| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الثلاثاء 31/3/ 2009



الإنتصار على صدام

صائب خليل

لو صدمت سيارتك التي تقودها من اليمين بقوة دفعتها الى يسار الطريق فسيتكفل الرعب بدفعك إلى أن تدير المقود بسرعة نحو الإتجاه المعاكس، وبقوة تتناسب مع قوة الصدمة، لتتغلب على الدفعة وتعيدها الى الطريق.

لقد كان للشيعة والكرد حصة الأسد من "صدمة" العراق نتيجة وحشية صدام حسين، ولهم أيضاً حصته من الإحساس بالظلم والمرارة. لقد كانت "الصدمة" الدكتاتورية شديدة على الكرد والشيعة بشكل خاص، ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل متناسباً مع تلك الشدة. أما السنّة فقد عانوا ما يعاني المواطنون في اي بلد من حكم دكتاتوري وحشي لايعرف طائفة أو قومية أو دين، قياسه الأول والأخير نفسه ولا شيء آخر.

الشيعة والسنة والتعامل مع الهجمة الإعلامية الطائفية
لاشك أن الشيعة قد تعرضوا إلى أبشع التنكيل، وخاصة بعد الإنتفاضة الشعبية الباسلة وتشهد على ذلك بوضوح المقابر الجماعية وأفلام الفيديو التي تبين مدى الصدمة التي لابد أن العراقي الشيعي قد تعرض لها أثناء حكم صدام.
لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل استمر من يريد للعراق الدمار بمحاولاته إشعال مشاعر الفتنة بين الشيعة والسنة واستمرت الحملات الإعلامية تنفخ في النار!
ربما كان اقبح ما سمعت, حديث عدنان الدليمي في "مؤتمر نصرة اهل العراق" في اسطنبول:
"اي عراق هذا ...عراق الشيعة؟ سيتحول العراق الى شيعي, ويمتد الأمر الى البلدان المحيطة بالعراق وتندمون ولات ساعة مندم. اين السعودية اين الكويت اين الأردن اين ... اين المسلمون؟ ناموا ناموا على خراب العراق ناموا على هدم مساجد السنة في العراق ......ناموا ناموا ان الحريق لا يكتفي بالعراق سيمتد..والله انه مخطط من خمسين سنة لتشييع المنطقة لتشييع المنطقة وايجاد الإمبراطورية الفارسية تحت غطاء الشيعة تحت غطاء الإسلام والإسلام بريء منهم....
والله في قلبي لوعة في قلبي لوعة على العراق الذي سيهدم وبغداد التي ستضيع منا...بغداد ابي حنيفة . بغداد المنصور . بغداد.الرشيد هارون بغداد بغداد هارون الرشيد بغداد احمد بن حنبل...ستبقى بغداد الصفويين بغداد بغداد البويهيين بغداد القرامطة الجدد, وتقولون ليست الحرب طائفية والله انها حرب طائفية وكل من يقول انها ليست حرباً طائفية هو واهم ومخطئ ويجب ان يتراجع عن رأيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته." (1)

إنها حيلة معروفة: أن تكرار القول بأن هناك حرباً أهلية، يأمل أن يصدقه البعض فيهب لنجدة "أهله" ويخلق الحرب الأهلية، إن الدليمي لم يكتف بالخطاب المريض بالطائفية القصوى، وإنما يدعو الجميع إلى الصراخ معه بأنها حرب طائفية، ومن لا يفعل ذلك فهو مخطئ.

