| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

السبت 5/7/ 2008

 

طالباني يبصق على مشاعر شعبه- هذا الرجل لايمثلني

صائب خليل

في المؤتمر السابق للإشتراكية الدولية، والحق أني لم أكن قد سمعت بها من قبل، علمت أن طالباني كان هناك وتساءلت ماذا يفعل إقطاعي في "إشتراكية دولية"؟ لكن حين القى كلمته علمت السبب: لقد كانت إعلاناً مجانياً لبوش "العظيم"، ولاشك أن المجتمعين استغربوا أنه ما يزال هناك إنسان يكيل المديح لأميركا بقيادة هذا الرجل، الذي وصفه عمدة لندن الرائع كين ليفنكستون أثناء زيارة بوش لمدينته بأنه " التهديد الأكبر للحياة على الأرض"!

وفي هذا المؤتمر انتخب طالباني نائبا لأمينه العام! فلم أأسف أني لم أسمع بهذه الإشتراكية من قبل. ليس كرها للطالباني، فأنا أميل إلى الشعور ببعض ود حذر تجاهه، لكن مجرد وجوده في هذا المؤتمر سخرية من الإشتراكية، فكيف انتخب لمنصب نائب الأمين العام؟ هل لإنجازاته في خدمة الإشتراكية الدولية؟ أم أن كلمته في المؤتمر السابق سهلت عليه ما حصل عليه في المؤتمر اللاحق؟ على أية حال، لقد حصلت هذه "الإشتراكية الدولية" على نتيجة نفاقها، فلم يذكر نائب أمينها الجديد في خطابه أية كلمة عن الإشتراكية إلا حين ذكرها كأسم مرفق بـ "الدولية" أو "الأحزاب"! لقد كان لمام جلال "مشروع أممي" لكنه ليس إشتراكياً أو يهدف إلى بناء إشتراكية، إنما إلى " حل النزاعات الإقليمية واطفاء بؤر التوتر ونزع فتائل الحروب، واقامة سلم وطيد وأمن مستتب."(1)..أيجب أن يكون كل شيء مزيفاً في هذا لعالم؟

في هذا المؤتمر حدث شيء أخر أثار الإهتمام أكثر من المؤتمر نفسه، فقد صافح جلال إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي بعد أن قدم محمود عباس(!) الواحد منهما للآخر! قبل كل شيء، لابد أن أشيد بالعبقرية الهائلة التي وقفت وراء الموضوع: زج شخص محسوب على الفلسطينيين (رغم أن الشعب الفلسطيني طرده من السلطة ومن معه شر طردة في الإنتخابات الأخيرة، وكشفت مستورات حكمه بعد ذلك، لكنه صمد في مكانه بدعم إسرائيلي مسلح) ليقوم بالتقديم بينهما فلا يستطيع أحد أن يلوم الطالباني، باعتبار أن قضية إسرائيل هي قضية الفلسطينيين فقط وليست موضوع اعتداء واحتقار لكل ما هو عربي ومن هو عربي، وموضوع عنصري مضاد للإنسانية قبل كل شيء.

أية ألغام تمتلئ بها الساحة السياسية العراقية وأية مفاجآت غير سارة تنتظرنا! يقولون: لم كل هذه الضجة؟ ألا تعلمون أن الكثيرين فعلوها بالسر، فلم الغضب من العلن؟ وأقول أن العلن دعوة للجميع "للسير في الطريق" وهذا خطره، ولنفس السبب يريده الإسرائيليون بشدة، ولايكتفون بما هو سر. لذلك فـ "إن ابتليتم بالمعاصي فاستتروا"!
ويقولون: ماذا في ذلك؟ اليس السلام خير من الحرب؟ ولو أن "مثالنا " السييء الأول زار منظمة "السلام الآن الإسرائيلية" ولو سعى الطالباني لمصافحة أوري أفنري، لربما تفهمنا الأمر. لكن مثال والطالباني أبيا إلا أن يمدا يديهما إلى حيث الحرب والجريمة وإلى حيث يعصران القلب العربي الماً. لا أتحدث هنا من منطلق قومي شوفيني الخ من سيل العبارات التي تستخدم اليوم بكرم لإرهاب من يحاول أن يدافع عن أي شيء عربي، فقط عربي، مهما كان حقاً واضحاً. ليس من مطلق قومي أتكلم بل من منطلق إنسان مازال يحترم نفسه، ولا يملك إلا أن يبادل من يحتقرها الإحتقار، ويرد من يصفعها بصفعة!

