| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الثلاثاء 11/1/ 2011

 

العراق يحتضر تحت ضغط فدراليته

صائب خليل 

لقد كانت علاقة الكرد العراقيين بوطنهم علاقة إشكالية مؤلمة، دفعوا ثمنها غالياً، لذا فأن جراحهم عميقة وبحاجة إلى الكثير من الوقت لكي تلتئم. لكن هذا يفترض أن الجرح يتلقى العلاج السليم، وأنه يتماثل مع الوقت للشفاء، لا أن يزداد عمقاً وتعفناً، فالمريض قد يتجه نحو الشفاء او ليموت، فإلى أين تتجه فدرالية العراق؟

للأسف، نرى أن فدرالية العراق سارت في طريق يؤدي نحو الهاوية، وأن الوقت بدل من أن يضمد الجراح فإنه يزيدها عمقاً، والهوة التي كانت بين الكرد وحكام العراق فقط، امتدت مع الوقت لتصبح هوة مع الشعب العراقي أيضاً من غير الكرد.

هناك من يأمل أن يلتئم الجرح، لكن هناك من يريد العكس، ويبدو لي أن هذا الأخير أكبر قوة وسلطة في كردستان. هناك نشاط إعلامي وسياسي واضح موجه لتثبيت الكراهية الكردية للعرب وتحويل الظلم الذي طالهما معاً، والذي تحالفا ضده كثيراً، إلى "ظلم عربي" ضد "الكردي". لا يذكر الإعلام الكردي التعاون بين الشعبين ضد الدكتاتورية، بل يؤكد "عربيتها" وقومية المعركة، معمقاً الشق بين الشعبين وبين الحكومتين التين تتكونان من قياديين كانوا حتى قبل فترة وجيزة يعقدون مؤتمرات المعارضة للدكتاتورية سوية، ويتبادلون الرأي في كيفية محاربتها.

لقد أصبح الشق عميقاً، حيث سارت الأمور نحو الهاوية دون اعتراض. لقد كان لإعتزاز العراقيين بوحدتهم أثر سلبي أكثر مما هو إيجابي، تمثل برفض مناقشة الإشكالات التي تراكمت وتزايدت، لأن مجرد مناقشة أي احتمال قد يؤدي إلى انفصال كردستان، كان أمراً مخيفاً للعرب على الأقل، إن لم يكن كذلك بالنسبة لبعض الكرد أيضاً. والنتيجة أن أعداء وحدة العراق حصلوا على الوقت اللازم لتعميق الجرح والشق، وبالتالي ازداد الإحتمال المخيف واقعية مع الوقت بدلاً من أن يزول.

عدم الثقة المتبادلة

لقد كان لحروب الدكتاتوريات ضد الكرد العراقيين أثره المدمر، وبشكل خاص على نظرة الشعب الكردي إلى العراق. وكان للتوجه الإعلامي بتصوير الحرب بطريقة ظالمة على أنها "عربية" ضد "كردية" أثره الأكثر تدميراً للنفسية الكردية، وقد كتبت العديد من المقالات عن ذلك الإعلام المغرض والذي يتجه غالباً بتملق شديد نحو إسرائيل، لأسباب عديدة.

ولأسباب عديدة أيضاً، تصرفت القيادة الكردية بطريقة خسرت معها التعاطف الشعبي العربي، الذي تحول إلى إحساس بالمهانة والخوف، بل الكراهية، ليس إلى الشعب الكردي، إنما لقيادته التي انتخبها. وليس هذا تحيزاً، بل من خلال متابعتي لما يكتب، فمن القليل أن توجه اية مقالات حادة إلى الشعب الكردي نفسه من قبل الكتاب العرب، رغم أن التمييز يقل مع الزمن بين الساسة والشعب الكردي لدى الكتاب والمواطنين العرب، ورغم وجود كتاب عرب شوفينيين بلا شك، لكن بالمقابل تتجه معظم المقالات الحادة النقد من الجانب الكردي إلى العرب ككل وليس إلى سياسيين محددين وحكام معينين.

