| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

السبت 12/4/ 2008

 

بعد خمس سنين - حكومة الإحتلال ام صدام، ايهما "افضل"؟

صائب خليل

كتب لي من العراق من كان احد اشد اصدقائي حماساً للتحرير الأمريكي يقول:
"عزيزي صائب: لقد خدعنا بفكرة التحرير وكنا نتوقع الافضل لكننا نسينا ان الانظمة الشمولية في الوطن العربي ترعاها وتحميها من شعوبها الولايات المتحدة وانها هي التي نصبت جميع الانظمة وبدون استثناء وكلهم اي رؤساء وملوك العرب عملاء قبل مئة سنة من الان لكي يبقوا على استغلال ثروات شعوبنا المقهورة من قبل انظمتها الجبارة المتكبرة ورؤسائهم وملوكهم الطغات والذين يتوارثون الحكم جيل بعد جيل وبمباركة اسيادهم.
عزيزي صائب: ارجو الا اطلت عليك الحديث علما بان هذا هو حديث معظم المثقفين من ابناء شعبناء وبمختلف توجهاتهم وافكارهم وهو يكاد حديث العامة وحديث الشارع العراقي"

وكتب صديق اخر: انا بخير بس كهرباء ماكو وكتلنه الحر، انت شلونك انا متابع لكل مقالاتك. اذا تذكر فلم الفراشه عندما يخرج السجين راسه من الزنزانه ويسأل جاره بالزنزانه المجاوره ويكله اني شلوني؟ فهسه احنه شلون دشوفونه والى اين ذاهبين وشكد راح يخلونه بهذي الدوامه؟

وكتبت احدى الصديقات من العراق تقول: " فكرت اننا اناس غير طبيعيين ابدا لدرجة ان وجود بقعة خضراء في ذاكرتنا امر غير عادي وشاذ ..ماذا تفعل بقعة خضراء في ذاكرتنا القاحلة؟؟!! ..صدقني نحن شعب سيء ..سيء جدا لا امل في اصلاحه ابدا..خمس سنوات لم نفعل شيء غير تخريب ما صمد خلال سنوات الحصار"

ويكتب صديقي الأديب سعد محمد رحيم قريباً من هذا : "تحولت ذاكرة كل عراقي إلى مقبرة كبيرة موحشة.."
وكتب صديقي الصحفي الكردي امين يونس:
"اذا كان كل مايجري ، هو جزء من ضريبة لابد من دفعها ، فليكن . اذا كانت مصائب هذا الجيل طريقا مختصرا نحو غد افضل ، فليكن . اذا افرزت هذه الفوضى نُخباً سياسية متحضرة ، وشعبا معافى من كل امراض الماضي ، فليكن . اذا عرفت الجماهير العريضة مصالحها الحقيقية واستفادت من الدروس المُرّة واذا ادْرَكتْ المرأة حقوقها واستحالة نيلها من خلال احزاب الاسلام السياسي .. فليكن ! لان هذه ( الكتل الكبيرة ) المسيطرة الان على المشهد السياسي ، والتي تتبجح ( بالأكثرية ) ، نحن الناس ، نحن الشعب ، الذين اوصلناهم الى القمة ، وما اسهل ( تنزيلهم ) في اول انتخابات قادمة لو .....!"

هكذا صارت الناس تتساءل ان كان الحكم "الديمقراطي" افضل فعلاً من حكم صدام حسين، ولذا ليس غريباً ان تمنلئ الإنترنيت بمقالات تقارن بين الحالين خاصة حين حلت قبل ايام مناسبة الذكرى الخامسة لسقوط صدام.
أنصار صدام يعترفون انه كان دكتاتوراً، لكنه برأيهم "وطني" و "شجاع" الخ وان الوضع كان أفضل في زمنه: "على الأقل كان هناك امان، وكان هناك نظام ما، ولم يكن هناك احتلال" . أنصار فريق الحكومة الحالية يعترفون بـ "اخطائها" الكثيرة من محاصصة وطائفية لكنهم يرونها حكومة ديمقراطية منتخبة تمثل الشعب اكثر من اية حكومة مرت على العراق. لذا فالوضع حالياً افضل برأيهم لأنه: "على الأقل تستطيع ان ترى مختلف الآراء وان تتكلم وأن هناك امل".

