| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الأثنين 31/1/ 2011

 

أيها المصريون، إنتبهوا من الجيش فقد يكون الفخ الأخطر !!

صائب خليل

كتبت أمس مقالة تحذر من الدور الذي يتخذه الجيش المصري في مسيرة أحداث ثورة مصر، والثقة المتزايدة التي لا يبدو أنها مؤسسة على ارض صلبة، والتي تبدو أقرب للأوهام منها إلى الواقع.
وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وفي انتظار المسيرة المليونية غداً، أرى أن شكل المؤامرة والخطر الذي يحتمل ان يمثله الجيش تزداد احتمالاً. هناك تصور غير واقعي بأن الجيش يلقي خطاباته بشكل مستقل عن الحكومة والرئيس. لقد اعتبر البعض بيان وزارة الدفاع حدثاً سعيداً حين تحدث عن "مشروعية المطالب الشعبية"، لكن ملاحظة دقيقة تكشف أن ذلك الخطاب لم يختلف بأي شكل عن خطاب مبارك بعد الأحداث. فالبيان يقول أن "التظاهرات السلمية حق مكفول للجميع" وأنه يجب "عدم القيام بأي عمل من شأنه الإخلال بأمن وسلامة الوطن"، وتحدث أيضاً عن "فئة من الخارجين عن القانون"، بأعمال قال البيان أن "القوات المسلحة" لن تسمح بها "أو بالإخلال بأمن وسلامة الوطن" و "إن القوات المسلحة على وعي ودراية بالمطالب المشروعة للمواطنين الشرفاء" وأن القوات المسلحة من الشعب وإليه ولن تلجأ لإستخدام العنف والقوة ضد الشعب العظيم!
ما الذي سيغضب حسني في هذا الكلام؟ بل ما هو ا لجزء الذي يرفض حسني أن يقوله بنفسه؟

نعم كان الجيش أكثر لطفاً من الشرطة بالمتظاهرين، لكن علينا أن ندرك أن الموقف اللين واللطيف للجيش قد يكون الخيار الأفضل لوقف التظاهرات في مكانها وامتصاص زخمها، وأنه الطريقة الأكثر كفاءة للوصول إلى ذلك الهدف في هذا الظرف. فمن الصعب تصور أن يتخذ الجيش موقفاً عنيفاً دون أن يحدث مذبحة بمستوى غير معروف في التاريخ الحديث، أمام هذا الحجم من التظاهرات الإحتجاجية الغير معروفة في تاريخ مصر. علينا أن نتذكر بأن مبارك والمحور الأمريكي الإسرائيلي لم يعد له غير الجيش. ففعالية الجهاز الأمني توقفت الجهاز البيروقراطي توقف الجهاز القضائي توقف ، وبقي للنظام الجيش وحده، وينتظر أن يحاول أستخدامه بأي شكل كان. ولو كان الجيش بالفعل بهذه الحماسة للشعب ضد الدكتاتور الذي بطش به، فما الذي يمنعه أن يقف معه بصراحة ووضوح ويضمن له نجاح ثورته؟
وما هي المؤشرات التي تدل على أن الجيش يقف مع الشعب غير الملاطفة التي قد تكون مسرحية شكلية فارغة؟ علينا أن لا ننسى أن الجيش هي المؤسسة الأكثر خطورة التي يحسب لها الدكتاتور ألف حساب، ويراقبها ويصفيها حتى تخلو قيادتها ممن قد يفكر في التخلص منه لأي سبب كان. ولا ننسى أيضاً أن الجيش المصري قد تعرض لتصفية ثلاثة عقود من هذا النوع، وبشكل خاص كبار ضباطه. وفي إحدى المرات "سقطت" طائرة تحمل 40 من كبار ضباط الجيش المصري بحادث مشبوه، علماً أنه لم يكن يسمح لهم حسب قوانين الجيش بأن يركب أكثر من أثنان منهم في طائرة واحدة، لأهميتهم، كما هو معمول به في مختلف البلدان. كذلك فقد رأينا الرئيس مبارك وهو يجتمع في مركز عمليات القوات المسلحة مع كبار قيادات قوات الجيش، مما لا يوحي بأن تلك القيادة غاضبة على الرئيس أو أنه يجد صعوبة في التفاهم معها، ومع ذلك فلم يثر المشهد الشك في تلك الثقة الإغتباطية المتزايدة للجيش.

ومما يزيد الشكوك ملاحظة دور الإعلام في القضية والذي يركز بشكل غير طبيعي على الجيش وعلى قربه من الشعب والمتظاهرين، وبشكل مبالغ به يثير الريبة.
أحد الضباط يتحدث إلى الجزيرة فيقول: "الجيش تعرض لامتحانات كبرى في الدفاع عن البلاد.. هذا امتحان أمن البلاد القومي... الجيش يتحرك قليلاً قليلاً نحو الشعب.. "
ويؤكد على عبارات مثل "نحن نصر على مطالب المتظاهرين ومطالب المتظاهرين مكتوبة على مدرعات الجيش المصري"، وأمثالها محاولاً تصوير ربط الجيش بالشعب بشكل اعتباطي، وهو أمر يفترض أن يثير القلق.

