| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الجمعة 18/4/ 2008

 

من قال ان بدر ليست ميليشيا وان البيشمركة لم تشتبك مع الحكومة؟

صائب خليل

في حديثه لـ "الشرق الأوسط"، نفى هادي العامري «ان يكون هناك أي مكون سياسي او حزب عراقي له اليوم "ميليشيا" مسلحة باستثناء التيار الصدري». ومن الواضح ان صدق تصريح العامري ينطلق من اعتبار ان تعريف "الميليشيا" لايشمل "منظمة بدر" التي يرأسها بنفسه، ولا البيشمركة الكردية.
قصة "الأسماء" والتعاريف والمعاني تظهر بشكل اكثر صراحةً في تصريح الدكتور فؤاد معصوم، رئيس الكتلة الكردية في مجلس النواب بأن «قوات البيشمركة تعني قوات حرس الحدود وحفظ الامن في اقليم كردستان»، مشيرا الى «ان هناك اختلافا في اللغة يمنع البعض من فهم المعنى، فنحن نسمي الشرطة (بوليس) والأمن (آسايش)، وحرس الاقليم (بيشمركة)». وأكد:«نحن مع سيادة القانون وبناء دولة دستورية".
هكذا يجهد الجميع الى اعادة تعريف قواته المسلحة وإعطائها اسماً مناسباً، بضمنهم التيار الصدري نفسه الذي قال ان جيش المهدي ليس ميليشيا، وانما "جيش عقائدي". لكن التيار الصدري لم تكن له القوة اللازمة ليفرض تعاريفه كما لدى اخويه "الأعداء". أنهم يقولون: القانون ينطبق على الجميع، لكننا وحدنا من يضع التعاريف والأسماء. أو - اسوأ من ذلك - : ان بريمر وضعها!

لكن ما السر وراء الإصرار لدى الكتل السياسية على ان تكون لها "قوات مسلحة" (مهما كانت تسميتها) تحت امرتها، او جاهزة لتكون كذلك في اية لحظة؟ بلا شك انه جو عدم الثقة المتبادل في العراق، حيث لا احد يستطيع ان يضمن حقه إلا إذا استطاع أن يخيف الآخرين. وإن صح هذا في وقت ما فلا يصح اكثر من وقت الإنتخابات. فمن المعروف أن الإنتخابات السابقة بينت ان الأحزاب استعملت "قواتها المسلحة" ليس فقط لتحمي حقها في اصوات ناخبيها وانما ايضاً للضغط على ناخبي بقية المكونات وسرقة اصواتهم بأشكال مختلفة. في ضوء هذا التقدير، فأن المطلوب من التيار الصدري، دون غيره، ان يثق بأن الإنتخابات القادمة ستكون حرة وديمقراطية وأن "الدولة" ستتكفل بعدالتها وخلوها من ضغوط القوة العسكرية. من وجهة نظر التيار الصدري، يراد فرض هذه "الثقة" التي لاتستند على اية معطيات تأريخية عليه وحده. فإذا اخذنا بنظر الإعتبار التأريخ القريب والحاضر ايضاً لتعامل "الحكومة" مع اعضاء ومؤيدي التيار الصدري انفسهم وليس جيش المهدي، من اعتقالات عشوائية، الى تعذيب، الى ابقاء من يصدر حكم ببراءته في السجون، وغيرها كثير، إذا اخذنا كل هذا بنظر الإعتبار فلن نجد صعوبة في فهم مدى خلو هذه "الثقة" من اية حكمة، خاصة بالنسبة للتيار الصدري. الحكومة لم تكلف نفسها حتى عناء التظاهر بالعدالة وتطبيق القانون لتحرج التيار الصدري للتخلي عن "قواته المسلحة". إن الإتفاق التام بين الكتلتين الكبريتين في الحكومة على تمرير لعبة "التسميات" المكشوفة، دون أن يرتفع اي صوت في اي منهما ليقول ان في هذا خطأً او نقصاً او ماهو بحاجة الى تعديل، هذا الإتفاق يثبت للتيار الصدري استحالة الإعتماد على حاسة العدل والقانون لدى اعضاء هاتين الكتلتين- الحكومة، وليس من الغريب ان يصيبه الرعب من مجرد التفكير في ما سيؤول اليه الحال لو انه فقد قواته المسلحة.

