| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                       الأحد 12/5/ 2013

 

المالكي في خيمة صفوان الكردية

صائب خليل  

في 28 نيسان الماضي صدر بيان هام من وزارة الداخلية العراقية جاء فيه:

"في الوقت الذي تنشغل فيه القوات المسلحة العراقية بتداعيات الأعمال الإرهابية التي جرت مؤخراً في محافظتي كركوك والأنبار , أعلنت مصادر رسمية في وزارة البيشمركة عن انتشار لقواتها في

مناطق جنوب وغربي كركوك بدعوى ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات المسلحة من بعض المناطق وبدون موافقات الحكومة الاتحادية ....إن تاريخ الإخوة العربية الكردية والنضال المشترك ..."الخ!(1)

جاء الإعتداء الكردستاني العسكري الصارخ باحتلال الحويجة في الوقت الذي شعر فيه الكرد أن الحكومة فقدت السيطرة وأن المالكي وصل إلى حالة تراجع وأنه سيقبل بكل شيء. في اليوم التالي اجتمع وزير البيشمركة مع القنصل الأمريكي و "حذر ...من محاولة تسلل "الإرهابيين" الى محافظة كركوك لزعزعة الوضع الامني فيها"، ليبرر التحرك العسكري الذي يبدو أنه أخذ الضوء الأمريكي الأخضر للقيام به، ف "تم التأكيد خلال اللقاء على تعزيز وتقوية العلاقات العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية بين الجانبين". و بحث "الوضع في محافظة كركوك وضواحيها ومحاولات الإرهابيين والمجموعات المسلحة لزعزعة الوضع الأمني فيها"، مشيرا الى انه "تم التباحث بشأن الوضع الحالي في إقليم كردستان والعراق والمنطقة". ومن جهته "ثمن القنصل الامريكي الجهود والخطوات من قبل حكومة اقليم كردستان".(2)

وليس من المستبعد أبداً أن المشكلة التي أثيرت في نهاية العام الماضي في قضاء طوز خورماتو كانت تهدف إلى تمكين مثل هذا الإحتلال، لكنها فشلت، فتمت إثارة التظاهرات من أجلها، أو أنها استغلت كهدية "من السماء" في أحسن الأحوال، وهو ما يندر أن يحدث، ففي السياسة تكون القاعدة: إن كان أمر ما مفيد لجهة ما، فقد أسهمت تلك الجهة في صنعه، على الأغلب الأعم!

وكما هو متوقع كان الرد الكردستاني على الإحتجاج العراقي شديداً. (3) فوصف آمر اللواء الاول في قوات الدفاع عن أقليم كردستان (البيشمركة)، تصريحات قائد القوات البرية علي غيدان بأنها "غير دقيقة وبعيدة عن الواقع وللتغطية على احداث الحويجة" ، وقال نائب رئيس مجلس محافظة كركوك ان الانتشار جاء لملء فراغ امني بعد انسحاب القوات الحكومية وتركها لمواقعها". وقال العميد شيركو فاتح إن "تصريحات قائد القوات البرية بوزارة الدفاع الفريق علي غيدان حول محاولة قوات البيشمركة السيطرة على ابار النفط في كركوك غير دقيقة وبعيدة عن الواقع وغير موفقة". واتهم فاتح، الفريق غيدان عبر تصريحاته بـ"محاولة التغطية على ما اقترفته القوات الحكومية من اقتحام وقتل للمدنيين في ساحة الاعتصام في الحويجة"، محذرا اياه من مغبة اتهام البيشمركة بما وصفه بـ"الاقاويل المجافية للحقيقة". مبررا الانتشار بـ"محاولة للحفاظ على أمن كركوك وتلافي حدوث اي خروقات". مبينا ان "وزارة البيشمركة لديها تنسيق عال مع وزارة الدفاع، وتعمل معها بشكل مشترك في المناطق المتنازع عليها بعد العام 2003".
نائب رئيس مجلس محافظة كركوك ريبوار طالباني قال أنها لـ "تفادي حدوث خروق أمنية محتملة وملء الفراغ، لاسيما بعد تعرض نقاط للجيش العراقي الى هجمات وترك بعضهم مواقعهم في كركوك وصلاح الدين وديالى". وأن "هناك اتفاقا مشتركا بين وزارة الدفاع العراقية ووزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان لادارة الملف الامني بشكل مشترك".