العميد المتقاعد صفوت الزيات كان يتحدث للجزيرة عن الجيش بعبارات شعرية شاعرية مثيرة للقلق ويبدو وكأنه يلقن ما يجب ان يقول، فيتحدث عن التحام الجيش بالشعب وأنه حتى احتفالات الشعب جميعاً ذات ارتباط بالجيش وانتصاراته، وراح يعددها .. فما التأثير المتوقع لمثل هذا الحديث؟ التأثير الأساسي هو تقليل الحذر وتخذير الإنتباه وزيادة الإعتماد على الجيش وانتظار النجدة منه، فإذا انقلب بعد ذلك كانت المفاجأة أكبر وأصعب تحملاً من قبل المتظاهرين وفقدوا الأرض التي شعروا أنهم يقفون عليها.
أننا نجد أن المتظاهرين، الأسود حينما يتحدثون عن نظام مبارك ودكتاتوريته، يتحولون إلى كائنات لطيفة حين تتحدث عن الجيش، فهي تفقد غضبها وتفقد شكها الصحي واستعدادها وانتباهها ودفاعها عن اهدافها.

وسعت قناة "الجزيرة" حتى من خلال طريقة توجيه أسئلة الحوار إلى عزل النظام في جانب والمتظاهرين والجيش في الجانب الآخر، قبل ان يحين الوقت لمثل هذا العزل، ومثل هذا التوزيع في الخنادق. الضباط المتقاعدين المتحدثين كانوا يدافعون عن الجيش بشكل تام، ويزكون حتى الشخصيات الدنيئة مثل اللواء المخابرات عمر سليمان، رجل إسرائيل المعروف الذي عينه مبارك نائباً له، وهو ما يؤكد الشكوك بهؤلاء الضباط.

الأسئلة التي وجهت إلى صفوت الزيات من قبل "الجزيرة" كانت تشبه سيناريو معد مسبقاً بحيث يتم تشجيعه للحديث عن تاريخ الجيش العظيم، أما الزيات فيذهب في الحديث وكأنه قد حضر الدرس عن مآثر الجيش المصري وقربه من الشعب، ليس في العصر الحديث فقط وإنما صار يمر في ميادين القاهرة ويعدد شهداء الجيش في مختلف الأزمان. إنها حقائق، لكن هل أن استدعاءها في مكانه الآن؟ هل هناك ما يثبت أن الجيش المصري الحالي وقيادته يجب أن يعاملا بالثقة التي يعامل بها الأبطال، كما توحي تلك الأحاديث؟ يبدو أن الهدف من ذلك أن يجعل الجماهير تربط بغير وعي بين الثورة المصرية التي جاء بها الجيش بالبطل القومي جمال عبد الناصر، وافتراض أن الجيش سوف يأتي دائماً بأبطال شعبيين.

ولكن لماذا يتم امتداح الجيش أساساً في هذه اللحظة؟ اليس الأمر معكوساً؟ اليس الشيء الطبيعي هو أن يتكلم هؤلاء الذين يدعون أنهم يقفون مع الشعب، أن يتحدثو إلى الجيش ويذكروه بقيمة الشعب وبطولاته لكي يكسبوه إلى صف الشعب وليس لكي يكسبوا الشعب إلى صف الجيش؟ فما للأمور تبدو مقلوبة وكأن الموضوع أن يثق الشعب بالجيش وليس العكس ؟ هل قدم الجيش مشروعاً يتطلب الثقة به؟ لماذا يريد هؤلاء أن يثق الشعب بالجيش إذن ؟ النزاع هو بين الشعب والسلطة، وإن افترضنا أن الجيش حيادي أو مستقل، فيفترض أن تحاول كل جهة كسبه، أما كسب الشعب إلى صف الجيش فليس له تفسير مطمئن.

الأمريكان تركوا جميع الأبواب مفتوحة، وتحدثوا عن شرعية المطالب والمظالم وتسليم سلس للسلطة (مع التوكيد أن ذلك لا يعني بالضرورة رحيل مبارك) وترك الخيار للشعب، وهي لغة تختلف عن تلك التي استعملها الأمريكان لوصف تظاهرات البلدان الشيوعية السابقة أو إيران.

كذلك نلاحظ إن قيام نتانياهو اليوم بتحذير العالم من "إيران ثانية" إنما يهيء الجو، على الأقل في الغرب، لتقبل التآمر على إرادة الشعب المصري، فتحدث وكأنه يريد تغطية للمؤامرة القادمة، سواء في فرض عمر سليمان أو غيره بشكل سلمي أو أنقلاب عسكري. فمن المعقول أن يكون الهدف الأمريكي الإسرائيلي في هذه اللحظة، إزالة مبارك الذي لم يعد بالإمكان الدفاع عنه، والإتيان بشخص أقل فضائحية من المجموعة التابعة لهم ليقوم بالمهمة التي كان يقوم مبارك بها، وليطول الأمر عقداً أو أكثر قبل أن يجمع وجهه الحقد الذي تجمع ضد مبارك وتسبب في كل هذا الزخم المضاد. وهذا هو نسف السيناريو الذي تم به استبدال الوجه القبيح حينها، انور السادات، برجل لم يكن الناس يعرفون ما يخبئه لهم من كوراث وفضائع، لكن إسرائيل وأميركا كانت تعرف جيداً.