عدا التسميات يلجأ هادي العامري الى اعطاء سبب اخر اكثر وجاهة لوجوب حل "جيش المهدي" دون غيره فيقول: «لم تقم اية جهة سياسية برفع السلاح بوجه الدولة والحكومة سوى جيش المهدي والقاعدة".
إنه سبب وجيه لو كان صحيحاً. لكن الحقيقة انه عبارة عن لعبة لغوية اخرى. فالدولة هي التي "رفعت السلاح" بوجه جيش المهدي وليس العكس، ولم ترفعه بوجه البدريين ولا البيشمركة لنرى إن كانا سيلقيان سلاحهما امامها كما يفترض ام لا. والحقيقة ان منظمة بدر قد سيطرت على القوات المسلحة الحكومية فصار السؤال فارغ من المعنى.
لقد القى السلاح 10% من تلك القوات حين هاجمت جيش المهدي، فكم ستكون تلك النسبة لو تصورنا خلافاً مع المجلس الأعلى يتطور الى محاولة تصفية مواقعهم ومنظمة بدر؟ 30%؟ 40%؟ أكثر من النصف؟ لاشك ان النسبة ستكون اضعاف تلك التي خرجت لصالح الصدريين. ليس هناك طريقة للبرهنة على هذه الفرضية لكن المراهنة على انها لن تحدث، مراهنة لاتبدو حكيمة. وماذا لو جنّت الحكومة وأمرت "حرس الإقليم" (التابع لها فرضاً) ان يلقى القبض على قياديين كردستانيين متهمين بأمر ما، مثل لص حقول النفط آشتي هورامي؟ لا أظن ان عراقياً واحداً يشك لحظة في ان الخروج على هذا الأمر سيكون بنسبة 100% وان فوهات البنادق كلها ستوجه الى الحكومة.

لذا ليس من المقبول ان تستخدم حقيقة تبعية 10% من القوات المسلحة العراقية الى الصدريين للبرهنة على انهم يشكلون اختراقاً في ولاء تلك القوات للحكومة، حتى تجرب هذه الحكومة ما يحدث لو انها هاجمت الباقين.

وفي الوقت الذي لاتحتاج منظمة بدر الى الإصطدام بالحكومة التي تؤمن لها الرواتب والسلطة وحرية الحركة، فأن الأمر مختلف قليلاً في العلاقة بين الحكومة والبيشمركة. فرغم ان قوات الحكومة تتجنب تماماً الإصطدام بالبيشمركة، إلا ان هذه الأخيرة لاتتجنب الإصطدام بالحكومة!
يدعي المالكي انه ذهب الى البصرة لوقف لصوص النفط، فاصطدم بجيش المهدي، ولكنه لو اراد ان يوقف لصوص نفط الشمال لأصطدم بالبيشمركة بلا شك. لقد وقعت كردستان عقوداً لصوصية بحتة سبق ان تطرقنا اليها بالتفصيل في مقالات اخرى، وأخرى كثيرة لم تلق ما تستحق من الضوء، مثل عقد لكردستان مع شركة كورية لبيع نفط مقابل "أعمال بناء" في كردستان بقيمة 12 مليار دولار دون اي علم من حكومة بغداد التي يفترض ان لها، حتى بحسابات حكومة كردستان الظالمة، 83% من هذا المبلغ (إضافة الى حصة الصرفيات السيادية!) فلماذا يخصص المبلغ كله لكردستان؟ أعلن نيجرفان برزاني هذا العقد في منتصف شباط الماضي، متوقعاً "أن الحكومة لن تعارض"! اي انها لم تكن تعلم بالأمر!!
وفي فترة سابقة اعلن أسامة النجيفي أن: "هناك شركة كندية تدعى (
trsais) ومقرها في الشيخان تقوم بالتنقيب عن النفط في ناحية القوش التابعة لقضاء تلكيف (شمال الموصل)، وحفرت بئرا استكشافيا في المنطقة، دون ان تحصل على أي موافقات من الحكومة العراقية." وهي "مخالفة صريحة للقانون العراقي، واعتداء على أراضي محافظة نينوى من قبل حكومة إقليم كردستان."
وفي اشارة من جريدة "
Dallas Morning News" الصادرة في 28/11/2007، والتي كانت تجري مقابلة مع الوزير آشتي "ان رقع عقد هنت تقع في محافظة نينوى والتي هي تأريخياً كردية ولكن يطالب بها العرب!". ويضيف السيد آشتي "على هنت أن لا تقلق لأن المنطقة 90% كردية وإنها تدار من قبل الكرد سنة إثر سنة".

