| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الثلاثاء 27/1/ 2009

 

صوت العقل لايحتاج إلى عقل

صائب خليل

التفكير عملية شاقة، وفوق ذلك فهي ليست متاحة للجميع لأنها تحتاج إلى "عقل" ويبدو من أنتقادات بعض الكتاب لغيرهم بأنهم ليسوا "عقلانيين" أن هذا ليس ملكاً لكل الناس، أو أن استخدامه ليس سهلاً، بل أن من يقرأ التعليقات على بعض المقالات مثل: "إنه تحليل عقلاني!" أو "هذا هو منطق العقل!" أو "إن ما كتبته عين العقل!!"، "ليستمع هؤلاء إلى صوت العقل!"...الخ، يستطيع بسهولة أن يكتشف الإحترام الكبير والإعجاب الشديد بأصحاب العقل، مما يدل على أن العقل مفيد لكنه نادر وأغلب الناس لا تملكه، فلا يمكنك أن تعجب بما هو شائع.

وهنا سألت نفسي: ألا يمكن إيجاد طريقة لتعميم فائدة العقل ليستفيد الجميع منها؟ فأجابتني نفسي: "لايمكن"! قلت لها: لماذا؟ إن وجدنا قاعدة بسيطة للطريقة التي يتخذ بها العقل قراره، يمكننا أن نعلنها فيستفيد منها من ليس لديهم عقل من الناس، وتعم الفائدة ويصبح الجميع "عقلانيين".
فقالت: مستحيل، لأن العقل يفكر في كل قضية ويحسبها، ورغم أن لديه مفاهيم لتسهيل عمله، لكن ليس لديه قاعدة أو معادلة يمكن الوصول بها إلى النتائج الصحيحة بدون تشغيل العقل على مختلف العوامل ليحسبها لكل حالة.
قلت غاضباً: ألم يقل نابليون "لايوجد مستحيل"؟ لماذا تغلقين الأبواب باليأس مسبقاً؟ لنحاول مثلاً أن نجري مسحاً لكل قرارات "العقلانيين" ونقرأ ماقاله "صوت العقل" في كل حالة، ونرى إن كانت هناك طريقة لنعرف بها ما سيختاره العقل دون الحاجة إلى إجراء حسابات، ليصبح الجميع "عقلانيين" حتى إن لم يكن لديهم عقل!

لم يستطع أي منا أن يقنع الآخر برأيه فقررت المحاولة وحدي رغم أن نفسي تقول باستحالتها، وبدأت بجمع المقالات التي وردت فيها كلمة "العقل" ومشتقاته مثل "العقلانية" و "الحكمة", ولاحظت بدربي أمتداحاً لكلمات أخرى فقررت دراستها ومعرفة طرقها لزيادة الفائدة، كلمات مثل "الإعتدال" و "فن الممكن".

وفاء مني، بدأت باختيار مقالات بعض "أصدقائي الألداء" القدماء، ومن قول الدكتور عبد الخالق حسين:
"لقد حان الوقت لأن تحل السياسات العقلانية محل السياسات الصبيانية العبثية"؟ (1) استنتجت أن "ألعقلانية" ليست "الصبيانية" ولا "العبثية" بل تناقضها وإلا لما أصر الدكتور حسين على استبدال هذه بتلك.
ومن جملة أخرى له: "هنا في العالم العربي يوجد ما يـسمي بـ(الشارع العربي) الذي وتحركه المشاعر والعواطف الملتهبة وليس العقل" ، استنتجت ان "المشاعر والعواطف الملتهبة" تحرك بعكس الإتجاه الذي يحرك العقل اليه وإلا لما عرفنا من حرك الشارع.
ومن الجملة التالية: "مناسبة هذه المداخلة هي ما نقرأه، مع الأسف الشديد، من اتهامات للكتاب العقلانيين الذين تجرؤوا وانتقدوا حماس على مقامرتها بحياة الشعب الفلسطيني". نعرف أن "العقلانيين" هم الذين "انتقدوا حماس".
ولو أننا عرفنا من الذي "انتصر" في الوقت الذي كتب فيه الدكتور حسين مقالته: "وأخيراً انتصر العقل...!!" ؟ لعرفنا "العقل" مباشرة!! في نفس المقالة يكتب لنا أيضاً مؤيداً معاهدة "سحب" القوات:
"يجب على الشعب العراقي وسياسييه العقلاء أن يستخلصوا الدروس والعبر من تاريخهم الحافل بالنكبات، والتخلي عن العنجهية والعنتريات الفارغة في معاداة الدولة العظمى، أمريكا خاصة، والدول الغربية عامة." (2) ومنها نفهم أن "العقلاء" من السياسيين هم الذين يتخلون عن " العنجهية والعنتريات الفارغة في معاداة الدولة العظمى"...

