| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأربعاء 26/3/ 2008

 

ذبح الصدريين تهيئة لإنتخابات تفتيت العراق وبيعه

صائب خليل

التشويش الضروري لتمرير الأجندات الأمريكية.
هل تفسر المذبحة الجارية للصدريين الآن ان موافقة عادل عبد المهدي المفاجئة على قانون المحافظات جاءت بعد ان ابلغة ديك شيني بأنهم سيتكفلون بالصدريين جسدياً فلا مبرر للخوف من القانون؟ هل تهدف الخطة الى القضاء على التنظيم الصدري في البصرة تهيئة لإنتخابات المحافظات القادمة؟ كل شيء جائز. ما يجري في العراق غريب وغامض في كل جوانبه بالنسبة الى بلد له مؤسسات ديمقراطية، حتى وان كانت مريضة, وللناس وكتلها واحزابها بعض رأي فيه. حيث يتم تصفية مؤيدي احدى الكتل السياسية الأساسية في البلاد والمشاركة في الحكم باكثر من 11% من اعضاء مجلس النواب، دون احتجاج شعبي او سياسي، او حتى مبادرات لمحاولة تجنب المجزرة، بل ولا حتى محاولة فهم ما يحدث! ربما لايوجد في العراق من ليس لديه اعتراضات على الميليشيات وضرورة الحد من مضايقاتها وجرائمها والغائها في نهاية الأمر، لكن هذا لايعني قبول اي اجراء مهما كان عنيفاً وشاملاً وموجهاً بشكل مشكوك في اجندته، ضد ميليشيات معينة دون اخرى. أما الجهات الإستعراضية المتضخمة الضمير واعتراضها الشديد حين يراد اعدام مجرم بعد محاكمة، فتلوذ بالصمت، بل بالفرح لعمليات قتل وتدمير كما فعلت دائماً حين يتم قصف المناطق والمدن بكاملها من الجو. نحن اكثر حضارة من ان نعدم مجرماً بمحاكمة لكننا نتقبل برحابة صدر "إعدام" الناس تحت انقاض بيوتهم، فأي تناقض هذا؟ لكن هذا التناقض يزول بسرعة حين نتبين ان المعترضين يعترضون عندما يناسب الإعتراض والبلبلة الأحتلال، ويصمتون حين يكون الصمت واجباً لتنفيذ اجندته.

شعب سلبي يائس من حكومته التي انتخبها وكتله التي صوت لها.
ليس هناك خير من حال شعب يائس ومشوش وضعاً مناسباً لسلبه ممتلكاته وليس هناك اقرب ما يصف حالة الشعب العراقي اليوم من مثل هذه الصفات. الشعب يحس بعزلة تامة عن "ممثليه" الذين انتخبهم. انهم لا يكتفون بعدم سؤاله عن رأيه بأي امر يقررونه له مهما كان خطيراً، بل يتجاوزون ذلك الى اهمال إبلاغه بأية تفاصيل عن ما يقررون ويفعلون. إنهم يعلمون جيداً ان لايتوقعوا من إشراك الشعب إلا "إزعاجات الديمقراطية" في السؤال والجواب والمحاسبة. لذلك يعمدون حتى حين يفعلون ما يريد الشعب، ان يتركوه بعيداً عن الموضوع، وحكمتهم أن لايعودوه على السؤال والإستفسار وان لايعطوه "الوهم" بان من حقه ان يعرف. هذا ما يتبعه الجميع من اشد الأحزاب يسارية الى أشدها يمينية, ولولا هذا "التوافق" ضد الشعب لبرز من يخبره الحقائق. انها الروحية التي عبر عنها محمود عثمان ببلاغة حين حذر من طرح مناقشات المعاهدة الأمريكية على الإعلام والناس والبرلمان قبل اكمالها وتقديمها جاهزة لأن ذلك سيؤدي حسب تعبيره الى "ثقافة الرد والرد المقابل"، وهي ثقافة ثقيلة على من تتاح له سهولة "جرة القلم" كطريقة لوضع القوانين والمعاهدات، وهو محق يعلم برفض الناس المسبق والشديد لتلك المعاهدة لذا يجب ان يبقى الشعب في الظلام.