فإذا كانت "الحكومة لاتعارض" في ان تسرقها كردستان، وان تستولي على اراضي نفطية من محافظات اخرى فمن الطبيعي ان البيشمركة لن تكون بحاجة الى حمل السلاح بوجهها, ولو ان الحكومة قدمت ربع هذه التنازلات في البصرة لما رفع السلاح احد بوجهها، بل لأستقبلها اللصوص قبل غيرهم، بالورود! فهل هذا هو "القانون" الذي يقف الدكتور فؤاد معصوم مع "سيادته" وهل هذه هي "الدولة الدستورية" التي يريد بناءها، ام انها دولة القوة والفتوة والعصابات، دولة "كل من ايدو الو"؟

لقد استطاعت كردستان بتحديات القوة ان تبتز الحكومة لتحصل على اكثر من حقها بكثير دون استعمال السلاح، ورغم كل ذلك فأن البيشمركة "رفعت السلاح" فعلاً بوجه الحكومة! ففي 27/11/2007 اتهم الشهرستاني وزير النفط العراقي، حكومة إقليم كردستان بمنع بغداد من تطوير خورمالة، وهي جزء من حقل كركوك، وذلك بإستخدام القوة العسكرية (البيشمركة)، حيث قال لمراسل داو جونز "إن قوات تعود الى إقليم كردستان تمنع كادر شركة نفط الشمال من تنفيذ مشروع حقل خرمالة". وبعد ذلك أحيلت القبة من قبل وزارة الإقليم ومجلس النفط فيها الى "شركة النفط الوطنية الكردستانية كنوك"!
إذن فقد "رفعت البيشمركة السلاح بوجه الحكومة" لكن الحكومة كانت اضعف من ان ترفعه بالمقابل، بل كان عليها ان تعود الى "المحكمة الفدرالية" لحل "الخلاف". يكتب فؤاد الأمير: " لأول مرة أقرأ أو أسمع في حياتي أن تذهب الحكومة الفيدرالية للمحكمة الدستورية للإعتراض، إذ من المفروض أن تعترض الأقاليم على الحكومة الإتحادية في هذه المحكمة وليس العكس". هذا "العكس" الذي ادهشك يا عزيزي فؤاد الأمير ليس سوى نتيجة "العكس" في الفارق في القوة العسكرية بين الطرفين، وهي التي تحدد من يعتمد على القوة في تصرفه، ومن يتوجب عليه تقديم الشكاوي فيما بعد، لذا فليس هناك ما هو غريب في الأمر.

لقد قال مسعود البرزاني يوماً انه سيشعل "حرباً اهلية حقيقية" ان تم تأخير تنفيذ المادة 140، فكيف كان ينوي ان يفعل ذلك، وكيف يكون لتهديده اي وزن ان لم يكن المقصود استعمال البيشمركة لذلك؟ كيف يريد اقناعنا إذن بأنها قوات حكومية، وان ولاءها للحكومة وهو يهدد الحكومة بها؟ إنها ليست سوى ميليشيات عسكرية وأن هدفها الأساسي هو تأمين توازن قوة عسكرية لصالح الإقليم في اي صراع محتمل مع حكومة بغداد، وهو ليس مستحيلاً إن جاءت حكومة مركزية يرفض احترامها لنفسها تقبل إهانات السياسة العدائية الإعتدائية لحكومة كردستان. إن دفع الرواتب لهذه القوات المسلحة التي توجه بنادقها الى الحكومة في معظم الوقت، يذكرني بتراث الجهاز الأمني لصدام حسين حين يطالبون اهالي ضحاياهم بثمن الرصاصات المستعملة ضدهم!

بعد كل هذا، وحتى لو اختلفت معي في بعض التفاصيل هنا وهناك، أود ان اسألك يا قارئي: لو كنتَ قيادياً في التيار الصدري، وأمامك كل هذه المعطيات، هل كنت ستثق بالحكومة والقانون وتتخلى عن سلاحك؟ أنا لم اكن سأفعل ذلك!

18 نيسان 2008
 



 



 


 

Counters