ربما كانت هذه أقوى دعوة علنية من "سياسي" معروف إلى الحرب الأهلية، ومثله سعى أياد علاوي إلى خلق هذه الحرب بنفس الطريقة لأنها كانت الطريق الوحيد إلى رئاسته كما قدّر، فكان يهتف "إذا لم تكن هذه حربا اهلية، فإن الله أعلم بما هي الحرب الاهلية". (2) مثل هذا الخطاب لا يحرض طائفته على الحرب فقط، بل ينشر لدى الطائفة الأخرى شعوراً بالخوف والقلق والإشمئزاز، ويسهل دعوات الداعين إلى الحرب أو الإنشقاق منهم، ولم تخل الساحة في أي من طرفيها من الثعالب (3)

كان عدنان وأمثاله، سواء من السنة أوالشيعة، يعملون لحساب من يحاول إسقاط "سيارة العراق" في الهاوية فيدفعونها كل باتجاه الآخر، على أمل أن يعيدها هذا الآخر بأقوى مما دفعت به اليه، وليعيدها هذا ثانية بأقوى مما جاءته في موجة متناغمة متضاعفة، حتى تسقط في هاوية الحرب الطائفية الأهلية القاضية!

يكتب رائد محمد عن مشاركة الشيعة في حكم صدام:
"الشيعه في العراق كانوا متهمين حتى تثبت براءتهم وبراءة هؤلاء الذين ذكر اسماءهم جميعا من الشيعه الذين تولوا مناصب في حكومات البعث المتعاقبة اثبتوها من خلال قتل ابناء جلدتهم من الشيعه".
"لايمكن لنا ان ننكر مدى قذارة ناظم كزار او محمد حمزة الزبيدي والاخرين وسلوكياتهم القذرة تجاة مواطنيهم الشيعه لانني اجزم بكل يقين بان شخص مثل الهالك محمد حمزة الزبيدي لايستطيع ان يعاقب موظف برتبة شرطي ينتمي الى محافظات مثل تكريت او الرمادي او الموصل لكونه شيعي ليس الا !"
لم يكن رائد دقيقاً ، فلم يكن سهلاً على أي "كبير" من الموصل أن يعاقب شرطياً من تكريت، رغم أنهما من السنة، فمن الواضح أن المسألة كانت فردية عشائرية وليست حباً بطائفة السنة او تضامناً سنياً...لقد كانت هناك محافظات أعلى من غيرها، وضمن المحافظات كانت هناك عشائر أعلى من غيرها وهكذا في نظام متخلف يشمل الجميع ويركز على سلطة الحاكم نفسه في النهاية، ولقد كان الحاكم عربياً سنياً فكان الأمر هكذا.
ثم يقول رائد:
"ورغم ذلك احب ان اذكر من اعمى الله قلوبهم بان الشيعه لم يخونو وطنهم بل كانو السباقين الى الدفاع عنه وفق ماتملية عليهم وطنيتهم بل كانو هم في الخط الاول للدفاع عن العراق وللذين اعمى الله قلوبهم حقدهم على العراق الجديد مرة ثانية عليهم ان يفرقو بين الغث والسمين".

هنا تورط رائد محمد في خطأ كبير، فما يجب أن يفخر الشيعة به ليس دخولهم حرباً لم يقتنعوا بها، وإرضاءً لطموحات حاكم أو خوفاً منه، بل في وقوفهم بشجاعة في الإنتفاضة بوجه قوات صدام ودفعوا الثمن غالياً من أجله.
فالفخر الوحيد في التعامل مع صدام، كان في الوقوف بوجهه وليس إطاعة أوامره. هذا الفخر استحقه الأكراد والشيعة بشكل خاص، وكذلك بعض السنة الذين خسروا حياتهم حين خاطروا بها لتخليص البلاد من الدكتاتور ومن بينهم البعض من أهالي تكريت نفسها مثل مجموعة الدكتور راجي التكريتي التي ذهبب ضحية التآمر الأمريكي مع صدام ضدها. هذا ما يفترض أن "يميز الغث من السمين" وليس الإمتثال للأوامر العسكرية المدمرة للدكتاتور.

