| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الجمعة 15/6/ 2012



هل دخلت العملية السياسية العراقية في نفق مسدود؟

د. صباح قدوري  

للجواب على السؤال المطروح في اعلاه ، لابد من سرد وباختصار شديد مشهد عملية التطور السياسي في العراق، وكالاتي:-

1- ان العملية السياسية الحالية ، هي امتداد للسياسة ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في عام2003 . بنيت هذه السياسة على اسس (المحاصصة الطائفية والمذهبية والاتنية).
وفي الانتخابات الاولى عام 2005،والتي فازت فيها الكتلة الشيعية وبالتحالف مع التحالف الكردستاني، وتم فيه ايضا اقرار الدستور الدائم للعراق عن طريق التصويت الشعبي عليه، والذي هو الاخر انعكس فيه مفهوم المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، بالاضافة الى الاستعجال في اعداده وتحت وصاية حكم المحتل انذاك. وقد اوجدت مصطلح اخر بجانب المحاصصة المذهبية والاثنية، مصطلح الحكومة (التوافقية)، والانفتاح على بعض القياديين من بقايا النظام البعثي السابق والبارزين والتي كونت هذه المرة الكتلة السنية، وكانوا معارضين للنظام السابق حسب ادعائهم، وبذلك تم تجميد قانون اجتثاث البعث، وتحويله الى قانون المساءلة والعدالة. ووفق مصطلح الحكومة التوافقية، تم انخراط كثير من هؤلاء البعثيين في الاجهزة الادارية الحكومية وخاصة في الجيش والشرطة . وساعد ذلك على توسيع نشاطهم السياسي والارهابي و بالتعاون مع دول الجوار، سوريا ، سعودية ، الدول الخليجية وبعض الانظمة من الدول العربية، مما ادى الى تصعيد ظاهرة الارهاب بالمفخخات والتفجيرات والاغتيالات ووسائل الارهاب الاخرى. وبالمقابل تعزز دور ايران في التدخل المباشر في سياسة العراق الداخلية والاقليمية ،وظهور مليشيات مسلحة للكتل الشيعية الحاكمة والمتحالفة مع كتلة التحالف الكردستاني، وبرزت مظاهر تصفية الحسابات بين فصائل الكثل الشيعية وخاصة التيار الصدري والحكومة الجديدة المنتخبة. استمرت هذه السياسة في الانشغال بالوضع الداخلي غير المستقر امنيا وتصعيد حدة الارهاب من القاعدة وبقايا ازلام النظام السابق المقبور، مع تردي وتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كافة مرافق الحياة ، وارتفاع عدد ضحايا الشعب العراقي بالقتل والتشريد والتهجير، وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي بشكل كبير، مع انعدام الخدمات الاساسية للشعب.

2- وقد استمرت هذه السياسة حتى الانتخابات الثانية في عام 2009 ، وفوز القائمة العراقية، التي يعبر معظم عناصرها عن مبادئ حزب البعث القديم والطائفة السنية تحت لافتة القومية العربية، وكانت تطالب بالسلطة بقوة، بعد تلقيها دعم مادي ومعنوي من معظم الانظمة في الدول العربية وكذلك تركيا، ولكن اخفقت في تحقيق اهدافها، بنتيجة بقاء التحالف الشيعي
(التحالف الوطني) والكردستاني (التحالف الكردستاني) واصبحت مجتمعة الكتلة الاكبر في البرلمان، وتم الاتفاق بموجب مذكرة التفاهم، التي انجزت مع كافة اطراف العملية السياسة الفائزة بالانتخابات، والتي سميت فيما بعد باتفاقية اربيل، على اعطاء الشرعية الدستورية لهذا التحالف لتقاسم المناصب المهمة في الرئاسات الثلاث التشريعية والحكومية والدولة، وفق اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، رئاسة الحكومة جلال طالباني كردي- التحالف الكردستاني، ورئاسة الوزراء نوري المالكي شيعي - التحالف الوطني ، ورئاسة البرلمان اسامة النجيفي سني - القائمة العراقية، وتحت مصطلح جديد باسم
(حكومة الشراكة الوطنية). وقد شكلت هذه الحكومة بعد مرور اكثر من سنة من اجراء العملية الانتخابية، ولحد اليوم لم يتم تعين وزيري للداخلية والامن القومي ، وتشغيل وزارة الدفاع بالوكالة. لا يزال الصراع على السلطة والمال والنفوذ قائم بين اطراف هذه الحكومة، وكل طرف منها غير راضي عن حصته والمعركة مستمرة والخاسر الاول والاخير هو الشعب العراق.