ولنلاحظ هنا الدقة المراوغة في التعابير، فلم يقل أي من هؤلاء الساسة أن "هذه الخطوة" بالذات تمت بالإتفاق مع بغداد، لكنهم وضعوا العبارات لتوحي بذلك لكل قارئ غير دقيق! اشاروا فقط إلى إتفاق عام سابق مع بغداد، وهو ليس كذباً، للإيحاء باتفاق على تلك الخطوة، وهو ما لم يحدث! ويمكننا أن نلاحظ تأثير ذلك الإيحاء من خلال سؤال الصحفي للنائب الدكتورة حنان الفتلاوي من أن الكرد قالوا بأن تلك الحركة كانت بالتنسيق مع بغداد، لتنفي هي ذلك وتؤكد أن تلك الحركة كانت ضمن الأمور التي اعترضت عليها بغداد في اللقاء بين رئيسي الحكومتين! (4)

كذلك لنلاحظ أيضاً أن أي من المسؤولين الكرد الذين ادعوا أن الخطوة لم تكن احتلالاً لأرض متنازع عليها، وإنما فقط لتأمين المكان من الإرهابيين بسبب الظرف الطارئي، لم يقل بأن تلك القوات سوف تنسحب بعد انتهاء ذلك الظرف أو إذا طلبت بغداد منها أن تفعل ذلك! ولو فعلوا لحسموا الأمر وصدقهم الناس...

المتابع لتصريحات القادة الكرد، سوف يجد تلك الألاعيب اللفضية مكررة كثيراً. فمثلاً لم يترفع العديد من نوابهم من تبني الحيل الحسابية ليبينوا للآخرين أنهم يحصلون على 10.7% (وهم يحصلون على 17%) وتتم الخدعة ببساطة من خلال عدم احتساب المصاريف السيادية! إنني أتخيلهم يكركرون الضحكات فيما بينهم بعد ذلك ويتندرون كيف خدعوا العرب!...وأنا واثق أن بعضهم سيكتب ذلك في مذكراته يوماً مفاخراً بألاعيبه "الذكية". إنهم يفكرون بمكسب اللحظة الطارئة فقط، ولا يحسبون حساباً للمستقبل حين تفتضح الأمور، وبمثل هؤلاء الشركاء (اللوتية) يراد أن يبنى وطن!

التبريرات التي قدمت للتحرك العسكري تدعو للشك والقلق، وربما كان ذلك الإستيلاء أحد الأهداف الرئيسية من ما حدث في الحويجة.

يذكرنا هذا بادعاء نفس الشخصيات بأن استيلاء قوات البيشمركه على أسلحة الجيش العراقي كان من أجل "حمايتها" ومنع الإرهابيين من الإستيلاء عليها، لكن أحداً منهم لا يفكر بإعادة الأسلحة إلى أصحابها بعد "حمايتها" من الإرهابيين! هل يجب أن نشكر كردستان على حماية المنطقة والإستيلاء عليها مثلما يتوجب علينا شكرهم لحماية أسلحتنا ثم مصادرتها؟ وأنا من الذين يعتقدون أن الإرهابيين ليسوا سوى فرق امريكية (وإسرائيلية)، وهي جهة لا ينكر الكرد التنسيق معها على أعلى المستويات. فإن كان الأمر كذلك، فقد تكون البيشمركة مشكلة أكبر بكثير من مشكلة الإرهابيين.

عندما وجد القادة الكرد في لحظة تاريخية سافلاً لا يهمه سوى أن يبقى في السلطة، يجلس بأمر أمريكي على قمة الحكومة العراقية الأولى الأكثر فساداً التي فرضها الإحتلال، سارعوا بالإتفاق معه على أمر غريب في براغماتيته ولا أخلاقيته، اتفقوا معه أن تعتبر نسبة تعدادهم السكاني مرة ونصف بقدر النسبة التي حددتها التعدادات السكانية السابقة (!) والتي بقيت ثابتة بدرجة ما لعقود طويلة، وبدون تقديم أي مبرر منطقي لذلك. المبرر الوحيد الذي تكرر على لسان القادة والكتاب الكرد المدافعين عن هذه السرقة هو أن الكرد "تكاثروا" خلال تلك المدة! وهذه حيلة مماثلة للألاعيب اللفظية التي تحدثنا عنها، فنحن لا نتحدث عن التكاثر وزيادة العدد، بل زيادة "النسبة". فالجميع قد "تكاثروا" ولم يعودوا بنفس عددهم السابق. وعندما تكررت نسبة الكرد المستقرة بين 11%ونيف و 10% ونيف في العقود السابقة، فقد كان الكرد "يتكاثرون" أيضاً، لكن نسبتهم بقيت ثابتة نسبياً كما هو منطقي لأن تكاثرهم لم يكن أكثر من تكاثر بقية الشعب (أو الشعوب) في العراق!