لقد قطعنا شوطاً طويلاً في بحثنا، وننتقل إلى الأستاذ شاكر النابلسي لنجده يصرخ محتجاً "كفى ضحكاً على عقول الفلسطينيين" أما السبب فهو برأيه أن "حق العودة" طموح خيالي يجب التخلي عنه لمن يريد أن يعمل عقله. (3)
وهاهو النابلسي يوضح لنا ما هو "صوت العقل" من خلال مثال لما قام به نواب الشعب العراقي:
"وأخيراً، استمع نواب الشعب العراقي إلى صوت العقل والواقعية الشجاع، ووافقوا على الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية" (4) .

ورغم أنه يجب أن يكون "العقل" و "العقلاء" أمراً غير ملتبس علينا لنفهم إن كان من حقنا أن نقرأ مقالة شاكر النابلسي المعنونة: "الاتفاقية الأمريكية- العراقية: للعقلاء فقط"، لكننا سنفترض ذلك تعسفاً من أجل البحث ونقرأ :
"وهذا ما يدركه العقلاء في العراق من الكُرد والعرب. فالكُرد بكل عقلانية وواقعية، قد رحبوا من خلال قيادتهم بهذه الاتفاقية، وطالبوا بالتوقيع عليها حماية للعراق من أي تدخل خارجي إيراني – سوري. والعقلاء العربي من أمثال مثال الألوسي النائب في البرلمان وزعيم "حزب الأمة"، وإياد جمال الدين.."
إذن "العقلاء" من الكرد والعرب يتشابهون ويتفقون على الخيارات، وكذلك أصبحت لدينا أمثلة عما يقصد النابلسي بالعقلاء: مثال الآلوسي، وأياد جمال الدين...

لنستمر إلى حيث "تجلت العقلانية في أبرز صورها"، كما قال النابلسي:
"لقد كتبَ كثيرٌ من الكتاب العقلاء العراقيين كعزيز الحاج، وعبد الخالق حسين، وعدنان حسين وغيرهم، عدة مقالات مؤيدة لهذه الاتفاقية. وفي هذه المقالات تجلّت العقلانية العراقية في أبرز صورها، وأنقى أفكارها، بعيداً عن الإنشائية والعاطفية، والخطابية.....فكتب عبد الخالق حسين مقالاً عقلانياً وواقعياً بعنوان "الاتفاقية.. أو الطوفان”....." .. (5)
ها قد أضفنا أسماء جديدة لقائمة "العقلاء"...ووجدنا "مقالاً عقلانياً وواقعياً" حين نقرأه نجد أن ملخصه يقول أن "رأس الحكمة مخافة الأمريكان" و "أن الاتفاقية هي الفرصة الذهبية الأخيرة التي هي بمثابة حبل النجاة الذي جاد به التاريخ للشعب العراقي" أما إذا رفض الشعب العراقي، فـ "عندها يجب أن لا يلوم العراقيون إلا أنفسهم. فالخيار لهم، إما توقيع الاتفاقية بنسحتها الأخيرة.. أو استعدوا للطوفان."
ويبدو أن هذه المقالة تحظى باحترام كبير بين "العقلانيين" فقد أشار إليها كل من شاكر النابلسي وعزيز الحاج وربما آخرون، ولعل السبب هو أن الدكتور كان يفكر في حالة تسامي ديني أثناء كتابتها وربما تقمص في تحذيره من الطوفان، شخصية النبي نوح خاصة وأنه ينهي المقالة بـ:"ألا هل بلغت؟ اللهم إشهد." (6)
لكن هذا خارج الموضوع، ما يهمنا هنا أنك يمكنك أن تتعرف على "العقلاء والواقعيين" من توقيعهم المعاهدة الأمريكية وغير العقلاء من رفضهم لها.

