| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الثلاثاء 27/1/ 2009

 

الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل
لتحديد "الشرعية الفلسطينية"

صائب خليل

تكرر في الفترة الأخيرة استعمال مصطلح "الشرعية الفلسطينية" و "السلطة الوطنية الفلسطينية" في المناقشات التي دارت حول الحرب على غزة، غالباً بتجاهل تام لخيار الشعب الفلسطيني، مثلاً كتب كاظم حبيب:
"ولا بد من إعادة الشرعية لغزة تحت قيادة السلطة الفلسطينية ورئيسها السيد محمود عباس"! (1)
لكننا نعرف أن حماس فازت بأغلبية كبيرة في إنتخابات نزيهة، فلماذا يتجاهل كاظم حبيب ذلك ويقرر بنفسه لمن يجب أن تعود شرعية قيادة غزة؟
وهاهو أيضاً فؤاد النمري، يبرر ما ذهب اليه كاظم حبيب فيقول: "قامت حماس أصلاً على إنكار ما اتفق عليه العالم وهو أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". (2)
وحينما سألته ضمن قسم التعليقات قائلاً : "متى كان للعالم أن "يتفق على الممثل الشرعي" لشعب ما؟" لم يجب.

ليس الدكتور كاظم حبيب وفؤاد النمري وحدهما في ذلك، بل أن معهما الكثير من المروجين لـ "شرعية" عباس، فكيف حدث هذا؟ وكيف ألغى الرئيس عباس صوت الشعب وأبعد الحكومة المنتخبة والإستعاضة عنها بـ "حكومة طوارئ"؟ هل ان الدستور الفلسطيني يختلف عن دساتير العالم؟ هل هو مقلوب على رأسه؟

عن هذا يكتب القانوني الدولي محمود المبارك في مقال قيم له في الحياة (
18حزيران 2007) فيقول:
"القرار الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل "حكومة إنفاذ حالة الطوارئ"، جاء متعديا صلاحياته بحسب الدستور الفلسطيني. وقد يبدو هذا واضحا من صوغ المرسوم الذي أعلن بموجبه الرئيس عباس عن تشكيل حكومة طوارئ، إذ لم يحدد هذا المرسوم المواد الدستورية التي استند إليها الرئيس في تشكيل تلك الحكومة، وإنما اكتفى بالقول: "... وبناءً على الصلاحيات المخولة لنا...". ومعلوم أن في ذلك مغالطة قانونية، إذ إن إطلاق عبارة "الصلاحيات المخولة" من دون تحديد مكانها في الدستور قد تعطي الانطباع أنها تشمل حق تشكيل حكومة مؤقتة.
ومعلوم أن صلاحيات الرئيس الفلسطيني الدستورية لم تترك للتأويل الشخصي، بل حددت في مواد مفصلة من القانون الأساسي الفلسطيني. وبفحص دقيق للدستور الفلسطيني نجد أنه لا يشمل أي مادة تعطي الرئيس تفويضا لتشكيل "حكومة إنفاذ حالة الطوارئ".

أما عن الموقف القانوني لحكومة هنية المقالة فيقول المبارك: "بل إن الدستور الفلسطيني، يؤكد مسئولية الحكومة المنتهية ولايتها في القيام بعملها لتسيير الأعمال التنفيذية إلى حين تشكيل حكومة جديدة، كما جاء في المادة 79 (3)، التي نصت على أنه "عند انتهاء ولاية رئيس الوزراء وأعضاء حكومته يمارسون أعمالهم مؤقتا باعتبارهم حكومة تسيير أعمال ولا يجوز لهم أن يتخذوا من القرارات إلا ما هو لازم وضروري، لتسيير الأعمال التنفيذية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة".
ويبين المبارك أنه لكي يتجنب الرئيس عباس الإصطدام بالدستور الذي يعطي المجلس التشريعي الحق في الموافقة على أي حكومة، فإن الرئيس عباس سارع إلى إصدار مرسوم يوقف بموجبه العمل بمواد الدستور الـ 65-67، وهو مرسوم غير دستوري لأن الرئيس لايملك ان يغير الدستور بنفسه!

