| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الجمعة 14/1/ 2011

 

تونس التي جعلت قلمي يرقص طرباً!

صائب خليل

كيف يكتب القلم، عندما يكون الوقت وقت للرقص؟ كيف يكتب القلم عندما يكون الفرح كبيراً لا تسعه الحروف؟ ...
آه شعب عربي يتحرر من قبضة الوسخين الوضيعين! نعم لست بحاجة إلى ان أتكلم عنهم بأي احترام ولم افعل ولن أفعل..

آه يا شعب تونس، منك تنطلق الشرارة الجديدة.. منك تنطلق صرخة تخرس أعداء الشعوب، ليس من الجلادين فقط، وليس من المدافعين عنهم فقط، بل تخرس أيضاً الأصوات التي غمرت المرحلة بالكلام التثبيطي اليائس، والدعوات المزيفة الكلمات بـ "الإعتدال" و "الحكمة" و "فن الممكن" و "التوازن"، وكلها كلمات قصد منها خطاب لا علاقة له بمعناها، خطاب لم يكن إلا جزءاً من المؤامرة ، ولم يكن أصحابه إلا جزءاً من المتآمرين، المتآمرين على إحساس الإنسان بالأمل والحلم.

آه يا شعب تونس، هل لي أن أقبلك؟ هل لي أن أشكرك على الفرحة التي أدخلتها إلى قلوبنا المحزونة بالهم والإحباط؟ نعم يا جيفارا ".. لانستطيع أن نقف مكتوفي الايدي حيال ما يحدث في اي مكان في العالم، لان إنتصار أي بلدٍ على مضطهديه
(*) لهو إنتصار لنا، تماماً كما أن هزيمة أي بلدٍ هي هزيمة لنا."

مساء أمس كنت أشاهد أحد القردة، (لعل "الكلاب المتوحشة" وصف أفضل) التي تحكمت بمصير الشعب الذي تنتمي إليه، وهو يشير بيده ببلاهة تثير الشفقة ويصرخ "لقد فهمت، لقد فهمت، لقد فهمت مطالب الشعب" .. الآن فقط، بعد ربع قرن من الحكم الحديدي، فهم هذا القرد "مطالب الشعب"! بيني وبينكم قلقت: "هل يعقل أن يخدع هذا الناس"؟ لكن تونس برهنت خطل مخاوفي، فلم يخدع هذا القميء أحد، ولم نتطل وعوده بالعمل وتخفيض الأسعار التي لم يتذكرها إلا والسوط في ظهره، على أحد!

هاهي دولة تعود إلى حكم الشعوب، هاهي دولة أخرى تهرب من سلطة رجال المال والإرهاب العالمي الحقيقي، وتعود إلى أهلها، فيكبر بها خندق الشعوب ويصغر خندق الجلادين.
ها هي تونس تقول: "أنظروا! يبدو أنه فعلاً نمر من ورق! هذا الذي كان يخيفنا، هذا الذي ما زال يخيفكم! أخترقوا الخوف معاً، فإذا به يتمزق، وإذا به غشاء خفيف لا شيء خلفه. ها هي تونس تكشف للناس سمك الحاجز الرقيق بين الحرية والعبودية.

على شاشة التلفزيون، مارتن داي ممثل الحكومة البريطانية، يرطن بلغة عربية قبيحة: "الأمور تتدهور بسرعة" ... أية بلاهة ! الأمور تتصاعد وترتفع بسرعة، الأمور ترتفع وتسمو بسرعة كأنها صعادات العيد، لكنه محق مع ذلك، الأمور "تتدهور بسرعة" بالنسبة لأعداء الشعوب، وهم لا يملكون أن يخفوا مشاعرهم القبيحة.
"...نريد الإستقرار في .. ولكن بنفس الوقت نؤيد الديمقراطية.." ... صه أيها القرد!.. ما أنتم إلا أعداء الديمقراطية وأعداء الحياة. أنتم مصدر الإرهاب و"محور الشر"... بملابسكم الأنيقة وأكاذيبكم الكبيرة وما تخفيان من نفوس ضعيفة مهترئة.