3- ان الصراع على السلطة ظهر للعيان بقوة مرة اخرى ، وخاصة عند تشكيل الوزارات ومجلس السياسات الاستراتيجية بين القائمة العراقية ، برئاسة اياد علاوي، ورئيس الوزراء نوري المالكي من قائمة دولة القانون/ التحالف الوطني. وتفاقمت الخلافات بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان العراق ، حول عدم التزام رئيس الوزراء بتطبيق اتفاقية اربيل، مع مسائل اخرى متراكمة سابقا من دون حل، حول النفط ، وتطبيق الدستور والمادة 140 ، وحصة الاقليم من الميزانية ومسألة البشمركة، وعدم التزام نوري المالكي ايضا بالدستور وانفراده بالسلطة صوب توجهه نحو اقامة حكم ديكتاتوري .وقد استمر هذا الصراع ووصل الى ذروته في الاونة الاخيرة بين هذه الاطراف المشاركة في العملية السياسية، وخاصة بعد طرح مسألة الهاشمي من قبل رئيس الوزراء ، بتوجيه اتهامات الارهاب اليه ، والطلب لاحالته الى المحاكم ، لاتخاذ القرار العادل بحقه، الا انه لم يقبض عليه اتناء وجوده في بغداد، وسمح له للالتجاء الى اقليم كردستان العراق ، ومنه فر الى الخارج ، والان موجود في الحماية التركية. وعلى اثر ذلك تصاعدت الحملات الاعلامية المختلفة والتصريحات النارية بين شخص المالكي واعضاء من كتلته ، وبين القائمة العراقية ورئيسها ، والتحالف الكردستاني والرئيس مسعود بارزاني .
.
4- وقد انضم ايضا وعلنا الى هذا الصراع التيار الصدري ، بقيادة مقتدى الصدر. وبعد مداولات واجتماعات متكررة بين علاوي ومسعود برزاني ومقتدى الصدر في كل من اربيل والنجف والسليمانية، اذ توصل هؤلاء الى الاتفاق النهائي لسحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته ، من دون تقديم اي تصور واضح للبديل عن ذلك. هذا ومن جانب اخر فقد قدم جلال طالباني رئيس الجمهورية مقترحا منذ بداية الصراع، بعقد المؤتمر الوطني للتباحث والحوار بين الاطراف المتصارعة، وايجاد حلول صائبة لهذه الحالة. ولكن الاطراف الثلاثة، العراقية، ومعظم اعضاء التحالف الكردستاني ، والكتلة الصدرية، اصروا وحتى هذه اللحظة على قرار سحب الثقة من المالكي عبر رئيس الجمهورية جلال طالباني، حتى لم تتم عملية استجواب المالكي في البرلمان، وجمعوا لهذا الغرض عدد من اصوات اعضاء البرلمان لهذه الكتل الثلاثة، حتى يبادر رئيس الجمهورية بعملية سحب الثقة وعرض ذلك على البرلمان للموافقة بعد اكمال النصاب القانوي بذلك. الا ان رئيس الجمهورية لم يقدم على هذه العملية لحد الان، وهو لا يزال مصراً على امكانية عقد المؤتمر الوطني، ويمكن من خلاله حل المشاكل بين الاطراف المتصارعة. وهناك ايضا الطريقة الثانية لسحب الثقة من رئيس الوزراء ، وهي عن طريق طلب 65 نائب في البرلمان استجواب المالكي لهذا الغرض، ومن ثم تتطلب عملية سحب الثقة ، موافقة الاكثرية في البرلمان.

5- لا يمكن استمرار الحالة السياسية المزرية في العراق على هذه الشاكلة . مع تعمق الازمة السياسية وتعقيدها بين الاطراف المشاركة بما يسمى (بحكومة الشراكة الوطنية)، وبين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان العراق من جهة اخرى، والتدخل الاقليمي العلني والصريح في تأجيج وديمومة مشهد الصراع السياسي العراقي، من الدول الخليجية وخاصة قطر والسعودية،وكذلك تركيا من جهة، وايران من جهة اخرى ، مع تحايد الدور الامريكي والاوروبي في هذا المشهد. وقد سببت هذه الحالة الى دخول العملية السياسية العراقية في نفق مسدود ، لا يمكن الخروج منه بسهولة، وهي مكلفة ايضا، وقد تترك اثارها الكارثية على الشعب العراقي. ان عدم ايجاد حلول مستعجلة وسريعة لهذا الوضع المأساوي الذي يمر به العراق اليوم، قد يتسبب بارجاع العراق مرة اخرى الى المربع الاول ، وتفاقم الصراعات وتعمق الازمات بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية العراقية والحكومة، وتساعد الحالة هذه الى الفوضى العارمة ، وخاصة في الجانب الامني ، وتزايد عدد العمليات الارهابية المختلفة ، وتفاقم الاوضاع المعيشية والاجتماعية والثقافية للشعب ، ومزيد من سفك الدماء ، وتنهار كل المكتسبات الايجابية المتحققة لحد الان على الصعيد الامني والسياسي ، وهي قليلة .


