| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

السبت 26/1/ 2008

 

الخلط بين مقاييس نجاح "التجربة" و "تطبيق النظرية" – مناقشات يسارية 3

صائب خليل

مقدمة
هذه مقالتي الثالثة في مراجعة طرق فحصنا لأسس ومفاهيم التفكير العلمي التجريبي الذي يستخدم في النقاش اليساري حول تجارب الإشتراكية ومدى نجاحها. لأجل تجنب الإختلاط المحتمل أذكر ان المقالتين السابقتين تركزت على محاولة الإجابة عن تساؤلين كثرما طرحا في الجدل اليساري وحتى الديمقراطي الحالي:
1- متى تنفي نظرية نظرية اخرى وهل تم نفي الماركسية بشكل علمي؟ و
2- هل وصل الفارق بين مجتمعاتنا والأخرى المتقدمة الحجم الذي يعيق نقل التجارب اليه؟.
ما وصلت اليه في تلك المقالتين هو النفي للسؤالين. اي ان نظرية الماركسية لم تنف بشكل علمي بالنظريات الرأسمالية الحديثة (العولمة، الليبرالية الديمقراطية..) او غيرها, وايضاً فان مجتمعنا ليس من التخلف بحيث يتوجب اليأس من تجارب تطبيق الإشتراكية او الديمقراطية عليه كما ذهب البعض.

في هذه المقالة ساحاول الإجابة عن السؤال: هل كانت تجاربنا للإشتراكية وافية للحكم على نظرية الإشتراكية او الماركسية؟
لأجل الإجابة عن هذا السؤال ابدأ بتمييز مفهومي "التجربة" و"تطبيق النظرية"، وبشكل محدد سأبين الفرق بين مقاييس نجاح "التجربة" ومقاييس نجاح "تطبيق النظرية" واللذان يستعملان في العادة بشكل متبادل بلا حذر في الأدبيات الإجتماعية وفي المناقشات السياسية. لأجل ذلك ساحاول الوصول الى اجابة محددة على الأسئلة التالية: "متى نعتبر التجربة ناجحة؟" و "متى نعتبر تطبيق النظرية ناجحاً؟" و "هل هناك فرق فعلي بينهما؟ اي هل يمكن مثلاً ان تنجح التجربة ويفشل تطبيق النظرية في نفس الوقت؟". هل ان التشويش الملازم لمفهومي "التجربة" و "تطبيق النظرية" أمر "لا مفر منه"؟ ماذا نفعل بالمؤثرات الخارجية الإجبارية؟ راجياً تحمل ما قد يبدو تكراراً لا مبرر له في بعض أجزاء المقالة فنحن امام مشكلة اختلاط مفاهيم بحاجة الى الإيضاح والفصل.

***

نقول اننا "نجرب" "تطبيق" "النظرية" لنرى ان كانت هذه النظرية صحيحة، اي قادرة على توقع المستقبل بشكل جيد. مثلاً لفحص قدرة نظريات نيوتن في الحركة على توقع المستقبل، فأننا نحسب السرعة المتوقعة لجسم معين حسب معادلات تلك النظريات ثم "نجرب" "نظرية" نيوتن فندفع بجسم ذو كتلة محددة بقوة محددة ثم نقيس سرعته بعد زمن محدد لنر ان كانت نظرية نيوتن قد تمكنت من "توقع المستقبل" وعرفت كم ستكون سرعة الجسم عندذاك.

الشيء الذي يجب ان لاننساه هو ان التجربة تهدف الى "معرفة الحقيقة" في حين يهدف التطبيق الى "انجاح النظرية" اي ان التجربة بشكلها المثالي اداة قياس حيادية للنظرية وبالتالي فأن نجاح التجربة هو في نجاحها في فحص النظرية والبرهنة على صحتها او خطأها. نجاح التجربة إذن في تمكنها من تلك "البرهنة" بغض النظر عن نتيجتها. هذا بالطبع على العكس من عملية "التطبيق" التي تهدف الى استعمال النظرية بشكل ناجح، وبذا يعتمد نجاح التطبيق على قدرته على برهنة صحة النظرية عملياً.
يستنتج من هذا ان فشل التطبيق يشير الى فشل للنظرية، اما فشل التجربة, وهذا مهم، فلا يعلمنا بأي شيء بالنسبة للنظرية! كل ما نستنتجه من "تجربة فاشلة" هو اننا فشلنا في "محاولتنا للقياس" و يجب ان نعيدها بشكل افضل.
إن استوعبنا هذا امكن الجواب مباشرة عن السؤال الذي طرحناه في البداية وهو: "هل يمكن ان تنجح التجربة ويفشل التطبيق؟" بالإيجاب طبعاً، فعندها تنجح التجربة بالبرهان ان النظرية فاشلة. اما ان كانت التجربة فاشلة فلن يكون مناسباً الحديث عن نجاح النظرية او فشلها، لأننا ببساطة "لم نعرف بعد".

