| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الخميس 13/1/ 2011

 

شعب تونس يريد الحياة ...ولابد أن يستجيب القدر

صائب خليل 

كما قادت أرواح أبطال أميركا اللاتينية، سيمون بوليفار وجيفارا، ثورات الشعوب الأمريكية، فألهبت "الحديقة الخلفية التي لم تؤذ أحداً" للولايات المتحدة وعملائها من الدكتاتوريات البشعة، فأن روح الشابي تحوم اليوم فوق الشباب التونسي وهو يهتف : إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

ومثلما فاجأت شعوب أميركا الوسطى والجنوبية دكتاتورياتها التي تخرجت من "مدرسة الأمريكتين" العسكرية الأمريكية، وأطاحت بهم، فاجأت انتفاضة الشباب التونسي السلطة الدكتاتورية المتشبثة بالسلطة، وانتشرت بشكل لم يكن متوقعاً على الإطلاق. ولم تكن الأحداث مفاجئة للحكومة التي أقالت وزير داخليتها وأنزلت الجيش إلى الشوارع، وإنما فاجأت الأحزاب السياسية نفسها، حسبما وصلني من داخل تونس. والحقيقة أن انتفاضة شباب تونس ليست سوى واحدة من سلسلة انتفاضات هزت عدداً من الدكتاتوريات العربية الراسخة في المنطقة. (*)

لقد أطلق انتحار شاب تونسي جامعي يائس وعاطل عن العمل، شرارة الإنتفاضة من "سيدي بوزيد" في وسط تونس تطالب بحياة كريمة واشترك فيها كل من يحس بذلك الإحساس لتنتشر إلى الشمال والجنوب وتشمل اليوم كل بقاع تونس، وليس "بضعة مدن" كما كان بن علي يحاول أن يكذب على الناس في خطابه الإستفزازي الذي انطلقت المزيد من التظاهرات بعد نهايته.

لقد عكست مطالب الشعب كما أعلنها أحد النشطاء في إحدى محطات التلفزيون والمتمثلة بـ : توفير الحاجات الأساسية والحرية والعدالة الإجتماعية ومعاقبة الذين استولوا على ممتلكات الشعب، وكذلك عدم ترشيح بن علي لولاية جديدة، عكست أسباب الإنتفاضة ومكانة الجانب الإقتصادي منها. وهنا أيضاً لا تختلف تونس ومتظاهريها عن دول أميركا اللاتينية وشعوبها التي طردت الشركات الأجنبية والحكومات الفاسدة التي تدافع عن مصالحها.
لقد استوحت أميركا اللاتينية أبطالها ليس فقط في ثورتها ودعمها لقادتها، بل أيضاً في مشاريعها الإقتصادية مثل "البديل البوليفاري"(1) ، الذي تم بين عدد من تلك الدول، كبديل عن إتفاقيات التجارة الحرة الرأسمالية، ويحرص على توزيع ثروات البلدان على شعوبها لتأمين صحتهم ومأكلهم وملبسهم، وليس لإرضاء مبادئ السوق المناسبة للشركات، وهي السياسة التي يحرص على تثبيتها في بلاده، أي حكم موال للولايات المتحدة.

من المثير للإهتمام أن نراقب هنا النفاق الغربي الذي التزم الصمت المطبق لعدة أيام، عن عمليات القتل وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ثم حين طالت الأزمة، واضطر إلى اتخاذ موقف، لجأ إلى الكلام الغامض المموه. ولعل أجمل التصريحات تلك التي جاءت على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية، والتي قالت: "إننا لن نعطي الحكومة التونسية دروساً في الديمقراطية."
الأمم المتحدة، اضطرت أخيراً إلى تصريح خجول بدعوة الحكومة التونسية للتخلي عن "الإستخدام المفرط للقوة"! أما الولايات المتحدة فقالت أخيراً أنها "غير منحازة لأي طرف"! قارنوا ذلك بموقف الغرب ومواقفه الحاسمة من تظاهرات الإنتخابات في إيران.

وليس الأمر أن الغرب وبان كيمون واقعين في حب الشعب الإيراني، ويكرهون الشعب التونسي، لكن الدكتاتورية التونسية، تماماً كالدكتاتورية المصرية، وكما كانت الدكتاتورية الصدامية في الماضي، وجميع دكتاتوريات أميركا الوسطى والجنوبية، كلها أصدقاء الحكومات الأمريكية، ولعلهم يرون أن "بن علي" "قد يكون وغداً، ولكنه وغدنا" كما عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت، وكما تكاثر أوغاد أميركا وانتشروا في كل مكان وصلت إليه يدهم، كما يعبر عن ذلك هذا الفيديو الكاريكاتيري الجميل. (2)

وإضافة إلى الوحشية الشديدة التي واجه بها حكام تونس المرعوبون مما يحدث، المتظاهرين، فأنهم لجأوا فوراً إلى محاولة تشويه الإنتفاضة، فأطلقوا عليها أسم "أعمال شغب" (وكررت وسائل الإعلام الغربية هذه العبارة في نشراتها)، ولم يكتفوا بذلك بل لجأوا إلى إدخال اللصوص ورجال الأمن داخل التظاهرات والقيام بعمليات تخريب وسرقة ليتم بها وصم المتظاهرين بالمخربين.