هكذا أدخل أياد علاوي ومجموعة المحتالين في القيادة الكردستانية هذه النسبة اللصوصية، وبتنسيق مع "أصدقاءنا" الأمريكان الذين زرعوا لغماً في كل شبر في العراق وجدوا فيه فرصة لذلك. وفي مناسبات لاحقة، دافع أياد علاوي عن استمرار هذا العقد المخزي، حتى أنه ضحى بعدد من "رفاقه" في قيادة "العراقية" الذين اعترضوا عليه! واستطاع القادة الكرد من خلال استغلال الأزمات السياسية أن يدافعوا عن هذا "الإتفاق" حتى بعد إعلانهم الرسمي من خلال وثيقة اصدرها برلمانهم، تقول بأن نسبتهم تبلغ 12.6% وارتفاع الضجة الكبيرة بين العرب العراقيين حول هذه الفضيحة التي كان لكاتب هذه السطور أن يتابعها ويكتب عنها ويكرر، وسط صمت إعلامي مرعب! لقد كانت 11% من الشعب تبتز الـ 89% الباقين، وتأخذ منهم حصة مهينة 17%، تجعل من كل كردي مساوياً لعربي ونصف أو أكثر، في كل شيء في العراق! الأموال المخصصة والمقاعد البرلمانية ونسبة الوزراء والموظفين والجيش...كل شيء! كل هذا تم من خلال رشوة مفضوحة لإنسان دنيئ! إنني أتساءل: هل لو أن أن الرشوة كانت معكوسة، وكان التنسيق الأمريكي الإسرائيلي في صالح العرب، وكان الكرد في حالة ضياع، واتفق البعض مع البرزاني أو طالباني على ان تعتبر نسبة الكرد 7% مثلاً بدلاً من 11% التي تشير إليها الإحصاءات السابقة، فهل كان ساسة الكرد وكتابتهم سوف يقبلونها ويصمتون هذا الصمت المؤسف، أم سيطالبون بحصتهم وفق النسبة القديمة باعتبار أنها الوحيدة المتوفرة حتى يحين إحصاء جديد؟ ولو كانوا يشكون أن الحكومة تنوي تزوير الإحصاء وأنها قادرة على ذلك، فهل سيقبلون بذلك الإحصاء، إن جاءت نتائجه مخالفة للنسبة المستقرة بين العرب والكرد طوال العقود؟

تكشف الفضيحة بشكل رسمي غير قابل للإنكار أو الدحض، من خلال وثيقة البرلمان الكردستاني وأكتب عنها تكراراً، وأحرض المحافظات المتظلمة من قلة الموارد أن كردستان تسرق منهم 3 مليارات دولار كل عام، ويعلم الـ 89% بحقيقة ما يحدث ويثيرون ممثليهم في الحكومة والبرلمان الذين يسيطرون على معظمهما، ويشعر الجميع أن نهاية هذه الفضيحة قد صارت قريبة، وتصلني تهنئة من زميلي الكاتب وخبير النفط حمزة الجواهري أن القضية التي أثرتها وتابعتها سنيناً، تبدو أنها ستأخذ مجراها وأنها في طريقها للحل! وأفرح بذلك، ولكن....ورغم كل هذا تنقلب الأمور وتستمر الإتاوة ويستمر الإبتزاز ، فتمكن اللصوص من إدامة الإبتزاز غصباً عن كل المعترضين من الأغلبية الساحقة المغبونة، وغصباً عن ممثليهم الأغلبية وغصباً عن كل إحراج الحقائق والوثائق المكشوفة!

