| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الخميس 15/4/ 2010

 

لماذا تكون الحكومة الواسعة ضعيفة الإنجاز؟
شرح مبسط مع رسوم توضيحية

صائب خليل 

في أي بلد يمر بفترة انتخابات، تدور الأحاديث حول مسألة تشكيل الحكومة. وفي الغالب سيتصدى العديد من السياسيين والمثقفين وجهات ضغط داخلية وأجنبية، لإعلانهم عن تفضيلهم لحكومة "واسعة"، حكومة "شراكة" أو "حكومة وحدة وطنية". وهم يبررون ذلك، إضافة إلى مظهر التآخي والتشارك الذي تعبر عنه أسماء مثل تلك الحكومة، فأن البعض يتصورها "قوية" كلما ازدادت مكوناتها. لكن الأمر ليس كذلك للأسف! لنراجع الأمر خطوة خطوة.

من أجل أن تكون الحكومة قادرة على إنجاز أعمال ومشاريع تطوير البلاد، إقتصادياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً، فأن على تلك المشاريع أن تجتاز مرحلتين قبل البدء بتنفيذها: الأولى إتفاق كتل الحكومة عليها، والثانية تمريرها في البرلمان.

كيف نشكل حكومة تكون قادرة بأفضل شكل على إنجاز هاتين المرحلتين السياسيتين؟ أو ماهو شكل ومواصفات الحكومة الأكثر قدرة على الإنجاز؟

بالنسبة للمرحلة الثانية الأمر واضح وبسيط: أن يكون لتحالف الحكومة أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية. هذه البساطة في المرحلة الثانية تدفع بالبعض إلى التسرع بالتصور بالإستنتاج بأنه كلما كانت الحكومة تضم كتلاً أكثر، كلما كانت أكثر "قوة" وقدرة على إدارة البلاد وتنفيذ المشاريع. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فقبل أن نصل المرحلة الثانية، البرلمان، يجب أن تجتاز المشاريع مرحلة الإتفاق عليها داخل الحكومة نفسها. فكيف يؤثر كبر الحكومة وكثرة كتلها على نجاحها في هذه المرحلة؟

لنستعن بالرسوم التوضيحية المبسطة. لنفترض أن كل كتلة من الكتل السياسية المشكلة للحكومة تمثلها دائرة تحدد منطقة مواقف تلك الكتلة. وأن مساحة الدائرة تمثل حجم الكتلة البرلمانية، أي عدد مقاعدها.ولنفرض أن موقع الدائرة يمثل موقفها السياسي، كأن تكون الكتل الأكثر يسارية أقرب الى يسار الصورة (على سبيل المثال فقط). أي أن المسافة بين مركزي الدائرتين، يمثل مدى الإختلاف السياسي بين الكتلتين.

 والآن، الشكل 1 يمثل حالة تشكيل حكومة من كتلتين مختلفتين سياسياً بدرجة ما. في هذه الحالة يمثل مجموع مساحتي الدائرتين، عدد المقاعد البرلمانية التي تسيطر عليها كتل الحكومة، وبالتالي كلما كبرت الكتل المكونة للحكومة وازداد عدد هذه الكتل فستكون تلك المساحة أكبر، وتكون قدرة الحكومة على تمرير قراراتها في البرلمان أكبر.

نلاحظ أيضاً أن المناطق المشتركة المتفق عليها سياسياً بين الكتلتين، تتمثل في منطقة تقاطع الدائرتين، والتي لونت باللون الأخضر، أما باقي المساحة فتمثل مناطق الإختلاف بين الكتلتين. أي أن كلا الطرفين سوف يسمح بالمواقف والمشاريع التي تقع في المساحة الخضراء باعتبارها تقع أيضاً ضمن دائرة مواقفه.

يمكننا أن نلاحظ أن المساحة الخضراء أصغر من أي من الدائرتين المتقاطعتين، وهذا ليس غريباً، فعدد المشاريع والمواقف السياسية التي يمكن للكتلتان أن تتفقان عليها، هي أقل دائماً من تلك التي يمكن أن يتفق عليها أعضاء أية كتلة (لوحدها) من الكتلتين المكونتين للحكومة.

ويمكننا ان نستنتج إذن أن الحكومة المكونة من كتلة واحدة، هي دائماً الأكثر قدرة على عبور المرحلة الأولى والإتفاق على المشاريع، إلا أنها يجب أن تحصل على مقاعد برلمانية كافية لعبور المرحلة الثانية وتمرير إقرار تلك المشاريع في البرلمان. إن لم تكن هناك كتلة تمتلك العدد اللازم من المقاعد، فلا مفر لها من أن تتفق مع كتلة أخرى، وتضحي بذلك ببعض قدرتها على الإتفاق الحكومي الداخلي (المرحلة الأولى) مقابل زيادة قدرتها على تمرير ما تتفق عليه من قوانين في البرلمان.