شروط نجاح التجربة
في الوقت الذي تدلنا نتائج محاولتنا ان كان (تطبيق) النظرية ناجحاً ام لا، فأن نجاح التجربة لايعتمد على نتيجتها كما قلنا وانما على تقديرنا في اننا تمكنا من توفير شروط النجاح للتجربة, ويمكننا ان نعرف ذلك حتى قبل ان ننتهي منها.

شروط التجربة العلمية الناجحة معروفة ولعل اهمها امكانية عزل ميدان تلك التجربة عن المؤثرات الخارجية، اي ان تتم في ظروف "مسيطر عليها". فليس معقولاً ان تقوم شركة بتجربة حذاء جديد للركض في ملعب مفتوح في يوم عاصف. فـ "نتائج التجربة العلمية يمكن الطعن بها على اساس انها لم تكن "مسيطر عليها" بما فيها الكفاية" (ويكيبيديا).

العلوم التكنولوجية والإجتماعية
لم يتطور فهمنا للمجتمع بشكل مفاجئ وكبير، إلا بعد ان استعار التحليل الإجتماعي مفاهيم ومقاييس البحث العلمي، ولعبت مفاهيم التجربة والنظرية ووسائل فحصهما باستخدام وسائل علمية لعل الإحصاء اهمها، وتطبيق الشروط القاسية على تلك التجارب والنظريات الى درجة بعيدة. إنها نفس المبادئ التي لها الفضل في التقدم التكنولوجي الإنفجاري الحاضر.

لكن المجتمع غير العلم التكنولوجي وتجاربه بالتالي غير تجارب التكنولوجيا. والفرق الأساسي هو اننا في حالة المجتمع فأن مواضيع تجاربنا هم البشر والمجتمعات والشعوب، وهي مواضيع لايسهل السيطرة عليها وعزلها عن العوامل الخارجية ووضعها تحت "ظروف اختبارية"، بمثل ما هو الأمر بالنسبة لمواضيع الفيزياء والتكنولوجيا. وأهم من ذلك انها اكبر ثمناً واغلى فهي تتعامل مباشرة مع القيمة العليا التي بني العلم اساساً لخدمتها: الإنسان.
اضافة الى ذلك هناك طول زمن تلك التجارب عادة، وتغير النماذج خلال تلك الفترة وتأثرها بعوامل خارجية متغيرة.
كذلك فأن من شروط التجربة العلمية ان يمكن تكرارها، بكل ظروفها، وهذا مستحيل طبعاً فلا يمكننا اعادة ظروف بلد ما او مجتمع ما الى ما كانت عليه عند بدء تجربة قبل عقد او عقدين من الزمن، وان تمكنّا فلن نتمكن من اعادة ظروف العالم الخارجي المؤثرة عليه.
كل هذه العوامل تضغط على الأسس العلمية للتجربة وهي السبب الرئيسي في تأخر العلوم الإجتماعية عن العلوم التطبيقية. لذلك كثرما اضطر الباحث الإجتماعي الى القبول بتساهلات في شروط التجربة لايقبلها الباحث الفيزيائي مثلاً، وسميت العلوم الإجتماعية "العلوم الهشة" مقابل "العلوم الصلبة" للتكنولوجيا وما يشابهها.
لهذه الأسباب، وكلما كانت "التجربة" الإجتماعية كبيرة واساسية وتشمل مجتمعاً كاملاً ولفترة طويلة، فأن ليس لـ "المجرب" الإجتماعي الرفاه المتوفر للمجرب العلمي الذي يتمكن من اقامة تجربته باستقلال تام عن تطبيق النظرية، بينما يضطر المجرب الإجتماعي، او المراقب الإجتماعي او الباحث الإجتماعي الى القيام بتجربته من خلال التطبيق العملي للنظرية. ليس له ان يتمتع باستقلالية نتائج التجربة وحياديتها، وهو مضطر للفرح من نتائج معينة وللحزن من غيرها وبالتالي فلا يكون محايداً في قياسه وقد تؤثر عاطفيته على هذا القياس.

