| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الخميس 14/6/ 2012


 

النواب يعودون للتصويت السري - جهلة جهلة أم سفلة سفلة؟

صائب خليل     

نواب العراق ونواب كردستان اتفقا! لكن ليس على أمر مشرف، بل على منع الناس من رؤيتهم! إنهم يريدون أن يصوتوا بعيداً عن نظر الشعب الفضولي. برلمان كردستان كان قد منع الصحفيين منذ عامين من إدخال الكامرات وأجهزة التسجيل، وزادها الآن بمنع التصوير حتى من الشاشة المتاحة للصحفيين، حسب بيان لـ "مركز ميترو" (1)شفافية البرلمان العراقي لم تكن أفضل.(2) وقد علمنا صدفة أن هذا الأخير زاد "شفافيته" بخطوة كبيرة، باعتماده التصويت الإلكتروني السري!

من المخلوقات ما يفضل الصيد في الليل، مثل اللصوص و الخفافيش فمن أيهم يتكون برلماني العراق وكردستان يا ترى؟ يرى دارون أن أصل البشر من القرود، لكني أشك لو أنه كان حياً ورأى الكائنات التي تجلس في برلماناتنا لغير رأيه وأقر أن بعض البشر ينحدر من اللبائن الطائرة، من الخفافيش!

في السنوات الماضية تابعنا محاولات هؤلاء "الخفافيش" في البرلمان العراقي للعمل في الظلام بإقرار مبدأ التصويت السري ووقفنا بوجهها بكتابة مقالات عديدة ودعوة عدد كبير من الكتاب للكتابة عن تلك المؤامرة وأن يبينوا للناس أن الديمقراطية لا تستطيع العيش في الظلام. وبالفعل أستجاب البعض فكتبت السيدة سعاد خيري: "التصويت السري في البرلمان والاقرار العلني في كردستان مخططات امريكية لتشريع قانون نهب النفط وقوانين ادامة احتلالها"(3)  وكتب مالوم أبو رغيف :"اخر تقليعة في دولة الشفافية! التصويت البرلماني السري!" انتقد فيها النجيفي على تأييده للسرية،(4)

 وأسامة النجيفي "خفاش" أصيل قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان، وشارك في تلك الحملة لإقرار التصويت السري وامتدحه باعتباره "معمول به في كل برلمانات العالم ولابد له ان يكون فاعلا في البرلمان العراقي". وقال:"كثير من النواب العراقيين لا يصوتون بارائهم الشخصية بل لارضاء الكتلة التي ينتمون اليها وهذا امر خطير".(5) ومثله كتب الخفاش  سليم الجبوري من جبهة التوافق مؤكداً ان التصويت الالكتروني "يطمئن الكتل ويضبط العد"..... وأن الحرج يلازم النائب خلال التصويت برفع الايدي ويلزمه امام شاشات الكاميرة برأي كتلته وان كان العضو يرى ان الاصلح للوطن والشعب خلاف ذلك. (6) وتحدث النائب عن الإئتلاف العراقي الموحد، عباس البياتي عن تحرر النواب من "الأطر التقليدية" مفضلاً التصويت السري حيث "تظهر نتائجها امام الرئاسة فقط."!

ومن "خفافيش الليل" ايضاً الخفاش عن كتلة المواطن فرات الشرع، الذي ايد التصويت السري بحماس معتبراً إياه "حالة صحية تجنب الجميع العديد من المشاكل السياسية". وتخلص الجميع من مبدأ التراضي والتوافقات السياسية، والتي قد تكون في بعض الأحيان على حساب الشعب العراقي" و "بما يخدم مصالحهم الشخصية". وجاء في نفس الخبر أن " 100 نائب برلماني عراقي قد أطلقوا دعوات لإقرار مشروع يجعل التصويت في البرلمان العراقي الكترونيا سريا، معتبرين إياه بـ"المشروع الحضاري الذي سينقل البرلمان العراقي نقلة نوعية إلى مستوى برلمانات العالم المتحضر وينقذه من تسلط رؤساء الكتل النيابية على أصوات النواب المنتمين لقوائمهم".(7)