أما بالنسبة للّجوء إلى صلاحيات إعلان حالة الطوارئ فإن المادة 110(1) تعطي الرئيس الحق في إعلانها "لمدة لاتزيد عن ثلاثين يوماً" (بافتراض وجود تهديد للأمن القومي) ولا يجوز له تمديدها إلا "لمدة ثلاثين يوما أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بغالبية ثلثي أعضائه"، كما نصت على ذلك المادة 110(2).

يقول المبارك: "إن حكومة حماس المُقَالَة لم تخلع اعترافها بشرعية الرئيس عباس، بل صدرت تصريحات من قادتها تؤكد شرعية الرئيس الفلسطيني وقبولها جميع الاتفاقات الموقعة مع الفصائل الفلسطينية"

النظرة القانونية الفاحصة إذن، تخلص إلى أن قرار الرئيس الفلسطيني بتشكيل "حكومة إنفاذ حالة الطوارئ"، أمر غير مخول له بنص الدستور من جهة، ومتعارض مع روح الدستور الفلسطيني من جهة أخرى. وبالتالي فإن حكومة الطوارئ التي أعلن الرئيس عباس عن تشكيلها تأتي خارجة عن القانون، وليست لها أي شرعية دستورية تستند إليها، ومن هذا الباب يجب عدم الاعتراف بها أو التعامل معها، بغض النظر عن التأييد الدولي الذي قد تكسبه هذه الحكومة." (3)

عندما أعترف رئيس وزراء إسرائيل السابق إسحق رابين لعرفات بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"عام 94، فقد فعل ذلك لأنها فرضت عليه من الشعب الفلسطيني، أما اليوم فيريد أولمرت قلب الأمر وفرضها لعباس على الشعب الفلسطيني! لذلك توجب على عباس أن يلعب اللعبة تلو الأخرى.
يكتب الأستاذ محمود المبارك، المتخصص بالقانون الدولي:
" ومن جديد ينتهك "الرئيس" عباس الدستور قبل اسبوعين حين قرر الإستمرار في منصبه بعد نهاية فترة سلطته الدستورية في 9 كانون الثاني 2009، وعن ذلك كتب محمود المبارك في الحياة (
26/01/2009):
" المادة 36 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2005، .... نصت على أن «مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات»" وبما أن عباس بدأ ولايته في 9 كانون الثاني 2005، فهي تنتهي في 8 كانون الثاني 2009، وأن أي تمديد لفترة الرئيس قبل إجراء انتخابات رئاسية، يعد تمديداً مخالفاً للدستور، الذي لم يعط الرئيس «حق التمديد» في أي من مواده!"
ولأجل التشويش فإن عباس أصدر التمديد بالاعتماد على "قراره" الرئاسي رقم 9 لعام 2005، معارضاً نصوص الدستور، الذي هو أعلى القوانين منزلة على الإطلاق، وأي تشريع يخالف الدستور يعتبر باطلاً.
وحيلة رخيصة أخرى استخدمها مناصرو الرئيس حيث اخترعوا «الشرعية الدولية»، وهم بذلك يشيرون إلى أن الرئيس محمود عباس يتمتع باعتراف العالم أجمع، ومن ذلك قرار جامعة الدول العربية، التي أيدت عباس في تمديد فترة رئاسته عبر مجلس وزراء الخارجية العرب في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ولكن: منذ متى كانت الشرعية الدستورية لأي بلاد تأتي من خارج حدودها؟! يتساءل المبارك. ولا فرق إن كان المحتالون على الدستور "وطنيين" أم "دوليين" فالرئيس يبقى مزوراً، بل هو عديم الحياء أيضاً كما يتبين من سؤال المبارك:
"أليس من المضحك أن يرفض زعيم ما إجراء انتخابات رئاسية، بحجة أن العالم الخارجي يريده أن يبقى في منصبه؟!" ليكمل بحق:
"ولكن المحزن في الأمر أن هذا الموقف الرافض لمبدأ تداول السلطة، لا يقف عند السياسيين الذين ذاقوا حلاوة إغراء السلطة وحدهم، وإنما يتعداهم إلى بعض الكتاب والمثقفين الذين يقفون في الخندق نفسه المتعارض مع أسس ومبادئ الديموقراطية التي يتشدقون بها".

