| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الخميس 21/1/ 2010

 

الفكة - الإشكالات والفرص حول خلافات النفط الماء والحدود العراقية

صائب خليل

حين أرسل لي صديق قريب إلى قلبي خبر سيطرة عدد من الجنود الإيرانيين على بئر الفكة وإنزال العلم العراقي في أواخر 2009، أرسلت له أطلب منه أن نتفق: إن كان الخبر صادقاً فسأكتب مقالاً يندد بهذا العمل (بعد دراسته)، وإن كان الخبر كاذباً أن يكتب هو مقالاً يندد بالذين يرسلون الأخبار الكاذبة عن إيران. فمن جميع الأخبار السابقة التي تسيء إلى إيران لم أجد خبراً واحداً يمكن الوثوق بصحته عدا تدخل لاريجاني بدعوة عمار الحكيم لـ "يلعب دوراً أكبر في السياسة العراقية" وهو ما اعتبرته تدخلاً باهتاً في السياسة العراقية وكتبت ضده. أما معظم الأخبار الأخرى التي وصلتني، فكانت تلفيقاً من نوع طالما قرأت نماذج كثيرة منه في قصص اميركا ضد الشيوعيون في أميركا الوسطى.

كان خبر الفكة بعيداً عن كل منطق، لكنه للأسف كان صحيحاً، وخسرت الرهان!
شعرت بالحزن فعلاً..فأنا كنت أراهن أن أيران يمكن أن تكون صديقاً كبيراً، يساعد على حل المشاكل، لا أن يثيرها، وأن هذا هو السبب في هذا الجنون الإعلامي ضدها، فأمريكا تريد أن تقنعنا أننا محاطون بالوحوش وأنهم الأمل الوحيد لنا.

والآن، ورغم أن الوضع يبدو مشحوناً ككل ما يتعلق بإيران، دعونا نحاول أن نفهم: هل بئر الفكة إيراني أم عراقي؟ أم أن الحدود تمر من بئر الفكة وأن لإيران حصة فيه وأرادت استعادتها؟ لكن حتى لو أفترضنا أن لها حق بذلك، لماذا تلجأ إلى هذا الأسلوب الأهوج في العمل؟ ألا يفترض أن تحاول بكل الطرق أن تحل المشكلة دبلوماسياً أولاً؟

وزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي يؤكد أن الجانب الإيراني معتد، كما كان دائماً، ويصل إلى الإستنتاج: "بتضح مما تقدم أن الأدعاءات الأيرانية بكون منطقة وحقل فكة تقع ضمن أراضيها هي ادعاءات باطلة لا تستند الى أي حقائق وما عليها الا أن تعود الى الوثائق والخرائط والمودعة لدى الأمم المتحدة ...وكفى سكوتا من قبل أجهزة وزارة الخارجية العراقية وبقية الوزارات التي عليها كشف الحقائق ونشر تلك الوثائق والخرائط... وكفى التملق والمحاباة للنظام الأيراني والذي تبقى أطماعه التوسعية وبثروات العراق وبغض النظر عن أي نظام للحكم."
لكن هل كتب الأستاذ عصام بحيادية؟ إن إشارته في نفس المقال إلى أن الحرب بين العراق وإيران قد أشتعلت نتيجة قرار الإمام الخميني بـ "عدم الإعتراف باتفاقية الجزائر" وما تبعه من تداعيات، يشكك في دقة وحيادية تلك المقالة، فليس موضوع من بدأ الحرب ومن ألغى اتفاقية الجزائر موضوع جدل.

استفسرت من صديقي الكبير وموضع ثقتي، خبير النفط الذي أسهم إسهاماً رائعاً في فضح الحقائق حول هذا الموضوع الخطير خلال السنوات الماضية، الأستاذ فؤاد الأمير وكنت أعلم أنه منشغل بكتابة كتاب عن مشكلة المياه بين العراق وإيران وتركيا، وفيه معلومات مفيدة عن الحدود، فأرسل لي مشكوراً مسودة الكتاب قبل طباعتها مع خارطة ثمينة
(*) ربما تنشر لأول مرة، لحقل الفكة، كما رسمها الجانب العراقي في الماضي. وأكد الأستاذ الأمير أن الخارطة قد لا تكون دقيقة جداً وأن حدود الحقل قد تزيد هنا وتقل هناك قليلاً، لكن من المؤكد أن حقل الفكة يمتد داخل حدود البلدين. كذلك يؤكد أن علامات الحدود في منطقة الفكة قد رفعت من قبل الجيش العراقي خلال اجتياحه للحدود أثناء الحرب، بعد أن أعلن العراق ألغاء اتفاقية 1975 من جانب واحد في أيلول 1980.