ما كان سيكون موقف الكرد لو أنهم ظلموا في نسبة إعتباطية اتفاقية مثل 7% ، ثم جاءت إحصائية من البرلمان الإتحادي (الذي أفترض أنه متحيز للعرب) تؤكد أن نسبتهم 12.6% ؟ ألن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها؟ ألن يشعروا حين تفشل محاولاتهم وتحبط من خلال الأزمات السياسية وألاعيب الألفاظ، بأن العرب "ما تصيرلهم جاره" وأن الحل الوحيد هو بالإنفصال عنهم؟ فهل نحن ملامون إذن بالدعوة عن الإنفصال عن كردستان، ولدينا إضافة إلى كل تلك الأحاييل، أحاييل وسرقات واحتلال اراضي وتنسيق مع الإحتلال وإسرائيل، وفتح الإقليم فندقاً لكل اللصوص الكبار وكل حثالات المنطقة المعادين للعرب، فما الذي ينتظره الكرد منا سوى أن نستنتج أن كردستان تهدف بشكل عامد ومخطط إلى تدمير العراق، وليس سرقته فقط؟ وأنها حصان طروادة الإسرائيلي في العراق وأن ممثليها في مجلس النواب، ممثلون لإسرائيل وأميركا وأجندتهما في العراق؟

هؤلاء هم قادة كردستان الذين تتحالفون معهم أيها السنة... يأخذون أموالكم عنوة ويحتلون أراضيكم بالقوة بالتحالف مع تركيا (التي يحج إليها قادتكم بلا خجل) وينسقون ضد العراق مع إسرائيل وأميركا، وأنتم تهتفون لهم وترفعون علمهم، وتصرخون بالويل من إيران!! فأي جنون هذا وأي وباء أصابكم؟؟ وإلى أين سيؤدي بالبلاد هذا الجنون؟ هاقد ذهب المالكي فقدم للكرد المزيد من التنازلات على حسابكم وحساب "شيعته" أيضاً، وبفضل ضغوطكم التي لا تدري أين تتوجه فتترك توجيهها لإرادات مشبوهة لكردستان دور مركزي في قيادتها. ولا تعلم اين تتوقف، فتترك الآخرين يوقفوها عند حاجاتهم.

ما الذي فعله لكم قادة كردستان؟ فتحوا مستشفياتهم لبضعة جرحى؟ حتى هذه الحركة مقتبسة من إسرائيل، وقد فعلتها قبلاً!!

لقد كتبنا وكتب فؤاد الأمير وكتب حمزة الجواهري وكتب آخرون الكثير عن سرقات كردستان النفطية الهائلة واحتلال الأراضي بلغت ضعف مساحة الإقليم، هي من أراضيكم دون غيرها، وعدم تسديدهم للفواتير ولا لقوائم الحساب الذي هو حسابكم وحساب أهلكم فما كان موقفكم من ذلك؟ هل أخبركم أحد هؤلاء الرعناء الذين يهتفون في تظاهراتكم، بهذه الحقائق؟ هل كان للحقائق مكان في هياج "الكرامة" و "الشجاعة" وجيوش "العزة"؟ لا!! ليس لديهم وقت لتلك الحقائق فالهتاف بالرعب من إيران وإدانتها بلا أي دليل (لموقفها من إسرائيل لا غير) هو ما يجب أن يهتف القطيع به، ولا مجال لشيء آخر! هؤلاء هم قادتكم السياسيين، وهم كقادة الكرد، يفتقدون الحد الأدنى من الشرف الذي يمنعهم عن تدمير العراق!

هذا رافع العيساوي يكافئ سراق أموال السنة وأراضيهم، قبل أن يغادر وزارته، بأن يدفع حصة الإقليم فوراً وقبل أن يدفع حصة الباقين حتى المحافظات السنية التي يدعي الدفاع عنها، رغم أن على كردستان مبالغ مطالبة بها كان يجب تصفيتها قبل دفع مخصصاتها التي هي لصوصية أصلاً، وللسنة حصة فيها، فلمن يتجه ولاء رافع العيساوي إذن؟