إذن، الدستور الفلسطيني يقف على قدميه وليس على رأسه، ولا توجد أية أعاجيب فيه، بل إن القصة هذه مكررة لعشرات وربما مئات المرات في التاريخ الأمريكي، قصة الصراع بين الدستور والقوة الأمريكية العسكرية والسياسية. ورغم أن بلدان أميركا الجنوبية هي الأغنى بمثل هذه التجارب، إلا ان أوروبا لم تكن بمنأى عنها, ولا العراق حين تم استبدال رئيس الحكومة العراقي المنتخب إبراهيم الجعفري بنوري المالكي بزيارة سريعة لكونداليزا رايس قبل أعوام. "المثقفون" الذين تأسف المبارك عليهم، هم نفسهم "المثقفون" الذين لم يجدوا بأساً ان يستبدل الجعفري بالقوة بالمالكي، وهم انفسهم من تجاهل ضرب المالكي للدستور أكثر من مرة ففعل كما عباس بتمديد حالة الطوارئ، وغيرها كثير. إنها نفس "البهلوانات" الثقافية تتقافز بألعابها السحرية الكلامية لتقنع الناس بأن الأسود أبيض، أو على الأقل لتجعل كل شيء رماديا فتفقدهم القدرة على الرؤية واتخاذ موقف وهو كل ما تحتاج إسرائيل إليه. وبعد إنتهائهم من فترة تمرير العمليات الوحشية، يشارك هؤلاء الآن باستمرار تشويش الوضع لتسهيل استغلال الوضع السيىء للشعب الفلسطيني خاصة في غزة وحاجته إلى الطعام والدواء وأساسيات الحياة، في الضغط على الحزب الفائز بالانتخابات للتنازل عن السلطة لمن انتخبتهم إسرائيل لقيادته.

بأي حق تدعي "السلطة الوطنية" إذن انها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني؟ وكيف "إنقلبت حماس على السلطة" و "استولت عليها بالقوة" إن كانت فازت بها ديمقراطياً وفي انتخابات نزيهة؟

ولماذا يساهم إذن كاظم حبيب وفؤاد النمري وغيرهما كثير في حملة تزوير إرادة الشعب الفلسطيني وفرض القيادة التي تريد إسرائيل أن تفرضها عليه من لصوص ومرتشين، رغم أنه قال كلمته بوضوح تام في إنتخابات نزيهة؟ لماذا يبقى البعض يفرض رجل إسرائيل على الفلسطينيين، حتى بعد انتهاء ولايته؟ أمن حق كاظم حبيب ومن قال بقوله أن يلوم الفلسطينيين لـ "إنتخابهم" لـ صدام لرئاسة الشعب العراقي ووقوفهم بالضد من إرادته بعد ذلك؟

لا غرابة إذن أن يتحدث عباس من موقع قوة حين يقول في مؤتمر صحفي "إنه لن يقبل الحديث مع «حماس» حتى «تتراجع عن انقلابها و... تقبل بكل الالتزامات وبالشرعية الدولية».، فهو ليس مدعوما من إسرائيل وأميركا وحدهما، وإنما من كل المشوشين على الحقائق والمدمرين لأسس الديمقراطية من "مثقفين".

هذا ابراهيم علاء الدين يكتب تحت عنوان: " عنوان واحد فقط للشرعية الفلسطينية " قائلاً: "رغما عن شلح ومشعل وجبريل وكل الذين اجتمعوا بالدوحة من زعماء العرب والفرس والاتراك فلا يوجد سوى عنوان واحد للشرعية الفلسطينية، هذا العنوان موجود في مقر المقاطعة في مدينة رام الله الفلسطينية، حيث مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، والمجلس التشريعي الفلسطيني، ونطمئنكم باننا نحن ممثلي الشعب الفلسطيني بان كل جهودكم للاستيلاء على الشرعية الفلسطينية ستبوء بالفشل". (4)

