| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     السبت 30/7/ 2011


 

(مقالة ساخرة)

نظرية صائب خليل في الفرض البديل "إشكالين أسهل من واحد"

صائب خليل

لدي قاعدة، تصح غالباً: كلما دهشت وحيرني أمر لسببين مختلفين، أستبشر خيراً، فاكتشاف تفسير للأحداث يزيل حيرتين معاً، أسهل من اكتشاف تفسير يزيل حيرة واحدة. قد يبدو الأمر غريباً لكن لا تتعجلوا سأشرح لكم الفكرة ولكم ان تحكموا.

طالما أثار علاوي استغراب الجميع برفضه التام والمزمن لأن تطأ قدماه البرلمان. وهذا الأمر الإشكالي الغريب الأول، الذي يصعب تفسيره، فالمعتاد، أن يهتم البرلماني بمصالح ناخبيه ويدافع عنها، أو على الأقل يتظاهر بذلك من أجل الإنتخابات القادمة...هذه هي الفرضية المنطقية الأولى، وبشكل عام هذا هو حال البرلمانيين في العراق وحتى العالم، إلا علاوي، فكان تصرفه يناقض هذه الفرضية الأساسية، ويرفض حتى حضور الجلسات، ومهما كان موضوعها خطيراً.

ربما يفسر الأمر كون الرجل كسول أو متكبر لو أنه بقي متمنعاً عن الحضور، لكن السحر كسر أخيراً على ما يبدو، وجاء علاوي أمس مثل أي برلماني إلى قاعة المجلس، ودافع عن المفوضية في جلسة التصويت على سحب الثقة منها، ولم يكتف بالتصويت بل تحرك كثيراً وصفق كثيراً وجعل الجميع يراه ويسمعه، مما أدهش الجميع لهذا التغيير الغريب في سلوك الرجل، وهذا التغيير هو الإشكال الأول أو "الحيرة الأولى".

لننظر إلى "حيرة" أخرى. يفترض بالمفوضية انها "مستقلة" و "حيادية" لتستحق "الثقة"، وبالتالي فهي ليست من مصلحة أحد ولا ضد أحد، وبالتالي لا ينتظر من أحد، خاصة إن كان براغماتي يبحث عن مصلحته مثل أغلب السياسيين، وعلاوي بالتأكيد كذلك، لا ينتظر منه أن يتحمس لها بشكل شديد أو يكرهها بشكل شديد. وإذا كانت مثل هذه المفوضية متهمة بفساد فينتظر من الجميع أن يتخلوا عنها، بل يتباروا في التخلي عنها ليبينوا أنهم ضد الفساد أمام التلفزيون والناس.

الذين صوتوا ضد المفوضية، قالوا أنها ليست حيادية، وبالتالي لا غرابة في تصرفهم، ويمكنهم تبرير كرههم للمفوضية وحماسهم لإزالتها. لكن الذين دافعوا عنها وأعطوها الثقة، يفترض ضمناً أن يكونوا قد اعتبروها حيادية، على الأقل إلى درجة تكفي للمخاطرة بالسماح لها لقيادة بلادهم في انتخابات جديدة، لكي تستحق الثقة. لكنها إن كانت حيادية فهذا يعني أن لا مصلحة لأحد ببقائها أو زوالها. بل مادامت سمعتها قد أصابتها لوثة، فمصلحة الجميع المباهاة بالتخلي عنها، فما الذي جعل علاوي يتحمس لجلسة الدفاع عن المفوضية بالذات ويحضرها على غير عادته، ويتحدث بحماس مدافعاً عنها ويصفق طرباً لنجاحها في البقاء على قيد "الثقة"؟ هذه هي الإشكالية أو الحيرة الثانية التي نبحث عنها لتساعدنا على الحل.

وبالفعل فأن الإشكالية الثانية تدفعنا إلى أن نرى أنه لا بد أن ما قلناه كان "خلاف الفرض" وأن التفسير الوحيد لحماس علاوي ورهطه، إذا استبعدنا التهم بالجنون، هو أن الرجل وكتلته لهم مصلحة في بقاء هذه المفوضية بالذات، وبالتالي فهي حسب تقديره على الأقل، ليست حيادية ومستقلة. إنها "تنفعه"، فهذا هو السبب الوحيد لكي يتحمس "النفعي" البراغماتي لشيء ما.

وبماذا تستطيع "مفوضية" إنتخابات، ان تكون "مفيدة" لسياسي يطمح لرئاسة الحكومة؟ ليس غير "الأصوات الإنتخابية"!.