لقد كشف الأستاذ فؤاد الأمير في كتبه السابقة، وكتابه الذي تحت الطبع حالياً ( "الجديد في عقود كردستان") من الحقائق عن سرقات كردستان وتعمدها الأذى والكذب ما يشيب له شعر الولدان، ويثير الإحباط واليأس من أي أمل ممكن لعلاقة معقولة مستقبلاً بين كردستان والعراق، وكتب ضمنها بحثاً مطولاً عن قصة فرهود الـ 17% مشيراً إلى مقالاتي العديدة السابقة في متابعة هذه القضية، ولكن الشعور باليأس وإلحاح السؤال الذي يطرح نفسه بعد كشف كل تلك الحقائق كل ذلك العدد من المرات وبكل ذلك الوضوح وبالوثائق الكردستانية نفسها: ما الفائدة؟

المعارضة الكردستانية، "التغيير" أنتبهت – لأغراض إنتخابية، ونبهت إلى تزوير أعداد السكان في أربيل ودهوك بادعاء حكومة كردستان بزيادة 4.3%، فاعتبرتها مرتفعة وخشت أن يكون الهدف منها تزوير الأصوات، وهم أدرى بجماعتهم، فلماذا لا تنتبه وتحتج الجهات العربية على ما نبهت إليه من تزوير حكومة كردستان لعدد سكانها بين إحصائين، ورفعه إلى أكثر من 5 ملايين نسمة، وهو ما يقتضي نسبة تكاثر مجنونة قاربت 100% في العام الواحد، وذلك فقط للإقتراب من نسبة الـ 17% لتبريرها والإستعداد لأكاذيب الإحصاء القادمة!

لقد كانت الـ 17% رشوة وسرقة سياسية وفضيحة مفهومة في هذا العالم البعيد عن النظافة، لكنها تحولت بعد كشف الحقائق والوثائق، إلى إبتزاز وسطو بالقوة وتحدي من الجانب الكردي، وشعور بالغبن والحنق وكراهية متزايدة من الجانب العربي للجانب الكردي، لم يكن لها أثر قبل ذلك في العراق، للأسف، قبل ان يشارك هؤلاء اللصوص من حكام كردستان، حكم العراق، وتنكشف للعرب حقائقهم!

فوق كل هذا فأن تظاهرات السنة لم تكتف بتثبيت الـ 17% اللصوصية، لكنها فتحت الأبواب مشرعة لجشع أكبر وعدوانية أشد على الحقوق العربية...بل وأيضاً لأجل تمرير المزيد من خطوات التآمر الإسرائيلية لتفتيت العراق.

وعندما أقول "تفتيت العراق" فلا أقصد انفصال كردستان عنه، وإنما تجزئة الباقي أيضاً. ويبدو أيضاً أن هذه مهمة كردستانية بامتياز. فنلاحظ أن ساسة كردستان توقفوا تماماً عن الحديث عن الإنفصال عن العراق، لكنهم لا يفوتون فرصة لدعم أية حركة إنفصالية فيه بحجة الفدرالية والأقاليم. وقد تكرر ذلك كثيراً وكأن إنشاء الأقاليم في العراق صار هدف قومي كردي! يمكنكم مراجعة تصريحات القادة الكرد حول الموضوع لتتبينوا مدى الحماس الكردي الغريب للأقاليم والفدراليات، بل أن فرهاد رسول يحاول أن يقنعنا بأن الحل الوحيد لكي يشعر المواطن العراقي بالمواطنة الحقيقية و"لتجنب تقسيم العراق"(!)، هو تشكيل عدة فدراليات اقتداءاً بالإمارات المتحدة والولايات المتحدة (5)

ورغم أننا لا نحب أن نقتدي لا بولاياته المتحدة ولا إماراته التي لا نبادله الإعجاب بهما، فإننا نذكر رسول بأن ليس في أي من هاتين الدولتين "إقليم" يملك جيشاً ولدستوره الأولوية على الدستور الإتحادي، ويعلن صراحة ترحيبه بأي لص تطارده بغداد. ليس لدى أي منهما إقليم يستغل أية أزمة ليحتل أراضي إقليم جار له، وليس فيها "أراض متنازع عليها" أو "مستقطعة"، وليس فيها أقاليم تهدد بالويل والثبور من يتجرأ على "قدسها"!. ولو تحدث حاكم إمارة أو حاكم ولاية بما يتحدث به برزاني وما يفعله، لجعلوه عبرة لمن اعتبر! نذكر فرهاد أن هااتين الدولتين لا تخشيان إقامة الإمارات والولايات لأن ليس في أي منهما إمارة أو ولاية يخشى أن تقتدي به بقية "الولايات" أو "ألإمارات" فتحطم بلادها!