في إيميل له يكتب فؤاد الأمير "أن ايران لم تدّع ان حقل فكة تابع لها ، او ان البئر 4 تابع لها ، و لم اقرأ في أي مكان ذلك و أنا متابع لهذا الامر. ان ما تقوله ايران ان حقل فكة يمتد داخل الاراضي الإيرانية ، اي ما بعد البئر 4 ، و هذا امر محتمل حسب رأي العاملين في تقييم الحقل، وقيل هذا الامر في نفس الوقت الذي كنا قد اكتشفناه، أي منذ السبعينييات".

في تقديري أن الكثير من سوء الفهم الذي حدث في الجانب الشعبي العراقي هو في الخلط بين كلمتي "البئر" و"الحقل"، فالثانية مشتركة بينما لا يشك أحد في عائدية الأولى للعراق وحده. لذا يجب التركيز على هذا الفرق بينهما حين نستمع إلى الأخبار والآراء.

قالت إيران أن ما حدث كان "سوء فهم" فكيف حدث سوء الفهم هذا؟ عن ما حدث يقول الأستاذ فؤاد: " ما حدث خلال الفترة الاخيرة يثير التساؤولات و الاستغراب ، اذ ارسل العراق قبل ان ترسل ايران الجنود الى المنطقة و رفع العلم العراقي عليها ، خلافاً للإتفاق الضمني بعدم تعريض المنطقة لأية مظاهر مسلحة، وهو امر لم يسبق أن حدث منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ولذا ربما أعتبره الإيرانيين استفزازاً لهم . و الاغرب ان الايرانيين أجابوا بطريقة أعنف!! ، و في ظروف عالمية مضطربة بما يخص ايران و يراد بها قصف ايران و ادخال العراق في متاهة جديدة مع ايران. "

وفي كتابه المذكور اعلاه يقول الأستاذ الأمير: " ان جميع الابار النفطية المحفورة في محافظة ميسان من قبل وزارة النفط في السبعينيات من القرن الماضي تقع في الجانب العراقي من الحدود اذ لم يتم أي اعتراض عليها من قبل الجانب الايراني في حينه، اضافة الى ان وجود علامات الحدود التي تؤكد عراقية هذه الابار، مع احتمال ان يكون جزء من حقل " فكة " النفطي داخل الحدود الايرانية (....) ولكن ما حدث في بداية الحرب و اثناء الاكتساح العراقي الاول داخل الاراضي الايرانية ان تم رفع العلامات الحدودية و بالأخص في منطقة الحقول النفطية في محافظة ميسان"
" و على ضوء المعلومات المتوفرة لدي فان الجانب الايراني مستعد لترسيم الحدود و لكن بشرط موافقة الجانب العراقي على اتفاقية 1975، اي قبول العراق بتناول " العلقم " الذي تمثله اتفاقية 1975 المشؤومة، و التي هي في كل الاحوال تعتبر اتفاقية رسمية معترف بها من قبل المجتمع الدولي لحين الاتفاق بين الجابين العراقي و الايراني على الغائها أو تبديلها ، و هذا أمر صعب !! ."

حول هذا الأمر وغيره يستاءل المهندس الإستشاري عبد الزهرة جودة كاظم المحمداوي: "هل سنعود إلى سياسات الماضي؟ علينا أن نحل مشاكلنا بالطرق القانونية والدولية وعلى الحكومة أن تكون صريحة مع أبناء شعبها وتوضح مثل هذه الملابسات وأن تكون صارمة في حل المشاكل بالطرق القانونية (......) الكويت استولت بترسيم الحدود ما بعد أحداث 1991 على الرصيف رقم 3 في ميناء أم قصر المرتبط بالقاعدة البحرية في أم قصر....الحق هذا الرصيف مع جميع أراضي ومنشآت القاعدة البحرية العراقية بما في ذلك المستشفى العسكري في القاعدة وخر عبد الله8 ونصف مدينة صفوان"....ثم يتساءل الأستاذ المحمداوي لماذا كل هذه الضجة على مشكلة تم الإنسحاب منها وإنزال العلم الإيراني ورفع العلم العراقي "فيما الربع الخالي ومكامن النفط والغاز المستلبة من قبل السعودية والكويت لسنوات طويلة مسكوت عنها".