ورغم أن السنة،( كطائفة وليس كأفراد) ، لم يحصلوا على ضربة أخرجتهم عن الطريق كما حدث للشيعة والكرد، لكنهم حصلوا على هجوم اعلامي تشويشي هائل يريد ربطهم بصدام وتصويره كممثل لهم، حتى قبلته نسبة منهم كالمنومين مغناطيسياً، ونسوا ان صدام كان عدوهم مثلما كان عدو الشيعة والكرد، وأنهم طالما تمنوا له الموت، فصاروا يبحثون له عن المخففات ويلجأون اكثر فأكثر الى المقارنة بين عهده والإحتلال الدموي، رغم ان مجرد إجراء المقارنة مع احتلال تسبب في كل تلك الآلام، يكفي لإضفاء خزي أبدي على اي حاكم من اهل البلد. إن هذا المسار مسار خاطئ بشكل خطير، ومعووج المقاييس ويجب التخلص منه، وذلك هو التحدي الأساسي بالنسبة للسنة في تقديري.

ألم كردي، ورد فعل
قصة وألم هشيار يثيران قصصاً أخرى. حدثني صديقي كوران عن حادثة في إنتفاضة عام 91 ، حين استولى البيشمركة على معتقلات الأمن في إحدى المدن الكردية بعد أن قتلوا حمايتها، فأخرجوا المساجين من الزنزانات وكان بينهم فتاة شابة كانت تتحرك كمن يسير في منامه، وهي تحمل سكيناً أخذته من أحد البيشمركة، وراحت تبحث بين جثث الحراس حتى وجدت ضالتها فانهالت على الجثة بالسكين تبقرها وتقطعها وهي تصرخ بهستيريا، والناس تنظر إليها بتعجب وألم، حتى أنهكت فالقت السكين من يدها وخرجت. عرف الناس بعدها أن صاحب تلك الجثة كان يأتي لإغتصابها كل مساء....!

يكتب محمود الوندي (4) : "في شهر آذار من تلك السنة المشؤومة كان البرد يلف كوردستان ويدفع بأهلها الى الإحتماء ببيوتهم البسيطة والمتواضعة ولكن مع أشراقة الشمس واعتدال الجو وصفاء السماء ، أخذت العوائل كعادتها تعد الطعام لتناول الفطور عند الصباح في واحة الدار ، لأن شهر أذار يستهل الربيع في إطلاته الرائعة والجميلة ومكانته المميزة عند الشعب الكوردي فهو مليء بالمناسبات المفرحة ويعتبر اليوم الجديد لأنه يحمل لنا ألوانه ومباهجه بعد رحلة طويلة مع الثلوج التي كانت تكلل هامات القمم مع قدوم فصل الربيع فتبدأ الثلوج بالذوبان وجلب الورود بألوانها الزاهية ورائحتها الزكية...."

لكن روائح ربيع 1988 اختطلت في حلبجة بروائح أخرى...
".... انتشرت في الجو روائح التفاح والثوم وروائح كريهة تشبه روائح المياه الثقيلة الآسنة أو المياه المعدنية كريهة الرائحة التي عمت الجو حيث حاولنا بغلق النوافذ بيوتنا ولكن دون جدوى لقد تغلغلت الروائح في ثنايا البيوت وتسربت الى الغرف والسراديب من خلال فتحات البيوت وتسللت الى المناخرهم والأفواه وألآذان لتقتل الجميع وشاهدت تساقط الناس في بيوتهم ،،،، وخارج بيوتهم بين فروعات القرية ( دربونة ) كأوراق الخريف بعدما يتقيأون سائلاً أخضر اللون وبشرتهم أصبحت سوداء ومتورمة في حين ان اخرين أصيبوا بهستريا وراحوا يقهقهون ثم ينكفئون فوق قيئهم والبعض الاخر فقد بصره واصبح لايرى بالعين المجردة رغم كونها مفتوحة لكن البصر انعدم فيها ، كما شاهد اطفال يرفسون بأرجلهم دون أصابات ظاهرة ، نساء يحملن اطفالهن الرضع تحت ثيابهن ، لكنهن يكتشفن أنهم صمتوا دون صراخ وفعل الشيوخ الذين آثروا ان يحموا احفادهم واولادهم باجسادهم ناموا نومتهم الأخيرة ،
ما ذنب هؤلاء؟" يسأل محمود الوندي...