فرهاد وكل قادة الكرد يعلمون جيداً أن تشكيل أي إقليم آخر ليس سوى خطوة أكيدة لتحطيم العراق، ورغم ذلك يصرون عليها، بل ربما يصرون عليها لأنها كذلك!

لقد ترك الكرد المالكي "يُطبخ" جيداً تحت ضغط التظاهرات السنية والإضطرابات وضربات الإرهاب، وكذلك تحت أخطائه وخطاياه ورغبته العارمة في البقاء في الحكم...وتركوه يجرب ويفشل في محاولاته إرضاء المتظاهرين، ليدرك أن مطالبهم لم تكن هي المقصودة من التظاهرات وأن المتظاهرين منومين لا يملكون إرادة للتفاوض والتوقف عند مطالبهم، وليدرك أن الحل هو في الخضوع لشروط الخندق الآخر، الخندق الإسرائيلي الأمريكي. جرب الإكتفاء بإرضاء قادة التظاهرات من البعثيين الذين حولوا ولائهم إلى أميركا، فأطلق إرهابييهم وأعاد بعثييهم إلى الوظائف أو وعد بذلك، ولم يكف. أدرك أخيراً أن هذا الخندق لن يكتفي إلا بامتصاص كل ما يمكن امتصاصه من الجانب الخاسر. لقد تحقق للبعث الكثير، وللإرهاب الكثير، ويجب تحقيق مطالب كردستان أيضاً، وبكاملها، وليس فقط التراجع عن رفض دفع الإتاوة الـ 17%، التي قبلها قانون الموازنة، بل وأيضاً العديد من الأمور الأخرى، حتى تلك التي تهدد وحدة البلاد وإمكانية إدارتها!

يتودد المالكي إلى الكرد في محاولة يائسة، فيقول بلا مناسبة: بارزاني صديقي والوزراء الكورد في اجازة نوروز(6) فيرد عليه "صديقه" بـ 3 خيارات.. أحدها الحرب! (7)

وأخيراً عقد اللقاء بين المالكي ونيجرفان الذي وجد دعم السنة كله في ظهره مجاناً، وخرج منه بوعود لحل جميع "الإشكالات" بما يرضي لصوص كردستان، وليقول أنه أبلغ المالكي أن الكرد لا يقبلون بالحكم الإنفرادي! (8)

قالوا أنهم اتفقوا على إنجاز الإحصاء السكاني، وهو أمر لا يشك أي عربي (أو حتى كردي)، بأنه سيتم بتزوير كبير من قبل كردستان، وأنه سيمثل تثبيتاً للنسبة المزورة لنسبة السكان، أو جزء هام منها. وكان هذا هو سبب تلكؤ الحكومة في إجرائه، وهاهي تسحب تحفظها دون أن تعطي مبرراً لذلك.

واتفقوا على إعادة النظر بقانون الموازنة، ويفهم من هذا إعطاء كردستان ما تطالب به من مليارات الدولارات لما تسميه كردستان أستحقاقات للشركات الأجنبية العاملة فيها، رغماً عن العراق، وبدون تقديم كردستان الأوراق اللازمة لإثبات تلك الإستحقاقات. وإلا فلم يكونوا بحاجة لمراجعة قانون الموازنة، لأن في نص القانون الحالي دفع جزء من المبلغ وزيادته في حالة تقديم كردستان حسابات جديدة، فهل يكون الإتفاق إذن غير وعد بتجاهل تلك الحسابات وتسليمهم المليارات "على الثقة"؟

وهناك قانون النفط، ولو يعلم الشعب العراقي ما يراد له من "قانون النفط" لاصابه الرعب، فقانون النفط الذي يريدونه لا يعطي كردستان فقط الحق في توقيع العقود وشرعنة ما جرى توقيعه من عقود مشبوهة، وإنما أن يكون أساساً لتمزيق البلاد بإعطاء تلك الحقوق للمحافظات أو تشجيعها لتصبح أقاليما لتتمتع به، وهنا يأتي ما يسيل لعاب قادة التظاهرات الذين يهاجمون الشيخ السعدي لموقفه من الأقاليم، وهو ما يهدد حياته من قبل شراذم علي حاتم سليمان، المتحمس لتفتيت العراق، حسبما استنتجنا في مقالنا السابق!