 ونلاحظ في الشكل 2 أنه كلما أبتعدت الدائرتان عن بعضهما، فأن المساحة المشتركة بينهما، أي المساحة الخضراء، تصغر. وهذا أيضاً ليس غريباً، فهو يمثل حقيقة أنه كلما كانت الكتلتين السياسيتين المكونتان للحكومة بعيدتان عن بعضهما البعض في مواقفهما السياسية، كلما قل عدد المشاريع التي يمكن أن يتفقا عليها، رغم أنهم لن يواجهوا أية مشكلة في تمريرها في البرلمان. لذلك، فرغم أن حجم الكتلتين لم يتغير، فأن الحكومة تكون ضعيفة كلما كانت مكوناتها بعيدة عن بعضها في مواقفها ومفاهيمها السياسية وأهدافها الإقتصادية والإجتماعية. وهذا الأمر يفسر لماذا تفضل الكتل الفائزة مشاركة الكتل الأقرب سياسياً إليها، فإن لم تجد كتلة قريبة بما يكفي، فإنها تفضل في بعض الحالات، أن تعيد الإنتخابات على القيام بتشكيل حكومة متناقضة لا تجد مكوناتها مساحة مشتركة كافية لتحقيق فعالية حكومية مرضية لها.

ولو أضفنا كتلة ثالثة إلى التشكيلة الحكومية، فأن من الطبيعي أن عدد المقاعد البرلمانية المتوفر للحكومة سوف يزداد، إلا أن فرص اتفاقها الداخلي ستنخفض أكثر، وهذا ما يعبر عنه انخفاض المساحة الخضراء حينما أضفنا دائرة ثالثة في الشكل 3. الدائرة الثالثة تمثل الكتلة الثالثة التي لها تصوراتها ومواقفها السياسية التي تختلف بدرجة ما عن كل من الكتلتين الأولين. هذا أيضاً أمر بديهي، فكلما كان عدد من يجب أن يتفقوا على أمر ما أكبر، انخفض احتمال إنجاز ذلك الإتفاق. وبديهي أن المساحة المشتركة سوف تستمر في التقلص، وصعوبة عبور مرحلة الإتفاق تزداد، كلما أضيفت كتلة أخرى رابعة وخامسة...

هكذا نرى تناقضاً واضحاً بين العوامل التي تزيد من قدرة الحكومة على تمرير قراراتها في البرلمان، وتلك التي تزيد قدرتها على الإتفاق الداخلي. البرلمان يريد أكبر عدد ممكن, والإتفاق يريد أصغر عدد ممكن من الكتل.

نستنتج من ذلك أن الحكومة "الأقوى" والأكثر قدرة على الإنجاز، هي تلك التي تحقق التوازن في قدرتها على تجاوز المرحلتين، فلا نفع من قدرة كبيرة على الإتفاق على مشاريع كثيرة دون قدرة لتمرير تلك المشاريع في البرلمان، ولا نفع من مقاعد برلمانية كثيرة دون إمكان الإتفاق على المشاريع.

أين يقع ذلك التوازن الأمثل إذن؟ إن تذكرنا بأن النقطة الحاسمة لتمرير معظم المشاريع في البرلمان، هي امتلاك نصف المقاعد زائداً واحد، وأن أية زيادة إضافية في المقاعد لن يكون لها تأثير كبير في زيادة قدرة الحكومة في البرلمان، نستنتج أن الحكومة الأقوى هي المكونة من أقل عدد ممكن من الكتل والكافية لتحقيق العدد البرلماني الحرج: النصف زائد واحد!

أن أية زيادة في عدد الكتل المكونة للحكومة إلى أبعد من عدد المقاعدة اللازمة سيكون له تأثير سلبي على الحكومة يثقل حركتها ويشلها، تماماً كما يثقل الشحم الزائد حركة الشخص البدين. ربما تكون هناك ضغوط سياسية واجتماعية، او ضعوط خارجية لتشكيل حكومة أوسع من تلك التي يمثلها العدد الأمثل، وقد لا يمكن تجاوز هذه الضغوط، لكن علينا على الأقل أن نعرف أن نتائجها لن تكون إيجابية بالنسبة لقدرة تلك الحكومة على العمل وتنفيذ خططها ومشاريعها.

هذا هو السبب في أن حكومات الدول الحرة المستقرة، كما في اوروبا الغربية، تشكل بحيث تكون أضيق ما يمكن، ولنفس هذا السبب تتعرض الجهات السياسية في البلدان التي لا تملك كامل حرية قرارها، إلى الضغوط لتوسيع حكومتها إلى أكبر ما يمكن، وتكوين حكومة مشلولة أكثر ما يمكن، وبالتالي يسهل قيادتها إلى حيث يريد أصحاب تلك الضغوط!

 

15 نيسان 2010
 

 

 

free web counter