بالنتيجة، تجري في العراق احداث عجيبة يمكنها ان تزلزل الجبال، دون ان يلتفت اليها احد او يعيرها احد ما تستحق من اهتمام. لابد من الإقرار بأن سياسة عزل الناس نفسياً كانت في غاية النجاح، وكيف لاتنجح ولدى البعض القدرة على جعل كل فرد يخشى على سلامته؟ كيف يمكن للحكومة والإحتلال، لولا هذا النجاح في العزل ان يقصفوا مدناً متى ما شاءوا؟ كيف يمكن للإحتلال ان يصرح بأنه "قتل اشخاص يشتبه بانهم متطرفين" بصراحة في بياناته دون ان يسأل احد ان كان "المتطرف" يعتبر مجرماً في القانون العراقي, وان كان حكمه بالإعدام, وان كان ذلك يمكن ان يتم بلا محاكمة, وبصاروخ جو ارض، وبعد كل هذا ان كان كل ذلك ممكن لشخص "يشتبه" في كونه متطرفاً, وبالجملة؟ وكيف يمكنه تجاوز فضائح ابو غريب وبلاك ووتر وحديثة والفلوجة والرمادي والنجف بدون ذلك؟
كيف يمكن لولا هذا ان يحكم بالسجن المؤبد على 2000 متهم،وبالإعدام على 600 ويتم اعدام 200 منهم دون ان يعلم احد من هم هؤلاء؟ كيف يمكن القبض على 8000 متهم بقتل الكفاءات دون ان يعلم احد تفاصيل الموضوع ويكتفون بإظهار "ابو طبر" جديد يقول انه قتل 60 من الضحايا، ودون ان تتساءل سوى بضعة مقالات صحفية عن الأمر؟
ألا يعني هذا ان الجو مناسب للحكومة والإحتلال لقتل من تشاء بالجملة دون ان تخشى محاسبة او تحقيقاً؟ اين نتائج التحقيق في من قلتم انكم امسكتم بهم في احداث كربلاء؟ لم لم يحقق احد في جريمة اطفال النعيرية؟ كيف اختفت قضية البريطانيين الذين أمسكا متلبسين بالإرهاب وتم اطلاق سراحهم بقوة الدبابات بعد ان قتلوا عدداً من الشرطة؟ أين التحقيق في التهم الخطيرة التي اثارها رئيس الوزراء على اياد علاوي؟ أين نتائج التحقيق في حادثة الطائرة الأمريكية التي احرقت مصفى الشعيبة؟ هل كان يمكن ان يتم كل هذا بصمت لولا النجاح الساحق في دفع الشعب الى اليأس والتشويش؟ وأهم من هذا...هل يمكن للشعب ان يثق بحكومة هذا وضعها في اعمال كبيرة مثل حملتها في الموصل او حملتها الدموية الجارية على اتباع التيار الصدري؟ لاتبدو حكومة المالكي قلقة من عدم ثقة الشعب مادامت "تسجل النقاط" في سجلها الأمريكي، وبالفعل اشاد البيت الأبيض بقرار الحكومة كما هو متوقع.

لقد برهن الصدريون وقدموا الوثائق ان الحكومة عذبت احدهم حتى الموت ليدلي بإعترافات تستخدم ضدهم فصمد, وبرهن الصدريون ان الحكومة حين لم تجد اسلحة ادانة لدى من القت القبض عليهم, صورت الأسلحة الرسمية الحكومية المعطاة لهم ونشرتها في فيديوات على انها دليل اتهام، وبرهن الأمريكان انفسهم ان إدعاء الصدريين بأن اعضاءهم الذين يبرأون يعاد اعتقالهم من قبل الأمريكان بلا تقديم سبب. وحين حصل الصدريون على اوامر قضائية باعتقال مسؤولين عن تعذيب اعضائهم وتدمير بيوتهم رفضت الحكومة تنفيذ اوامر الإعتقال، واخيراً حين تم الإفراج عن المتهمين بقانون العفو العام، استثني الصدريين من التنفيذ كما هو متوقع! وكل هذا ولم تنبس اية كتلة او حزب بكلمة اعتراض.. أن كل من لديه ولو ممثل واحد في البرلمان وسكت ليس إلا شريكا في جميع الجرائم التي مرت امامه حين رفض ان يستعمل حقه في النطق!.ألا يذكركم هذا بحكمة الثيران الثلاثة؟ اليس من حقنا ان نتوقع لكتلنا السياسية مصير الثيران الحمقاء، وان يجروا الشعب الى ذلك المصير؟ ألايرون انهم يؤسسون مناخاً يمكن فيه ذبح اي منهم دون ان يعترض الآخرون؟
لقد قتل البطل الأب رحو وهو يصرخ ان الأمريكان يخططون لإخلاء العراق من المسيحيين دون ان يجرؤ احد الى توجيه اتهام او تحقيق في مقتله الى الأمريكان، ولو على سبيل الشكليات حين تتهم الضحية قاتلها. انه نفس ما حدث للبطل مبدر الدليمي وكانت الدلائل قوية، مثلما كانت قوية في قضية اطفال النعيرية، وقاطعة في قضية مصفى الشعيبة والبريطانيين في البصرة. لقد كانت هناك دلائل واضحة الإشارة، لكن مشكلتها انها كانت تشير في الإتجاه الذي لايجرؤ احد النظر اليه!