مكتب الطالباني توصل إلى الوصفة السحرية لتفسير الحادثة، فقال إن جلال " تعامل مع الأمر بصفته الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني ونائب رئيس الاشتراكية الدولية وليس بصفته رئيس جمهورية العراق". ويبدو لي أن طالباني....لم يعد سهلاً علي أن أسميه "الرئيس العراقي"، فهذا الرجل لايمثلني وهو بلا شك شعور الغالبية الساحقة من العراقيين، لكن هذا لايهم، فكل شيء فداء لرضا باراك، فما قيمة شعور العرب أمام ذلك؟ بل حتى ما قيمة شعور الكرد إن تطلب الأمر؟
ليس مؤتمناً من يستطيع أن يتنقل كالحرباء بين هوياته، فلا يحرج أن يتصرف بما يسيء إلى الواحدة، حين يلبس الثانية! أن أخلاق مثل هذا الرجل تسمح له بالكثير مما يعتبره الآخرون عملاً مرفوضاً، أو حتى يعاقب عليه القانون، فهل يؤتمن مثل هذا لمنصب الرئيس؟ لقد طالب البعض بحق، رداً على نكتة "بصفته" هذه، طالبوا أن يرد ألطالباني أجور السفر الى الحكومة العراقية مادام لم يكن يمثلها باعتراف مكتبه، لكني أقترح أيضاً إرسال رسالة توضيحية إلى الأسرائيليين الذين فرحوا بمصافحة لأول رئيس عراقي، بأنهم أخذوا مقلباً وأن الرجل لم يكن رئيساً عراقياً في تلك اللحظة! أقترح كذلك لتجنب الإشكالات مستقبلاً أن يسأل جلال، متعدد الوجوه، مسبقاً وقبل كل سفرة أو فعالية، عمن يمثله في تلك المناسبة أو السفرة وأن يكتب ذلك على صدر سترته ليعرف محدثه مع من يتحدث، فالفارق شاسع ومتضارب بين هوية وأخرى من هويات الأستاذ جلال.
لكن حتى إن قبلنا جمناستيك القفز الأخلاقي بين الهويات حسبما تتطلب "براغماتية" اللحظة، فلدي سؤال آخر: لماذا حين طلب من طالباني أن يوقع إعدام صدام، رفض باعتباره محامياً وقع وثيقة ما، ولم يخطر بباله أن "يتعامل مع الأمر بصفته رئيس الجمهورية العراقية"؟...لماذا يتم دائماً هذا القفز بين الهويات بما يؤلم العراقيين الذين يرأسهم؟

ربما يبدو الموضوع للبعض اصغر من كل هذا، لكن كل الأشياء تبدو طبيعية في وقتها بدرجة ما: العبودية لم تكن تعتبر شيئاً مقززاً كما نراه، فعيون التأريخ تحتاج أحياناً إلى سنوات طويلة لتنفتح تدريجياً وترى معنى ما يجري، ولدينا ثروة من هذه الدروس. والذين صافحوا هتلر من سياسيين مثل البريطاني لويد جورج والفرنسي باتان ورجال كنيسة مثل البابا بيوس الثاني عشر وعراقيين مثل الكيلاني ورياضيين مثل جيسي اوينز، لم يكونوا يتخيلون أن تلك المصافحة ستشوه تأريخهم وتأريخ اولادهم إلى الأبد، وأنا واثق أن أي منهم لم يكن يتخيل أن مثل هذه المصافحة يمكن أن ينظر إليها كعمل منفر لا أخلاقي باعتباره رمزاً للموافقة على الظلم والإعتداء.

ويقول بيان مكتب الطالباني "ان ما جرى لم يكن سوى سلوك اجتماعي حضاري لا ينطوي على أي معنى أو تداعيات أخرى، ولا يحمل العراق (الدولة) أي التزامات، كما أنه لا يؤسس لأي موقفٍ مغايرٍ لسياسات جمهورية العراق".

أولاً، أتساءل لماذا تسمى مصافحة الجلادين العنصريين "سلوك إجتماعي حضاري"؟ لقد رفض فنان لبناني كبير قبل اسابيع إستلام جائزة كبرى لأنهم أشترطوا عليه أن يصافح إسرائيلية، وكان يرى فيها رمزاً للإضطهاد والعدوان فرفض وخسر الجائزة، فهل كان سلوك هذا الفنان "غير حضاري"؟ لو كان سلوك جلال "حضارياً" فعلاً فهل كان هناك من يحتاج إلى تبريره؟ لقد عبر كل من مانديلا وماركيز عن احتقارهما الشديد في أكثر من مناسبة للقادة الإسرائيليين، فهل أن مانديلا وماركيز أقل حضارة من طالباني؟

وثانياً من قال أن هذا "لايؤسس" لشيء؟ بل يؤسس!! فعندما يعجز المرء عن تبرير عمله بشكل أخلاقي، فإنه يهتف عادةً: "لست أول من يفعل ذلك", وهو سعيد بأن من سبقه "أسس" له أن يكرر ما قام به من سبقه وخفف الإشمئزاز الإجتماعي منه، فكل من يقوم بعمل مرفوض يبلط الطريق الوعر لمن سيتبعه عليه، كما أسهم مثال قبله وتلاه هوشيار زيباري يوم صافح وزير البنية التحتية الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر في الاردن ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي عام 2005. حينها قال زيباري ايضا بان فعلته "لاتمثل موقفا سياسيا"!