لكن الإنتفاضة التونسية دافعت عن نفسها وفضحت محاولات تشويهها، فقد وصلني الإيميل التالي:

القصرين -مصادر نقابية ومحلية - قامت مجموعات من لصوص التجمع باقتحام بعض المحلات التجارية ليلا في محاولة لتشويه العملية الاحتجاجية وتجريمها. وقدكانت العصابات تجوب المدينة ليلا لتخريب بعض الممتلكات الخاصة بحضور شهود الزور من قناة تونس7 متخفيين داخل سيارات الاسعاف لتصوير ما يحدث وتسويقه للرأي العام على أنه عمل اجرامي قامت به عصابات الملثمين .
ويجدر بالذكر أن اطرافا تجمعية شرعت في نشر فيديوات مفبركة ومقتطعة من سياقها وتعود لتواريخ قديمة على شبكة الفايسبوك (جزء من فيديو قديم لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ....فيديو لعمليات نهب لمخزن للخمور في القيروان (3) حدثت منذ عامين اثر نشوب حريق به ...إلخ

وهذا الأسلوب الدنيء ليس غريباً أو جديداً، ولا يقتصر انحطاط أخلاقيته على حكومات العالم الثالث الدكتاتورية، بل تمارسه "الديمقراطيات" الغربية للإيقاع بالمتظاهرين ضدها، وهناك أكثر من مثال تاريخي على ذلك.
من تلك الأمثلة أذكر ما رواه الناشط الهولندي الراحل، لوي سيفيكا الذي قتل قبل بضعة سنوات من قبل مجهول، ويستحق مقالة مستقلة بلا شك. (يعتقد أن الأمن الهولندي وراء الجريمة، كما أشارت عدة صحف هولندية، إنتقاماً من فضح سيفيكا عدد كبير من شخصيات الأمن السري سابقاً، وتخريب عملها) وجاء مقتله بعد أيام من تصريحه في مناسبة بأن رجال الشرطة والأمن طالما أخترقوا الناشطين بأشخاص يحثونهم على استعمال العنف، ويقودون عمليات العنف في كل مناسبة ليعطوا الفرصة للشرطة لمحاسبة الناشطين بشكل قانوني.

لكن شرطة بن علي لا يكتفون بذلك، بل يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين، وعلى الصدور والظهور وليس على الأرجل، والضحايا تسقط، لكن لا ينتظر من أميركا و "المجتمع الدولي" أن تنشئ محكمة دولية لمحاكمة القتلة، إلا أنها ستحصل على كل المعلومات اللازمة وتخزنها لإبتزاز حكومة بن علي إن احتاجت إلى ذلك مستقبلاً لأجل تمرير أجندة معينة، وحينها فقط سيستيقظ ضميرها ويملأ صوته الإعلام وستثير احتمال "محكمة دولية"، أو قرارات من مجلس الأمن، تماماً كما فعلوا مع صديقهم السابق صدام حسين، فدافعوا عنه عندما كان يرتكب جرائمه في حلبجة وغيرها، لكن إنسانيتهم تفتحت فجأة حين أرادوا التخلص منه.

لكن التظاهرات استمرت لتصبح موضع إحراج فلم يعد هناك مفر من بعض التصريحات الخجولة، وهي مؤشر لتداعي التضامن مع الدكتاتورية. ماتزال الإنتفاضة مستعرة وتتزايد، وقد هرب العديد من أفراد أسر العائلة الحاكمة إلى الخارج وتمت إقالة وزير الداخلية التونسي وكذلك الفريق أول رشيد عمار رئيس أركان جيش البر التونسي بعد أن رفض إطلاق النار على المتظاهرين، وعرضت صور تبين الجيش يحمي المتظاهرين من الشرطة كما عرضت أفلام يعبر فيها أفراد من الجيش عن تضامنهم مع المتظاهرين، فما نراه إذن ليس سوى رأس جبل كبير من الثلج الذي لم يعد النظام قادراً على إخفائه بشكل جيد، وفي النهاية، "لا بد للقيد أن ينكسر"، كما يهتف الشباب التونسي الشجاع!

***

"
... لا يكفي أن نتمنى للضحية التوفيق، بل على المرء ان يشاركها المصير: عليه ان يلتحم معها في موتها أو إنتصارها".
إرنستو تشى غيفارا



(*) انشغلنا للأسف عن انتفاضة انتخابات مصر، وعن تظاهرات انتخابات الأردن، لأن العراق كان يمر أيضاً في لحظات حرجة، لكن الوقت لم يفت لنقل كلمتنا بانتفاضة تونس المباركة.
(1) البديل البوليفاري http://www.abnaa-elbalad.org/bolivar.html
 
(2) http://www.youtube.com/watch?v=0Q5oPxAItuk&feature=related  
(3) http://www.facebook.com/note.php?note_id=168298846548327&id=189381554411547#!/TunisNews  

 

12 كانون الثاني 2011
 

 

 

free web counter