6- الاستنتاجات:

أ- ان الصراع الجاري حاليا ، سيؤدي بلا شك الى حدوث اصطفافات جديدة على تركيبة الكتل السياسية الحالية . فالتحالف الوطني - الشيعي مهدد بالتفكك بعد خروج التيار الصدري عن هذه الجبهة ومحاربة حزب الدعوة المتمثل بشخص نوري المالكي. والدور الضعيف للمجلس الاعلى الاسلامي في هذا التحالف، والكتل الصغيرة الاخرى غير مستقرة في تحالفاتها. كذلك الحال بالنسبة للقائمة العراقية ، وهي غير منسجمة اصلا منذ البداية وسهولة تعرضها للانشقاقات، وتجري فيها الاستقطابات بشكل مستمر. وفي التحالف الكردستاني، من المحتمل ايضا ان ينفرط التحالف الكردستاني بين الحزبين - الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، ووصول الخلافات الى القاعدة الجماهرية للحزبين. تنامي قوة الاحزاب المعارضة الموجودة في الاقليم من الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير، وهناك مفاوضات انفرادية مع هذه المعارضة من قبل الحزبين الحاكمين كل على انفراد. ان انبثاق التيار الديمقراطي العراقي وتنشيطه بين الجماهير العراقية المؤمنة بالديمقراطية الحقيقية ، وحقوق الانسان وبالعدالة الاجتماعة ، وتشكيل حكومة وطنية تؤمن بالمواطنة و بالسيادة الوطنية، وتقوم ببناء واعادة اعمار العراق، وفق استراتيجية واضحة وشفافة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة، والايمان بالتعددية والمدنية ، وفصل الدين عن الدولة، لابد ان تفرض وجودها بقوة في الانتخابات القادمة، وبدون شك سيكون للتيار حصة من نتائج هذه الانتخابات . ان كل هذه المتغيرات المتوقعة ، لابد ان تعكس اثرها على الانتخابات القادمة ، وتغير خارطة الطريق السياسي في العراق القادم.

ب- على ضوء ما تقدم ، ارى بان الحل الامثل في الوقت الحاضر ، هو التأكيد على عقد المؤتمر الوطني باسرع وقت ممكن، مع تحضير جيد له من تقديم تحليل سياسي واقعي صريح وشفاف للحالة العراقية الحالية. واعداد برنامج خارطة الطريق للمرحلة القادمة تحت مفاهيم المواطنة والسيادة الوطنية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية في العلاقات، واقرار مبدأ التعددية في السلطة، اقرار حقوق المواطنة العامة والخاصة وضمان حمايتها، وخاصة حقوق المرأة، وحق الرأي، مبدأ فصل الدين عن الدولة، واقرار مبدأ فصل السلطات، وتطبيقه عمليا، اقرار وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وتأمين السلم الاهلي بين مكونات الشعب العراقي. بدلا عن استخدام المفاهيم المسمومة الموجودة لحد الان من المصطلحات المشوهة في المضمون وتطبيق (المحاصصة ، المذهبية، الاثنية، التوافقية ، الشراكة الوطنية و استحواذها على السلطة والمال والنفوذ)، كهدف من الحكم، من دون مراعاة حقوق الشعب . تقديم موعد الانتخابات التشريعية القادمة، واجراء الانتخابات المحلية في موعدها، والتحضير لهما جيدا ، بعد تعديل بعض بنود الدستور ، واقرار قانون ديمقراطي للاحزاب، وتعديل قانون الانتخابات ، واعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، انجاز الاحصاء السكاني على عموم العراق. وهي مهمات البرلمان الحالي يجب انجازها قبل المغادرة. وضرورة تقوية العامل الداخلي/ الذاتي الوطني ، والاستفادة العقلانية من العامل الخارجي/ الموضوعي في بناء عراق جديد بمعنى الكلمة. ولتحقيق ذلك لابد للشعب بان يقول كلمته، ويجد حلول جذرية للازمة الراهنة ، ووضع البلاد على الطريق الصحيح. ويتطلب ذلك مزيد من الضغط الجماهيري السلمي ، المتمثل بقواه الديمقراطية والوطنية واليسارية والعلمانية واللبرالية والمثقفين والمستقلين وكل الشرفاء من ابناء شعبنا المجروح . الالتفاف حول التيار الديمقراطي الوطني الضمان الاكيد في اجراء التغيير على الواقع العراقي الحالي المزري ، وايصال شعبنا المناضل الى شاطئ الامان ، وتحقيق مصالح الشعب والوطن العليا.





 


 

free web counter