| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الخميس 19/6/ 2008



المقالة رقم 400 والكتاب الأول
قناعاتي العامة مع قائمة مصنفة لمقالاتي

صائب خليل

حين نشرها، ستحصل هذه المقالة على الرقم 400 في الحوار المتمدن، وقد وجدتها مناسبة لتكون مقالة من نوع مختلف. "إحتفالي" المتواضع هذا لايعني أنني كتبت يوماً بهدف أو فكرة "زيادة عدد مقالاتي" فهو ما لم يخطر ببالي، لكني إذ أنظر الى كل هذا الكم الذي كتبت كل جزء منه باهتمام وبقدر استطاعتي من الموضوعية، أشعر أنه يؤرخ نظرتي إلى أحداث العراق والعالم خلال السنوات الماضية.

يبدو لي أن تلك النظرة لم تتغير كثيراً ومازالت مواقفي الأولى من معظم القضايا صحيحة في اعتباري. يمكن للقارئ أن يعتبر هذا نقصاً في المرونة الفكرية، لكنه يمكن أن يعتبر أيضاً دليلاً على درجة موضوعية كافية للصمود. في كل الأحوال لا اكتمكم، أنني أشعر بالراحة من هذه النقطة أكثر مما اشعر بالقلق على المرونة.

يصادف هذه الأيام أيضاً صدور أول كتاب لي يحوي مختارات من تلك المقالات بعنوان "المصباح الوحيد في الشارع" وأنتهز الفرصة هنا لأشكر الأصدقاء الشاعر يحيى السماوي والدكتور سيار الجميل والشاعر سعد الفلاحي لتزيين غلافه الخلفي بآرائهم في الكتاب، وأشكر كذلك مواقع الإنترنيت التي لولاها لما كانت المقالات ولما كان الكتاب، فهما إنتاجنا المشترك بلا شك، وليس إنتاجي وحدي.
في نهاية المقالة (1) تجد عزيزي القارئ رابطاً إلى صفحة إنترنيت تحتوي على مقالاتي مصنفة حسب المواضيع ربما تكون مفيدة للمساعدة على اختيار الموضوع الذي يود القارئ قراءة رأيي فيه، وكمرجع سريع إلى أية مقالة قرأوها ثم نسوا أين كانت، مثلما هي بالنسبة لي. أقترح على من يجدها مفيدة أن يحفظها في الحاسبة بدل حفظ الرابط إليها لأنها قد تزال مستقبلاً.

في معظم مقالاتي إن لم يكن كلها، جهدت أن أدعم قناعاتي بالبراهين والمراجع والمحاكمات المنطقية، وأسمح اليوم لنفسي أن أحكي أهمها لكم دون براهين أو مراجع أو دفاع. إنه حديث قصير عني وليس عن تلك المواقف ولا يحتاج من يتحدث عن نفسه إلى براهين عادة.

لنبدأ بالديمقراطية. رؤيتي أنها الطريق الذي لابد منه للإنسانية في كل مكان، وانها مسألة "رجولية" إن سمحت قارئاتي في استعارة مفهوم من مجتمعنا الرجولي، وأقصد به الإحساس بالشخصية بلا نقص، وفي هذا أنبه إلى أن الكثير من النساء أكثر "رجولة" (بالمفهوم الإيجابي هنا ) دون الإنتقاص من أنوثتهن . هذه "الرجولة" تتمثل في أن الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يعبر عن اعتزاز الشعب بنفسه وإصراره أن يكون صاحب القرار وليس ريشة في مهب رياح الدكتاتوريات. الديمقراطية عنوان نضج شعبي وإنساني أيضاً.

بالطبع هناك أعداء كثيرون للديمقراطية وعليها أن تدافع عن نفسها، عملياً ونظرياً. في اعتقادي أن "التكنوقراطية" ليست سوى واحدة من الحيل التي يلجأ اليها من لا يطيق الديمقراطية وهناك الكثير غيرها. هذه الحيل والدعوات تستند إلى حقيقة "مرض" الديمقراطية في العراق وخيبة أمل العراقيين بها، لكن ما يجب أن يدركه العراقيون هو أن كل ديمقراطية تولد عرجاء وعليهم أن يثبتوا أسسها ويطعموها ويرعوها حتى إن لم تعجبهم، فميزة الديمقراطية الرائعة هي انها قادرة على إصلاح نفسها إن هي أعطيت الفرصة لذلك.