يبدو أن مشكلة بئر وحقل الفكة ليست أصعب المشاكل الحدود والثروات العراقية حلاً خاصة وأن المقابل يدعو إلى الحل، وخاصة وأن الأستاذ عصام الجلبي يؤكد أنه ليس من الصعب تحديد الحدود السابقة ومعرفة حق كل من الطرفين بشكل لا لبس فيه. فمن الذي يعرقل الوصول إلى الحل؟ لو قرأت تصريحات الساسة العراقيين، خاصة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، لوجدت كلاماً مبهماً يثير القلق. فقد أثار الرئيس طالباني بتصريح مفاجئ سابق ضجة كبيرة برفضه للإتفاقية، والذي كان مقدمة لحرب ثمان سنوات. وكان هذا في الوقت الذي كان وزير دفاعه يخبرنا بأن لا مفر لنا من توقيع الإتفاقية الأمنية مع الإحتلال، لأننا أضعف من أن ندافع عن البلاد حتى أمام القراصنة الصوماليين!
وهذا وزير خارجيته زيباري يقول أن الموقف الحكومي الرسمي، وخلال الحكومات الثلاثة المتعاقبة منذ 2004 متحفظ على هذه الإتفاقية، ليستدرك: "أن ذلك لا يعني أن العراق غير ملتزم بها".
ماذا نفهم من هذا؟ هل لدينا أسباباً قانونية لرفضها؟ لنقل ذلك، أو لنقبل وننتهي! أم أن زيباري يريد تركها معلقة في انتظار اللحظة المناسبة لمن يريد إشعال مشكلة جديدة؟

مع ذلك فنحن متفائلون بالحل، وبالتأكيد أكثر تفاؤلاً مما نحن فيما يتعلق بما قضمه "الأخوة" العرب أثناء الحرب، فليس أي منهم مستعد للمناقشة، كما أن "صديقنا" الجديد يرتبط معهم جميعاً بصداقات أقوى مما هو معنا، وهي تتيح لهم القضم باطمئنان، ويشمل هذا الأمر تعديلاً حدودياً مشبوهاً مع الأردن أيضاً، لم يأت أحد على ذكره، لكن من عرف خارطة العراق قبلاً، لايخطئه.

إن كانت مشكلة الفكة الأسهل حلاً من مشاكل الحدود، فهناك مشاكل أخرى مع إيران تتطلب حكومة صلبة لها مصداقية، من أجل الحصول على حقوق البلاد من إيران ومن غيرها. فقراءتي العاجلة لبعض كتاب فؤاد الأمير الهام: " الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم" كشفت لي أموراً خطيرة في موضوع الحدود والمياه مع إيران وتركيا أيضاً، إضافة إلى الكويت وكانت لدي فكرة غامضة عنها.
ليس هنا المجال للخوض في تفاصيل تلك المشاكل إنما أردت التذكير بوجودها، خاصة فيما يتعلق بتقاسم مياه دجلة والفرات وروافدهما وتفرعاتهما، ومشكلة التآكل في شط العرب والتي يحذر الأستاذ فؤاد الأمير من ضرورة التعجيل بوضع الإتفاقات لها لأن الوقت ليس في صالح العراق، فالتآكل يحدث من جانبه. كذلك هناك ما يجب الإتفاق عليه بالنسبة لمياه نهر الكارون.
وبالنسبة للموانئ، يقول الأستاذ الأمير : "فالعراق يحاصر بحريا الآن من قبل كل من الكويت وإيران، ومن خلال "اتفاقيات مجحفة"، وقعت في ظروف غير طبيعية كانت موجودة في العراق، ولكن هذه المعاهدات معترف بها دولياً، والأدهى من ذلك والأمر أنها تفسر من قبل الجهتين المستفيدتين إيران والكويت، بالطريقة التي تريانها ملائمة لمصالحهما، بحيث لن يكون لدينا بالنتيجة أي منفذ بحري خلال الفترة القريبة القادمة في حال استمرار "ترك الحبل على الغارب"!."
إضافة إلى كل ذلك فهناك إشكالات مائية كبيرة مع تركيا والتي تتخذ مواقف أكثر تصلباً من إيران، وعلى مدى تاريخ المشكلة بينها وبين العراق وسوريا. وينبه الأمير إلى أن القوانين الدولية يمكن أن تساعد في إعادة الحق إلى العراق، لكن على العراق أن يستفيد بالفعل من تلك المياه لا أن يبددها بتركها تصب في البحر، فعليه أن يبرهن للمجتمع الدولي حاجته إلى تلك المياه قبل أن يطالب بها.