لقد وضع المالكي نفسه في الموقف الذي وجد مفاوضي خيمة صفوان أنفسهم فيه أمام نفس الخندق الأمريكي الإسرائيلي، ولكن جماعته سيسألونا بحق: ومن الذي دفع بالمالكي إلى تلك الخيمة غير جموع المتظاهرين من السنة؟ إنهم محقين بلا شك، فالسنة سمحوا لأنفسهم أن يكونوا هراوات في يد خصومهم وخصوم العراق، ولم ينتج عنها سوى ما كان متوقعاً: المزيد من ضرب مصالحهم واحتلال أراضيهم، فمتى يدرك السنة ما يريده قادة تظاهراتهم لهم، ومتى يعرفون أنهم هم أعداؤهم الحقيقيون وليس إيران وحزب الله وجيش القدس والحرس الثوري، وكل تلك الكلمات التي تمت شيطنتها في رؤوسهم بلا أي دليل؟

ما الأمل للعراق إذن؟ أن يمتنع المالكي عن تنفيذ ما اتفق عليه، أو أن يمنع عن ذلك بضغط رفاقه وجماهيره، وهنا تكمن أهمية التوعية بما تعنيه تلك الإتفاقات على العراق ككل، وما يطالب به قادة التحالف الكردستاني وما يعنيه "قانون النفط" المطلوب ("البريء"!) من تحطيم للبلاد. المالكي متهم بتقديم الوعود التي لا ينوي تنفيذها، وفي هذا بعض الأمل هنا، لكن قادة التحالف الكردستاني ومستشاريهم ليسوا حمقى ، ويعرفون ذلك أيضاً ولا بد أنهم قد اتخذوا الإجراءات اللازمة لتنفيذ إراداتهم في هذه البلاد.

ما يدفعني إلى الشك بأن كردستان قد كلفت بتحطيم بقية العراق قبل أن تغادره، هو سعيهم إلى ذلك حتى فيما لا يعنيهم، وإلا فما شأنهم ليشجعوا الأقاليم وهم يعلمون أن الناس مرعوبة منها، (بشكل خاص لما لاقته من أقليمهم من مفاجآت غير سارة)، خاصة وقد وافقت الحكومة عملياً منذ زمن على التعامل مع عقودهم بقبول الأمر الواقع وتجاهل كل تلك السرقات، فلماذا لا يكتفون بذلك؟ لماذا تجدهم جميعاً بلا استثناء، يلحون على تطبيق قوانين حرية السوق المدمرة للبلاد في كل العراق، ولديهم بلاد مستقلة يتمتع السوق فيها بحرية لم يعرفها في أي مكان آخر على الأرض، حيث يحتاج المرء إلى ميكروسكوب ليستطيع تمييز الشيوعي الكردي عن الإقطاعي! أرض يرقص فيها الإستثمار عارياً بلا حدود أو حياء أو خجل، فينشر أوساخه وضرره وفساده على بقية العراق كله، لأنه يجذب كل النشاطات التجارية والصناعية إليه، بغير حق وعدل؟ لماذا يسارعون لمضاربة شركات النفط مع حكومة بلادهم، بعقود مفرطة السخاء، بما لا مصلحة لهم فيه ولا تفعله عادة الدول المتنافسة وحتى المتعادية؟ لماذا يهددون في كل أزمة بإعادة قوات الإحتلال، فيثيرون في الناس التي تكره هذا الإحتلال، المزيد من الكراهية ضدهم والخوف من مقاصدهم؟ لماذا فتحوا أبواب بلادهم علناً منذ البداية لكل لص وفاسد عراقي كبير، ومنذ أيام حازم الشعلان؟ لماذا رحبوا بدعوة كل وضيع تقيأته الأرض العربية، من القاتل المدان سمير جعجع، إلى مفتي الناتو السادي المتمتع بقتل الشيوخ يوسف القرضاوي، والذي كان له من قضية كردستان مواقف مخزية في الماضي!! أفهم رغبتهم العارمة بممارسة حريتهم في دعوة من يشاءون لبلادهم، ولكن ألم يجدوا شريفاً يعبرون به عن تلك الحرية؟ ما كان سيكون شعورهم لو ان بغداد دعت لزيارتها "فرانس فان أنرات" الذي يقبع في السجن لأنه باع الكيمياوي لصدام؟