ما هي السيناريوهات التي يجب الحذر منها من الجيش؟ لعل أهم سيناريو هو أن يعلن الجيش أنقلاباً، ويأتي برئيس جديد، سيقول عنه أنه مؤقت، ويكون مقبولاً بدرجة ما، بل ربما يسعى إلى تسليم الأمر إلى شخص مثل عامر سليمان وعندها من المتوقع أن ينقسم المتظاهرون حوله بين مؤيد ورافض، وأمام اصطفاف الجيش معه لن يكون هناك زخم شعبي كاف للرفض والقيام بشيء.
أما في حالة تمكن المحور الأمريكي الإسرائيلي من إيجاد شخص أقل شبهة من عمر سليمان فأن النصر للخطة سيكون أكثر تأكيداً.

وهناك سيناريوهات أخرى مثل أن يتظاهر الجيش بالوقوف إلى جانب الشعب، وباعتباره الجهة الوحيدة المنظمة والمسلحة، فأنه سوف يتمكن من فرض الأجندة القادمة، فيحدد بشكل مباشر أو غير مباشر موعد الإنتخابات وربما تأجيله، كما سوف يمكنه أن يقيم حالة إرهاب وقتل في مصر، تماماً كما أسس نيغروبونتي في العراق، لكي يفرض من خلالها الأجندة الأمريكية الإسرائيلية وتفضيل انتخاب مرشحيها وإزالة أخطر المنافسين لها، واللجوء إلى الشخصيات المخترقة من المخابرات المصرية والأمريكية والإسرائيلية في قيادات الأحزاب الوطنية، وهي موجودة بلا شك، وتسهيل وصولها إلى السلطة.

أن خير ما يجب أن يهدف إليه المتظاهرون هو تحييد الجيش وليس تسليمه مصير التظاهرات وتحديد ما يجب أن تفعله ولا تفعله، بل على المتظاهرين استلام أمورهم بشكل تام بأنفسهم والعمل على تحديد أجنداتهم المناسبة للنجاح حتى إن تطلب الأمر مواجهة الجيش، فمن الممكن أن ينقسم الجيش على نفسه في هذه الحالة إذا قرر قادته الإصطدام مع المتظاهرين، وأن ينضم جزء من هذا الجيش إلى المتظاهرين قابلاً بالعمل تحت قياداتها أو لحمايتها دون التدخل في قرارها السياسي.

من الواضح أن مبارك لم يعد له مكان، لا بين الشعب ولا لدى المحور الأمريكي الإسرائيلي، وانهم يبحثون عن البديل التالي الذي يجب فرضه على الشعب المصري، وعلى هذا الأساس يجب أن تحسب خطوات الأمريكان والمخابرات المصرية التي يجب أن لا يتردد أي عاقل في افتراض أنها أقرب إلى مخابرات إسرائيلية منها إلى مخابرات مصرية بعد هذه العقود من العمالة الحكومية المتناهية لإسرائيل، وأن الأخيرة لا يمكن أن تقبل بوجود فرد واحد في تلك المخابرات لا تطمئن أنه لا يعمل لحسابها، أو أن يكون فيه ذرة إحساس وطني. فبعد ثلاثين سنة من التصفيات، يبدو من خداع النفس أن تتوقع قيادات عسكرية أن تقف بجانب الشعب وضد النظام، وتعمل على هذا الإفتراض غير المؤسس وتراهن بمصيرك على صحة افتراضك المخالف للمنطق.

على الناس الثائرة وقيادتها أن تبقي على عيونها مفتوحة وتتحمل الشد العصبي الذي تتطلبه المرحلة الخطرة فلا تسترخي قبل الأوان بقصص واهية عن الجيش البطل الذي سيكمل لها المشروع، وبردأ عنها الخطر. ولكي تؤتمن المرحلة الإنتقالية يجب أن يقوم قياديو المتظاهرين بقيادتها بانفسهم نحو الديمقراطية، ولا يغامرون بها إطلاقاً من خلال الثقة بجهات محسوبة على النظام لعشرات السنين. نعم لاشك أن بين قيادات الجيش من يتعاطف مع الثورة، لكن بالتأكيد ليس الأكثرية وبدون أي شك، ليس الجميع كما يحاول الإعلام أن يوحي للناس، وبشكل يثير الريبة. على قيادات التظاهرات أن يواجهو الحقيقة الصعبة، وهي أن عليهم أن يأخذوا النصر بالناب والمخلب، وليس بالتمني بأن يجلبها قادة جيش الدكتاتور لهم. إنها لحظات دقيقة لثورة ثمينة جداً، ويجب الإنتباه لكل شيء.



 

31 كانون الثاني 2011
 


 

 

 

free web counter