ها قد صار لدينا معلومات لتكوين فرضية أخرى تستطيع أن تفسر التناقضين أو الإشكالين معاً بشكل معقول: علاوي يرى أنه يحصل على معظم اصواته "من المفوضية" وليس من الناس، أي أنه يرى أن "ناخبيه" هم في الحقيقة ليسوا سوى "المفوضية"، ولذا لم يكن يعتبر النقاشات السابقة في البرلمان تعني "ناخبيه" – أي المفوضية، ولذا لم يهتم بها، وحين جاء دور موضوع حاسم بالنسبة لـ "ناخبيه" - المفوضية، مصدر اصواته الأساسي، فأنه تصرف كأي نائب "مخلص لناخبيه" يحضر (فقط) عندما تكون مصالح ناخبيه على جدول الأعمال الجلسات، وينتفض مدافعاً عن مصالحهم التي هي مصالحه، ولا تهمه بقية الجلسات.

سيعترض من انتخب علاوي على هذه الفرضية، ويسألون سؤالاً وجيهاً فيقولون أنهم صوتوا لعلاوي بالفعل، وحتى لو كان قد حصل على تزوير زاد أصواته، فأننا أيضاً صوتنا له. وأقول أنني لم أقل أن احداً لم يصوت لعلاوي سوى المفوضية، إنما قلت أنه – هو – يعتبر على ما يبدو أن معظم الأصوات جاء من المفوضية وليس من الناس، وإلا فبماذا يفسرون عدم حضور الرجل جلسات البرلمان حينما كانت تناقش فيها المسائل التي تهمهم، والتي انتخبوا علاوي من أجل الدفاع عنها، وحضوره النشط عندما كان مصير المفوضية على المحك؟

لنأخذ مثالاً آخر لشرح النظرية، ومن نفس الموضوع..

أمر محير وخطير كان كشف النائبة الفتلاوي أن هناك "إرهابي" – أو رجل عصابات إن شئتم، تم تسليمه باج دخول مركز المعلومات، والذي تعتبره المفوضية من الخطورة على سلامة الإنتخابات، بحيث أنه منع عن قادة الكتل السياسية المنتخبين في البلاد. وتم اكتشاف ذلك صدفة من خلال اشتباك للشرطة مع الرجل، حين كان يهم بقتل رجل آخر في الشارع، حسبما جاء في وصف الفتلاوي ولم تعترض المفوضية عليه. هذه هي "الحيرة" الأولى، فيفترض أن تكون لدى المفوضية ضمانات تستبعد أي شخص مشكوك به، مهما كان الشك صغيراً. إكتشافه بالصدفة يعني أيضاً أنه لا يستبعد أبداً أن يكون هناك آخرين مثله في المركز أو في أية مراكز حساسة في المفوضية.

الحيرة الثانية، هي أن الرجل غير معين في المفوضية ، ومع ذلك يحمل باج دخول مركز إدخال المعلومات! فرج الحيدري قال أن الأمر كان بسبب الإستعجال للحاجة الماسة إلى خدمات الرجل للعمل في المركز، لذا تم تسليمه الباج قبل أن يتم تعيينه. لم تخبرنا التحقيقات، ولم يخبرنا الحيدري لماذا كانت هناك حاجة ماسة مستعجلة للرجل، فهل كانت له خبرة خاصة لا يمكن الإستغناء عنها حتى يحصل على التعيين، أم أن المفوضية كانت تعاني من قلة شديدة في الموظفين المعينين "الموثوق بهم مثل هذا الرجل"؟

ربما، لكننا سنهمل هذه التساؤلات الآن، ونركز على سؤال آخر: قالت الفتلاوي، ولم ينكر الحيدري ذلك، أن معلوماتها تقول أن الرجل كان قد "اختفى" عن المفوضية لمدة شهرين قبل أن يقتل في تلك الحادثة، فلماذا لم تسأل المفوضية عنه، وهو ذلك الرجل في الموقع الخطير؟ هل يعقل ان تعين رجلاً مجهولاً لا يمكن الوصول إليه إن اختفى ولا يعرفه أحد؟ هل سألت عنه أخيه الذي يعمل في المفوضية ولم يعرف؟ لماذا لم يدق ذلك لديها جرس إنذار وتبلغ الشرطة، على الأقل باعتبار أن الرجل ربما يكون قد قتل وأن إرهابيين قد استولوا على باجه الخطير؟ ولماذا لم تستكمل عملية تعيينه خلال كل تلك الفترة، أو تلغى؟