ننتقل الآن إلى الشخصية الثالثة التي كتبت كثيراً ايضاً عن العقل والواقعية وهي الأستاذ عزيز الحاج، ونبدأ بـ :
"الذين سيقفون الموقف الواقعي المرن لصالح العراق سوف يكتبون في تاريخ العراق الحديث صفحة لامعة، أما الراقصون على ضجيج طبول إيران، فإنهم هم الخاسرون، وذلك مهما طال الوقت!" (7) ومنه نستنتج أن العراقيين مقسمون بين طرفين متنافرين: "الواقعي المرن" و "الراقصون على ضجيج طبول إيران".

وفي مناسبة أخرى، يرى عزيز الحاج أن "الحريصين" (وهي كلمة يمكن اعتبارها مرادفاً لـ "العقلانيين") يجب أن يمنعوا تظاهرة ضد الإحتلال وتوقيع الإتفاقية:
" إننا ندعو السيد المالكي لإعادة النظر جديا وحالا، في قرار إجازة المظاهرة، ونرى أن كل القوى والتيارات والشخصيات العراقية الوطنية، الحريصة على سيادة العراق، وأمنه، لرفع الصوت عاليا ضد المظاهرة، وللضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها المحمل بالأخطار."
"لا جدال أبدا في أن كل الوطنيين العراقيين يريدون اليوم الذي ينسحب فيه آخر جدي أجنبي من العراق، ولا مجال للمزايدات الغوغائية والمغرضة بهذا الشأن، كما ليست الولايات المتحدة راغبة أو قادرة تحت الظروف الداخلية على البقاء أبدا، ولكن القضية هي التعامل مع معطيات الواقع"(8)
أي أن "معطيات الواقع" تقول بوجوب بقاء الأمريكان حالياً، ومن يرى غير ذلك فهم اصحاب "المزايدات الغوغائية المغرضة"، وليس العقل.

يقول الحاج : "لم يكن عند الطبقة السياسية أي استعداد يذكر لتبادل الرأي بموضوعية، أو للحلول المعتدلة،، أي التوافقية، بل كان كل طرف يؤمن بأنه وحده المصيب، ووحده يمتلك الحقيقة المطلقة، ومن خالفه فهو بين “عميل"، و"خائن"، هذا إذا لم تسمح الأوضاع بممارسة العنف الدموي في الخلافات السياسية."
"إن هذه الظاهرة المرضية، خصوصا في أوساط المثقفين والكتاب العراقيين المسيسين، راجت منذ سقوط صدام، ولا تزال رائجة بامتياز، ورغم أن القوات الأمريكية هي التي حررت العراق، فإن تهمة "عميل أمريكي"، أو ما يشبه صارت تتداول في سوق السجال العراقي....أجل إنه بؤس السجال، الذي يدل على الإفلاس الفكري، والافتقار التام إلى الموضوعية، والإنصاف، ونزاهة الكلمة." (9)
ومن هذا نستنتج أن "الموضوعية و الحلول المعتدلة التوافقية والإنصاف ونزاهة الكلمة" تتطلب عدم التخوين واستعمال كلمات "عميل" و "خائن" ومن يستعملها فإنما يدل على إفلاسه الفكري وافتقاره للموضوعية.

لكن يبدو أن ما يقصده الأستاذ عزيز الحاج هو أن ذلك الوصف يقتصر على من يستعمل عبارة "عميل أمريكي"، لأنه هو يستعمل عبارات "عملاء إيران" مثلاً أكثر من أي كاتب آخر، وحاشى أن يكون الأستاذ الحاج "مفلساً فكرياً" أو "مفتقراً للموضوعية".

