| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الثلاثاء 4/5/ 2010

 

الخوف كورقة مفاوضات

صائب خليل 

لفت انتباهي أن ظاهرة الإرهاب الكلامي، أو ما اصطلح على تسميته في العراق بـ "الأساليب البعثية" من تهديد وتحدي واستفزاز، تظهر بشكل خاص لدى معظم المقربين من أميركا وإسرائيل.. في العراق تجدها واضحة في القائمة العراقية التي تدعمها اميركا بشكل تام: علاوي، النجيفي، الملا، البطيخ، وميسون الدملوجي إضافة إلى مثال الآلوسي ومسعود البرزاني وأشتي حُرامي ، وإلى حد ما أياد جمال الدين. لا أتصور أن ذلك محض صدفة، فهاتان الدولتان هما أيضاً الأكثر تحدياُ وتهديداً واعتداءاً في العالم، بل تكاد لا تجد إلا النادر، دولة تعتدي على أخرى دون الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، إن لم يكن بالتخطيط المشترك معها، ويشمل ذلك بالطبع إعتدائي صدام حسين على إيران والكويت واعتداء جورجيا على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية...

ولا يقتصر ذلك على العراق بل يشمل أيضاً العنصريين الذين يثيرون الغرب ضد المسلمين والعرب، ولديهم ارتباطات واضحة بإسرائيل أو الولايات المتحدة مثل خيرت ويلدرز وجماعة فورتان السابقة كلهم والنائبة السابقة أيان هرسي علي، كأمثلة من هولندا.

هذا لا يعني ان ليس هناك من هذه النماذج خارج أصدقاء أميركا ولا أن كل أصدقاء أميركا صلفين، لكن الميل في هذا الإتجاه واضح، وهو ما يوحي بوجود تدريب خاص أو على الأقل توصيات خاصة بهذا الأمر. لقد راقبت هؤلاء في هولندا ولاحظت أنهم كانوا يتطورون بسرعة في نقطتين: الكفاءة في الكلام والوقاحة المتزايدة!

وانتبهت أيضاً بشكل خاص إلى التغير الذي مرّ على برزان التكريتي عندما كان في السجن قبل إعدامه. فقد كان قبل قصة "فحوص السرطان في الخارج" الذي تم ترتيبها له بشكل مريب، كان رجلاً محطماً يتوسل ويتباكى، ويكتب رسائل الترحم إلى الرئيس ورئيس الوزراء. وبعد بضعة أسابيع حين عاد إلى السجن، فإذا به كالوحش الهائج! لكنه يبدو لي كمن بالغ في تنفيذ ما قيل له، فبدا تمثيله للشجاعة واضح التزييف. (1)

كيف يستفيدون من ذلك؟ إنهم يحاولون بهذه الطريقة إثارة الخوف في المقابل. وحين يصيبك الخوف، تشعر بالضيق، وترغب في التخلص من هذا الشعور والقلق الذي يسببه. المقابل الذي زرع فيك هذا الخوف يعلم هذا جيداً ويعلم ما تشعر به، وسيفاوضك بشكل غير مباشر على منحك هذه الراحة مقابل شيء ما يريده منك.

بشكل عام، عندما لا يكون لدى المقابل في المفاوضات ما يعطيه لك مقابل ما يريد أخذه منك، فأنه يبحث لك عن ما يبتزك به، كأن يكون قد سجل لك فلماً في موقف فاضح، أو وجد وثيقة تدينك. إنه يبحث لك عن حاجة عنده ليجعلها ورقة ضغط.

مثلاً في الأيام الأولى بعد ظهور نتائج التزوير كان التحالف الكردي يؤكد انهم سيتحالفون مع الكتلة التي تتعهد بتنفيذ المادة 140 حول كركوك (وغيرها)، وبدلاً من أن تعلن العراقية التي خدع عرب وتركمان كركوك بانتخابها، موقفاً اكثر تصلباً في هذا الموضوع باعتبارها تمثل عرب وتركمان كركوك الذين انتخبوها واعتمدوا عليها لتمثيل مصالحهم، بدلاً من ذلك أعلن أحد قادة العراقية للكرد بأن مفتاح كركوك في يد القائمة العراقية وهي من يستطيع أن يحل المشكلة. ويمكن بسهولة للمرء أن يستنتج أنه عرض للتفاوض: نعطيكم كركوك – أو نعطيكم من كركوك أكثر مما يمكن للآخرون أن يعطوكم - مقابل أن تكونوا وسيلتنا للوصول إلى الحكم! وليذهب عرب وتركمان كركوك ومصالحهم إلى الجحيم! لقد تحولوا إلى ورقة ضغط لا أكثر بالنسبة للعراقية.