هذا الوضع زاد من الشق بين الشعبين مع الوقت، وازداد عدم الثقة المتبادل بينهما، ولم يتم الإنتباه إليه إلا في وقت متأخر كثيراً. ولعل اليساريين العراقيين هم أكبر من يتحمل هذا الخطأ لمسارعتهم برفض أية محاولة لمناقشة ما يجري على أرض الواقع، واعتبار أي نقد عربي للجانب الكردي، بقايا بعث وشوفينية يجب شجبها بكل قوة. وبدورهم استعمل القادة الكرد هاتين التهمتين كدرع يردع عنهم أية انتقادات مزعجة.

النزعة الإستقلالية الشديدة

من المفعوم أن كل شعب يتعرض إلى ما تعرض له الشعب الكردي في مختلف البلدان التي يعيش فيها إلى نزعة شديدة للإستقلال. وقد صوت الشعب الكردي للإستقلال بأكثر من 90% في اول انتخابات جرت. ولا يفهم بقاء كردستان ضمن العراق إلا أنه بالرغم من إرادة الشعب الكردي، وأنه قد تم فرضه عليه من قبل قيادته، أو أن تلك القيادة أقنعت الشعب بأن الوقت لم يحن للإنفصال. وفي كلتا الحالتين يجب اعتبار كردستان في "ضيافة مؤقتة" في  العراق، والتصرف على هذا الأساس، ما لم تحدث معجزة تغير الأراء، ولا يبدو أن في هذا العالم ما يكفي من المعجزات لمعالجة جراحه. فبقيت السياسة الكردية والعربية في العراق تتباعدان وتتزايدان عداءاً وانعدام ثقة، وفي مختلف، بل في كل المجالات. 

النفط

في النفط، تصرف قادة كردستان كمجانين (أو لصوص) يبغون بيع أكبر قدر ممكن من النفط الكردستاني إلى الشركات الأجنبية وبأبخس سعر ممكن، وبعقود سرية لم يطلعوا عليها، لا وزارة النفط الإتحادية ولا البرلمان العراقي، ولا حتى برلمان كردستان نفسه!

وكان أشتي هورامي وزير نفط الإقليم يتصرف كشخص مهووس، أو يتظاهر بذلك، فيصرح: "كلما قالت بغداد، - غير قانوني - وقعنا عقداً إضافيا"، ولو كان في كردستان حكومة في الحد الأدنى من المعقولية لحاسبت هذا الوزير الذي يوقع العقود ليس وفقاً لمصلحة البلد، ولا حتى كردستان، بل كرد فعل على ما تقوله الحكومة العراقية!

حقول ليست صغيرة اختفت من الخرائط وانتقلت اوراقها من ملحق رقم (3) الخاص بالحقول المكتشفة الى ملحق (4) للرقع الإستكشافية الخاصة بالمناطق غير المسكتشفة بعد، لتقوم الشركات بـ "إعادة اكتشافها" وبيعها للعراق من خلال عقود مشاركة الإنتاج على اساس ان الإكتشاف تم بمخاطرتها بأموالها وبجهودها! اننا لانتحدث عن حقول صغيرة بل عن حقول مثل حقل كورمور الغازي (والذي هو ضمن محافظة صلاح الدين وتم الإستيلاء عليه)، وكذلك حقل طقطق الذي وصفه خبير النفط العراقي فؤاد الأمير بأنه "قد يكون أثمن اكتشاف في حقول الشمال منذ اكتشاف حقل كركوك."! (1)

ووقعت بهذه الطريقة عددا كبيراً جداً من العقود لم يسبق لأية دولة في العالم، وليس إقليماً في بلد صغير، أن وقعته بتلك السرعة مع الشركات النفطية، الكثير منها بمشاركة ساسة وسفراء امريكان سابقون في العراق، وبخلاف واضح وصريح لأي مبدأ من مبادئ تضارب المصالح.

كل هذا والمواطن العربي ينظر إلى حكومته غير القادرة على التصرف إزاء هذا الإبتزاز والتبذير ليس لثروة كردستان فقط، وهي مازالت جزء من العراق، وإنما لثروة بقية العراق حيث أن العراق كله يمتلك نفط العراق كله حسب الدستور.