رداً على مقالات لي حول بعض الكتابات الشوفينية الكردية ضد العرب (أنظر في الأسفل)، كتب شيروان محمود محمد مقالة جميلة بعنوان "الی الصديق صائب خليل وکل احبتي من الطيبين من العرب!" (5) استهلها بالقصة التالية:
"قالت العجوزة الکردية:" کانت قد مضت اکثر من ثلاثة سنوات، لم اشعر خلالها بلحظة من الراحة الا عندما رأيت الکلاب السائبة تنهش اللحم من اجساد افراد الامن، و الذين کانت جثثهم مرماة حول بناية مديريتهم"
" ما هذه الفظاعة التي تقولين وانت امرأة مؤمنة و متدينة؟"
" أتوا في ظلمة الليل و جمعوا اهل القرية وارکبوهم سيارات الشحن العسکرية وأخذوهم ومعهم ابني و زوجته و حفيدي الوحيد.. انا في دخيلتي تقبلت مصائر الکبار، حتی ابني کان کبيرا بما فيه الکفاية ليهرب او يقاوم، ولکن حفيدي کان عمره سنة واحدة وکلما اغمضت عيني تذکرت رائحة الحلیب التی کانت تفوح من فمه‌ وملاسة بشرة رقبته وضحکته المکتومة وانا اداعب تلک الرقبة الغضة بوجهي.. لا لم اشعر بطعم الحياة الا في تلک الدقائق القليلة التي تحاملت فيها علی نفسي لاری الکلاب الناهشة في اجسادهم" نظرت الی مکان ما بعيد و في عينيها حزن اکبر من حزن البشر عند فقدان الاحبة، کانوا قد سرقوا قلبها ووضعوا حجرا مکانه... کلماتها کانت ماتزال فظيعة علی الاذن، ولکن تکرار السؤال"لماذا؟" کان يبدو بليدا و قاسيا."

وهو بليد وقاس بلا أدنى شك أيها العزيز شيروان. لكن مقالة شيروان الجميلة الهامة أثارت تعليقات هامة أيضاً، فكتب اسماعيل ميرشم مضيفاً إلى وعينا القصة التالية:

"في احدى ايام الشتاء من عام 1993 وعندما كنت مسافرا من كركوك الى السليمانبة كانت معنا عدد من النسوة في السيارة الاجرة واحداهن كانت تحمل بيديها دجاجة حية في طريقنا و قبل وصولنا الى السيطرة العسكرية افتهمت منها ومن خلال حديثها مع الاخريات بانها اشترت الدجاجة على امل ان يتناول ابنها البيض في الصباح قبل ذهابة الى المدرسة وعندما وصلنا السيطرة قام الجنود بتفتيش المسافرين واحدا بعد اخرى منتزعين المواد الغذائية من المسافرين وكانت قد اشتروها باموالهم من مدينة كركوك وعندما وصلت السرة الى المراة التي كانت تحمل بيدها الدجاجة الحية طلب الجندي منها الدجاجة فردت باللغة الكوردية انها لاجل ان تبيض واطعام ابنها التلميذ هنا. الجندي مد يدية بعنف الى الدجاجة التي كانت ترتجف بدورها لبرودة الجو واخذتها من يديها بعصبية عندها تكلمت متطوعا مترجما كلمات المراة الى اللغة العربية تصورا مني ان العسكري غضب بسبب عدم فهه للكلام فتجاهل كلماتي واستمر بانتزاع الدجاجة من يدي المراة الكوردية وبعنف ورماها في برميل مثقوب كانت السنة الهب ترتفع منها كانت قريب من المكان على السايد الترابي للشارع يبدوا ان الجنود كانو يستخدموها لتدفئة انفسهم وقاية من برد الشتاء كانت السنة النار ترتفع منها فبدأت الدجاجة تقفز في نار البرميل محترقة اخترقت زغيقها ونقيعها هدوء الصباح قافزا الما واحتراقا وهي حي، وملئت رائحتها المكان"!

لا شك أن الوعي الشعبي الكردي يمتلئ بمثل تلك القصص المؤلمة، بل وما هو أشد منها...لذا ليس من الغريب أن يكتب البعض من كتابه كتابات تعبر عن رد فعل غير مسيطر عليه، وأن تحضى هذه ببعض القبول أو الترحيب.