حكومة تتوسل بالإرهابيين ليتوبوا وتدفع بالصدريين الى "الإرهاب"
مما لايفهمه الناس، هو كيف ان الحكومة تبرر استعادة رجال الأمن البعثيين الى مواقع امنية وعسكرية، وتدخل عناصر مشبوهة الى القيادات بحجة ضرورة المصالحة وتجنب اراقة الدماء، ولاتبذل اي جهد لحل اشكالاتها مع كتلة شعبية تشارك في الحكم وتستجيب بنزع سلاح ميليشياتها دون غيرها من الميليشيات وعندما اختارت وزاراتها اختارت بقصد وزارات خدمية بينما كان الباقون يتهالسون على الوزرات "السيادية", وعندما تترك الحكومة احتجاجاً فإنها تسمح لها باختيار اشخاص حياديين لتمشية الأمور، بينما يتركها غيرها أملاً ان يسقط الفراغ الحكومة؟ لماذا يدفع بهذه الكتلة التي لها اكثر من 11% من اصوات العراقيين الى العودة الى السلاح للدفاع عن نفسها بعد ان يأست من التراجع والشكاوي؟ لكتلة الصدريين وميليشياتها حضها من الخيرين والمسيئين، وميزة دولة القانون ان تحاسب وتحاكم المسيئين في جو يثق فيه البريء بسلامته لكي يحترم الحكومة والقانون. فلماذا لم يبين رئيس الوزراء اية استجابة حين اتهم الصدريون قوات الأمن بأنها تعتقل مؤيديهم عشوائياً؟ لم لم يحقق في اتهامها للجهات الأمنية بتسليم المبرئين منهم من قبل المحاكم العراقية الى الأمريكان لسجنهم من جديد الى زمن غير محدد؟ لم لم يثر اهتمامه او ضميره او كرامته حين قدم الأمريكان له مثالاً حياً على ذلك بعد تبرئة الزاملي؟

لقد كشف الزاملي بعد اطلاق سراحه حقائق خطيرة لاشك انها كانت السبب في اعتقاله فقال: "اكتشفت قبل اعتقالي وجود فساد اداري ومالي بأكثر من بليون دولار، منها عقود بـ300 مليون دولار تورط فيها الوزير الشمري الذي طلب اللجوء الى الولايات المتحدة. وكذلك توصلت الى المسؤول عن استيراد عقاقير ملوّثة بالايدز وزعت في محافظة بابل قبل حوالي عام ونصف عام".
وعن التهم التي وجهت اليه: «في ما يخص تهمة خطف الصفار: حضرت شقيقته وأعلنت ان قوات الجيش في وزارة الدفاع ألقت القبض على العصابة التي خطفت شقيقها منذ فترة وتعرفت عليهم واحيلوا الى المحكمة المختصة، كما نفت اي صلة لي بالقضية، مشيرة الى ان شقيقها في يوم الحادثة كان مكدراً. وأضافت السيدة الصفار انه بعد ساعات اقتحم مسلحون الدار واقتيد اخوها الى جهة مجهولة، وانها قرأت تقريراً اعده عن الفساد في الوزارة لم يذكر فيه الزاملي وانما تناول التقرير شخصيات عدة بينها الوزير الشمري وآخرين». اليست هذه جريمة تغطية فساد واضحة شارك الإحتلال فيها فيما بعد؟
اضاف الزاملي: «خلال 5 اشهر من التحقيق معي لم تبلغ الحكومة المحكمة باعتقال خاطفي الصفار"! ولا ندري لماذا لم تقاضى الحكومة بإعتبارها تخفي معلومات وتسعى لخداع القضاء. فتصوروا مدى اندفاع الحكومة وحماسها لإدانة المتهم الصدري! هل نستغرب بعد ذلك عدم نشر نتائج التحقيقات في اشتباكات كربلاء رغم المطالبة الصدرية المتكررة والضغط والتهديد بالإنسحاب؟ ليس الصدريين وحدهم، انما كل الشعب يريد ان يعرف الحقيقة، فبدون الحقائق الكبرى ستبقى مذبحة الشعب مستمرة.