لهذا السبب بالذات فرح الإسرائيليون لـ "أنها المرة الأولى التي تتم فيها مصافحة على هذا المستوى بين مسؤول إسرائيلي كبير مع رئيس عراقي." أي أنهم ينتظرون "أن يؤسس على هذا شيء". إنها تتيح لهم أن يقيموا العلاقات الطبيعية مع جيرانهم مع أحتفاظهمم بما أتصفوا به منذ تأسيس دولتهم على حطام القرى العربية، من إجرام وعنصرية قبيحة. لذلك فعمل الطالباني "يؤسس" وهو "يؤسس لشيء قبيح فعلاً.
في أعتقادي أن القضية كلها مخططة بشكل دقيق وعلى درجة من الحنكة لتصل إلى هذه النتيجة بالذات فعنصرية إسرائيل أغلى ما لديهم وعلى الآخرون أن يرتبوا أنفسهم لقبولها، وهاهو الطالباني يسهم في تهيئة هذا العالم الشاذ!

لم يكن طالباني متردداً وهو ينفذ "واجباته كنائب رئيس الإشتراكية" مرغماً وهو يعلم أنه يدوس على "شعبه"، بل كان باشاً ودوداً سعيداً كأنه يلتقي صديقاً قديماً, أو حبيباً منعه العذال من وصاله، وكل ممنوع محبوب، فكيف حين يكون الممنوع حبيباً؟ لانقاش في الحب, ويبدو أن للمجرمين الكبار وقع قوي على نفس طالباني، فنفر من إعدام صدام ولم يحرك ساكناً لأي من الـ 600 المجهولين الذين حكم عليهم بالإعدام مؤخراً، وأخرج برزان "صديق العائلة" من السجن "ليعالج" في الخارج دون كل المرضى الآخرين في العراق أو كردستان وتجاهل طلب مركز حلبجة لمعاملة شعبه على الأقل بالمثل من معاملته لعتاة المجرمين من الود! لكن هيهات...أليس هو الذي لم يجد خيراً من وفيق السامرائي لمنصب مستشاره الأمني الخاص؟

لكن لنفترض أن باراك، ذو السجل المتميز في جرائمه ضد العرب من فلسطينيين ولبنانيين، لنفرض أنه ألطف إنسان في العالم، وأننا جميعاً واهمون وأنك وحدك يا "مام" جلال تعرف الحقيقة وتأسف لموقفنا الجاهل منها، ألا يجدر بك احتراماً لتمثيلك لنا ولموقعك كرئيس لدولتنا "الديمقراطية" أن تكبح جماح غرامك هذا لحين إقناعنا به أو ابتعادك عن الموقع الذي يفترض أنه يمثلنا؟ اليس حرياً بأي أنسان أمين أن يفعل ذلك؟ لكن اليس طلب "الأمانة" خيالياً في عالم يقود فيه إقطاعي كبير، "الإشتراكية الدولية"؟

هل هذه صداقة جديدة في الطريق لتفرض علينا؟ هل هي الخطوة الثالثة بعد زيارة مثال ومصافحات زيباري و"منافقة" الإنسانية الإسرائيلية في علاج الأطفال العراقيين دون التوقف عن قتل أطفال فلسطين بالطائرات؟ لماذا لاتمتلك إسرائيل إلا إنسانية "عابرة للحدود" فقط؟ و لماذا يصر كل حثالات البشر على صداقتنا؟ ولماذا يضع البعض من الناس سمعتهم في خطر من أجل تنفيذ المهمة غير الشريفة في فرض هذه "الصداقات الإجبارية" علينا... وأخيراً لماذا يقبل الكرد أن تحسب هذه المبادرات التي يستنكرها الشعب العربي في العراق، على حساب الشعب الكردي وعلاقته بالشعب العربي؟

(1) نص كلمة جلال الطالباني في مؤتمر الإشتراكية الدولية:
http://www.iraqipresidency.net/news_detial.php?language=arabic&id=5863&type=news

5 تموز 2008

 

free web counter