ولم يقتصر الحال على عقود حقول النفط، بل امتد إلى بيعه وإنشاء مصافي "غير شرعية" وصل عددها إلمعترف به إلى أكثر من 80 مصفى، وإلى تجاهل تسليم الحكومة المركزية الكمارك الدولية والضرائب وغيرها. الشرفاء في بقية العراق كانوا يتطلعون بألم وغيض، واللصوص كان لعابهم يسيل لتكرار "تجربة كردستان"، وخاض اللصوص حملات واسعة أقنعت نسبة من غير اللصوص أيضاً بمشاريعهم التي لم تأت ثمارها لحسن الحظ، حتى الآن.

البيشمركة

البيشمركة جيش مستقل، الهدف الأساسي من إنشائه هو محاربة الدولة العراقية عند الحاجة، وليس لدرء الأعداء الدوليين، فلا يملك هذا الجيش ما يكفي لذلك من مقومات تجاه دول مثل تركيا وإيران. ليس هذا الأمر موجود على الورق، لكنه شعور كل كردي وكل عربي في العراق، سواء كان ذلك صحيح أم خطأ. أن وجود جيش آخر، ومعاد للجيش الحكومي يعد إهانة يشعر بها كل عربي. أما الحجة الكردية في ذلك، وهو الخوف من عودة الصدامية إلى العراق فهي إهانة أخرى، بأن الدكتاتورية الصدامية مرض جيني وراثي يتعلق بالعراقيين (العرب) ويمكن أن يعود إليهم في أية لحظة.

لكن تلك "المخاوف" ليست سوى كذبة كبيرة، فالقادة الأكراد هم أكثر من وضع بقايا الصداميين في المراكز الأمنية الحساسة في كردستان، وأكثر من دعمهم في بغداد، وكانت العلاقة معهم على أفضل ما يكون تجاوباً مع الرغبة الأمريكية في تسليم الأمن إلى بقايا الصداميين، إلا أن القرصة التي حصل عليها الأكراد من هؤلاء أدت إلى تراجعهم قليلاً.

الإعتراض على تسلح الجيش

وتبلغ مظاهر عدم الثقة ذروتها الساخرة حين يعترض قادة كردستان على تسليح الجيش العراقي بأسلحة ثقيلة، ويتصرف برهم وكأنه يتحدث عن دولة أخرى، بل عن دولة عدوة، وهو يعلن بأن تلك الأسلحة تقلق الكرد. وإن كان هذا هو العلن، فالله يعلم نوع التصريحات والضغوط التي تثار في السر بين قادة الكرد وبين الجهات الموردة للسلاح العراقي. رغم ذلك يصر الكرد على أن البيشمركة جزء لا يتجزء من الجيش العراقي وأنه لذلك فعلى الحكومة الإتحادية أن تدفع رواتب أعضائه.

الخارجية

استلم هوشيار زيباري وزارة الخارجية، ولم يشعر العراقيون العرب بأنه يمثلهم، خاصة في قضية المعاهدة المشبوهة. فقد جاء يروج للمعاهدة في البرلمان العراقي كبائع أمريكي يروج بضاعة أمريكية، ولم يكن له أية ملاحظات ضد أي من نقاطها. لكنه حين جوبه بمعارضة شعبية وسياسية شديدة، عاد إلى الأمريكان ليقول لهم أن المعاهدة عسيرة بهذا الشكل وأنه يجب تحسين بعض بنودها. وحين تم ذلك التحسين، راح يفاخر به بصلافة على أنه من إنجازاته، وأن المعاهدة تأخرت بسبب جهوده الرامية إلى مناقشة كل جزيئة فيها. لقد تصرف هوشيار كسفير أو مساعد سفير أمريكي في العراق وليس كوزير خارجية عراقي، هذا ما كان إحساس العراقيين العرب على أية حال.