ختاماً، ما أردت قوله أن الكثير من سوء فهمنا للمشكلة يأتي من الخلط بين "البئر النفطية" و "حقل النفط" فبئر فكة 4، موضوع المشكلة، هو ضمن الأراضي العراقية، وهو ما يجعل الحركة الإيرانية مثيرة للإستغراب والإحتجاج، أما الحقل نفسه فيمتد في داخل البلدين وبالتالي فأن استغلاله يجب أن يتم بالإتفاق بينهما وحسب القوانين الدولية لحل مثل هذه الحالات و "حبذا لو يتم ذلك في الحقل المشترك نفطخانة / نفطشاه" ، على حد تعبير الأستاذ الأمير.

ومن ناحية أخرى أردت التذكير بمشاكل المياه مع إيران وتركيا، وكذلك بالأراضي العراقية المغتصبة فعلاً من قبل الدول العربية والتي لا تنوي التحدث عنها، وبالفعل كان هناك مشروع برلماني لطرح هذه المشكلة. وأذكر هنا بتحذير الأستاذ الأمير عن "محاصرة العراق بحرياً من قبل الكويت وإيران"، وأن تأخير توقيع اتفاقية واضحة مع إيران ليس في صالح العراق بسبب التآكل الذي يحدث في منطقة الحدود.
وأريد أن أضيف إلى هذا العمل الجغرافي، عاملاً سياسياً يدعو للإستعجال، فلو لاحظنا بحياد، فأننا نجد أن كل من الحكومتين (الإسلاميتين!) الحاليتين في كل من إيران وتركيا، أفضل بكثير من الحكومات السابقة في تعاملها مع العراق. وهذا يسمح بالتفاؤل في إمكانية تهيئة الجو المناسب للوصول إلى حلول تضمن الحق العراقي بأفضل شكل. فتوجه حكومة أردوكان الجديد نحو العرب والمنطقة يغري بالمبادرة واستغلال هذا التوجه، والذي قد لا يطول إلى الأبد. ويمكننا أن نتصور الأمر نفسه بالنسبة لإيران، فوصول المعارضة إلى الحكم، والتي كشف الكثير مما تسرب من شعاراتها، رغبة في التخلي عن العلاقة مع العرب لصالح خصومهم. ولو حصلت المعارضة على الحكم، فسوف تحصل حكومتها على دعم من أميركا والغرب لإسنادها، بما يعني أن فرصة ذهبية قد ضاعت على العراق للوصول إلى حل يناسبه للمشكلة.
ولنتذكر أن هناك من يحاول أن يفوت تلك الفرصة، ولنتذكر (واحدة من حركات) العار التي قام بها أياد علاوي
(1) في تفويت فرصة استعادة سيادة العراق من مجلس الأمن عندما كانت في المانيا وفرنسا حكومتان مناسبتان، إقترحتا مع الصين، تمكين العراق من حق الفيتو في العمليات العسكرية للقوات الأجنبية في داخل البلاد، فكتب رسالة مشتركة مع كولن باول إلى المجلس يطلب فيها غض النظرعن الفكرة، كما فضح ذلك عثمان محمود. وبنفس الطريقة أضاع نفس زيباري الذي يهتم بهذا الملف اليوم، اضاع مشروعاً عربياً للضغط لإخراج العراق من الفصل السابع واستسخفه.

علينا أن لا نسمح بتكرار ذلك، وأن ندرك أن هناك من يعمل من أجل هذا. ومما يبعث على التفاؤل، أن أزمة الفكة قد تم احتواءها، وأن هناك محادثات عراقية – إيرانية جارية منذ أول أمس في قصر شيرين، وأن هناك اتفاق مبدئي على تنفيذ اتفاقية 1975. علينا أن نسعى للوصول إلى اتفاق مرضِ، وأن نتحرك للإتفاق على جميع النقاط الأخرى مع إيران، والقيام بمبادرة سريعة بنفس الطريقة مع تركيا. وكذلك يتوجب دراسة ما يمكن عمله ووضع استراتيجية تحرك على الدول العربية التي استغلت لحظة ضغف من العراق لتقضم حدوده، الكويت والسعودية والأردن، والبحث عن إمكانيات الضغط عليها لإجبارها على مناقشة القضية.

وأخيراً أردت التأكيد على ضرورة أن ندافع عن حقنا في الحديث مع جيراننا بشكل عاقل وليس بشكل مجنون كما يأمل البعض من السياسيين والإعلاميين، الذين يطالبوننا كلما ثارت مشكلة مع إيران، أن نقفز لنهوس جميعاً "هي يا اهل العمارة!!". إنها لسيت سوى طريقة مجربة وناجحة لإضاعة المزيد من حقوقنا.


(*) إذا لم تجد الخارطة منشورة مع المقال، يمكنك أن تجدها هنا:
 
http://www.doroob.com/?p=41711
(1) دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده تحت الفصل السابع

http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/18alawi.htm



20\1\2010
 

 

free web counter