وقد رددت على هذه الحجج الواهية في مقالة "حكاية الكتل العميلة والنواب الوطنيين الخجولين" وقلت بأن "زيادة أمان وثقة العد، لن تأتي من زيادة سرية العملية و"الكترونيتها" بل من زيادة علنيتها وشفافيتها".(8) وكذلك سخرت في مقالتي "معالجة ضمور الشخصية لدى البرلمانيين العراقيين بواسطة التصويت السري" من المنطق الأعوج لدعاة التصويت السري، وفندت حججهم الواهية مثل حبهم لـ "التطور" و "الحداثة" خاصة إن تذكرنا أن ثلث النواب لم يكن يمتلك بريدا إلكترونيا! كذلك بينا أن الإدعاء بأن الدول المتقدمة تستخدم التصويت الإلكتروني السري، ليس سوى كذب لا أساس له (11) ولم يكن صعباً الرد على بعض الكتاب مثل "محمود المفرجي" وغيره (9) فلم يخل العراق من "خفافيش إعلام"  يدافعون عن السرية باستماتة! (10) وهي مهزلة لكنها مفهومة. أما بالنسبة للنواب فـ "الحاجة أم الإختراع" وقد كانوا بحاجة لما يستر عنهم النظر فاخترعوه.

لقد حدثت تلك المحاولات في غمرة الصراع على الإتفاقية الأمريكية وقانون النفط المتعثرين، وحينها قال النائب محمود عثمان أن الكثيرين يريدون التصويت للإتفاقية لكنهم يخشون العقوبة في الإنتخابات القادمة القريبة. في مثل هذه الأحوال يحتاج الراشي والمرتشي إلى نعمة "التصويت الإلكتروني السري". لكن الأمور لم تسر كما يشتهي "الخفافيش" ، ونتيجة للمعارضة القوية تأخرت الإتفاقية الأمريكية كثيراً ولم توقع بصيغتها "الزيبارية" الأشد ضرراً.

بعد ذلك تصورت أنه قد أسدل الستار على المشروع، لأفاجأ قبل ايام بمقال بأن "التصويت الالكتروني كلف الدولة مليون دولار وأوقف العمل به لأسباب سياسية" !! متى بدأ العمل بالتصويت الإلكتروني ليتوقف؟ يبدو أن "خفافيشنا" استغلوا فرصة الإضطرابات الشديدة في البلد لإمراره خلسة، ومن متابعتي، أجزم أنه لم تمر فترة إضطرابات في البلد دون استغلالها لتمرير قرارات مشبوهة في البرلمان، مثل إتفاقات الناتو أو اراضي للسياسيين..ألخ. ولاشك أن الصحافة العراقية – اللاعراقية أسهمت في الصمت عن التصويت السري، بحيث أن مهتماً للأمر ومتابعاً للإعلام مثلي لم يسمع أي كلمة عنه، إلا بعد أن أثار مشكلة فضحته. فقد وردت معلومات عن حصول تلاعب خلال التصويت الالكتروني على عدة قوانين مهمة"! فالجماعة استهتروا تماماً بعد هذا الإكتشاف، واعتبروا انه ما دام العمل يتم في الظلام، فلهم أن يفعلوا ما يشاؤون، فاستخدموا التصويت الإلكتروني حتى للتلاعب بالحضور، فواجهوا مشكلة "النصاب"، مما أضطر رئاسة البرلمان – وهي من أشد خفافيش التصويت السري أصالة - إلى إيقافه. (12) لكنه سيعود إبتداءاً من الموسم المقبل!