موقفي من الدين والعلمانية هو أني علماني القناعة لكني رفضت وأرفض بشدة موقف معظم العلمانيين التهجمي على الدين بحق وبغير حق والتلهي بهذا الصراع الفارغ غالباً والتخلي عن مهمتهم النبيلة في بناء الديمقراطية في بلادهم. السؤال هو كيف يمكن بناء الديمقراطية مع موقف متعالي ومقاطع للأغلبية من ابناء الشعب؟ كيف سيتم الإتجاه إلى نظام يتيح لهذه الأغلبية أن تحكم؟ ما هو مستقبل هذا الهجوم وما هو الحل المنتظر؟

موقفي من صدام ينبع من موقفي من الديمقراطية، وكل احترام للديمقراطية وقيمة الإنسان يستدعي برأيي احتقاراً بنفس الدرجة للدكتاتورية والوحشية التي مثلها صدام خير تمثيل. إن من يدعو الى محاربة الإحتلال دون أن ينبذ الدكتاتورية ويستنكرها بكل قوة، إنما هو خير من يخدم الإحتلال حين يسهم في إقناع الشعب بأن البديل الوحيد للإحتلال هو نفس "الشلاتية" الذين كانوا يتبعون صدام، وهي صورة يحرص الإحتلال على تثبيتها في رؤوس العراقيين. بالمقابل يحرص "الشلاتية" على هذه الصورة فيتقاسم كل من الإحتلال والدكتاتورية الشعب الخائف الذي يفترض به أن يرفض الطرفين بشدة، إن تغلب على خوفه واستعاد كرامته.

موقفي من الولايات المتحدة يستند أيضاً إلى موقفي من الديمقراطية وفي اعتقادي أنها تقف بالضد من الديمقراطية تماماً لكنها تستعملها حين تحتاج اليها مع إبقاء حبالها بيدها، فهي تعلم أن الديمقراطية ستقف بالضد منها عاجلاً أم آجلاً، ولديها مئات التجارب مع شعوب كثيرة في مختلف القارات خاصة خلال نصف القرن الماضي. كذلك ليس صحيحاً أننا يجب أن نشكر أميركا على إزالة الدكتاتورية، فهي التي أسستها ودعمتها والشواهد على ذلك ماتزال حية ومسجلة. لقد كان صدام كلبها الذي ربته واطلقته علينا، فإن أزالته لخطة ما لديها فلن نكون ممنونين لها في النهاية. أقف بشكل عام ضد الإتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة ولأسباب عديدة اهمها يقيني أنها ستنفذ الشكل الذي يناسبها من الإتفاقية مهما كانت العبارات التي كتبت بها. يستند موقفي هذا إلى قراءات كثيرة للتأريخ الأمريكي (الحديث) ويمكن قراءة كتاب "قتل الأمل" (بالإنكليزية) للإطلاع على أسرار تلك البلاد وأثارها المدمرة في بلدان كثيرة في العالم، أو قراءة أي كتاب لجومسكي، حيث هناك مئات الآلاف من الأدلة على ما يوجب الخوف والقلق من هذا العملاق الرهيب التسلح، خاصة في ظل إدارة بوش، وربما يكون أكثر سوءا ً في إدارة ماكين مع أملي الكبير أن لايحدث ذلك، فهي كارثة جديدة على العالم والبشرية بتقديري.

موقفي من إسرائيل هو أنه يجب الإبتعاد قدر الإمكان عن أية علاقة مع هذه الدولة لأسباب عديدة. يكفي أنها دولة عنصرية والمتعاملون معها سوف يتحملون تأريخياً السمعة السيئة التي كانت للمتعاملين مع حكومة جنوب أفريقيا العنصرية والنازية الهتلرية. إضافة إلى ذلك فإن هذه العنصرية موجهة بشكل مباشر ضد العرب، شعب العراق بأغلبية كبيرة، وبذا سيكون لذلك التعامل ليس فقط شكلاً لا إنسانياً ولا حضارياً فحسب، وإنما أيضاً صفة "إذلال" لايمكن التملص منها. إلى هذا أضيف أن أية دولة أقامت علاقات مع إسرائيل فإن حكومتها ستعاني من "ضغط" إسرائيل عليها، ومحاولات تسييرها وفق سياستها وبذلك تبتعد عن علاقتها بشعبها. الغريب في الأمر أن هذا يشمل حتى الدول الأوربية وقد كتبت عن ذلك سابقاً، وأيضاً أميركا نفسها. إن أية علاقة مع إسرائيل تشق العلاقة بين الحكومة وشعبها حتى في الدول العريقة الديمقراطية فكيف بديمقراطية عرجاء في بلد يشيع فيه الفساد؟ حدث هذا ويحدث حتى في الدول التي (كان) شعبها يكن الود لإسرائيل فكيف في دولة يكن شعبها الإحتقار لعنصرية وعدائية إسرائيل؟ من هذا المنطق فأن الإمتناع عن إقامة علاقة مع اسرائيل ليس تضحية يقدمها شعب ما الى الفلسطينيين وإنما عملية دفاع عن استقلال قراره وحريته في بلاده واحترامه لها.

