| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الخميس 2/4/ 2009



ماذا يحمل هذا الربيع للبشر من أخبار؟

صائب خليل

جاء ربيع هذا العام بخبر سعيد، وما احوجنا إليه، فلم يحض العالم بخبر مفرح منذ حذاء الناشط منتظر الزيدي.

الخبر هو توقيع الرئيس أوباما على قانون يمنع شركات الأسلحة الأمريكية من بيع الأسلحة الإنشطارية التي تترك بقايا غير منفجرة تزيد على 1% من عبوتها الكلية. (1)
ويعد هذا الخبر أول انتصار مؤثر في الصراع الذي استمر سنين طويلةً بين ناشطي السلام وشركات الأسلحة التي لا تريد أن تسمح بخفض أرباحها، حتى لو كان الأمر على حساب دماء المدنيين والأطفال، ضحايا هذه الأسلحة الرئيسيين.
وذكرني هذا الخبر فوراً بحالة من الحيرة والغضب التي انتابتني حين نشر الحزب الإشتراكي الهولندي في نشرته الدورية قائمة بأسماء البنوك الهولندية التي تتعامل مع شركات الأسلحة التي تتسبب بقتل المدنيين، من إنشطارية وألغام ضد المشاة وأسلحة فوسفورية، بهدف فضح تلك البنوك ودفع الناس لعدم التعامل معها. إلا أن الكارثة أن القائمة كانت تشمل جميع البنوك الرئيسية بلا استثناء، مما يعني أن مقاطعتها غير ممكنة عملياً! وهكذا أجبرت, وأجبر كل مواطن هولندي، مثله بلا شك مثل كل مواطن أوروبي وأمريكي، على أن يسهم في استمرار أنتاج هذا السلاح الوحشي، من خلال تعامله مع أحد تلك البنوك، شاء ذلك أم أبى!

بلغ هذا الصراع الطويل نقطة حاسمة خلال الهجوم الإسرائيلي الوحشي على لبنان عام 2006 ، والذي ترك ما يقدر بمليون قنبلة غير متفجرة على أرضه بعد الحرب، وحين نقلت الصور وأفلام الفيديو، النتائج المقززة لهذا السلاح الرهيب على ضحاياه، وأثارت الغضب البشري على مستعمليه ومنتجيه. وكان أثر رد الفعل هذا واضحاً تماماً. فحين استعمله الروس والجورجيون في حربهم الأخيرة، أنكر ذلك كلاهما لما يعلمون عن المشاعر التي يثيرها استعمال هذا السلاح لدى الرأي العام البشري.

لم يستسلم دعاة الحرب وشركات صناعتها بسهولة، بل تقهقروا أمام ضغط الناس والفضائح بالتدريج. وكان من نتائج هذا الضغط، اتفاقية لتدمير الأسلحة الإنشطارية في العام الماضي وقع عليها ممثلو 107 دولة، لم تكن الدول المنتجة والمستعملة الرئيسية لتلك الأسلحة: أميركا وإسرائيل وروسيا، من بينها. وتنص الإتفاقية على تدمير مخزونات تلك الأسلحة خلال ثمان سنوات وإزالة بقاياها غير المتفجرة خلال عشر سنوات. إلا أن وزير الدفاع الأمريكي أعلن بعد أيام من ذلك أن الولايات المتحدة تعتبر هذه الأسلحة "شرعية" وأنها "فعالة عسكرياً".
ويبلغ خزين الولايات المتحدة من هذه الأسلحة، وهو الأكبر في العالم، ما يقدر بـ 700 مليون "متفجر ثانوي" وقد استعملت الولايات المتحدة ذلك السلاح بكثافة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في الحرب على جنوب شرق آسيا حيث تركت عند نهاية حرب فيتنام في لاوس وحدها ما يقدر بـ 20 مليون قنبلة غير منفجرة.

ورغم الحملة العالمية الغاضبة، فإن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت في العام الماضي بوضوح أنها ترغب باستمرار تصدير هذا السلاح. ودار صراع بين وزراة الدفاع وشركات الأسلحة من جهة، والكونغرس الأمريكي من الجهة الأخرى والذي كان يسعى بتأثير ناخبيه إلى المنع الشامل لإستخدام هذه الأسلحة، او تحديد ذلك بشكل مؤثر، أسوة بالعديد من الدول الأخرى المنضمة لحلف الناتو، لكن الدفاع أصرت على السماح لها باستمرار تصدير قنابل الموت المستمر هذه، لعشر سنين قادمة!