وفي كل الأحوال، لقد تشجع انصار صدام من عراقيين وعرب غيرهم تدريجياً على العودة بصراحة الى الدفاع عن "بطلهم" القومي، وقد ارسل لي احد اصدقائي قصيدة وصلته تتحدث عن صدام كرمز عراقي، رغم بعض الكلمات المتناثرة هنا وهناك منها البيت التالي:

يا من ملكت ثرى العراق بلا شريك أنا لا أحبك.. قدر مقتي قاتليك !!؟

فأجبته غاضباً:

"صدام ليس رمزاً عراقياً! صدام رمز انحطاط اخلاقي بشري، ولايحسن صورته شعرة حتى ان وجد شخص بانحطاطه، ومن لايجد من يدافع رمزاً له سوى صدام يعاني من إحساس شديد بالدونية يجعله يتسامح مع جلاديه ومن مازوكية تجعله يحبه جلاديه."
فعاد صديقي يرد:
صيقي.. أيها العميق-الكبير-المتأني-الرشيد-صاحب القيثارة الأحلى
يحزنني أسمعك تقرع الطبول مع الجوق! .. تاركا قيثارتك-الريح-زوربا-كلكامش-عقرقوف-زرياب !؟
لقد رأيتُ قاتلي، صنماً يُسحل ويُرمى بالنعل ويُبصق عليه... هل عليّ أن أشدو بلعنه كلّ حين، وأغض الطرف عن جمهرة لاعنيه يسوقون عشتار كل ليلة إلى فراش الرذيلة!؟

وكان جوابي له:
صديقي، ايها الحساس الرقيق...لا اتخيلك قادراً على ايذاء نملة دون ان تمطر عيناك....يحيرني ان اراك شحيحاً بالحقد على من دمر معاني الحياة,...ليس كشخص وانما كثقافة انحطاط وشعور بالدونية أنعشها ورباها وصارت اساساً لكل ما هو مقزز...
أما ابيات الشعر التي ارسلتها فمهما كانت قوافيها بديعة, مهما كانت موسيقاها رنانة، مهما كانت كلماتها راقصة...إلا ان معانيها ومن كتبت لأجله تجعلها مرعبة في جوفها الفارغ الكاذب المخادع المبني على الإحساس بالدونية المقززة...

بماذا امتلك "ثرى العراق بلا شريك"؟ بحب الناس؟ بقيمته الإنسانية؟ أم بالقهر والموت والتعذيب والرعب؟ الشاعر يمقت قاتلي صدام، لكن ان كان هناك مثال يكون فيه القتل مقبولاً فهو في قتل هذا الشيء المهين للإنسان المحول له الى حشرة يدعسها بقدمه فلا يحس إلا باللذة..
انه يمقت قاتليه كثيراً جداً...ويحبه اقل من ذلك قليلاً....يعني انه يحبه كثيراً...انه حب مازوكي ان كان صدام قد عذبه، وحب سادي ان كان رآه يعذب غيره, وبكل الأحوال حب مريض مثير للإشمئزاز وبكل الأحوال يدل على تشوه شديد في المشاعر الإنسانية...نعم اني ابتعد عن اصحاب هذا الحب كما ابتعد عن القيح, واشعر اني ارى الإنسان في اكثر صوره اثارة للآسى والحزن...ابتعد عنه لأني لا اريد ان اصدق ان البشرية اصيبت بهذا الهبوط...ارفض ان اصدّق ذلك...
وانت يا صاحبي...ايحق لك ان تحس بخفقان الفراشة وهمس النسيم، ولا تهزك عاصفة تقتلع الأشجار والفراشات معاً؟ إن كانت تهمك عشتار، فلم يسقها الى فراش الرذيلة اكثر منه ولم يبدأ بها احد غيره...بشكل مباشر هو واولاده وبشكل غير مباشر من الفقر والإذلال الذي عود الناس عليه وبشكل رمزي حين امتص دم الكرامة من الناس ليحقنه في هيكله وتماثيله وصوره وكلابه..

هل شدوت بلعنه كل حين؟ ام اني ارد كلما بصق بوجهي احد بالحمد به؟ إني ان كتبت عنه يوماً فما ذاك إلا لوجود من يجد في نفسه الحق في اهانة ضحاياه و تهديدنا به من جديد وشعوري ان هذا المرض مازال منتشراً وبحاجة للعلاج. ألا يجد هؤلاء طريقة لرفس الجدد غير التملق وامتداح شيء وسخ؟ الا يفقدون بحماقة لا اجد تفسيرا لها سوى المرض، مصداقيتهم بلا معنى وبلا داع؟ اليست مبادئ الإنسانية منطلقاً كافياً لنقد وسب هؤلاء، فلم يجب ان يوحوا لنا بأنهم يعدّون لنا صدّام اخر؟ هل من مستفيد من هذه البلاهة التي تسميها شعراً غير من يهاجمهم هذا "ألشعر" حين يضع مقابلهم وبديلا ً لهم، اكره الخلق على الشعب العراقي؟

من الطبيعي ان يعطي سياسيي الدولة انطباعاً اكثر ايجابية من معدل الناس التي تنقسم الى فريقين لاعلم لأحد بحجمهما. وانا ما ازال متشبثاً بآخر خيوط حبل يتقطع المزيد منه كل يوم، بأن هناك بصيص امل في ان يتغير هذا النظام او يغير كما يريد أمين. لقد قلت رأيي اعلاه في صدام ونظامه ومن يدافع عنه، فلم يكن نظام دولة بل عصابة مافيا شرسة تحتقر الإنسان والقانون وتفخر بذلك. لكن ماذا عن دولة المالكي وإلى اين تسير؟