ليس من السهل على المرء أن يفهم المرء كيف يمكن لبرلمان، مهما كان فاسداً، ان يمرر قراراً دونياً مثل هذا دون أن يخشى رد فعل الشعب! ما الذي يبقى من الديمقراطية حين يلجأ "ممثلوا الشعب" علناً إلى العمل في الظلام؟ بأية حجة جعلوا الشعب يدفع مليون دولار لشراء ما يمنعه من رؤية ما يجري في أهم مؤسسات سيادته؟ كيف يمكن أن يمرر مثل هذا القرار إن لم تكن الأغلبية من "ممثلي الشعب" هؤلاء تريد أن تخفي حقيقة أنها لا تمثل الشعب، بل قوى أخرى وتخجل أن يراها الشعب تصوت لها، وليس لمصالح الشعب؟

بالأمس كانت جميع حجج مؤيدي التصويت السري سخيفة، وهي ليست اليوم بأقل سخفاً. هذا مثلاً النائب - الخفاش عن التحالف الوطني حسين الاسدي يكشف بلا خجل أنه كان من الداعين للتصويت السري "من اول جلسات مجلس النواب".أما السبب حسب قوله فهو أن النواب عندذاك "ممكن ان يصوتوا اما بالايجاب او السلب او التحفظ وهذا الامر لا يمكن في التصويت اليدوي الذي يعتمد فقط على القبول والرفض"!

كلام فارغ تماماً، ففي برلمانات العالم يرفع النواب المؤيدون للقرار، ثم النواب المعترضون، والباقي يعتبرون ممتنعين عن التصويت، أو "متحفظين" فلماذا يستنكف البرلمانيون العراقيون ذلك؟ ويبين اللاحق من كلام الأسدي أنه يقصد التصويت الإلكتروني السري بالذات، وهذا يثير السؤال: لماذا يجب أن يكون التصويت سرياً من أجل ميزة "التحفظ"؟ ولو فرضنا أن هناك أفضلية، فهل تستحق أن يحجب من أجلها التصويت عن عيون الناس؟ طالما رأيت البرلمان الهولندي والبلجيكي يصوتون بأيديهم ولا يشعرون بأنهم متخلفين، فمتى صار العراق أكثر تطوراً من هولندا وأقرب إلى الإلكترونيات منها؟

وكحجة أخرى يقول الاسدي ان “التصويت الالكتروني يمكن من اكمال النصاب في الحضور والتصويت على القوانين، لان التصويت اليدوي لا يسمح بذلك فهنالك من النواب من يسجل حضوره في بداية الجلسة ثم يخرج فلا يكتمل النصاب عند ذلك، ولكن التصويت الالكتروني يكون ادق بهذه المسألة”.

هل يضحك علينا هذا السيد النائب؟ النصاب هو تواجد عدد كاف من النواب في قاعة البرلمان عند التصويت، فكيف يكون أسهل أو أصعب إن كان التصويت إلكترونيا؟

الكذابين يجب أن يتفقوا جيداً، وإلا افتضح أمرهم. فزميل الأسدي في عش الخفافيش المسمى برلماناً، النائب عن التحالف الكردستاني شريف سليمان، مؤيد للتصويت الإلكتروني السري عموماً، لكن لديه تحفظ هو أنه: “كانت هنالك عيوب تشوب هذه الطريقة في التصويت (الإلكتروني)، اذ كان يقوم النائب باعطاء الكارت الخاص به الى زميله ويخرج من القاعة وعندما يكون هنالك تصويت يقوم زميله بالتصويت بدلا عنه”.

فإن جمعنا الرأيين، يقول سليمان أن البرلمانيين يحتالون بإكمال النصاب بشكل غير قانوني عن طريق الكارتات، ويرى   الأسدي في هذا منفعة، لأن التصويت الإلكتروني يتيح إنجاز التصويت على القوانين من خلال التحايل على النصاب، فيتم التصويت بكارت نائب غير حاضر، وهي على ما يبدو الطريقة التي تم تمرير عدد من القوانين الهامة بها والتي تسببت في نهاية الأمر بفضيحة اضطرت معها رئاسة البرلمان أن توقف العمل بالإلكتروني موقتاً، واضطرت خفافيش البرلمان أن تظهر إلى النور، ولكن لحين!