الخوف والحاجة إلى الإطمئنان تلعب نفس الدور كورقة ضغط في المفاوضات. إن لم يجد المفاوض ورقة يمكنه أن يعطيك إياها أو يضغط عليك بها، تمثل حاجة لك عنده، فأنه سيحاول خلق تلك الحاجة فيك مثل زرع الخوف والقلق في نفسك. خوف وقلق يكون مفتاحهما في يده. فعندما يهدد علاوي أو "يحذر" من الإرهاب الذي سيلف العراق إن لم يتم تنصيبه رئيساً لحكومة من عصبته، فإنه يبث الخوف والقلق في المقابل الذي سيفهم أن مفتاح هذا الخوف في يد علاوي. وبدون أن يشعر المقابل، فأنه سيميل إلى الموافقة على شروط لم يكن سيوافق عليها بدون ذلك الخوف. فهو يحسب لا شعورياً بأن تخلصه من الخوف والقلق مكسب مهم إضافي له يحسب في الصفقة.

وحين تريد كسب مفاوضات مع من يمثل شعباً او شريحة كبيرة من الشعب، فعليك أيضاً بشكل غير مباشر أن "تفاوض الشعب" بنفس الطريقة. أن تجد له حاجة عندك تبتزه بها.

يؤكد جومسكي أن الولايات المتحدة ابتزت شعوب أوروبا الغربية باشتراطها التخلي عن ممثليها اليساريين والشيوعيين مقابل الطعام، بعد الحرب العالمية الثانية. لقد كانت الغالبية الساحقة من المقاومة للنازية من هؤلاء الشيوعيين واليساريين، وكانوا لذلك يتمتعون بشعبية كبيرة، بل أنهم شكلوا نوعاً من الحكومات قبل أن تصل القوات الأمريكية المحررة، كما حدث في شمال إيطاليا. لكن أميركا كانت الدولة الكبرى الوحيدة التي لم تتضرر في الحرب إقتصادياً، وكانت تملك الطعام والمال وكانت أوروبا تتضور جوعاً. فكان الجوع ورقة ابتزاز للشعوب لتتخلص من يسارييها وحتى وطنييها الذين لم تثق بهم اميركا. وبنفس الطريقة، وكما ذكرنا في مقالات سابقة، دفعت اميركا بشعب نيكاراغوا إلى التصويت للمرشح المفضل أمريكياً ، منافس السانديستا الشعبيين، مقابل وعد بتخليص نيكاراغوا من الجوع الذي أنهكها وإرهاب الكونترا الذي كانت تغذيه أميركا.

الخوف يعمل مثلما يعمل الجوع. حين تجعل الشعب خائفاً وقلقاً فأنه، وبدون شعور يبدأ بالضغط على ممثليه في المفاوضات من أجل القبول بأي حل يخلصه من هذا الخوف، كما ضغط من أجل التخلص من الجوع في أوروبا. فيبدأ بالتعبير عن تأييده لحلول المقابل بشكل مباشر أو بشكل كتابة المقالات الداعية إلى "حل المشاكل" و "الشراكة" و "الأخوة" وهي عبارات تكثر كثيراً في فترات الخوف الشعبية. لا أحد يريد أن يعترف بأنه خائف وأنه يقبل لأنه خائف، لا الشعب ولا ممثليه، لذا تكثر الكلمات البديلة الأجمل، ويصبح الجميع، شعباً وممثلين، "أخلاقيين" بشكل بالغ، ويتسابقون على التعبير عن روحية المشاركة و"عدم إقصاء الآخر" و "عدم وجود خطوط حمر"...حتى لو أن الواحد منهم مستعد أن يشرب دم المقابل إن أتيح له. ليس كل من دعا إلى المشاركة خائف بالضرورة، لكن الخائف يتصرف هكذا دائماً ويلبس رداءاً يخفي به دافع الخوف المخجل، ليس عن الآخرين فقط، بل وأهم من ذلك عن نفسه أيضاً! لذلك تجد الجميع يحس "فعلاً" بروح "مشاركة" إضافية غير معتادة، وهذا الشعور ضروري لكي يصدق نفسه وأن ما يقوم به ليس استسلام للخوف وإنما لسمو أخلاقه.