وفي إحدى المقالات التي نشرت بالمناسبة تتحدث عن مواطنين من البصرة جاء:
"الباحث والأكاديمي رياض الأسدي إن "الوضع العراقي يزداد سوءا منذ الاحتلال ولم يحصل الشعب العراقي على أية بارقة أمل لتحسن الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية". .. " ماجرى على الأرض طوال السنوات الخمس يؤشر على فشل المشروع الأمريكي فشلا ذريعا ولا يمكن بأي حال أن نلمس أي تطور يوحي بالأمل حتى هذه اللحظة ففي العراق خمسة ملايين مهجر و900 ألف أرملة في بغداد وحدها، وتجاوز عدد القتلى المليون منذ 2003 وحتى 2007 فضلا عن أن العراق خسر ثمانية مليارات دولار لايعرف مصيرها". ثم تحدث عن ضرورة جدولة انسحاب المحتل اضافة الى معالجة الميليشيات.
وكشفت ورود شاكر الناشطة بمنظمة رابطة المرأة العراقية على أن ظروف النساء في البصرة هي أسوء بكثير من قبل انهيار النظام السابق.
خالفها الرأي عباس الجوراني قيادي في الحزب الشيوعي العراقي في البصرة قائلا إن " سقوط أكثر الأنظمة دكتاتورية في العالم هو من أهم المكاسب التي حققها الشعب العراقي، وأن بدت بعض الأمور أكثر سوءا كالخدمات والأمن". ورأى الجوراني أن "كل مانشاهده حاليا هو صراع على شكل الدولة وهو صراع مقبول لولا أن تعلو مع الآسف لغة البنادق على لغة الحوار البناء". وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي تحسن كثيرا والعراق يبشر بالخير. وأن "هذا التردي الواضح في مفاصل مختلفة من حياتنا يجب أن لايحجب رؤية العراق القادم وأن لاتكون الإخفاقات والمشكلات هو مانراه فقط".
أعتبر عضو مجلس محافظة البصرة فؤاد المازني رفض المقارنة قائلاً ان " هناك مناح مشرقة ترسخت بعد التغيير وهي الحريات الشخصية (حرية المعتقد والرأي والصحافة) وأراها من جهتي من أكبر المكاسب التي تحققت في تأريخ العراق الحديث".

لقد استقبل جيش المالكي من قبل اهل البصرة بتردد، فمنهم من وقف معه ومنهم من قاتل ضده، وليس هؤلاء هم من الخارجين عن القانون فقط، بل اشترك معهم اخرين وصل الحال بهم الى اليأس المطلق. ونلاحظ هنا ان اهل البصرة، حالهم حال جميع مدن العراق بلا استثناء تقريباً قد استقبلوا جيش الإحتلال الأمريكي بشكل افضل كثيراً من جيش المالكي، فتخيلوا الإنحدار الذي وصلت اليه صورة الحكومة لدى ا لناس!

الحقيقة ان العراقيين ليسوا حائرين بين محبين لصدام واخرين لحكومة المالكي، إنهم حائرين ايهما يجب ان يكرهوا اقل! ، ان جرائم صدام قد توقفت بإعدامه، وان كانت اثارها مستمرة بالأذى، اما جرائم الحكومة واسرارها ففي تزايد مستمر، وفي تزايد مستمر من سيصوت مفضلاً حكم أشرس دكتاتور عليها. لا علم لي اي الفريقين اكبر في هذه اللحظة لكني لست بحاجة الى ان اعرف. يكفيني ان الفريق الأول لايخجل ان يفاخر بأن "بطلهم القومي" كسب تفضيل الناس فقط بعد ان خسروا اكثر من مليون ضحية ووجدوا انفسهم في ارهاب مستمر، والفريق الأخر يفاخر بحكمه الديمقراطي الذي يراه الناس بتردد على انه اهون من حكم اشرس دكتاتور مر على ارض العراق!

بعد خمس سنين من السباق نحو الأسفل لا اعرف اي الفريقين صار اكبر، لكني اعلم علم اليقين انها مقارنة لامعنى لها وان اهلي واصدقائي في العراق يستحقون شيئاً افضل كثيراً من كلا النظامين المغرقين في الإنحطاط والبعيدين عن اية قيمة انسانية، وانهم يجب ان يقاوموا محاولات اقناعهم من اي من الطرفين بأي شكل بأفضليات تافهة تتجاهل حقوقهم كبشر مثل كل البشر في العالم.


11- نيسان 2008

 



 


 

Counters