لكن حرمان الباحث الإجتماعي من امكانية عزل تجربته واضطراره لخلطها مع التطبيق، لايحرمه من الوعي بهذا الخلط وتأثيراته على النتائج، ومادام قد خسر العزل عملياً فعليه ان لايزيد خلط الأمور بل ان يحاول دراسة تأثير اختلاط التجربة بالتطبيق وعليه على الأقل ان يقرر بشكل واضح ان كان ذلك التطبيق صالحاً لإعتباره "تجربة" في نفس الوقت، ولو بالحد الأدنى اللازم لإستنتاج يمكن الإعتماد عليه. نحن لانستطيع ان نعزل بلاداً لنجرب فيها نظاماً اقتصادياً جديداً حتى لو استلمنا سلطة مطلقة فيها، فالعالم من حولها سيؤثر على تطبيقنا للنظرية الإقتصادية الجديدة سواء عن قصد او بدون قصد. فإن ارتفعت اسعار ما تصدره الدولة الى هذا الخارج او انخفضت، ان اعلن عليها الحصار او حصلت على مساعدات من مكان ما، ان حضيت بفترة سلام او اعلنت عليها الحرب، كل هذه عوامل مؤثرة لانستطيع تجنبها لكننا بلا شك نستطيع ان نحسب الى درجة معينة من الدقة تأثير كل واحدة منها على نتائج التجربة ولا بد ان نفعل ان كان لإستنتاجاتنا ان تحظى بأي قدر من المصداقية.

السؤال اليساري: هل كانت تجارب الإشتراكية ناجحة للحكم على النظرية؟
على ضوء هذه المقدمة التي ارجو ان لم تكن مملة، لنا ان نتساءل: هل كانت التجارب الإشتراكية مستوفية للحد الأدنى من شروط نجاح التجربة العلمية؟ هل يمكن الإعتماد على نتائج تلك التجربة؟ ما هي العوامل الخارجية التي اثرت عليها، وهل تم فعلاً طرح تأثير تلك العوامل حين قدمت النتائج؟ اكرر اني هنا لست بصدد اثبات صحة نظرية ما او خطأها, انما بصدد فحص صحة ونجاح التجارب التي يقال انها "اثبتت" خطأ الإشتراكية والماركسية. ولنتذكر ان البرهان على فشل هذه التجارب كتجارب لايعني شيئاً بالنسبة الى النظرية سوى اننا مازلنا نجهل الحقيقة، وان على البشرية اعادة التجارب بشكل افضل ان هي اصرّت على الوصول الى حقيقة الأمر.

لكل تجربة مقاييسها للنجاح تحدد مدى الصرامة في الإلتزام بشروط التجربة العلمية. هذه المقاييس تعمتد على موضوع التجربة والدقة المطلوب قياسها، ولا يوجد مقياس عام لذا نجد الناس تختلف في تقديرها لنجاح او فشل التجربة، خاصة فيما يتعلق بالتجارب الإجتماعية. وإن عدنا الى مناقشات الدكتور كاظم حبيب مع الدكتور سيار الجميل والتي كانت الحافز المباشر لسلسلة المقالات هذه فأننا نجد ان الدكتور سيار الجميل يعتبر ان تلك التجارب كانت كافية لقياس النظرية. انه يكتب:
"ثمة اساليب وطرق فهم واستخدامات شتى في اوروبا وآسيا وامريكا اللاتينية .. هل كانت جميعها على خطأ عندما انهارت فجأة.. واذا كانت قد فشلت في اصقاع العالم كله ، فكيف تريدها لا تفشل في مجتمعاتنا المتباينة ذات الاقتصادات المشوهة ؟ واذا كانت قد فشلت بعد تجارب اكثر من نصف قرن مضى في القرن العشرين ، فكيف تريدها ان تنجح في القرن الواحد والعشرين ؟"
وايضاً: "اشكال متفاوتة بين تجربة ستالين الى خورتشوف الى بريجنيف الى تجربة ماوتسي تونغ الى تجربة كاسترو الى تجربة انور خوجه الى تجربة كيم ايل سونغ الى تجربة عبد الفتاح اسماعيل الى تجربة جوزيف بروز تيتو الى تجربة شاوشيسكو الى تجربة والتر اولبريشت وايريش هونيكر في المانيا الشرقية وغيرهم".
وايضاً: "ان الزمن وكل هذه التجارب التاريخية المريرة لم يعلم ولم تعلم كل المتزمتين التخفيف من التشبّث بما هو غير متحقق اصلا على الارض .. فكيف يبقى التزمت ساري المفعول في التفكير والكتابات ؟"