في مقاله: "مفهوم الاعتدال السياسي لدى القيادات العراقية" (10) يوضح عزيز الحاج مفهومه للإعتدال السياسي بأنه ما كان خارج الأحزاب الإسلامية مهما كانت لأنها مؤسسة على العكس منه.
وبما أن "ألهوس" كلمة مناقضة للعقل والإعتدال، فيمكننا أن نستنتج منها ما يفيد لتحديد العقل. في مقاله : "هوس العداء للعولمة.." يكتب عزيز الحاج عن التظاهرات ضد العولمة: "هذه المظاهرات تجري بمبادرة وتنظيم اليسار وأقصى اليسار الغربيين والمنظمات الموصوفة بالإنسانية والدفاع عن البيئة، والتي هي تحت سيطرة أقصى اليسار واليسار أيضاً....والحقيقة أن عداءهم للعولمة نابع أولا من العداء للبرالية، وحرية السوق وتبادل السلع. المنظمون يعتبرون اللبرالية شرا وأمريكا رمز هذا الشر. وسبق أن حملوا قبل سنوات دمية تمثل بوش وعليها لافتة "بوش الفاشي" وهم اليوم أيضا يوجهون مركز العداء للولايات المتحدة ورئيسها. ويل عجبا لهؤلاء الذين يصفون بالفاشي رئيس أكبر دولة ديمقراطية في العالم، وكأن الشعب الأمريكي انتخبه لميله الفاشي! هذه المنظمات تعادي الديمقراطية البرلمانية في دول ذات مؤسسات ودساتير تقدمية مبنية على حقوق الإنسان.
إن أصدقاء الفقراء "المزيفين" كما يصفهم ريفيل، لا يطرحون برامج واقعية مدروسة لزيادة المستوى المعيشي وتحسين أوضاع ذوي الدخول الصغيرة، بل يطرحون برامج غير واقعية ويحاربون مؤتمرات تنعقد لصالح البلدان الأقل نموا." (
إنتهى اقتباس عزيز الحاج) (11) ومنه نرى أن كلا من "اليسار وأقصى اليسار" غير عقلانيين لأنهم مصابون بـ "الهوس" ضد العولمة والليبرالية وحرية السوق وبوش الذي يرأس أكبر دولة ديمقراطية في العالم، وإنهم ومعهم المنظمات "الموصوفة بالإنسانية والدفاع عن البيئة" يعادون الديمقراطية البرلمانية والمؤسسات المبنية على حقوق الإنسان، وإنهم "أصدقاء الفقراء المزيفين" وأن هذه المؤتمرات جاءت من أجل البلدان الأقل نمواً، لذا فأصحاب المؤتمرات العولمة وحرية التجارة هم "اصدقاء الفقراء الحقيقيون".

إذن، إن دراسة مقالات السادة عبد الخالق حسين وشاكر النابلسي و عزيز الحاج، وعدد آخر غيرهم من الكتاب ذوي الوزن، وهم أكثر من كتب عن "العقل" و "العقلانية" و "صوت العقل" و"الواقعية" لتمييزها عن "الهوس" و "الغوغائية" و "طفولية اليسار" ألخ، تبين إمكانية وجود معادلة بسيطة يمكن أستنتاج ما يقوله "العقل" وما تريده "العقلانية" و "الواقعية" وأخواتها دون ضرورة امتلاك عقل ولا حسابات!
نلاحظ في كل الحالات التي وردت هنا أن "العقلانيين والواقعيين" حسب تعريف السادة أعلاه، يتخذون دائماً الموقف الأمريكي – الإسرائيلي، فلا يوجد أي مثال لديهم، ومن خلال مئات من مقالاتهم، أختار فيه "العقل" خياراً مخالفاً لما يريده الأمريكان والإسرائيليون! كل ما يريده الإسرائيليون والأمريكان هو "صوت العقل" وكل ما يريده مخالفوهم "غوغائية" و "تهور" و "عدم واقعية".
لا نقصد أن في ذلك عيبا في منطق هؤلاء السادة، بل العكس نقصد المديح والإمتنان لأنهم كانوا وراء اكتشافنا لتلك الوصفة الخطيرة لـ "قرار العقل".