في مقالة لي من أربعة أجزاء نشرت الحوار المتمدن الجزئين الأولين منها فقط ورفضت الأخيرين، بينت بوضوح أين قذفت الصدمة ببعض المثقفين الكرد:
أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم:4 - إنهم يطالبونا أن نحتقر أنفسنا! (6)
أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم:3 - نزار جاف يتابع معارك العرب بقلب إسرائيلي حميم (7)
أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم:2 -"الشعب الشيعي المجيد" و"السنّة القذرين"! (8)
أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم:1- فلم كردي في أمسية ثقافية! (9)

أن القارئ لهذه المقالة يساءل نفسه: حتى لو لم تكن تهتم بمشاعر المقابل، ألا يهمك أن تحمي نفسك من التحول إلى شوفيني؟ ذلك هو أثر صدام المرتد على نفوس الضحايا حتى بعد موته ودفنه: تحويلهم إلى مخلوقات شوفينية تثير الشفقة، ما لم يسارعوا إلى إنقاذ انفسهم...وهو ما يفعله بلا شك الكثير من الكرد كمثل شيروان.
هشيار ...شوفيني؟
إن القارئ لمقالاتي أعلاه، سيحكم على هشيار بنافي و د. كاكه يي، وأمثالهما، بأن خطابهم يكاد يكون مجنوناً بشوفينيته، لكن من يقرأ مقالة شيروان وتعليق اسماعيل وغيرها من القصص، يشعر أنه بدأ يفهم ويلمس الحقيقة القاسية وراء القصة كلها.
فرغم الشوفينية الهوجاء في كتابات هذه المجموعة من الكرد، فليس من الصعب أن يكتشف المرء بين مقالات بنافي العديدة،( وأقل منها في حالة كاكه يي) عبارات هنا وهناك تشير إلى أن انطلاقة بنافي لم تكن شوفينية في الأصل، بل اندفاع نحو العدالة شط قياسه واتجاهه وفقد طريقه. فأذكر خلال قراءتي لإحدى مقالاته, أنه وبعد أن يفرغ جعبته من الشتائم للعرب، يخبرهم أنه "إنسان مثلهم"!
وما جعلني أصدق إنسانية هشيار التي تتسرب أحياناً من بين السطور الشديدة الغضب والإستعلائية والإحتقار للعرب والمسلمين، هو مقاله النادر الصدق والشجاعة الإجتماعية التي يتحدث فيها عن أخته المفقودة:"إلى السادة: الحكام العرب .. أين أختي؟" (10)
هذه المقالة تجعلني أصدق إنسانية هشيار لأنه من الصعب أن تتواجد تلك العواطف في النفسية الشوفينية الجافة، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن هذه المقالة ترينا بوضوح مصدر الصدمة الهائلة التي عانت منها "سيارة هشيار" لتقذف بها الى الهاوية اليمنى، ورد الفعل العنيف الذي أبقى به السائق سيارته على قيد الحياة, والذي ليس غريباً أن يشتط فيقذفها إلى الجانب الإيسر، متجاوزاً الخط السليم لسيرها.

حتى ننتصر على هتلر
في العام الماضي صدر كتاب اثار اكبر ضجة في تأريخ اسرائيل واسمه "حتى ننتصر على هتلر".لرئيس البرلمان الإسرائيلي السابق إبراهام بورغ، ولأهميته في هذا الموضوع، أورد هنا بعضا من عبارات سالم جبران و د. حسيب شحادة في مقالتين لهما:

كان أبراهام بورغ ناشطا في حركة “السلام الآن”، عمل مستشارا لشمعون پيرس عام 1985، كان نائب رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، كان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ورئيس الوكالة اليهودية ورئيس الكنيست في أواخر التسعينات من القرن الماضي. وكان ضمن ما سمّي في حينه “جنود ضد الصمت”، ضد حرب لبنان الأولى
اعتزل السياسة منذ ثماني سنوات. ...طول الوقت وهو يفكر في التاريخ اليهودي والمصير اليهودي. وكان هذا التفكير يزيد عنده القلق، وكانت الأسئلة تقود إلى أسئلة أكبر وأكثر خطورة.