التيار الصدري، التيار الذي طالما حرص على الشفافية في البرلمان في الماضي، يقف بعد تخبطاته، مع "خفافيش الليل" أيضاً. فهذا رئيس اللجنة القانونية أمير الكناني يؤكد أن "تفعيل آلية التصويت الالكتروني ستجعل اداء مجلس النواب قوياً وسيسهل تمرير العديد من القوانين كونه سيمنح النائب حرية واسعة في التصويت لما يراه مناسباً بعيدا عن تأثير الكتلة التي ينتمي اليها".

ويرى النائب الكردستاني سليمان أيضاً أنه يمنح “للنائب مطلق الحرية في الاختيار ويكون صاحب القرار ". وايضاً يقول “هنالك سيطرة من قبل قادة الكتل على اعضاء كتلتهم وسيكون من الصعب السيطرة في حالة كان التصويت الالكتروني لانه لا تظهر الاسماء”.

ولا تتخلف القائمة العراقية عن المؤامرة، وما أكثر الخفافيش فيها، فيرى نائبها حسين خضير الحمداني ان “التصويت الالكتروني ظاهرة حضارية وحالة علمية ناجحة في جميع المجالات المختلفة ونحن مع هذا التصويت ونؤيده".

ويضيف الحمداني مشيراً إلى نفس الحجة المذكورة أن التصويت الإلكتروني :“هو حالة من الوعي ولا يحتاج النائب الى حرج في الاختيار على حساب الاصح". مما يعني بالضرورة أنه يقصد "الإلكتروني السري".

هذه الحجة التي يتبناها الجميع بلا استثناء، تصور لنا أن كل نائب، هو إنسان وطني وشريف، لكنه طفل غير بالغ يرتعد من رئيس كتلته، "الشرير" الذي يعمل "بأجندات أخرى" ويعرقل القوانين من خلال النائب المرعوب، ولذلك فأن تحرير هؤلاء الأطفال من تأثير الأشرار، من خلال "التصويت في الظلام"، أمر ضروري لإمرار القوانين! أي أن القوانين يجب أن تمرر دون أن نعرف من مررها، فعلى أي شيء إذن سوف نستند في تقييمنا وتصويتنا القادم؟

وفي استخدام هذه الحجة أيضاً نكتشف أن الأسدي لم يحفظ الكذبة جيداً، فقال "أن قائد الكتلة لا يستطيع التأثير على اعضاء كتلته من خلال التصويت اليدوي"!

لاحظوا التناقض: الأسدي يقول أن التصويت اليدوي يحمي النائب من رئيس الكتلة الشرير، والكناني وسليمان يبرران التصويت الإلكتروني لأنه يحمي النائب من تأثير رئيس الكتلة الشرير، فما هي الحقيقة، وما الذي يناسب هذا النائب المرعوب إذن؟ لاحظوا أن التبريرات وحدها هي المتناقضة، أما الأهداف فمتفقة تماماً! فكل هؤلاء يريدون التصويت السري بأي ثمن، وكل ماهناك أنهم حائرون في كيفية تبريره ويبدو أن لدى بعضهم مشكلة في تذكر صياغة الكذبة المتفق عليها، فتأتي أحياناً بعكس ما يراد منها.

لاحظوا أيضاً أنه في كل هذه المناقشات وكل هذه الآراء، لم يشر أي برلماني إلى الحق الأساسي للمواطن بالإطلاع على ما يصوت عليه ممثله الذي انتخبه، ولا أحد على الإطلاق يبدو قلقاً على مصير الشفافية في هذا البرلمان ومصداقيته!