ماهو خطأ الصدريين، وما العمل؟
ما الذي فعله الصدريين ليستحقوا الإعدام الجماعي مع عوائلهم؟ إنهم يختلفون عن الباقين بأنهم الكتلة الوحيدة الكبيرة التي رفضت بوضوح وقوة قانون النفط, ورفضت المعاهدة, ورفضت تمديدات الإحتلال، وهي الكتلة التي تقف بين عصابة الحكيم الإقطاعية وبين احلامه في تمزيق العراق في الجنوب اقتداءً بتمزيقه الذي تم في الشمال وطمعاً في نهبه بهدوء كما يتم في الشمال. هي الكتلة الوحيدة الكبيرة التي تطالب بلا كلل بخروج الإحتلال وترفض وضع قواعد عسكرية له. أي انها الكتلة الوحيدة التي مطالبها هي مطالب الشعب العراقي، كما تبين جميع الإحصاءات بلا استثناء، لذلك فأن اعدام هذه الكتلة اعدام لمطالب الشعب المناقضة لمطالب الإحتلال.
ليس غريباً ان يريد الجميع في اروقة السياسة العراقية لهذه الكتلة ان تزال من الوجود او التأثير، فهي تسبب للإحتلال وشركائه صداعاً مستمراً, وتسبب لمن لايجروء على اتخاذ موقف مستقل، خجلاً مستمراً، وكلاهما لا حل لمشكلته إلا بذبح الصدريين، ولذا ينقسم الطيف السياسي العراقي بين مشارك فعلي في الأعمال القذرة، ومشارك بالصمت على الجريمة. لقد اعلنت الحكومة تطبيق قوانين الإرهاب على الإعتصام السلمي الذي لجأ اليه الصدريون، املاً منها ومن الإحتلال ان لايتمكن هؤلاء من الإفلات كما يحدث في المحاكم والقوانين الإعتيادية، وكما حدث في محكمة الزاملي! وهل وضع قانون الإرهاب لغير مثل هذا الغرض، كما هي حال امثاله في مختلف انحاء العالم؟

ما الذي كان على الصدريين ان يفعلوه؟ إنهم يشعرون بخيبة الأمل في مساندتهم إختيار المالكي، ولهم في ذلك الحق، لكنهم لايدركون ان الخطأ لم يكن في هذا، فلو انهم تركوا عادل عبد المهدي يفوز لجرى ذبحهم بسرعة اكبر. وما العمل الآن؟ لقد رفعوا مجموعة مطالب هي وقف الاعتقالات العشوائية في صفوف أنصاره وإطلاق سراح معتقليه وتقديم اعتذار من الحكومة، وهي مطالب مفهومة لكنها سلبية، ويفترض برأيي ان يضيف التيار اليها مطالب اخرى سابقة له مثل ايقاف المفاوضات الجارية لتوقيع المعاهدة وعدم اجرائها دون استحصال استفتاء شعبي بها. ان اضافة هذا المطلب, والذي هو من المطالب الصدرية السابقة الى شروط وقف الإعتصام والعودة الى البرلمان سيكشف للناس حقيقة موقف الصدريين من قضاياهم المصيرية ويكسب دعمهم ويضع الآخرين في احراج كبير، وتضع امام الشعب خيارات واضحة.


26 آذار 2008
 



 



 


 

Counters