هذه "الحيرة" الثانية بكون الرجل غير مدرج في سجلات التعيين، وعدم اتخاذ المفوضية أية إجراءات بشأن اختفائه مع الباج، تشير إلينا إلى فرضية مخيفة قد تفسر الحيرتين معاً، بأفضل من اية فرضية أخرى أعرفها، وهي أن المفوضية ، أو جهة متنفذة جداً فيها، كانت على علم بأن الرجل إرهابي، وأنها تعمدت عدم تعيينه رسمياً، لكي يسهل إخفائه أولاً، ولكي يصعب اكتشاف علاقة المفوضية به في حالة القاء القبض عليه متلبساً. وبالفعل، فلو لم يكن لسوء حظ المفوضية الشديد، يحمل الباج، لما كان هناك مؤشر يدعو الشرطة إلى السؤال عنه في المفوضية وكشف علاقته بها! ... سؤال خارجي: هل هناك آخرين؟

هذه الفرضية التي اعترف أنها "مخيفة" هي أفضل ما وجدته لتفسير الإشكالين، فمن لديه فرضية أفضل لتفسير ذلك، فليتفضل لنا بها.

أفترض أن الفكرة قد صارت مفهومة، لكن زيادة في التوضيح دعونا نأخذ مثالاً أخير لشرح هذه النظرية.

لنأخذ أمرين محيرين آخرين من نفس القضية. للحيرة الأولى سنختار خبر الأكتشاف المدوي – (أو بالأحرى، الخبر الذي لم يسمح له الإعلام أن "يدوي" كما يجب، فلم تعقد الندوات ولا جلسات المناقشة حول هذا الأمر الذي يفترض أن يكون خطيرا جداً) وهو أن المفوضية كانت تسلم صناديق إقتراع (واحد منها تم أثباته، وقد يكون هناك أكثر) إلى الأمريكان. وإن صدقنا علاوي والعراقية والإعلام "العراقي" و "العربي" في غالبيته، في الفترة الأخيرة، فأن أميركا "تخلت" مؤخراً عن علاوي، وصارت تفضل المالكي لرئاسة الحكومة العراقية. صحيح أن أحداً لم يقدم تفسيراً لهذا التحول الغريب، لكن عندما يكون هناك سيل إعلامي كبير، يتخلى الناس عن ضرورة تقديم التفسيرات أو البراهين، ويبدو أن الجميع مقتنع به، ومن ضمنهم علاوي، فدعونا نفترض مع الآخرين أن هذا صحيح.

إذن كيف يدافع علاوي عن مفوضية (1) تسلم صناديق الإقتراع للأمريكان الذين هم يدعمون خصمه "اللدود"؟ و (2) لماذا يتحمس للتخلص من تلك المفوضية، نفس فريق الخصم، وهم الذين يفترض أن يستفيدوا دون غيرهم، من فساد المفوضية و"تعاونها" مع الأمريكان؟

نستنتج إذن، ما لم يكن علاوي أحمق لا يعرف مصلحته، وهو ليس كذلك كما افترض، فأن من غير الصحيح أن الأمريكان قد غيروا  رأيهم وفضلوا المالكي، وأنها لم تكن سوى قضية إعلامية، ربما لإزالة ثقل سمعتهم السيئة في العراق عن "صديقهم" وإلقائها على خصومه، وأن علاوي مازال "رجلهم في بغداد". وهذه الفرضية الجديدة تحل الإشكال الثاني، فما دام علاوي يعلم أن الأمريكان في جانبه، فأنه يفترض أنهم سيأخذون الصناديق لتغييرها لصالحه. هذا بالنسبة للحيرة الثانية، أما الأولى فتحل فوراً أيضاً ، فليس هناك غرابة في هذه الحالة من أن مجموعة المالكي تريد التخلص من مفوضية فاسدة، وأن تتحمس لذلك بشكل خاص حينما ترى أن ذلك الفساد يعمل ضدها، فهذا "الدفاع عن النفس"، أمام الضرر من الفساد، والذي أسماه الآخرين "دافع سياسي"، تصرف طبيعي تماماً.

بقي هناك سؤال وجيه قد تطرحه عزيزي القارئ وتقول: فهمنا موقف علاوي وموقف المالكي، لكن لماذا دعم الباقون المفوضية المفضوحة، وخسروا بعض سمعتهم بلا مقابل؟ وجوابي إنها حيرة واحدة، لذلك ما أزال حائراً في حلها، وما أزال أبحث عن "الحيرة الثانية" التي قد تساعدني في حلها!

أرجو عزيزي القارئ أني تمكنت من إقناعك بنظريتي "الغريبة"، بأن إيجاد فرضية تحل الإشكالات المنطقية المزدوجة أو الحيرة المزدوجة، أسهل من تلك التي تحل حيرة واحدة. لذلك لا تنسى كلما حيرك أمر وعجزت أن تجد له تفسيراً، إبحث عن "حيرة أخرى" في نفس الموضوع، فإن وجدتها، ستجد غالباً أن الحل يأتي بنفسه منقاداً إليك!

 


30 تموز 2011
 

 

free web counter