التعامل مع أميركا : القواعد، اللوبي ضد المنافسين، المشاريع الإنفصالية

وبنفس الطريقة تعامل الساسة الكرد مع موضوع القواعد الأمريكية، وعرضوا على الأمريكان إبقاء قواعدهم في كردستان، إن رفضت الحكومة العراقية ذلك، إعترافاً بأن كردستان ليست عراقية.

وفي سعيهم لتحقيق أجنداتهم، لم يكن هناك لدى الساسة الكرد ما هو ممنوع أو مخجل، فسعوا إلى إتفاقات مع مكتب الترويج (اللوبي) ، والذي أمن لهم في البداية ليس فقط حصتهم من النفط التي كانت تؤخذ ضمن "النفط مقابل الغذاء" بل كمية من حصة العرب في وقت الحصار. وإن كانت الحجة في ذلك الوقت هي أن صدام كان يحكم العراق في وقتها، فقد استمر نشاط هذا اللوبي بعد أن وصل إلى الحكم حكومة منتخبة شاركوا فيها بما يقارب ضعف نسبتهم العددية. وكان اللوبي الكردي في الولايات المتحدة يصرح بشكل علني أنه يطمح إلى مكانة إسرائيل لديها، وأن لديه علاقات وثيقة مع اللوبي الإسرائيلي. (2)

لاشك أن هذه العلاقات مثيرة للقلق لدى الجانب العربي، وفي الفترة الأخيرة تجاوز الساسة الكرد كل ذلك وسمحوا بتطوير ملحوظ للعلاقة متمثلاً بإطلاق مجلة "كرد – إسرائيل" والتي أفتتحت لها مكاتب في كلتا "الدولتين الصديقتين"!

وفي كل مرة، كان القادة الكرد لا يترددون بطرح أنفسهم كممثلين للمشاريع الأمريكية الكريهة في العراق، مثل مشروع بايدن، ألذي سارعوا إلى تأييده فور طرحه، ولا يستبعد أن يكونوا من المخططين له، لكنهم عادوا فتراجعوا حين وجدوا العراقيين يرفضون أن تقسم بلادهم إلى أشلاء صغيرة. ولا نتصور أن هذا التراجع يمثل تغييراً في الفكرة، فلم يكن هناك ما يدعوا إلى ذلك التغيير، بل هو على الأغلب، تأجيل لمشروع لم ينضج  وقته بعد. لقد فشل مشروع بايدن، لكنه يعود بصيغ أخرى، وقريباً ستنهار مقاومة الشعب العراقي وإصراره على الوحدة، تحت إغراءات النهب التي تكفلها إقامة الأقاليم تحت مواد هذا الدستور المدسوس، فيبرز المطالبون بأقاليم الجنوب والبصرة، وربما الأنبار وغيرها، على غرار إقليم كردستان، ولن يتمكن الرفض من الصمود طويلاً!

عدم وجود سلطة للحكومة في كردستان

لا يحتاج المرء أن يكون مطلعاً على اسرار السياسة العراقية ليعرف أنه لا وجود لأية سلطة للحكومة المركزية في إقليم كردستان، وأنها لا تأمل بأكثر من أن تأمن شروره دون الطموح إلى خيره. وزارئه وقادته ونوابه يتسابقون ليس فقط إلى احتلال اراضي خارج الإقليم، وخاصة النفطية منها، وليس فقط باستعمال البيشمركة ، الجزء الذي لا يتجزأ من الجيش العراقي، لطرد فرق العمل النفطية من حقول كركوك والإستيلاء عليها وتسليمها بعقود إلى شركات أجنبية، وليس فقط برفض رفع العلم العراقي في كردستان لفترة طويلة، ولا في الزيارات للدول الأجنبية، وإنما أيضاً بتكرار التهديد بالإنفصال من العراق كلما كان هناك مناسبة.