هؤلاء السادة لم يخلصونا من ضرورة مناقشة الأفكار المعارضة للأمريكية فقط، بل حتى من كل الإحتمالات الكثيرة التي تقف في المناطق الوسطى بين المعارضة وبين وجهة النظر الأمريكية! فلم يسبق لـ "صوت العقل" هذا أن قال بأخذ جزء من الفكرة الأمريكية وجزء من معارضتها: فالرأي الأمريكي هو عين العقل ومركزه الدقيق! لذا وبفضل جهود السادة عبد الخالق حسين و شاكر النابلسي وعزيز الحاج وأمثالهم، أمكن أن نستنتج ببساطة أن من يريد أن يكون عقلانياً" "واقعياً" ليس عليه أن يدوخ عقله، بل أن ينتظر الموقف الأمريكي ويقف بجانبه تماماً، وكفى الله المؤمنين شر "دوخة الرأس"!
هذا الإكتشاف الهام سيوفر للبشرية جهوداً مضنية، وهو يتمظهر في مظاهر أخرى قريبة يجب أن لا تغيب عن البال، في عبارات مثل "السياسة فن الممكن".
وقد يخطر ببالك أن الإنسان يمكن أن يخطئ في تقدير "الممكن" زيادة أو نقصاناً، وأن "فن الممكن" هو الفن الصعب الخاص بإيجاد أكبر كم "ممكن" دون السقوط في ماهو "غير ممكن" وأن هناك خطاً دقيقا يجب عدم عبوره لافوقه ولا تحته.
غير صحيح!! تبين دراسة جميع المقالات التي توفرت لدينا والتي تتحدث عن "فن الممكن" بأن المقصود منه أن تخفض طموحك دائماً وستطمئن إنك ستمارس "فن الممكن"! لم يعترض أحد يوماً على تصور ما بأنه خارج "فن الممكن" لأنه أقل من الممكن. لذلك فـ "السياسة" ليست فناً ولا صعبة ولاهم يحزنون، وكل ما عليك لتمارسها بشكل صحيح هو أن تخفض طموحك قدر الإمكان! لن آتي هنا بأمثلة من مقالات بل أترك لكم التحدي أن تجدوا أية مقالات تتحدث بالعكس (ما لم تكن رداً على مقالة "أصيلة" عن "فن الممكن").

ولعل أطرف أكتشاف في هذه السلسلة من الإكتشافات الخطيرة هو خطأ مفهومنا عن "الإعتدال"! فحتى اليوم وقبل هذا الإكتشاف كانت كلمة "الإعتدال" توحي بشيء يقف بين طرفين، شيء قريب من الوسط إن لم يكن في مركز الوسط.
إن مراجعة متأنية لمقالات المهتمين بـ "الإعتدال" والذين يكررون الحديث عن ضرورته تبين بوضوح إن هذه الفكرة صارت في عداد التاريخ، وأن "الإعتدال" الحديث، ويالمحاسن الصدف، يقف، مثل موقف "العقل" و "فن الممكن" في الموقف الأمريكي أيضاً من الأحداث وليس في منطقة وسطى بين الأمريكان ومعارضيهم! إن لم تصدقونني، راجعوا المقالات المهتمة بـ "الإعتدال" و "ألمعتدلون" وسترون بأعينكم أنه لم يعد من الضروري إقامة البحث المضني عن "نقطة الإعتدال"، بل يكفي الإندفاع قدر الإمكان نحو الجانب الأمريكي من القضية لتكون معتدلاً، ولا تخش المبالغة أوالسقوط في التطرف وكلما ذهبت أبعد كنت "معتدلاً جداً". يمكنك مثلاً أن تأخد الدول العربية وستجد أن الحكومة كلما كانت قريبة من الحافة الإسرائيلية الأمريكية من أية قضية، كانت أكثر اعتدالاً، بل أن بعضها صار أكثر "إعتدالاً" من أميركا وإسرائيل نفسهما!

إن كنت قد دوختك قليلاً في المفهوم الجديد للإعتدال فيمكنك لتسهيل الصورة أن تتخيل عصا سريالية يكون "وسطها" الذي تتوازن عليه ليس في الوسط, وإنما في حافتها الأمريكية – الإسرائيلية. وكعربي خاصة يمكنك أن تحفظ القاعدة بالشكل التالي: "الإعتدال يساوي التطرف إلى الجانب الإسرائيلي"، وكن مطمئناً على اعتدالك، فلم يتهم احد يوماً جهة قريبة من إسرائيل بأنها متطرفة.


هوامش:
(1) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/25gaza.htm 
(2) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/28usa3.htm
(3) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=156369
(4) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=155635
(5) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=152642
(6) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/22usa.htm 
(7) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/AHaj/23usa.htm
(8) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=150576
(9) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/AHaj/12dis.htm 
(10) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/AHaj/10at.htm
(11) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/AHaj/6glob.htm
 

30 كانون الثاني 2009

 

free web counter