ليست هذه حالة شخص مريض أو جبان أو مخادع، إنها طبيعة إنسانية عامة. أذكر حالة شخصية مشابهة وقعت لي في بداية حياتي في أوروبا. أنتبهت يوماً إلى أنني أثناء السياقة أكثر من "اللطف" وأتنازل غالباً عن حقي في أولوية المرور عند التقاطعات وأشير مبتسماً إلى الآخر ليمر، حتى إن كانت الأولوية لي، ولا يزعجني أن يضايقني سائق آخر، فأسمح له "بروح رياضية" بالمرور.

شككت يوماً في دوافعي الحقيقية، وأن ما وراء تنازلاتي ليس الكرم، وإنما إحساس خفي بالدونية من الأوروبي الذي أمامي. وبعد محاولات لتحليل مشاعري لم أتوصل إلى نتيجة، ولم أستطع أستبعاد أي من الإحتمالين أن يكون الدافع وراء تصرف صائب هذا. لذلك أردت حسم الأمر، فقررت أن لا أسمح لنفسي بتقديم أي تنازل كان حتى أطمئن على أنني قادر تماماً على الإحتفاظ بحقي متى ما أردت ذلك, والتنازل عنه متى أردت ذلك. فبقيت فترة أسوق بشكل حدي و "نحس" وأصر على الإحتفاظ بكل حقي، ولم أعد إلى السماح لنفسي بتقديم التنازلات إلى أن اطمأنيت إلى أني لم أعد أتصرف بدافع الدونية. وبالفعل صارت التنازلات أقل من السابق، مما قد يعني أن بعضها كان بدافع الإحساس بالدونية فعلاً.

تصوري أن الأمريكان بتجاربهم ومراقبتهم قد توصلوا إلى ان "السفيهه خاتون الشارع" كما اكتشف أجدادنا منذ القديم.

 لذا يجب عدم ترك "الشارع" لهم، ويجب عدم التردد في الرد عليهم بنفس القوة أو أقوى، فالشارع يراقب ويقيس وهوبحاجة إلى أن يطمئن بأن الأخيار أيضاً أقوياء.

ما العمل؟ إن كان مرفوضاً أو غير مستحب تقليد ما يقومون هؤلاء به، أو كان من غير الممكن مجارات السفهاء في ملعبهم الذي يجيدون اللعب به، فعلى الأقل يجب أولاً أن نحرص على أن لا نتأثر به أنفسنا، أن نراقب أنفسنا وتأثرها بهذا الأسلوب، وأن نراقب أيضاً تأثر الجمهور به في الشارع.

يمكن رصد هذه الظواهر لدى العراقية بسهولة في الأحداث السياسية الحالية في العراق. لقد أصبح الناس على يقين شبه تام، بأن مفوضية الإنتخابات والسفارة الأمريكية وكتلة العراقية متورطين بعملية تزوير ضخمة بشكل غير معتاد. لقد كانت هناك دلائل عديدة على ذلك لن نعددها هنا بل نكتفي بأهمها، وهي استباق الأحداث ودعوة العراقيين من قبل السفارة الأمريكية والساسة الأمريكان والأمم المتحدة العراقيين بقبول نتائج الإنتخابات دون تأخير، ورد فعلهم السلبي على التشكيك الطبيعي بالنتائج. كذلك رد الفعل الأولي المذعور والرافض صراحة لإعادة العد من قبل فرج الحيدري، رئيس المفوضية، وتهويله الصعوبات التي تواجه مثل ذلك العد وبشكل مفضوح ، والفترات الزمنية الطويلة جداً وغير المتناسبة التي يقول أن مثل هذا العمل يحتاج إليها، والتشكيك بفعالية العد ودقته مسبقاً وتصويره الأمر على أنه يعني إعادة الإنتخابات(!) وربما كان الحيدري قد شعر بالخطر المحدق به، فصار يتمنى لو تم نسيان موضوع إعادة العد، واللجوء إلى إنتخابات جديدة، فتختفي الجريمة نهائياً.