سياسة الإبتزاز واستغلال لحظة الضعف

ومن الواضح للمواطن العراقي العربي، أن كردستان تتبع سياسة تشبه تماماً سياسة إسرائيل في "فرض الأمر الواقع على الأرض" ، وتنتظر اللحظات المناسبة لإستغلال أي لحظة ضعف تمر بها الحكومة الفدرالية لفرض شروطها عليها. لذلك فأن العراقيين العرب، يضعون أيديهم على قلوبهم عند الأزمات السياسية، ليس بسبب الأزمات نفسها فقط، بل أيضاً من استغلالها من قبل الجانب الكردي، كما حدث حين فرضوا حصة لأنفسهم تعادل مرة ونصف ما يستحقون، حين رأوا أن الحكم بيد من يسهل رشوته – أياد علاوي – فـ "إتفقوا معه" لا ندري مقابل ماذا! والشروط التسعة عشر التي قبل بها المالكي (يقال أنه رفض واحداً) والتي طالبوا فيها بأمور لم يسمع أحد بمثلها من قبل، مثل حق الفيتو على بقاء الحكومة، إضافة إلى شروط مازالت مجهولة النتائج مثل فرض إقرار قانون النفط، وكأن الحكومة الإتحادية تتفاوض مع شركات النفط وليس مع شريك في الحكومة، مصلحته من مصلحتها.

الإعلام المعادي للعرب كشعب وبوقاحة كبيرةً

لقد وصل الإعلام الكردي المعادي للعرب حدوداً غير طبيعية، وكأن من يقود ذلك الإعلام هو إسرائيل نفسها، بل بلغ أحياناً حالات تخجل حتى إسرائيل من الهبوط إلى مستوياتها، وأحياناً حتى إلى إثارة صريحة للطائفية التي تهدد البلاد، وتعمد مباشر في زرع الفتنة بين السنة والشيعة والتفريق بينهما، كما أشرت إلى ذلك قبل بضعة سنوات في سلسلة من المقالات التي امتنع موقع الحوار المتمدن عن نشرها وأنهت علاقتي به، وكانت سلسلة من أربعة مقالات تحت عنوان "أيها الكرد، نشكوا لكم مثقفيكم" (3)

(3)     أيها الكرد نشكو لكم  (3) مثقفيكم: "1"- فلم كردي في أمسية ثقافية

(4)  أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم -2- الشعب الشيعي المجيد" و"السنّة القذرين   (4)

(5)  (5) أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم  "3"- نزار جاف يتابع معارك العرب بقلب إسرائيلي حميم

(6)   أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم "4" -  إنهم يطالبونا أن نحتقر أنفسنا! (6)

ورغم أن عدداً من المثقفين والكتاب الكرد الرائعين مثل أمين يونس وشيروان محمد وكفاح محمود وشه مال عادل سليم، وأمثالهم ممن يكتبون بالعربية، يبعثون على الأمل بوجود صوت من نغمة أخرى، إلا أن عدد هؤلاء قليل، ولذا فأني أعتبر أن المثقف الكردي عموماً لم يؤد واجبه في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ولا فعل الكتاب العرب أيضاً بشكل كاف، فتطورت الحالة إلى ما وصلت إليه.

التهديد بتكرار تجربة الفدرالية الجارحة

لقد يئس العراقيون العرب من كردستان واعتبارها جزء من العراق، وفقدوا تدريجياً حلم "العصافير" بوحدة العراق، كما أسماه مسعود باحتقار واضح، وهم يشعرون بأنهم يستمرون في قبول التنازلات والإهانات بلا نهاية.

ومما لا شك فيه أن الشوفينيين من العرب عراقيين وغيرهم، قد استفاد من ذلك أكبر استفادة في الترويج لفكره، لكن قادة الكرد لم يكن يبدو عليهم أنهم قلقين من ذللك.

ما يخشاه العرب اليوم أكثر من أي شيء آخر هو أن تتكرر هذه التجربة المخيفة في مناطق أخرى من العراق، فهم يحسون أن يلادهم غير قادرة على تحمل "كردستان أخرى" تبتز الحكومة المركزية وتسرقها وتهينها، وتعتمد على القوات الأجنبية لحمايتها منها، وتعامل جميع دول الجوار بأفضل مما تعاملها.