يصف بورغ المجتمع الإسرائيلي بـ "المذعور" ويقول: "إننا معوقون نفسياً. إسرائيل تعاني صدمة نفسية مستديمة... صدمة النازية أفقدتنا توازننا.
يقول أبراهام بورغ في الكتاب " إن الشعب اليهودي ليس قادراً أن يكون شعباً عادياً". وقال إن الكارثة اليهودية الفظيعة في ألمانيا النازية ما زالت تشكِّل عقدة مركزية ومحوراً حاسماً في الوعي اليهودي، ولكن مع فارق أساسي:"لسنا مرعوبين مما حدث فقط، بل نحن مرعوبون، بحق أو وهماً، من الآتي".
، ، نحن نفعل كل ما نفعل ولا نرى غير هتلر في المرآة!!

ورغم أن إسرائيل دولة أقيمت على أسطورة دينية، فإن بورغ نبه إلى أن "دور المحرقة في الحياة اليهودية أكبر من دور الله الذي “جلاله يملأ العالَم” كما يرد في ملحق الصلاة. من الجلي أن تجربة المحرقة هي الأهم في تاريخ الشعب اليهودي الطويل. إنها أهم من خلق الخليقة، الخروج من مصر، إعطاء التوراة، قيام دولة إسرائيل، حرب 1967. لذلك يداعب الكاتب فكرة تبديل أول الخلق الوارد في بداية سفر التكوين “في البدء خلق الله السماوات والأرض...” بـ “في البدء خلق الله المحرقة...”.

"إسرائيل اليوم الثورية الشابة والمفعمة بالحياة أصبحت ناطقة باسم الأموات. "
"قضية القضايا التي أمامنا هي أن نعيش حياة عادية مثل كل البشر. "
****
لكي ننتصر على صدام حسين
لقد دمر حكام العراق بلادهم وشعوبها لأنهم لم يصلوا من الإنسانية إلى ما يجعلهم يديرون بلداً بشكل سليم، وكانوا أصغر من أن يسيطروا على المشاعر المريضة في أنفسهم، وحتى عبد الكريم قاسم، الذي يعد أفضل حاكم مر على العراق، لم يكن أعلى من المشاعر الذاتية التي تدفع بالإنسان إلى الدكتاتورية وحتى الإجرام أحياناً، تلك المشاعر، وهذا الصغر في النفسية، هي المسؤولة عن كل هذا الدمار، والتي من الواضح لجميع العراقيين اليوم أنها لا تقتصر على العرب أو السنة أو غيرهم، وإن اختلف حجمها وشدتها بين فرد وآخر. لذا فأن اعتبار ظلم صدام وغيره، هجوم طائفي أو قومي، وأنه معركة بين أقوام وطوائف العراق، خطأ تأريخي فادح، لايلقي بتبعة المجرمين على أبرياء فقط، بل يجعل من نضال الضحية، نضالاً طائفياً أو قومياً بالضرورة. هذه النظرة تفقد ذلك النضال قيمته الإنسانية وتساوي بين المجرم والضحية كطرفين في حرب قومية أو طائفية، بل وتجعل من المجرم بطلاً قومياً أو طائفياً في نظر قومه إو طائفته، وهو ما تحاول جهات إعلامية معينة جاهدة أن تقنع العرب السنة به وتدفعهم باتجاهه، ومقاومة ذلك هو التحدي الكبير بالنسبة لهم.