إسرائيل بدورها ممتنة لأصدقائها هؤلاء أشد الإمتنان، فهم صمام الأمان الذي تعول عليه لصد موجة الغضب الإنساني على وحشيتها، لذا بادرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني بالتوصية بنشر مقالات عدد من الكتاب العرب على الموقع الرسمي للوزارة باعتبارها " مقالات تمثل وجهة النظر الإسرائيلية في العالم العربي " قائلة أنهم "سفراؤها في الدول العربية"! وكل من يعمل على تشويش الموقف ويلقي بأكثر اللوم على الجانب الفلسطيني في غزة، حتى إن وبخ إسرائيل قليلاً، أو أثار الشكوك بشرعية حكومة حماس، وسمى عصابة اللصوص التي يقودها عباس بـ "السلطة الوطنية" و"أهداها" الشرعية رغماً عن الشعب الفلسطيني، يمكنه أن يعد نفسه ضمن "قائمة الشرف" هذه. (5)

يشارك هؤلاء المثقفون في جريمة تمويه وإخفاء الجريمة عدد كبير من السياسيين الكبار الذين يلوكون كلماتهم بلا خجل. مثال على ذلك عندما سألت "الحياة" خافيير سولانا:هل ستقبلون هذه المرة التعاطي مع الشرعية الفلسطينية التي تفرزها صناديق الاقتراع؟ والسؤال بحد ذاته إهانة لسولانا، الذي حاول التهرب من الجواب المباشر بنعم أو لا، وقال:" سنتعاون مع المؤسسات الشرعية، منها الرئاسة الفلسطينية والحكومة." (6)

لكن الحقيقة لا تعدم من يحبها من البشر، ليس من المثقفين فقط وأحبابها كثر هناك، لكن أيضا لدى العديد من القادة السياسيين هذه المرة على وجه الخصوص، في أميركا الوسطى والجنوبية وشرق آسيا وغيرها، ولنأخذ كلمات رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان لصحيفة الحياة:
"من دون شك قد تكون «حماس» اخطأت، لكن هذا أمر منفصل ومختلف. اذ ان علينا أن نأخذ في الاعتبار التزام «حماس» اتفاق التهدئة لمدة ستة شهور كاملة وذلك على رغم عدم التزام اسرائيل بشروط الاتفاق. واسرائيل لم تقم بأي خطوة على طريق رفع الحصار او فتح المعابر حسب الاتفاق. ان هذا الموقف الاسرائيلي تسبب في استفزاز «حماس» واستفزاز اهالي قطاع غزة والتضييق عليهم. علينا أن نأخذ هذا الوضع في الاعتبار ايضاً. فقطاع غزة أشبه بسجن مفتوح أو معسكر اعتقال، وكان لزاماً على الجميع العمل من أجل رفع ذلك الحصار وانقاذ أهالي غزة. وهكذا انعكس كل هذا الضغط النفسي على رد فعل «حماس» وتصرفاتها بعد معاناة استمرت ستة شهور، يجب مراعاة أن قيادات «حماس» كانت واقعة تحت هذا الضغط النفسي والشعبي الكبيرين."
"ولكل من أيد او ساند عمليات القتل الوحشية الاسرائيلية في هذا الهجوم. نحن نقول الحق ونقف الى جانب المظلوم ولا نراوغ في هذا الشأن. لا يمكننا ان نجامل او نساند من يتلذذ بظلم الآخرين او يفرح بذلك. أريد أن يعرف الجميع ذلك. وأجدد تنديدي بجميع من وقف صامتا إزاء تلك الجرائم."(7)

هوامش:
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=158518
(2) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=160161
(3) http://www.elmokhtar.net/modules.php?name=News&file=print&sid=620
(4) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=159879
(5) http://www.altawasul.com/MFAAR/opp+eds/op+eds-+arab+writers /
(6) http://www.alzoa.com/docView.php?con=36&docID=54087
(7) http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=1386&a=82659
 


27 كانون الثاني 2009

 


 

free web counter