ثم لنناقش فرضية الرؤساء العملاء والنواب الشرفاء. لماذا رؤساء الكتل عملاء والنواب وطنيين؟ لماذا اختار جميع العملاء، وطنيين لكتلهم؟ ومن أي شيء بالضبط يخشى هؤلاء الوطنيون من رؤساء كتلهم؟ إنهم لا يستطيعون أن يطردوهم من البرلمان، لكن يمكن أن لا يرشحوهم في الدورة القادمة (مع ذلك يبقى لهم تقاعد ضخم). يعني أن هؤلاء الوطنيون مستعدون للتصويت من أجل الوطن، بشرط أن لا تتأثر مصالحهم إطلاقاً. يعني أنهم يريدون القول أن البرلمان الذي يضمهم يتكون من عملاء وسفلة ليس إلا!

لكن برلمانيونا يعودون للإعتراف بالتصويت اليدوي في "حالات خاصة". فيقول سليمان مثلاً أن “المرحلة التي تمر بها البلاد تحتاج الى التصويت اليدوي اكثر من التصويت الالكتروني على اعتبار ان الكثير من القرارات تتم على وفق التوافق بين الكتل، ... وعندما يكون هنالك تصويت الكتروني فانه يجعل من الممكن عدم الالتزام بهذا الاتفاق".

أي أن نوابنا، حين يكون التصويت على توافقاتهم ومحاصصاتهم، فهم حريصون أن يعرفوا ما صوت به كل زميل منهم، ويحرصون أن يروا اليد مرفوعة، لكي لا تغش في تصويتها عما وعدت به، لكنهم لا يخطر ببالهم أن المواطن يريد أيضاً أن يرى اليد مرفوعة لكي يتأكد أن نائبه لم يغش ما وعده به أثناء الإنتخابات، ولكي يستطيع أن يقرر إن كان سينتخبه في الدورة القادمة أم لا، وأن كل اساس الديمقراطية يعتمد على هذه المعرفة التي تكون الديمقراطية بدونها شغل فتاحي فال!

إذا كانوا يرفضون التصويت الإلكتروني في التوافقات لأنه "يجعل من الممكن عدم الإلتزام بالإتفاق" كما يقول سليمان، فهذا يعني أنه يتيح للبرلماني أن يصوت بشيء ويدعي أنه صوت بشيء آخر. ويعني أيضاً أنه لا هذا النظام ولا النائب موضع ثقة حتى زملاءه النواب على اتفاق جرى معه، فكيف يريدون ان يتيحوا هذا النائب، مثل هذا النظام  الذي يتيح الغش، في بقية القرارات، والتي قد تقرر مصير الشعب؟ كيف يأمنون مصالح شعوبهم على نظام وبرلمانيين لا يأتمنوهما على توافقاتهم؟ ولماذا حين تكون مصالح الشعب في الميزان، فعلى هذا ا لشعب أن يتعامل معهم بالثقة العمياء فيقبل بالتصويت السري، حيث "لا تظهر الأسماء"!

لاحظوا أخيراً الإحتيال في عبارة حسين الحمداني عن العراقية لتبريره الدعوة لنبذ التصويت اليدوي : ان “الاتفاقات السياسية تكون على وفق التصويت اليدوي وبحسب مصلحة حزبية اكثر من خدمة الناس، اضافة الى ان التصويت اليدوي اصبح طريقة قديمة وفاشلة في كل الاصعدة ". (13)

فهو يفضح بصراحة أن النواب يستعملون التصويت اليدوي عندما يتعلق الأمر بـ "مصالحهم الحزبية"، وليس النظام الإلكتروني الذي يتيح الغش، لكنه يلوي المنطق ليقلب الحقيقة واستنتاجها. الحقيقة هي أن التصويت اليدوي هو الطريقة التي يأتمنها النواب عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية، وبالتالي فهي الطريقة الأمينة. لكن الحمداني يحاول أن يقنعنا بأن هذا التصويت "مرتبط" بالمصالح الشخصية. فيتحول التصويت اليدوي من "الطريقة الوحيدة المؤتمنة" التي يجب اعتمادها، إلى أن يكون "سبباً" في مطاردة المصالح الشخصية، ولذا يجب نبذه!

