| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأثنين 3/3/ 2008

 

 فرصة الفلسطينيين للسلام الكريم تبدأ بحسم امرهم مع الفساد

صائب خليل

كنت قد اتفقت مع صديق فلسطيني، ان لا اكتب عن العلاقة الفلسطينية الفلسطينية بسبب حساسية المسألة وان اية كتابة تتخذ جانباً قد تكون مؤذية اكثر مما هي مفيدة، لأن إستراتيجية الفلسطينيين في الوقت الحاضر هي تأجيل "المشاكل الداخلية" و"الصراع الداخلي" و "قتال الأخوة" لحين الإنتهاء من مشكلة العدو الخارجي الرئيسي. لم اعد مقتنعاً بذلك، وها انذا اخلف الإتفاق واكتب، فهاهم "الأخوة" يقفون بصراحة مع القاتل المحتل وهاهي مذبحة الشعب الفلسطيني تستمر امام ناظري، تماماً كمذبحتنا في العراق. ان كان هناك امل لكلماتي بأي اثر مفيد للضحايا فلا مناص لي من كتابتها.

لقد كان للإنتصار العربي الوحيد في التأريخ الحديث، الإنتصار العظيم لـ "حزب الله" في لبنان آثار هامة ودروس كبيرة وخطيرة اهمها بما لايقاس حسب تقديري هو انه قد اثبت ان الفساد اخطر ما يمكن ان يصاب به نظال شعب يسعى الى نيل حقوقه ويقارع مضطهديه. كيف ذلك؟ لأن ظروف "حزب الله" كانت في حرب لبنان في معظمها اسوأ من ظروف اية معركة عربية مع اسرائيل: كان عبارة عن عصبة صغيرة لاتمتلك سوى اسلحة بسيطة، وليس لها جيش اكاديمي مدرب، ولا ارض خاصة بها، بل كانت تتواجد على ارض تحكمها حكومة عميلة (بلا مجاملات) وواجهت وحدها تلك القوة الجبارة التي دحرت في اكثر من مرة وبسهولة غريبة مجاميع من جيوش دول عربية معاً. ميزة "حزب الله" الوحيدة على الجيوش العربية كانت هي انه لم يكن تحت قيادة فاسدة ولم يتمكن الإسرائيليون من اختراقه، وتلك اعجوبة بحد ذاتها. لقد كان لإسرائيل تفوقها العسكري الهائل، والدعم السياسي التام لأعظم دولة في العالم وكان لها حكومة عميلة في البلد، لكنها كانت تفتقد هذه المرة لسلاح الفساد والإختراق لعدوها ففشلت!
هذا يثبت ان السلاح الحاسم الأكثر خطراً بما لايقاس هو اختراق جواسيس العدو وعملائه لخطوطك ووصولهم الى قيادتك.

للمشككين في نصر "حزب الله" أكتفي بما قاله ناشط السلام الإسرائيلي: "عندما تكون المباراة بين ملاكم لوزن الريشة وآخر من وزن الثقيل، وتستمر المباراة حتى الجولة التاسعة، فأن الملاكم ذو وزن الريشة يكون قد انتصر بغض النظر عن النتيجة الرسمية وعدد النقاط التي يفوز بها الثقيل" او شيء من هذا. وبالفعل التف الشعب اللبناني من كل الأطياف والأديان حول "نصر الله" وقدر المراقبون انه لو جرت انتخابات رئاسية في لبنان لما كان يمكن ان يفوز بها غيره.

لقد وعى الشعب الفلسطيني هذا الأمر وانتخب حماس النظيفة من الفساد تاركاً المنظمة المغرقة في الفساد حتى شعرها، رغم ان ايديولوجيتها السياسية والدينية بلا شك اقرب اليه، وتأريخها ابعد غوراً في عاطفته. ورغم ذلك لم يخجل رموز السلطة من انفسهم ويتركوا الميدان. فازت حماس بتزكية شعبها في كل من الضفة والقطاع وبنسبة تتيح لها ان تحكم لوحدها، لكنها عرضت المشاركة وقالت انها ستنسى الماضي ولن تحاسب، ولم يخجل رموز السلطة ويتعاونوا معها. لكن طلب الخجل من العملاء طلب تعجيزي.

ربما كان افضل ما يشرح موقف قيادة فتح تكرار شعار الراحل عرفات: "المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". لكن الشعار كان له طعم مر مختلف عما كان له حين طرح لأول مرة. حينها كانت تكملته غير المكتوبة: "...رغم انف اسرائيل"، اما الآن فتكملته لا بد ان تقرأ: "....رغم انف الشعب الفلسطيني". لأن الشعب الفلسطيني اختار من يمثله وفي انتخابات لم يجرؤ حتى خصومه ولا اسرائيل على التشكيك بنزاهتها، ورغم ذلك لايخجل عباس ان يقول: "ان انتخب الشعب الفلسطيني حماس فسأنسحب"!