إضافة إلى ذلك فقد تصرفت العراقية بشكل مريب تماماً في وقوفها بعنف ضد إعادة العد، حتى بعد تقديم أدلة قوية وصدور قرار قضائي به، ووصفته بشتى أوصاف السوء، في  الوقت الذي يعتبر إحدى أهم وسائل دعم الديمقراطية وكشف الخطأ العفوي والغش المقصود في أنظمة الإنتخابات وبالتالي أداة أساسية لتطويرها، كما أشرت في مقالة سابقة لي. وانتقل قادة العراقية إلى التهديد بالحرب الأهلية وبدأوا يتحججون بمختلف الأمور. وبعد أن وجدوا أن رفض إعادة العد تعتبر فضيحة، صاروا يقولون أنهم ليسوا ضدها، لكنهم كانوا يضعون أمامها كل العراقيل الممكن تخيلها لجعلها مستحيلة عملياً.

في هذه الأثناء كان فرج الحيدري يكسب الوقت، ربما حتى تتدبر أميركا الأمر، تماماً مثلما فعل أثناء عد الأصوات الأول، وكما نبهنا في مقالة سابقة أيضاً. وصار يتلكأ في تنفيذ القرار بمختلف الحجج ويتذرع بمختلف الأسئلة الموجهة للجهة القضائية.

كانت عصبة العراقية تستغل الوقت بأن تشعل الفزع لدى الناس والمنافسين لها، بالتهديد بالحرب الأهلية والتخلي عن العملية السياسية واللجوء إلى الدول العربية (وكل التي التجأوا إليها ليست سوى إمتدادات أمريكية وإسرائيلية)، والتهديد بالنزول إلى الشارع وفرض إعادة الإنتخابات. وحين كانت الحكومة تتهمهم بتدويل القرار العراقي كان ظافر العاني "يفتخر" باللجوء إلى الخارج في البداية، لكنه علم أن الشارع العراقي ممتعض من ذلك فتراجع هو والهاشمي وبقية الشلة وصاورا يتحدثون عن تحركاتهم بأنها "من أجل النصيحة" في تمثيلية صريحة الكذب.

وما أثار غضب العراقية وأميركا بشكل إضافي هو إصرار هيئة المساءلة على تقديم المزيد من الأدلة على شمول المزيد من المنتمين إلى العراقية (وغيرها) بالإنتماء إلى البعث و تأييده، مما يعني بوضوح أن العراقية ليست سوى مؤامرة لإعادة البعث، تقودها الولايات المتحدة. وبالفعل أزدادت التهديدات وارتفع مستوى الإرهاب الكلامي بعد ذلك كثيراً.

وفي هذه الأثناء كشف علي اللامي المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة عن تحذيرات وصلته بمخططات أمريكية لقتله، رافضاً إياها وقائلاً أنها لن تؤثر على عمله إطلاقاً. (2) والغريب أن بعض أعضاء العراقية سارع إلى رفض هذا التصريح والسخرية منه، بالدفاع عن موقف اميركا، وكأنهم هم المتهمين! وسواء كانت هذه التهديدات جادة، أم المقصود منها إثارة الذعر فقط، فلا شك أنها أثارته بالفعل، وأسهمت في تهيئة "ورقة الخوف" للمفاوضات. فكل شخص معني بالتهديد، لكن ليس كل شخص سيقف بصلابة اللامي.