لا أرى لدى الكرد مصلحة في كسب كراهية شركائهم بلا مبرر، ولا عملية قتل البقرة الحلوب التي يفخرون بتحطيمها، لذلك ليس لي أن أفسر كل هذه التصرفات إلا بأنهم قد كلفوا بإثارة ذلك العداء وإنجاز ذلك التحطيم من جهة أخرى، وأن تلك الجهة وعدتهم بالسماح بتكوين دولتهم، ولكن فقط بعد تحطيم بقية العراق إلى أجزاء صغيرة يسهل لإسرائيل السيطرة عليها، وكل الأحداث تقول أنهم ماضون في مهمتهم تلك.

في كل أزمة يمر بها العراق، تخرج عصابة قادة التحالف الكردستاني بـ "غنيمة" جديدة، وتفرض واقعاً جديداً على الأرض ويحصلون على كراهية أشد من شركائهم العرب وغضبهم. العرب يرون في كردستان تهديداً يوجب عليهم حذراً إضافياً من التورط في أية أزمة داخلية أو خارجية، خشية أن تستغلها كردستان للإمعان في أذيتهم. فقادة التحالف الكردستاني يتصرفون مع العراق، كمثل طيور الرمم التي تتبع الجيوش في انتظار المذابح أو تهرع إلى مناطق الزلازل والكوارث لتنهل من أجساد الضحايا. لقد وجدوا مرشياً يحكم البلاد تحت مظلة دولة ظالمة عملاقة معادية  تتبنى نظاماً إقتصادياً وحشياً لا مكان للقيم الإنسانية فيه، وترتبط أجندتها بدولة عنصرية عدوانية مضادة للعرب بالذات، فلم تفتهم الفرصة لتأمين وتثبيت مص ثروات الفقراء لسنوات قادمة، والويل لمن يتجرأ على أن يحتج عليها. مثلما وجد أصدقاءهم المفضلون قبل ذلك هذا البلد مهزوماً عسكرياً يحكمه شخص مستعد لبيع كل شيء من اجل أن يبقى حاكماً، فأقاموا له "خيمة صفوان" المخجلة التي باع فيها أجزاء من أرض بلاده والكثير ودمر فيها الكثير ليبقى بضعة سنين ذليلة أخرى. وهاهم "الشركاء" اليوم يجدون العراق في أزمة، ويحكمه رجل مستعد لتقديم الكثير من التنازلات على حساب شعبه من أجل أن يبقى حاكماً، لبضعة سنين أخرى، ولو ذليلاً، فإذا بهم يقيمون له ولهذا البلد "خيمة صفوان" أخرى!

يختلف قادة التحالف الكردستاني عن تلك الطيور بنقطتين فقط، الأولى أن الطيور تلتهم الضحايا لإطفاء جوعها، أما طيور كردستان فتفعل ذلك لأن فيها جشع لا يمكن إطفاؤه. الثانية هي أن الطيور تنتظر الكوارث فقط، اما قادة كردستان فلهم القدرة على إثارة الأزمات والكوارث وأن تشارك في خلقها، إن لم تجدها جاهزة!

من أين يستوحي قادة الكرد سياستهم العدوانية المدروسة والكفوءة في نفس الوقت؟ من نصحهم بهذه الستراتيجية الخطرة؟ حقائق أخرى مدهشة كانت أمامنا منذ فترة، ولم نراها حتى وجدتها في مسودات كتاب الأستاذ فؤاد الأمير القيم الأخير: "الجديد في عقود كردستان"، وهو ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة، أما خطايا المالكي التي أوصلت العراق إلى هذه الحال، فسنخصص لها حلقة تالية.

 

12 أيار 2013

 

(1)  http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34229-2013-04-28-14-58-50.html

(2) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34276-------q-q--.html

(3) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34281--qq-.html

(4) http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=3R-YvqCJm_k#t=97s

(5) http://www.al-mashriq.net/inp/view.asp?ID=42856

(6) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/33052-2013-04-04-17-17-43.html

(7) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34255--3-.html

(8) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34330-2013-04-30-11-35-36.html

 

 

 

 

 

free web counter