إذن فالدكتور سيار الجميل مقتنع تماماً ان "التجربة نجحت" وانها اثبتت خطأ الإشتراكية والماركسية. نستطيع بسهولة ان نكتشف ان الدكتور سيار الجميل اوقع بعض المظالم بالنظرية في وصف نتائج التجربة بهذا الشكل. الوصف الأقرب للحقيقة هو: التجارب القديمة التي انهارت لم تكن في واقع الأمر سوى تجربتين لكل منهما نواة رئيسية. انهارت النواة الأولى فسحبت معها كل تابعيها تقريباً وبقيت الثانية تحاول وتراوغ و"تطور نفسها" باتجاه رأسمالي ساعدها على الصمود.
والحقيقة الثانية هي ان "التطبيق" لم يفشل (على الأقل حتى الآن) "في اصقاع العالم كله" فهناك موجة اشتراكية تكاد تصبغ كل قارة اميركا الجنوبية والوسطى وهي ايضاً من الدول"المتباينة ذات الإقتصادات الهشة"، باللون الأحمر، كما ان هناك صراع جديد تخوضه الإشتراكيات القديمة في اوروبا للعودة!

يمكن للدكتور سيار الجميل ان يعترض على ما جاء في الإشارة الى الصين في "الحقيقة الأولى" اعلاه، بأن صمود التجربة بـ "تطوير نفسها" باتجاه معاكس لتطبيق النظرية، اي باتجاه رأسمالي، لايمكن ان يحتسب في صالح تلك النظرية. وفي هذا وجهة نظر معقولة بعض الشيء، حيث ان تلك الإشتراكية او الشيوعية لم تعد تلك التي حاولنا فحص تطبيقها. لكن هذا المنطق يجب ان يقود أيضاً الى ان الرأسمالية التي طورت نفسها بتضمينها مفاهيم اشتراكية لتساعدها على الصمود قد خرجت عن كونها رأسمالية ولنفس السبب لا يمكن الإشارة الى نجاحاتها على انها نجاحات رأسمالية. لكن هذا بالضبط ما يدور في المناقشات حيث يتفق الجميع تقريباً ان الرأسمالية نجحت بالبقاء لأنها ابدت "مرونة" عالية وسحبت البساط من تحت اقدام الإشتراكية بتبنيها لكمية من مفاهيمها التي مكنتها من الصمود. هل اخذت الرأسمالية من الإشتراكية بقدر ما اخذت الصين من الرأسمالية؟ انه سؤال مفتوح للدراسة، لكن ما اخذته دولة الرفاه الديمقراطية من الإشتراكية ليس قليلاً على الإطلاق، وهي بالذات نوع الدولة التي يشار اليها كنجاح رأسمالي.

ما الذي يمكن استنتاجه من التجارب الفاسدة ؟
نستطيع ان نثبت ان تجربة الإشتراكية كانت تجربة فاسدة لاتصلح لقياس صلاحية هذا النظام الإقتصادي، ونستطيع ان نأمل بمحاولة اخرى افضل، لكن تكاليف وصعوبة التجارب الإجتماعية السياسية بهذا الحجم يجعل من تلك الأمال بذخ كبير. فهنا لا مفر من الوصول ولو الى بعض الإستنتاجات حتى من التجارب الفاسدة.
ان اهم ما قدم لتبرير إنهيار التجربة السوفيتية وملحقاتها هو ان هذه الدول ابتعدت عن الديمقراطية والتي هي ركن اساسي من الماركسية لذلك لايصح اعتبارها تجربة "ماركسية" لأن جزء هام من النظرية ينقصها. ولكن لماذا عانت هذه التجربة للنظرية من نقص الديمقراطية؟ لماذا سقطت الدول المجربة في الدكتاتورية؟ سؤال وجيه لكن بحاجة الى تعديل بسيط، حيث ان تلك الدول كانت متخلفة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً (عدا جكوسلوفاكيا وما اصبح المانيا الديمقراطية) لذا يمكن وضع السؤال: لماذا لم تتمكن الإشتراكية من تطوير الوضع السياسي وصولاً الى الديمقراطية؟ لماذا "لم تتبلور المنظومة الشيوعية" كما يقول الدكتور كاظم حبيب و: "هل العيب لا يكتشف لأكثر من سبعين سنة؟ " كما يسأل الدكتور سيار الجميل بحق؟
والحقيقة انه "اكتشف" وحاولت بعض الدول الإشتراكية تعديله لكنها جوبهت بغضب الدكتاتورية المسيطرة على الدولة الراعية فتم وأد المحاولة في اكثر من مرة بواسطة الدبابات. ويرى جومسكي ان الدكتاتورية السوفيتية تعاونت مع الرأسمالية لقتل تلك المحاولات، فكلا الطرفين يخشى من تجربة اشتراكية ديمقراطية، ونتائجها عليه.
لكن الدوي الهائل لسقوط الإتحاد السوفيتي كان اكثر اقناعاً من المنطق الهادئ الذي يحمل معه مسبقاً اتهاماً بـ"التبريرية".