والأدهى من ذلك أن حكومة كردستان كانت سباقة إلى دعم تلك الجهود لإقامة فدرالية الجنوب، وهم أما يريدون القضاء على البلد بشكل مخطط، أو أنهم لا يعلمون مدى الأذى الذي سببته وتسببه تجربة كردستان الفدرالية، القلق الذي تثيره لدى المواطن العربي العراقي، والحيرة في طريقة التصرف المناسبة تجاه تلك المشاريع.

ماذا لو طالبت البصرة بفدرالية، وطالب وزراؤها ليس فقط بدولار عن كل برميل بل أسوة بمشاريع كردستان بـ "الإستقلال في سياسة الطاقة"، وحرية التصدير والإستفادة من الموارد لبناء المشاريع في البصرة وتوقيع عقود النفط سراً مع الشركات الأجنبية وباستغلال المنفذ المائي الوحيد في العراق بالطريقة التي "تخدم الإقليم"؟ أي بلد سيكون هذا لو طالب كل جزء بحقه في مساواة إقليم كردستان؟ من الذي يخطط لإيصال العراق إلى هذا المصير؟

هذه نظرة موجزة للحال الذي وصلت إليه تجربة هذه الفدرالية المؤلمة، وهذا ما أدى إليه تجاهل الحقائق المرة من قبل المثقفين والسياسيين العرب، فتركوا الأمور تسير نحو الهاوية بحجة عدم التعرض لـ "الثورة الكردية" وبقوا يدعمون تلك "ألثورة" حتى بعد أن صارت تعتدي على شعبهم بالقوة العسكرية وبالإعلام المهين ، وتحولت إلى دكتاتورية يتظاهر مواطنوها اليوم احتجاجاً على القوانين التي تحاول فرضها لمنعهم من التظاهر والإحتجاج، ويسجن الصحفيون فيها بأحكام قرقوشية حين يتعرضون للأسرة الحاكمة، بل ويقتلون أحياناً بأبشع الطرق، ورغم ذلك يستمر "التقدميون" من العرب العراقيين، الذين يبدو أنهم توقفوا عن القراءة والمتابعة من زمن بعيد، رغم أستمرارهم الدءوب على الكتابة، يستمرون بـ "دعم الثورة الكردية" واتهام كل من ينتقدها بالشوفينية!

هذا هو الشعور العربي المؤسف، ولكنه لم يأت بلا أسباب منطقية.

إنهيار الثقة

والنتيجة أن عدم الثقة وصل إلى أقصى درجاته، ولم يعد يقتصر على الجانب الكردي، بل أن ما وصل إليه الجانب العربي زاد عنه. وكمثال ناصع على مستوى عدم الثقة، رفض العرب لإنجاز التعداد السكاني لكركوك وكردستان، لأنهم لا يحسون بأنه سيجري بشكل سليم، بل يحسون أن أعداداً هائلة تم تهجيرها إلى كركوك لتكريدها كما عربها صدام. ويحسون من خلال تعاملهم مع الحكومة الكردية، بأن الأخيرة مستعدة لعمل كل شيء لإقتناص أية مساحة إضافية ممكنة من الأرض، بما في ذلك الإرهاب.

المراقب المنصف، سواء كان كرديا أم عربياً أم من اية قومية عراقية أخرى، لا بد أن يصل إلى الإستنتاج بأن دوام هذا الحال من المحال، وأن شيئاً يجب أن ينفذ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد قبل تحطمها تحت ضغط هذه الفدرالية الغريبة التي لم يعرف العالم مثلها من قبل. والمشكلة في الأمر أن العرب ليسوا الجانب الوحيد الذي يحس بالظلم من هذا الحال، بل أن الكرد يشعرون به أيضاً، فهم مقتنعون تماماً بأن كركوك كردية وكذلك أجزاء كبيرة من سهل الموصل وأقضية ونواح وقرى مختلفة تابعة لمحافظات أخرى، وان العرب "الشوفينيون" استولوا عليها ومازالوا يريدون الإحتفاظ بها.

ويبدو أن هناك تجاوباً شعبياً مع إهانة العرب والحكومة الفدرالية، وإلا ما تباهى به الساسة الكرد.

