صائب خليل
s.khalil@chello.nl
الجمعة 6/6/ 2008
الصناعة تخصخص شركاتها
بينما ينشغل الشعب بدرء خطر "الصداقة"...صائب خليل
موجز للقارئ التعبان
في الوقت الذي ينشغل فيه الشعب بمقاومة معاهدة الإحتلال، استغلت وزارة الصناعة الفرصة لبيع أهم مصانع القطاع العام للشركات الخاصة العراقية والأجنبية وبشكل متعجل غير مدروس ومثير للشكوك. إن تعامل الحكومة الإقتصادي يثير أسئلة كثيرة ويشكك بدورها كممثل للشعب ومصالحه. فحماسها للإستثمار وحرية السوق والخصخصة تبدو اقرب إلى المبادئ الإيديولوجية من كونها إجراءات اقتصادية تهدف إلى الربح الأقصى، دع عنك هدف تعظيم المردود الإجتماعي.
نلاحظ أن الحكومة تدفع بالخصخصة قبل تهيئة الظرف المناسب لها والضروري لتحقيق مردود معقول للشعب، رغم عدم وجود أية حاجة إلى المال، بل العكس، لدى الحكومة فائض مالي كبير لا تدري ما تفعل به. هذا الحال يشبه استعجال الحكومة توقيع المعاهدة الإستراتيجية الخطرة مع الولايات المتحدة قبل حصول العراق على استقلاله الضروري لشرعية مثل هذه الإتفاقية ولقوة الحكومة التفاوضي أمام الطرف المقابل. فمن تخدم هذه الحكومة المنتخبة حقيقة؟
وزارة الصناعة تستغل الوضع بخصخصة كافة شركاتها!
خبر مر بسكوت وهدوء في ضجة أخبار المعاهدة يقول:" الصناعة تعلن بيع 50 ملفا استثماريا إلى القطاع الخاص والشركات الأجنبية" جاء فيه:
" توجه الحكومة العراقية، نحو دعم الصناعة العراقية والتوجه نحو القطاع الخاص، في سعي لتحويل الاقتصاد العراقي من الاشتراكي إلى الاقتصاد الحر" وأن "ملفات الاستثمار شملت كافة شركات وزارة الصناعة، ومن بينها، شركات الإسمنت والأسمدة، وأدوية سامراء، ونينوى، والبتروكيماويات".
وأوضح وزير الصناعة فوزي حريري أن "شركات الصناعات الإنشائية، وخاصة الإسمنت، إضافة إلى صناعة الأسمدة هي أكثر الشركات جذبا للمستثمرين".
يذكر أن البنك الدولي اشترط على الحكومة العراقية خفض الدعم والإنفاق الحكوميين على المواد الاستهلاكية بطريقة تصاعدية إلى أن يصل لإلغائه بالإضافة الى خفض الدعم عن الشركات المملوكة للدولة وهيكلتها، وتوفير المزيد من الدعم للقطاع الخاص، لدخول منظمة التجارة العالمية. (1)
المنطق البسيط للبيع والشراء مقابل الإيديولوجية المتطرفة
من الواضح من الخبر، أن عملية البيع تمت بالجملة وبشكل مستعجل وليس لإسباب ودراسات اقتصادية مفصلة. كتب الدكتور سلام ابراهيم عطوف كبة في مقالة سابقة عن الموضوع:"لا يمتلك العراق الاسواق المالية الفعالة والمصارف الاستثمارية والدور الاستشارية،وتعوزه الدراسات الفنية اللازمة لتقييم الاصول وتحديد الاسعار،وقطاعه الخاص الوطني ضعيف اصلا مع قلة المدخرات الوطنية الامر الذي سيفتح الباب امام الشركات الاجنبية التي لا تلتزم بتنفيذ الخطط التنموية،اما التضحية بالاعتبارات الاجتماعية فستكون حدث ولا حرج وفي المقدمة تسريح الآلاف من العاملين وزيادة معدلات البطالة،سوف تباع المؤسسات الرابحة والناجحة وتترك المؤسسات الخاسرة مما يزيد من اعباء الخزينة العامة."
إنه كلام نجد صداه المباشر في خبر الخصخصة أعلاه!
ومادام العراق لا يمتلك المقومات اللازمة لمثل هذه الخطوة الإقتصادية فلم العجلة؟ المبرر الوحيد الممكن لذلك هو الحاجة الشديدة إلى المال، فهل هذه هي حالة العراق فعلاً؟ هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة...
قبل اقل من شهر قال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني إن إيرادات العراق من النفط من المؤمل أن تصل في نهاية هذا العام (2008) الى 62 مليار دولار، ورجّح احتمال أن تصل الى 90 ـ 100 مليار دولار، إذا ما تم رفع سقف الإنتاج وتحسنت أسعار النفط.!
وقد دفع هذا الجهات المالية الأمريكية إلى النظر إلى الفائض المالي العراقي الذي لاتعرف الحكومة ما تفعل به، كما عبر المراقب المالي دافيد ووكر عن ذلك فقال "لدى العراقيين فائض في الخزانة ولدينا نقص في الخزانة"، كما دعى اعضاء في الكونغرس إلى البحث فيما يستخدم العراقيون اموالهم الزائدة" مثل السيناتور كارل ليفين (ديمقراطي) و جون وارنر (جمهوري).