لقد وقف العرب والسنة مع غيرهم في رفضهم لصدام، وهي حقيقة اثبتتها الكثير من الحقائق فلماذا تغمط هذه الحقيقة المشرفة للجميع ولصالح من يتم غمطها؟ الشعوب تزور التاريخ أحياناً لتثبت بطولات أبطالها، فلماذا نزوره لنطمس حقائق مشرفة للجميع؟

أنا لا أدعو إلى أن "ننسى" و "نعفوا" بل بالعكس، يجب أن نميز الظالمين ونحاسبهم بشدة، ونحرص على أن ينالوا عقابهم العادل كاملاً بلا رحمة، وفي أقصى ما يحكم به القانون. فرغم أن "ألعفو عند المقدرة" فضيلة لا شك فيها، فإن العفو السابق لأوانه، العفو قبل "المقدرة"، تدمير لسلطة القانون والدولة، ولا يستحق المجرمون منا أن نؤذي هذه الرموز من أجلهم أبداً.
لكنهم لا يستحقون أيضاً أن نرفع عن كاهلهم بعض وزر جرائمهم بتوزيعه على قوميتهم وطائفتهم، واعتبارهم ممثلين لها، فذلك أقصى ما يتمناه المجرمون ويتمناه بقاياهم ويتمناه الإحتلال لنا.

كذلك لا يجب لأي ممن تعرض للإضطهاد والأذى، شخصاً كان أو طائفة أو قومية، أن يتخذ موقف "الضحية المسكينة" التي تلقت الأذى بصمت، ولا يجب أن توصف بأنها "بريئة"، "لم تفعل شيئاً"، بل أن نتفهم وندرك ونؤكد في كل مناسبة أنها "فعلت شيئاً"، و"شيئا" يفتخر به، وأن ما جرى لها من أذى لم يكن "بلا سبب" بل كان ثمن موقفها الشجاع. فقد وقفت بوجه الظلم، لذا فهي ليست مجرد "بريئة" سلبية، بل وبطلة أيضاً، وهكذا يجب أن ينظر إليها. لا يجب أن نسأل مع الوندي: "ماذنب هؤلاء"؟ فـ "ذنبهم" أنهم أو عوائلهم وقفوا بشجاعة إنسانية كريمة رفضت الظلم، وهو "ذنب" يشرف صاحبه.

قصة العراق، قصة مآسي العراق، قصة مناضلين ضد الظلم الذي حكم البلاد بالحديد، فعلينا أن نعيد النظر في مآسينا، ونبحث فيها عن قصص بطولات نفخر بها لا مسكنة نشتكي منها، وعلينا أن "نجتث" تلك المرارة ونسيطر على ردود أفعالنا من صدمة صدام الكبيرة، والتي تقذف بسيارتنا بعيداً عن الطريق يميناً ويساراً. لقد وجهت الوضاعة ضربات مؤلمة لشعوب هذا البلد المتآخية، فلنوجه غضبنا إلى القضاء على تلك الوضاعة وليس على بعضنا البعض. إن لا نتصرف كمن عضته الحية فأفقده الرعب منطقه، وصار "يخاف جرة الحبل"، والعلاقة بين السنة أوالعرب – وصدام، كالعلاقة بين الحبل والحية، علاقة شكلية ليس لها أي محتوى حقيقي ولا تصلح للحكم لاعلى الحبل ولا على الحية. يجب أن نعرف هذا ونهضمه ونتمثله، فهكذا فقط يمكن السيطرة على مقود "سيارة العراق" المصدومة، لتعود إلى اتجاهها السليم. علينا أن نختار قيمنا وأهدافنا بأنفسنا. ومثلما أصر بورغ قائلاً :"أنا لا أريد أن يقرر هتلر لي ما هي هويتي"!، فعلينا أن نرفض أن يقرر لنا صدام هوياتنا وصراعنا، وعندها....عندها فقط....يمكننا أن نقول إننا انتصرنا على صدام ودفناه فعلاً، وليس قبل ذلك!


روابط:
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=89301
(2) http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/3/136147.htm?sectionarchive=Politics
(3) انظر مقالتي " علي فردان ودفع الشيعة العراقيين باتجاه الطائفية "
رابط مقالة علي فردان صححاً:http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=40966
(4) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=167146
(5) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=163933
(6) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/28krd4.htm 
(7) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/22krd2.htm 
(8) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/22krd2.htm 
(9) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/21krd.htm 
(10) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=94081

 

28 آذار 2009
 

free web counter