وعندما يكون هذا هو الحال، عندما يقلق تسلح الجيش المركزي، ساسة الإقليم، وعندما يطرد الجيش الكردستاني فرق النفط الحكومية وعندما يريد الكرد "سياسة مستقلة في الطاقة" حسب تصريحاتهم الأخيرة، وعندما لا يكتفون باحتجاز أموال الضرائب والكمارك ويدعمون قوانين النفط لصالح الشركات الأجنبية ويعدون الجيوش لعدم شعورهم بالأمان، ويريدون القواعد الأمريكية لتحميهم من الجيش الإتحادي لدولتهم.

يفهم العربي العراقي مواضع قلق ا لمواطن الكردي والتاريخ المر الذي عانى منه، لكنه يشعر أن هذه النقطة صارت تستغل بشكل أبعد كثيراً من ما يتطلبه الواقع، وعلى حسابه وحساب كرامته ومصالحه. المواطن العربي يتساءل اليوم: هل تستطيع الحكومة العراقية الإتحادية أن تحاسب وزيراً أو مسؤولاً كردياً؟ هل يحق للحكومة الإقليمية أن تصدر قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان التي يكفلها الدستور في التظاهر مثلاً، حتى لو كان ذلك على أرض كردستان وحدها؟ ماذا لو أن مواطناً كردياً إشتكى لدى الحكومة الإتحادية باعتباره مواطناً عراقياً، مطالباً إياها بحمايته؟ هل ينتظر منها أن تقوم بحمايته وهي أضعف من أن تحمي نفسها من الإبتزاز المستمر عند كل منعطف وعند كل أزمة، فتضطر إلى تقديم التنازلات المهينة؟ هل هذه علاقة دولة بإقليم، أم دولة بدولة؟ وهل هي علاقة دولة بدولة صديقة، أو حتى محايدة، أم دولة بدولة عدوة متربصة؟ هل يثق أي عراقي، عربياً كان أو كردياً، أن الفرق الثلاثة التي تم تشكيلها مؤخراً، (7) جاءت برغبة الحكومة الفدرالية وشعورها بالحاجة إلى هذا الجيش لحماية "الوطن"، أم بضغط وابتزاز شروط تشكيل الحكومة؟ أية دولة هذه التي تنشيء فرق جيشها من أجل أن ترضي طرفاً لكي يمكن بتشكيل حكومة؟ تخيلوا إن كان على العراق أن يفعل مثل ذلك لدى تشكيل كل حكومة جديدة!

من ناحية أخرى، هل يأمن العراقيون العرب أن كردستان لم تقدم للموساد الإسرائيلي قواعد في ارضها، وأنه ينطلق منها للقيام بمختلف المهام في البلاد، من ضمنها المهام الإرهابية الغريبة التي تحدث هذه الأيام، وتلك التي حدثت قبلاً؟

أين وصل مستوى الثقة، عندما  يصل الأمر لدى العرب العراقيين أن يخشوا أن تغيير وزير النفط، كان استسلاماً من حكومتهم لإزاحة الوزير الذي وقف بوجه ابتزاز فريق الكرد مع الشركات الأجنبية لنفط بلادهم، وعندما يصرح الوزير الأخير بأنه تم الإتفاق مع حكومة كردستان على حل المشاكل العالقة، بل ويقول أنه سيعترف بالعقود النفطية المشبوهة التي تم توقيعها سراً من قبل من يعتبرهم الشعب لصوصاً رسميين، فيثير المزيد من القلق والحنق لدى المواطن العربي العراقي على ضعف حكومته وعلى من يعمل على ابتزازها واستغلال ضعفها، وما يعنيه ذلك من خسائر في ثروات بلاده... يكون الأمر قد وصل مرحلة عسيرة تتطلب الحل السريع الحاسم.