يسمي البعض بلا تردد حكومة حماس بـ "الحكومة المقالة" دون ان يسأل نفسه: ومن له ان يقيل حكومة انتخبها الشعب لتمثله لوحدها دون شريك ليضع بدلاً منها حكومة لم تفز إلا بنسبة مخجلة من الأصوات؟
ويلوم البعض حماس لأنها "خرجت عن الشراكة"، وينسى انها لم تكن مضطرة إطلاقاً وبأي عرف دستوري الى تلك الشراكه، إلا اللهم بسبب ضغوط عليها من إسرائيل ولواحقها ممن يسمون انفسهم "المجتمع الدولي"، وهي اسباب غاشمة، وليس لأية اسباب دستورية ولا ارادة الشعب الفلسطيني.
ويلوم البعض حماس لأنها قامت بـ "انقلاب عسكري" في غزة، ويتناسى ان يسأل نفسه: "لماذا تضطر حكومة منتخبة باصوات تكفيها لحكم دستوري مفرد، على ان تنفذ "انقلاباً" عسكرياً؟ وكيف تنقلب عسكرياً ولها كل الحق في سيطرة قواتها على كافة اراضي شعبها الذي انتخبها؟

لايمكنك ان تقبل فاسداً ليقودك في الحرب او المفاوضات على السلام، وتتوقع اي نتائج مفرحة، لأن الفاسد، خاصة في دولة صغيرة او حزب صغير يجابه من هو اكبر منه، عميل بالضرورة، لأنه ان لم يكن فما اسهل من ان يبتزوه بما يعرفونه عنه ويحولوه الى عميل وما اشطرهم في ذلك. وهل بقي من شعرة شكوك على عمالة قبادة فتح؟ هل من دور لعباس سوى اعطاء الشرعبة لإسرائيل لضرب غزة باعتبارها مارقة حتى على السلطة الفلسطينية؟ هل من دور له سوى إدارة إعلام لتخفيف وقع الجرائم الإسرائيلية على الفلسطينيين؟ قبل اسبوع مات احد انصار حماس تحت التعذيب بيد فتح (1) وهو ما تحاول حتى اسرائيل تجنبه! وهل سمعتم بمحتل يقدم السلاح لمقاومة؟ أني لأعجب اشد العجب لقلة من احتج في قيادة فتح على هذا الحال، وكيف تحولت منظمة لها تأريخها النضالي الكبير الى مركز مغلق للفاسدين؟ ان لم تكن هذه الحقائق كافية لفتح العيون فما هي الحقائق الكافية برأيكم؟

إسرائيل تدرك ان عملائها الفاسدين خير اسلحتها وهي حريصة على دعمهم وتقويتهم، لكن للشعب الفلسطيني فرصته الذهبية. فلاشك ان هذا الفساد ضعيف في الداخل ومرهون بالإنهيار في اية لحظة، فلا بد ان مازال في داخل منظمة لها مثل هذا التأريخ، اصوات ضمير مازال فيه بقية حياة، اصوات تنتظر إشارة اخرى تنم عن قوة رفض الشعب الفلسطيني لهذا الفساد واصراره على خياره الديمقراطي، لتنفض يدها منه وتنظم الى خيار شعبها، وعندها سينهار الفساد برؤوسه كقطع الدومينو تسقط الواحدة منها الأخرى.

لقد خطا الشعب الفلسطيني الخطوة الشجاعة الكبرى وانتخب حكومة بعيدة عن هؤلاء وما تزال هذه الحكومة تتمتع بالسلطة الشرعية وعليه ان يلتف حولها وان يتحمل مخاض الام العملية الجراحية اللازمة لإخراج الفساد من رأس قيادته، كما تحمل الاماً وتضحيات كثيرة في الماضي. على من يبحث عن السلام من الفلسطينيين ان يبحث عنه لدى حماس وليس لدى قيادة فاسدة، فما الذي يجبر اسرائيل لتقديم اي سلام ذو قيمة لمجموعة عملاء فاسدين لها؟

لقد اعربت حماس في اكثر من مرة عن استعدادها للسلام وبأكثر من مناسبة وطريقة. كذلك ليس صحيحاً خرافة ان اسرائيل لن تكون مستعدة للسلام مع حماس، فمن المدهش والباعث على الأمل ان إحصاءً داخل اسرائيل بين ان 64% من الإسرائيليين يريدون من حكومتهم التحدث مع حماس وعقد سلام معها (2). ان هذه النسبة الهائلة تكاد تصل الثلثين اللازم لتغيير دستور البلاد ان اتيح لها ممارسة حقها الديمقراطي، ولا شك انها ستزيد كثيراً لو ان الشعب الفلسطيني التف حول حكومته المنتخبة وابعد امل الإسرائيليين في رسم الحل مع عملائهم.

هذه النسبة تقول بصراحة واضحة ان الشعب الإسرائيلي يريد السلام مع الفلسطينيين بقيادة حماس ولن تستطيع حكومات اسرائيل تجاهل رأي شعبها لمدة طويلة. فها قد وصلنا الى حالة غريبة وتقسيم جديد للصراع تقف فيها جماعة عباس مع الحكومة الإسرائيلية والمتطرفين العنصريين من الإسرائيليين في خندق, ويقف الشعب الفلسطيني وحماس مع ثلثي الشعب الإسرائيلي في الخندق الآخر!

هذه هي الصورة التي يجهد إعلام اسرائيل في غمطها، وهي الصورة التي يجب على الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء ابقاءها امام عيونهم، واستغلال هذه الفرصة، فرصة وجود حكومة منتخبة موثوقة للفلسطينيين ومستعدة للحوار, ورأي اسرائيلي شعبي قوي داعم للحوار معها. إن إصرار الفلسطينيين على خيارهم ممثلاً بالحكومة المنتخبة المستندة إلى رأي الشعب وليس الى تأريخ لم يعد يمثل الحاضر، ممثلاً وقائداً وحيداً لهم، سوف يدعم ويقوي الرأي العام الإسرائيلي الضاغط من اجل الحوار والسلام، ولن تملك الحكومة الإسرائيلية في النهاية سوى الرضوخ او خسارة الإنتخابات التالية، وفي الحالين يحصل الطرفين على فرصتهم في الوصول الى سلام يرضيان عنه.


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2D3A511D-5348-4CF7-BF57-0B7B601C368C#
 (1
http://www.arabs48.com/display.x?cid=6&sid=6&id=52364  (2


03-03-2008
 


 

Counters