هل نجح الإرهاب في "طهي" الساسة والشعب العراقي؟ إلى حد ما نعم! فرغم أن العراقية فقدت بأسلوبها هذا الكثيرمن شعبيتها، فأن الخوف كان أيضاً يتزايد بين الناس وتتزايد الدعوات إلى "حل المشكلة" بشكل ما، وليس إلى الإصرار على التحقيق ومعرفة المزورين والنتائج الحقيقية للإنتخابات، وهو ما يفترض أن يكون مصلحة الشعب الأساسية.

الحكومة أيضاً لم تفلت من تأثير الخوف، فلمّح الدباغ بأن الحكومة غير راضية على عمل هيئة المساءلة والعدالة لكنها "لاتملك الصلاحية القانونية" للطعن بقراراتها. فرد عليه فلاح حسن شنشل رئيس اللجنة مستغرباً وقال أن جميع القرارات كانت تصل إلى مكتب رئيس الوزراء، وأن عمل الهيئة هو كشف وتدقيق المعلومات وإصدار قرارات يمكن الطعن بها أمام القضاء بالأدلة المعاكسة. (3)

من الواضح أن موقف الحكومة المعبر عنه من قبل الدباغ يوضع في خانة الإرهاق الحكومي الذي سببه الخوف والقلق والرغبة بحل المشكلة بأي شكل، وهي الحالة المطلوب إيصال المقابل إليها كهدف أساسي لهذه الأساليب.

ويبدو أن هناك تنسيقاً لزيادة الضغط على الحكومة ورفع درجة حرارة الترهيب فإذا بالكويت ومصر تثيران موضوع ديون على العراق، وتحصل الكويت على 30 مليار، وتطالب مصر بـ 5,5 مليار وتحجز الطائرة المؤجرة للعراق في لندن! ومن جهة أخرى قررت الهيئة القضائية الانتخابية ايقاف المرافعة الخاصة بالمرشحين المشمولين باجراءات المساءلة والعدالة وتاجيل النظر فيها، مما يعني تأخرها إلى ما بعد دخولهم البرلمان (4) وما يمثل ذلك من صعوبات أضافية جمة في تنفيذ الحكم إن صدر ضد من فاز منهم بأصوات كافية. كل هذا كان يوحي للمواطن والحكومة والسياسيين بأن عاصفة من المشاكل التي لا أول لها ولا آخر، قادمة في الطريق.

من جهة أخرى لاحظت تزايداً كبيراً في الهجمات الفيروسية على مواقع الإنترنت التي تنشر الأخبار والمواقف المضادة للعراقية ولعل أكثرها تعرضاً للهجمات كان موقع "عراق القانون" الذي مازال مغلقاً حتى لحظة كتابتي هذه المقالة. (5)

ويبدو أن المزورين للإنتخابات أعتبروا أن المقابل طبخ جيداً من خلال تلك المؤشرات، ومن خلال معلومات التجسس على التلفونات وغيرها، وأنه لن يعترض حتى لو لم يقدم له شيء غير إزاحة القلق عنه، فانطلق الحيدري بعملية إعادة العد، بشكل مثير للسخرية! وقد اعتراض الدكتور الشهرستاني عليها، فقال في مؤتمر صحفي " ان مفوضية الإنتخابات قررت في اجراءاتها باعادة عملية العد والفرز عدم مطابقة الاستمارات في صناديق الاقتراع مع سجل الناخبين، الأمر الذي نعتبره مفاجئ لنا ولأسباب نجهلها حيث من المفروض ان تقوم المفوضية بمطابقة سجل الناخبين والتواقيع لكل ناخب مع استمارات الناخبين في صناديق الاقتراع ثم احتساب الأصوات في كل محطة"

وتحججت المفوضية على ما يبدو بصيغة تم ترهيمها خلال فترة التأخير التي قدمها لها الحيدري، فقالت "بأنها لا تستطيع  ان تدقق في التواقيع لان ذلك موضوع جنائي" لكن الشهرستاني أشار "طلبنا كان واضحا وحسب القنوات القانونية بان تلجأ مفوضية الانتخابات الى مطابقة استمارات الناخبين في صناديق الاقتراع مع سجل الناخبين وعدم اعتماد استمارات (501) و (502) القديمة" وأغرب من كل ذلك أن المفوضية رفضت السماح لممثلي دولة القانون دخول قاعة العد، بعد تأخير المفوضية إصدار هوياتهم!! وقد قدمت دولة القانون شكوى قضائية. (6)