الحل: إستفتاء عربي كردي على صيغة علاقة مقبولة أو الإنفصال بسلام

يقول الأكراد بأن وضعهم "غير جاهز" لإقامة دولتهم، وأنهم لهذا يفضلون البقاء ضمن العراق، ويرون في ذلك مصلحتهم. إذن أليس مطلوباً منهم أن يقدموا شيئاً ولو من أجل مصلحتهم في ذلك الإتحاد المؤقت؟ لماذ يفترض بالعرب أن يدفعوا ثمن ذلك الإتحاد المؤقت الغريب والمؤذي، الذي هو من صالح الكرد كما يقولون؟ ما هي مصلحة العرب في تلك الرفقة المؤقتة التي تبتزهم في كل مناسبة؟: أنا لا أستطيع مغادرتك الآن، لأني أخشى من الآخرين، ولذلك فسأتفضل عليك بالبقاء معك حتى المنعطف التالي، ولذا عليك أن تتحمل مني الأذى والإهانات والإبتزاز. هذا هو منطق الساسة الكرد هذا اليوم!

بالمقابل، لا يريد المواطن العراقي حتى أن يفكر ببلاده مجزأة، ولا يتخيل خارطته وقد قطع رأسها، فلم تعد تشبه بلاده التي أحبها بكل عمق، وأحياناً أكثر من حياته، ويتذكر أصدقاء له في الجانب الآخر من الطيبة والمودة من النادر أن يجده بين أبناء قوميته. إنه ينظر إلى السودان ينحر من وسطه إلى نصفين، فيتخيل العراق وقد شوهه الإنفصال، لكنه سيرى في  النهاية أنه لا مفر من ذلك. وأن الخيار ليس بيده، فالعراق كبلد، يحتضر تحت ضغط فدراليته المريضة، ويهدد بالتجزؤ، والبعض يبدو سعيداً بذلك.

لذلك فأني اقترح العمل على حملة لحل هذه الإشكالية، تتمثل في إطلاق مناقشة إعلامية واسعة حول الفدرالية وحق تقرير المصير، ليس في كردتسان فقط، بل أيضاً وبشكل خاص في الجانب العربي من العراق، وإقامة استبيان شعبي، لكتابة إقتراح بالحد الأدنى من التغييرات الدستورية والإتفاق على الطرق المعقولة الممكنة لسياسة نفطية وعسكرية وديمقراطية، ولو بالحد الأدنى المقبول، وعرض الأمر للإستفتاء على الشعب الكردي، وتخييره بين القبول بفدرالية يمكنها العيش، أو أن ينفصل في تطبيق لمبدأ حق تقرير المصير، (وهنا يكون الشعب العربي من يستعمل هذا الحق). فكل تأخير في الوصول إلى حل ولو مؤلم، إنما يؤدي إلى تفاقم الوضع وزيادة صعوبته وعسر وتكاليف حلوله.

ليس الإحتمال كبيراً، لكن الأمل ليس مفقوداً أن يشعر الشعب الكردي بما يسببه ساسته من إشكاليات لا يمكن الإستمرار بقبولها من قبل العراقيين العرب والأخطار التي تهدد البلاد جراء تركيزهم على "مظلوميتهم" والتعامل مع العراق كجهة يجب الإنتقام منها لما ارتكبته في حقهم، وكفرهود ينهب في انتظار لحظة الإستقلال، واعتبار كل ما يقتطع منه كـ "شعرة من جلد خنزير".

 

(1) http://www.yanabeealiraq.com/articles/saieb-kalil160408.htm

(2) اللوبي الكردي في واشنطن والطموح الى مكانة اسرائيل

http://alfawanis.com/alfawanis/index.php?option=com_content&task=view&id=3380&Itemid=28

(3)   أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم: "1"- فلم كردي في أمسية ثقافية

(http://www.yanabeealiraq.com/articles/sayb-khalil210209.htm )

(4)   أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم "2" – "الشعب الشيعي المجيد" و"السنّة القذرين

(http://www.yanabeealiraq.com/articles/s-kalil220209.htm )

(5)   أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم  "3"- نزار جاف يتابع معارك العرب بقلب إسرائيلي حميم

(http://www.yanabeealiraq.com/articles/saib-khalil230209.htm )

(6)   أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم "4" -  إنهم يطالبونا أن نحتقر أنفسنا!

(http://yanabeealiraq.com/articles/s-kalil280209.htm )

(7) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=42448

 

10 كانون الثاني 2011
 

 

 

free web counter