بشكل عام أرى أن الجو في العالم عموماً وفي العراق خصوصاً، يمتلئ بدعايات مربكة أطلقتها حرب إعلامية ذهنية بقيادة الولايات المتحدة، تماماً كما يتملئ الجو بالسموم في الحرب الكيمياوية، وأن على الفرد أن يبذل جهداً كبيراً لتمييز الأوكسجين عن غاز الأعصاب ليعرف ما يجب أن يتنفس وما يجب أن يلفظ، فالفرق الشكلي بينهما يتضاءل وتصعب فلترته مع الوقت ومع زيادة خبرة وإمكانية من يشن تلك الحرب.

أفكاري هذه تبدو متعصبة قديمة، وبشكل عام هناك ضغط لترك "القديم" والبحث عن "أفكار جديدة"، لكن هذه "الإيديولوجية" كالكثير غيرها، لاتستند إلى المحاججات، بل إلى الرغبة في الجديد واحتقار القديم. إنها لاتختلف مبدئياً عن الرفض المحافظ لما هو جديد بدون مناقشته. لكن ما العمل إذا اكتشفنا أن القديم مازال صحيحاً؟ وأن التخلي عنه لم يكن دائماً من أجل ما هو افضل منه. الهجمة على ما توصل اليه الإنسان خلال حضاراته من حقائق ومفاهيم يتعرض الآن للهجوم لإرغام هذا الإنسان على أن ينسى تجربته التي تعيق التراجع الذي تريده له القوى المسيطرة على الأمور والذي يؤمن لها سلطة اقوى وأكثر راحة. فلو راجعنا هذا الهجوم لوجدنا أن ما يدعو اليه في الحقيقة هو العودة الى ما هو أقدم من القديم الذي يدعونا الى التخلي عنه. فالرأسمالية أقدم من الإشتراكية وحرية السوق أقدم من الإقتصاد المخطط والتجمعات البشرية أقدم من الدول ذات السيادة، والدين المتعصب الوحشي الذي تنتهجه فئة المصوتين لبوش وماكين، بالتأكيد ليس نهجاً "حديثاً".

موقفي من الإرهاب هو أنه يحوي الكثير من الكذب وقد قرأت الكثير مما يؤيد هذه الفكرة, وأتمنى أن يتاح لي أن أكتب عن المعلومات الخطيرة والهامة التي قرأتها بلغات اخرى أو شاهدتها في أفلام وثائقية لاتصل الى الفضائيات العربية أو العراقية. رأيي أيضاً أن أميركا هي من يدير الإرهاب ويوجهه وأنه لم يكن لديه أية إمكانية لأن يدير نفسه بهذه الكفاءة ولا بأي شيء قريب منها، فكيف اكتسبها فور حاجة أميركا لبديل عن "البعبع" السوفيتي؟ برأيي أيضاً أن الأمريكان كانوا في السنوات الماضية يأملون باحتلال العالم لكنهم فشلوا في محاولتهم لأسباب عديدة وهم حائرون الآن في "الخطة ب" حيث أصبحت العديد من عوامل قوتهم وإرهابهم وفق "الخطة أ" معرقلات فاضحة ومسيئة للموقف الجديد وخير مثال عليها سجن "غوانتانامو" الذي كان يخدم كرمز لإرهاب العالم، لكنه يخدم الآن كرمز للوحشية الأمريكية المثيرة للإشمئزاز أكثر من إثارتها للخوف، وهم لايعرفون كيف يتخلصون منه دون إعطاء انطباع بالهزيمة، فإن سقط، سقط معه الكثير من الخوف، وإن سقط الخوف تكلم المزيد من الناس بنتائج غير محسوبة وهو ما يرعب مديري الإرهاب.

(1) مقالاتي مبوبة
http://www.bermanah.com/my-articles.htm 


19 حزيران 2008
 



 


 

free web counter