لماذا لم يتمكن "المتسابق" السوفيتي من كسب السباق الإقتصادي وقد سيطر على مساحة شاسعة من الأرض تحت تصرف "نظريته" التي يدعي انها متفوقة في كفاءتها الإقتصادية؟ حين انتهت الحرب العالمية الثانية، خرجت دولة كبيرة واحدة منها سالمة معافاة، وهي اميركا. لقد امتلكت حينها نصف انتاج العالم الصناعي والنقدي. فإذا اعتبرنا ان السباق الإقتصادي بدأ في تلك اللحظة فمن الواضح اننا لم نضع المتسابقين على خط شروع واحد، ولا حتى خطين متقاربين بأي شكل من الأشكال. ان وجدت ان سباقاً للركض يمكن ان يتم بهذا الشكل فلك ان تعتبر التجربة ذات معنى.
ربما يكون مناسباً اكثر من هذه المقارنة الفاسدة، ملاحظة ان الدول التي جربت التطبيق الأشتراكي كانت، علىالعكس من تلك الرأسمالية، قد تمكنت من الإستغناء عن الدعم الأمريكي الضخم المتمثل بمشروع مارشال، والبدء بتطور مستقل.

على احد مواقع الإنترنيت تجد العنوان التالي: "حتى غرباء الفضاء الخارجي يستطيعون رؤية الفرق بين (التجربة) الشيوعية والرأسمالية". وتحته تجد صورة ليلية للأرض تظهر فيها مساحتي الكوريتين: الجنوبية الرأسمالية مضائة والشمالية الشيوعية غارقة في الظلام. أنه يبدو مثال بصري صاعق لاجدل فيه على نتائج التجربة واي النظريتين انتصر في النهاية، لايقل في قوة تعبيره عن الإنهيار المدوي للإتحاد السوفيتي والكتلة الإشتراكية.
لكن هذا المثال الصاعق فاسد هو الآخر، بسبب الدعم الأمريكي الهائل من ناحية والحصار الأمريكي من الناحية الأخرى. انه ليس فقط بدرجة فساد تجربة الحذاء الرياضي الجديد في يوم عاصف، بل وبالحرص على ان يركض صاحبه بعكس اتجاه العاصفة بينما يركض ذو الحذاء القديم باتجاه العاصفة. ان لم تجد في مثل هذا الترتيب ضيراً لتجربة حذاء جديد فلك ان تعتبر الفرق بين الكوريتين ممثلاً للفرق بين النظريتين.

رغم كل هذه المفسدات للتجارب فليس من السهل وصف تطبيق الإشتراكية بالفشل العام، فقد تحققت انجازات تستحق الأعتبار بلا شك، كما ان النجاح الرأسمالي هو الأخر بعيد عن الصفاء والوضوح لكن هذا يحتاج مقالة اخرى للنقاش.

كل ما يمكننا ان نستنتجه من هذه التجارب الفاسدة هو بعض المؤشرات لا اكثر. واحد هذه المؤشرات الداعية الى التفاؤل هو ان شدة حرص النظام القديم على افساد التجارب وبذله الكثير من اجل تخريب المقارنة من خلال دعم وحصار ومشاريع مارشال وسباق تسلح. أن القلق الشديد من اي انتصار اشتراكي في اية دولة صغيرة، الى درجة عدم التورع عن تدبير الإنقلابات العسكرية الدموية، مؤشرات مهمة على ان هذا القديم يخشى من نجاح التجربة ولولا ذلك لتركها تقنع اصحابها بأن النظام الأشتراكي فاشل. ان هذه النظرة الإيجابية من قبل الرأسماليين الى امكانية نجاح التطبيق الإشتراكي تدعو الى التفاؤل....انه مؤشر فأل حسن...


هوامش:
شروط نفي النظرية - مشاركة حوار اليسار كاظم حبيب – سيار الجميل 1
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/index.htm

حول نقل التجربة بين مجتمعات مختلفة: مناقشات يسارية مع د.كاظم حبيب ود.سيار الجميل 2
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/8vns2.htm

كيف اقتنعتم؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=23434

 


¤ الحلقة الثانية
¤ الحلقة الأولى

 


 

Counters