لو جمعنا ما قلنا في فقرة صغيرة، سنقول إنهم يدركون جيداً أن التصويت السري يتيح الغش، لذا فهم يريدونه عندما يريدون الغش وقبول الرشاوي في إتفاقيات مشبوهة مثلاً، أو تمرير القرارات الخاصة بهم والتي تسبب لهم المشاكل إن كشفت، مثل تملك الأراضي او شراء السيارات المصفحة (14). لكنهم يطالبون بالتصويت العلني باليد، عندما يصوتون على محاصصاتهم، أي عندما يخشون أن الغش المتاح في التصويت السري، قد يستخدمه زملاؤهم ضدهم. إنهم لا يثقون بالتصويت السري حتى في اتفاقات محاصصاتهم وتقاسمهم المناصب، لكنهم يطالبون الشعب بالثقة به وبهم في قضايا مستقبله.

بشكل عام، إن "إستخدام الإلكترونيات في الإنتخابات ليست حضارة وإنما محاولات تزوير"(15) وهو ما كشفته في مقالتي في 2008 وكنت قد نبهت حينها ليس فقط على خطورة افتقاد الشفافية في التصويت السري، وإنما أيضاً من أحتمال تدخل الشركة المصنعة لأجهزة التصويت حتى في نتائجه وبدون علم النائب نفسه، خاصة إن استعمل بحذر وفي القرارات الحاسمة فقط، حيث بين أحد النواب أن من يرى نتائج التصويت هم رئاسة البرلمان فقط! وفي حالة صحة ذلك، وحتى لو لم يتم رشوة رئاسة البرلمان، فإنها ستجد أمامها على الشاشة نتائج تصويت، ولن تعرف إن كانت هذه الأرقام تمثل حقاً الأصوات الصحيحة أم لا! فما أسهل أن يسيطر على عملية عرض النتائج من بعيد بواسطة ريموت. أما في برلمان يرأسه خفاش، فإني أجزم أنه يحتفظ بعشرات الحوادث التي زور بها النتائج وضحك من الجميع، وبغض النظر عما يظهر في الشاشة أمامه، ولن يفتضح أمره إلا إذا كان التزوير بحجم مكشوف!

أخيراً، في مقالاتي المذكورة نبهت كذلك إلى خطورة التصويت السري على الثقة بين الطوائف، قائلاً "فالجماعات العراقية الآن تتبادل الإتهامات بالطائفية والعمالة وغيرها...فكيف لو صار الأمر سرياً؟ الشيعة سيقولون السنة هم الذين وافقوا على بيع النفط، وسيقول السنة انهم كانوا منذ البداية ضده وانهم الشيعة والأكراد, والأكراد سيتهمون اخرين" وأنهيت مقالتي بالقول: "في الديمقراطية تأتمن البلاد ابنائها على مستقبلها ومستقبل اجيالها، من خلال متابعتهم ومراقبتهم الدقيقة لسياسييهم في السلطة فكيف سننجز تلك الأمانة بالموافقة على اغماض اعيننا؟"(16)

مشروع التصويت السري جريمة بحق الشعب بحد ذاتها لأنه يتيح للنواب الغش والكذب، ومن يؤيدها مشبوه، لكن التصويت السري الإلكتروني جريمة مضاعفة، أو بلاهة كبرى، فهو يتيح حتى للشركة التي نصبت أجهزة التصويت هذه، تغيير نتائج التصويت. وهذا لا يقل عن بلاهة الإعتماد على الحاسبات في حساب أصوات الناخبين والثقة العمياء بالهيئة العليا لتزوير الإنتخابات، دع عنك تسليم القضية كلها لشركة أجنبية لم يعرف أحد حتى اليوم من هي. أين شرفاء البرلمان من دورهم في منع جريمة تمرير قرار التصويت السري الإلكتروني، بل اين على الأقل من يريد أن يبرئ نفسه منها؟ لماذا لم يعترض؟ لماذا لم يوصل اعتراضه إلى الإعلام؟ أم أن الإعلام كله متآمر في هذه القضية؟