وبالفعل لاتعرف الحكومة ما تفعل بالمال الفائض الذي حصلت عليه، فقد ذكر تقرير أميركي أن العراق لم ينفق سوى 4.4% من ميزانية إعادة الإعمار حتى أغسطس 2007 كما قال ان معدل الانفاق قد تباطأ بصورة كبيرة بالمقارنة مع العام السابق. (2)
من ناحية اخرى عجزت الوزارات والمحافظات عن صرف المبالغ المخصصة لها حتى وصل الأمر الى تهديدها بخفض تلك الحصص في العام القادم!
كذلك يؤكد الأمر حقيقة أن العراق قام بتسديد ديونه الى صندوق النقد الدولي البالغة 471 مليون دولار في نهاية العام الماضي وقبل الموعد المقرر لها! غريب...لكن الأغرب منه انه بعد اسبوع واحد من تسديد العراق لدينه لصندوق النقد الدولي، عاد ليقترض منه 744 مليون دولار حتى آذار 2009!!
من جهة انت حائر بما تفعله بمالك، ومن ناحية أخرى توقع قروضاً تدفع عليها أرباحاً وقيوداً، لماذا؟
يكتب نوئيل عيسى في الحوار المتمدن بشكل معبر:" النجدة صندوق النقد الدولي يقرض العراق والعراقيين!"
علي عرمش شوكت يكتب مستغرباً أيضاً:" والغرابة في الامر ،ان تأخذ الحكومة على عاتقها مهمة اعادة بناء البلد وتخليصها من القيود والديون الاقتصادية السابقة ، وتسعى في ذات الوقت للحصول على قروض من البنك الدولي وبشروط اتعس من السابقة واكثر تدخلا في الشؤون الداخلية للبلد ، فضلا عن كونها مقيدة لتوجهات الاقتصاد العراقي الوطن".
سياسة اقتصادية بلا أرقام
من يستمع إلى دعاة "الإستثمار" و "الخصخصة" واخواتها في العراق، لن يسمع حديثاً عن أرقام وحسابات كما ينتظر، بل هم يتحدثون عنها كأنها مبادئ روحانية علوية مقدسة وليس كموضوع اقتصادي يمكن أن يربح أويخسر.
"لقد حسم هؤلاء الفلسفة الاجتمااقتصادية للنظم السياسية القائمة والرؤى الآيديولوجية للملكية نحو القطاع الخاص،دون مساءلة كأنه مسلمة من مسلمات الفكر الليبرالي لا تحتاج الى مناقشة،ليعبروا نحو مهام اختيار استراتيجية واسلوب الخصخصة الملائم" كما يكتب الدكتور سلام ابراهيم كبة، ويضيف: "لا يعني اعتماد آليات السوق اطلاقا خصخصة او تأجير القطاع العام او الخضوع لوصفات البنك الدولي والمؤسسات الرديفة،بل هو اعتماد آلية العرض والطلب لتحديد قيم السوق والخدمات"
كيف تتصرف حكومة منتخبة تعمل من أجل شعبها
كذلك نلاحظ أن هذا الحماس الحكومي للإستثمار يقتصر على بيع ممتلكات القطاع العام بشكل عاجل وعلى إعفاءات ضريبية وتسهيلات قانونية، بدون إهتمام مماثل بالبنية التحتية الأكثر اهمية بالنسبة لتشجيع الإستثمار، سواء أكان الوطني أم الأجنبي مما يثير سؤالاً أخر عن مصداقية الدافع من تلك الإجراءات وعلاقتها بالإستثمار.
كتب الدكتور مهدي الحافظ في نهاية العام الماضي: "فالعراق يمتلك اليوم احتياطيا نقديا يفوق 20 مليار دولار مما عزز قيمة الدينار العراقي وقوته الشرائية أزاء العملات الأخرى. كما يتوفر رصيد كبير في صندوق التنمية العراقي بما يزيد على 10 مليار دولار." و"غير أن المهمة الرئيسية المطروحة تتركز في جملة من القضايا، أهمها تأمين ادارة سليمة للفائض النقدي المتراكم بما ينسجم مع حاجات المرحلة وأهداف التنمية الوطنية الشاملة."
أن مقارنة مواقف الحكومة في موضوعي المعاهدة الأمريكية والخصخصة يبين أنها في الحالتين لا تختار توقيت حركاتها السياسية والإقتصادية الستراتيجية لتناسب الشعب والوطن، بل لتناسب المحتلين واللصوص. إنها تستعجل توقيع معاهدة طويلة الأمد قبل خروج المحتل وخروج العراق من الفصل السابع لتتمكن لاحقاً من تبرير القيود المهينة التي يخطط لتكبيل العراق بها، وتستعجل بيع ثروات الشعب في حملة خصخصة هوجاء قبل أن يتمكن الشعب من تفحص أين تكمن مصالحه وهل الخصخصة مفيدة له، بل وحتى قبل أن يمتلك العدة للقيام بخصخصة معقولة، لأن تلك العدة قد تحرم هؤلاء من بعض غنيمتهم، مثلما يحرم الإستقلال، قوة الإحتلال من فرض شروطها في المعاهدة. إن محاولة إقرار العمليتين، المعاهدة والخصخصة في وقت واحد وبعجالة يثير الريبة ويدعو الى التصدي لهما معاً.
(1) "الصناعة تعلن بيع 50 ملفا استثمارياً"
http://iraqalaan.com/bm/Economy/-50--3.shtml
(2) "تقرير أميركي: العراق لم ينفق سوى 4.4% من ميزانية إعادة الإعمار"
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=4&issueno=10642&article=454445&feature =
6 حزيران 2008