يذكرني هذا الأحمق بمواقف حكومته والحكومة الأمريكية وخاصة الفرنسية، عندما تخلوا عن رطانتهم الديمقراطية وتحدثوا عن إرسال قوات عسكرية لمساعدة عميلهم "زين العابدين". ولم يغيروا عباراتهم إلا بعد أن يأسوا من إنقاذه. إنهم لا يختلفون عنه، لا أخلاقاً، ولا موقفاً، ومثلما لم يتذكر الدكتاتور توفير الخدمات والمواد والعمل للشعب إلا بعد أن اقترب حبل المشنقة من رقبته، فهم لم يتذكروا الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا بعد يأسوا من إنقاذ الظلم الذي يضطهدها لحسابهم.
فرنسا لم يهن عليها هذه الهزيمة والفضيحة فلم تستطع منع نفسها من وصف البديل الغنوشي بـ "الرجل النظيف"! ولعله ليس أكثر "نظافة" من "نظيفهم" الآخر في مصر، الذي يراه المصريون رمزاً للوساخة! لقد فضحتهم يا شعب تونس، وكشفت زيف شرفهم وزيف كلامهم الذي كان ينزل سكاكين مملحة على جروحنا، بكل ما يحتويه من كذب صلف.

دكتاتور تونس هرب، لكن الثعالب لم تهرب بعد، ومازال أمثال رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزير الداخلية السابق يمتلكون الوقاحة والصلافة لإعلان استلام الحكم بالنيابة الموقتة عن بن علي. ذهب الوحش الكبير، ويجرب الغنوشي الصغير فرصته لإنقاذ النظام المهترئ بالتخلي عن رموزه وإبقاء روحه العفنة. إنه لا يخجل أن ينسب صلاحياته إلى تخويل من الدكتاتور المحتضر.
ولكن الشعب الذي لم يخدع لحظة بخطاب الدكتاتور، لن يفشل في اكتشاف الخدعة الصغيرة الجديدة، وبالفعل، أنا أستمع الآن إلى ردود أفعال قادة المعارضة التونسية، ولم أجد صوتاً واحداً يشير إلى أي احتمال لمرور الخديعة.

سمعت أن حكومة الأردن أعلنت تخفيضاً في أسعار بعض المواد الأساسية، فالرعب سينتشر في هذه المنطقة المتعفنة بالدكتاتورية ورجال الأمن. هذا اليوم، سألت زميلة تونسية ونحن نتابع الأحداث بترقب وشوق: "أتعلمين من يتابع الأحداث الآن بقلق لا يقل عن قلق بن علي؟...إنه حسني مبارك، وعبد الله الصغير، و "ارخص رئيس في التاريخ" أيضاً وأمثالهم... أراهن أن كل "ملك" وضيع في المنطقة، تحسس هذا اليوم رأسه ورقبته"! أراهن أن جواً من القلق والكآبة تخيم على القصور المنتشرة في هذه الأرض التي لم تتنفس منذ زمن طويل، دون أن يدري أصحابها ما السبب!

أين رجال الأمن المرعب؟ أين مخابرات الدكتاتوريات الرهيبة التي تعرف كل شيء؟ أين دعم الموساد والسي آي أيه التي تنصت لأي حرف ينطق وأي مفتاح يضغط على الكيبورد، وتنقله للحكومات "ألصديقة" و "المعتدلة"؟ أين تلك القادرة على إحصاء أنفاس الشعوب وخطواتها، كما تصورنا؟

لقد قال شاعرك أيها الشعب الصغير الكبير: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"، وها أنت تكمل بالبرهان أنه "لا بد أن يستجيب القدر". إنه دورك فالعب، إنه يومك فانهض". لقد فاحت من تونس رائحة الحرية العبقة، ولا بد أنها منتشرة عبر السهول لتثير الهمم وتبعث الأمل وتغري الناس بمحاولة تحطيم قيودها، وكشف حقيقة نمر الدكتاتورية ومدى حقيقة صلابته، فلعله في كل مكان لا يزيد سمكاً عن نمر "بن علي" !؟ هناك طريقة واحدة لمعرفة ذلك! من يريد أن يجرب سعادة الشعب التونسي الذي لا تسعه الأرض من الفرح والفخر، فالطريق صارت واضحة أمامه. أما أنا فاعتذر من قرائي، إن لم يجدوا من قلمي التحليل الذي ينتظرون، فقد قرر أن هذا المساء للرقص فقط!


(*) "الإمبريالية" في النص الأصلي لجيفارا..
مقالة اخرى للكاتب حول الموضوع :
شعب تونس يريد الحياة ...ولابد أن يستجيب القدر

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=42584:2011-01-13-06-32-38&catid=36


 

14 كانون الثاني 2011


 

 

 

free web counter