه المحن، والابحار به الى شاطئ الامان .... ربما نعيش لنرى ذلك .



*
نائب رئيس جامعة ابن رشد/هولندا




 


 

free web counter