هذه الخطوة من المفوضية، (وهي مدعومة بالتأكيد) لا تعني سوى التحدي للمواجهة، وهي كالقول: "لن تراقبوا العد، وافعلوا ما تقدرون عليه"! وطبعاً سارعت كل من السفارة الأمريكية وممثل الأمم المتحدة بإمتداح عملية إعادة العد هذه وطالبت بقبول نتائجها!! (7)

كيف ستنتهي الأمور؟ لا أحد يعلم، لكني أتصور أن الوضع وصل مرحلة حاسمة وأنه لم يعد هناك ذرة شك ممكنة في أن المفوضية، والحيدري بالذات، والسفارة الأمريكية والأمم المتحدة والعراقية متورطين بمؤامرة تزوير كبيرة الحجم بشكل يستحيل تغطيته أو حتى كشف جزء منه. إن الأمور تتجه إلى مواجهة ستكون حاسمة بين المزورين وبين من يطالب بالتحقيق في التزوير. لقد كشفت الأوراق بشكل لم يعد ممكناُ إخفاؤه، ويعلم أعضاء العراقية بأنهم فقدوا مصداقيتهم تماماً وأنها فرصتهم الأخيرة للإستفادة من الغليان والخوف الذي أثاروه في العراق الآن قبل أن يهدأ. وهذا يتركهم بلا خط رجعة، فيندفعوا إلى المزيد من المواجهة المتخبطة غالباً، وتفوح من تصريحاتها العجيبة رائحة الخوف الشديد والإستعداد للمجابهة مثل تصريح أحد قيادي العراقية (فتاح الشيخ) بأن "المالكي اصبح خطرا على العملية السياسية" مضيفاً التهديد العجيب: "اذا وجدنا أي تلاعب حتى وان كان صغيرا في عمليات إعادة العد والفرز حتى وان كانت ورقة واحدة سندعو الأمم المتحدة الى التدخل وتشكيل حكومة مؤقتة واعادة الانتخابات في مدينة بغداد"! (8)

من له أن يهدد بهذا الشكل الوقح حول ورقة واحدة قد يجد فيها خطأً، وكأن إعادة العد جريمة ارتكبت بحقه؟ هذه هي النماذج التي تعدنا العراقية بوضعها في الحكم إن توصلت إلى ذلك!

مما لاشك فيه أن نتيجة هذه المواجهة ستعتمد إلى حد كبير على الطريقة التي ستتلقى بها كتلة دولة القانون عمليات الإرهاب الموجهة ضدها وضد جمهورها، وأيضاً الطريقة التي سيتلقى بها جمهور دولة القانون هذا الإرهاب، وإن كان سيفضل الإذعان أم أن ذلك الإرهاب سيثير فيه روح المجابهة بشكل أكبر. الأيام القادمة حاسمة، وكالعادة نتوقع أن يعمل الحيدري على توفيرالوقت الكافي للقرار الأمريكي لكي يستوي قبل أن يكمل العد. الأيام القادمة ستكون حاسمة في معركة أميركا لإعادة البعث إلى السلطة في العراق، للحصول على حكومة "نوري سعيد" جديدة (9) تجدد بقاء قواتها إلى الأبد، أو تبقي سلطتها على البلاد من خلال قوات أقل وحكومة عميلة، بكل ما في ذلك من نتائج.

 

3 مايس 2010

(1) http://www.youtube.com/watch?v=-OhbBMkn1Co
(2) http://irq4all.com/ShowNews.php?id=17141

(3) http://www.baghdadtimes.net/Arabic/index.php?sid=60579
(4) http://www.alsumarianews.com/ar/1/6145/news-details-.html
(5) http://qanon302.com
(6)
 http://al-iraqnews.net/new/political-news/7335.html
(7) http://www.uragency.net/index.php?aa=news&id22=6943
(8)
http://raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=528237&version=1&template_id=22&parent_id=21
(9) http://www.irqnta.com/news/2010/05/03/2010-05-03-10.htm

 

 

 

free web counter