لكن الضغط الشعبي المتزايد أفلح أخيراً في إخضاع بعض أشد تجار الموت في العالم عناداً، وعن ذلك قال ستيف جوس، مدير قسم الأسلحة في "مرقب حقوق الإنسان": " ان هذا القرار يقرب الولايات المتحدة من الإنضمام إلى الرأي العام الدولي حول هذه الأسلحة الرهيبة"، وفي العبارة معان واضحة عن من يقود أشد السياسات بعداً عن النظرة الإنسانية ويقف بوجه طموح البشرية إلى السلام. إلا أن هذا التقدم يثير التفاؤل في الجميع، ويدفع بـ "ستيف" إلى يذهب أبعد فيطمح أن يسود المنطق، ولاتكتفي الولايات المتحدة بمنع التصدير، فيقول: "إن كان من غير المقبول أن تستخدم الدول الأخرى هذه الأسلحة، فلماذا يكون مقبولاً أن يستمر الجيش الأمريكي في استخدامها؟".
وكان من المنتظر أن تستمر الولايات المتحدة باستعمال هذه الأسلحة بحرية حتى عام 2018 على أن تستخدم بعد ذلك فقط ما يقل نسبة فشل انشطاره عن 1%. ويقول باحثون ان الشركات الأمريكية قامت بإخراج كميات كبيرة من خزينها من تلك الأسلحة إلى خارج الولايات المتحدة تحسباً لنتائج قرار الرئيس أوباما.

ومن الطبيعي أن يكون للقرار الأمريكي، باعتباره المنتج والمخزن الأكبر لتلك الأسلحة، تأثير كبير في زيادة الضغط على بقية منتجي هذا السلاح وتجاره وإجبارهم على التخلي عن تجارتهم الدموية بامتياز. وشجع القرار أيضاً الناشطين في الحرب ضد الألغام الأرضية المضادة للمشاة، والتي لها تأثير مشابه جداً للأسلحة الإنشطارية، فليس من الطبيعي أن يقرر منع سلاح ويسمح بآخر له نفس التأثير.

وربما سيكون للعراق حصته من أخبار الربيع الجميلة هذه إن تمكن فريق عراقي رائع من تحقيق النجاح في مسعاه. فقد أطلق الدكتور كاظم المقدادي الناشط لفضح التدمير الناشئ عن مخلفات اليورانيوم المنضب الذي استعمله الأمريكان في حروبهم المتتالية في العراق والمنطقة، وبمشاركة عدد من زملائه المتخصصين والمتابعين لهذه الكارثة الإنسانية الكبيرة، ومن ضمنهم كاتب هذه السطور، مبادرة تدعو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤولياتهم والعمل على تنظيف العراق من هذه بقايا الحروب الأمريكية في البلاد وإخلائه والمنطقة من بقايا الأسلحة الملوثة بالأشعة.

وجاء في المذكرة التي وقعها حتى الآن بحدود أربعين متخصصاً وناشطاً، في مقدمتهم المهندس الفيزياوي خاجاك وارتانيان، و الباحث والإختصاصي بالأورام والأمراض السرطانية الدكتور جواد العلي و الكيمياوي النووي البرفسور أنيس مالك الراوي، وغيرهم، أنه "في العراق سبب التلوث الذي حصل بعد الحرب،وخاصة الإشعاعي، مئات اَلاف الأصابات والوفيات السرطانية، والتشوهات الولادية، والولادات الميتة،والعقم، وعلل كثيرة غير قابلة للعلاج. وقد أثبتت أحدث المستجدات العلمية بانه لا يمكن للحدود الدولية، مهما كانت مراقبة جيداً، ان تمنع الرياح من نقل الملوثات المشعة الى البلدان المجاورة".

إن تزامن هذا النشاط مع انهيار مقاومة شركات الأسلحة لضغط الرأي العام يبعث على التفاؤل ويحفز الأمل في تحقيق انتصار عراقي وإنساني في هذا المجال الخطير. لقد تمكنت أخيراً دماء الضحايا البنانيين والفلسطينيين، ولهم الشرف في ذلك، من إضافة القشة التي قصمت ظهر جمل الضمير الإنساني المثقل بصور الحروب القديمة الإستعمارية الوحشية ودفعه إلى الإحتجاج بشكل مؤثر، ونتمنى أن يتمكن هذا الفريق الباسل من إثارة ذلك الضمير تجاه الدماء والألام العراقية التي ماتزال تئن تحت إشعاعات اليورانيوم المنضب التي تنتشر وتغور في تربة ومياه العراق والدول المجاورة وتهدد بالمزيد من الكوارث المستمرة.

وفي هذه الأيام أيضاً تدور في شوارع العالم تظاهرات شباب العالم المحتج، على الشركات وسياسات حكومات الدول العشرين الكبرى التي تعقد مؤتمراتها للتآمر مستقبل ذلك الشباب، موجهة عالمهم إلى الكوارث الإقتصادية والبيئية المتتالية، وتعريض الحياة فيه للخطر.
لقد حان للبشرية أن تقول كلمتها في هذه الأسلحة الرهيبة وتجارها والسياسات التي تدعمها في سعيها الجشع إلى الأرباح بلا خجل، حتى إن جاءت تلك الأرباح عن طريق أسلحة وحشية يصيب ضررها الأكبر الناس غير المقاتلين. أسلحة تعلن الحرب على المدنيين والأطفال، وتديم سعيرها وألامها عليهم طويلاً ، حتى بعد نهاية الحرب بين الجيوش المتقاتلة. لقد طالت المآسي وتطاولت، فهل يحمل هذا الربيع للعراق وللبشرية كلها بشرى بداية عصر جديد؟


(1) Obama takes US closer to total ban on cluster bombs | The Guardian
http://www.guardian.co.uk/world/2009/mar/13/us-national-security-obama-administration



1 نيسان 2009
 

free web counter