علينا إذن نحن الإعلاميين المستقلين أن نقوم بواجبنا في فضح هذه المؤامرة الخطرة. وكما تملأ العصافير البستان ضجيجاً حين تكتشف ثعباناً, لتستدعي الجميع ليقف بوجهه, يتوجب علينا نحن, ان نملأ البلاد باصوات تدعوا للوقوف بوجه هذا الثعبان السام، المتآمر مع الخفافيش الفاسدة، والزاحف بسكون إلى نظامنا السياسي، ذلك الطفل العليل. أنا أدعوكم جميعاً للإحتجاج والفضح.

أما عن برلمانيينا الذين مرروا هذا المشروع القبيح، فإني أحير بما أصفهم. هل رواتبكم وامتيازاتكم قليلة لتحطموا البلد من أجل المزيد من المال الملوث بدماء ودموع أهلكم؟ هل من المعقول أن الجهل وصل بكم إلى هذا الحد، لنطلق عليكم عبارة السيد مقتدى : "جهلة! جهلة!" أم ان المشكلة أخلاقية، وأن ما يناسبكم هو: "سفلة! سفلة!"؟

 

13 حزيران 2012

 

(1) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=606149

(2) حمزة الشمخي : ممنوع دخول وسائل الإعلام الى قاعة مجلس النواب

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=113962

(3) http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?aid=111212

(4) http://www.akhbaar.org/home/2007/10/36897.html

(5) http://www.ninanews.com/Arabic/News_Details.asp?ar95_VQ=JGKLG

(6) http://www.failyoun.com/wesima_articles/index-20080529-9004.html

(7) http://www.mustakbal.net/index.php/2012-05-17-17-37-03/2012-05-17-17-38-54/3610-2011-09-11-01-15-57

(8) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/3prl.htm

(9) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=115096

(10) http://www.ssrcaw.org/ar/print.art.asp?aid=111426&ac=2

(11) كشفت الصحافة عام 2010 أن ثلث البرلمانيين لا يعرف البريد الإلكتروني، ولم يهتم أن يعرف! فهو يحب التكنولوجيا للأمور السرية فقط!

واما عن أن أغلب دول العالم المتحضرة تستعمله، فهي كذبة ألقيت بأمل أن احداً لن يراجعها.

البرلمان الهولندي يصوت برفع الأيدي, أو بـ "عد الرؤوس" وهناك التصويت "كتابة" لكني لم اجد التصويت السري إلا في حالة انتخاب الأشخاص للجان المختلفة, (وهو ليس إلكتروني) (بالهولندية))

http://www.parlement.com/9291000/modules/g87k8log#par3  

البرلمان الإيطالي يحدد التصويت السري أيضاً في حال اقتراع يتعلق بالأشخاص" ويؤكد بشكل واضح ومكرر : "لا يجوز التصويت السري في الاقتراعات المتعلقة بالقوانين المالية، وقوانين الموازنة، .... وكافة القرارات التي يترتب عليها، في جميع الأحوال، نتائج مالية", ويكرر: اقتصار تصويت اللجان السري " عند الاقتراعات المتعلقة بالأشخاص فحسب".

وحتى الدستور المغربي الذي يفترض أننا عبرناه، يقول "غير أن التصويت يكون سريا إذا تعلق الأمر بتعيينات شخصية." وهو ايضاً غير إلكتروني

http://www.alraynews.com/News.aspx?id=52289

(12) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=13553

(13) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=16599

(14) الكشف عن خفايا جلسة التصويت على إلغاء شراء السيارات المصفحة

http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=13908

(15) http://www.yanabeealiraq.com/articles/saieb-kalil190508.htm

(16) http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?aid=111717

(*) مقالات متعلقة للكاتب:

هل اصابنا الهبل لنقبل هذا؟؟  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=116171

البرلمان العراقي في خطر! http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=111224

مؤامرة لإقصاء البرلمان يقودها 100 نائب عراقي

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=111107

 

free web counter