| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأحد 11/5/ 2008

 


وصية أهلنا القديمة في "الصداقات" المريبة

صائب خليل

عندما كنا أطفالاً، كان أهلنا يوصوننا أن نلعب مع الذين هم بعمرنا فقط: "لا تمشوا مع من هو أكبر منكم"!
يعني حتى اللعب مع تلميذ من تلامذة صفّ ٍ أعلى ، كان يثير قلق الأهل على أولادهم. هل كانوا محقين أم كان قلقهم هذا تخريفاً؟ هل ينطبق هذا القلق على السياسة والدول أم هو فقط بين التلاميذ؟ هل أن علاقة تلميذ في صفٍ أعلى مع تلميذ أصغر، أكثر إثارة للقلق أم علاقة "صداقة" بين أقوى دولة في العالم مع أضعف دولة فيه؟ حسناً، لو كنت التلميذ الصغير، فما رأيك حين تعلم أن التلميذ الذي ينوي صداقتك، يمتلك من الأسلحة والقوة الضاربة بقدر ما يمتلكه جميع التلاميذ في المدرسة مجتمعين؟ وما رأيك إن علمت أنه رغم ذلك فهو يشكو أن قوته هذه لاتكفيه لتغطية "احتياجاته" للقتال، وأنه يعاني من "التمدد" في توزيعها على معاركه الفعلية الحالية، وهو ما يمنعه من خوض معارك إضافية يشتهي خوضها؟ لذلك فهو يصرف لشراء المزيد من الأسلحة ما يزيد عن ما يصرفه أي طالب آخر بكثير جداً. ما الذي سيثيره فيك تبريره بأنه يفعل ذلك لأنه "لا يشعر بالأمان" ويخشى "إرهاب" الآخرين له!!

ما يكون شعورك لو أن هذا التلميذ المهول كان شديد الحماس ومصراً على "صداقتك"؟ هل يزيد هذا إطمئنانك إلى العلاقة معه؟ فهو يقول لك إنه سيحميك من اللصوص، لكنه يقول لك أيضاً إنه يسعى لجعل بيتك فخاً لجلب جميع لصوص الحارة إليه ليقتلهم في حديقتك! لقد استولى منذ الآن على أكبر غرفة في البيت وأجملها لإدارة عملياته في الحارة بعد أن حولها إلى قلعة سميكة الجدران لأنه يتوقع أن يرميها أهلك والجيران بالحجارة الثقيلة، فما رأيك في ما سيؤول إليه بيتك ضمن خطة "صداقته" هذه؟

وما يكون رأيك حين تتذكر أنه يعلم أن تحت تراب حديقتك دفنت الكثير الكثير من النقود؟ وما شعورك حين يهمس بأذنك أنه سيستثمر تلك الخزائن لصالحك في مشاريع شراكة عظيمة؟
وهل يخفف قلقك أن تعلم أنه ليس هناك أحد يمكن أن يساعدك إن أنت اختلفت مع هذا "الصديق" واشتكيت، لأن مدير المدرسة نفسه، وجميع المعلمين والتلاميذ يخافون منه ويتجنبون إغضابه؟ لقد كان المحطم الأكبر لشرائع المدرسة حتى حولها إلى سخرية للطلاب. هذا رغم أن المدرسة لايسمح لها أصلاً أن تمنعه من شيء، لأنه حين دخل المدرسة إشترط مع مجموعة من "الفتوات"، أن يتم تضمين قانونها تشريعاً يسمح لأي منهم تعطيل القانون حين يقول:"فيتو"!
لاشك أنك ستفتح فمك دهشة حين يأتيك بعد هذا طالباً منك التوقيع على نص بـ "حقه" وحق من يأتي معه إلى بيتك، بقتلك دون التعرض للمحاسبة!

وأخيراً كيف يكون شعورك لو أنه حاصرك في "الصف السابع" وقال لك إنه لن يدعك تخرج منه حتى توقع أنك "تثق" به وتريده صديقاً وحامياً؟؟

ستموت رعباً بلا شك....لكنك رغم ذلك قد تفكر أن "توقع" لتتجنب غضبه، وستحاول أن تقنع نفسك: ربما كان طيب القلب...ربما أنا خائف أكثر من اللازم...ربما كانت الإشاعات عنه مبالغا بها...ربما سيكتفي بما يحصل عليه بشكل مشروع من استثمار أموالي....
ستقول لنفسك أخيراً: على الأقل ربما سيسمح لي بالخروج كما وعد،...أليس هذا سبباً كافياً؟

تقول ذلك، لكنك تعلم في قرارة نفسك أنك بتوقيعك فستشد الخناق على نفسك أكثر! فإن صرخت الآن، ربما فكر أحد بمساعدتك، أما بعد "التوقيع" فسيشهر هذا "الصديق" المرعب العقد بوجه الآخرين قائلاً: "لا تتدخلوا...نحن أصدقاء!"، ثم يلتفت إليك بغضب ويقول:"أحذرك أن تفعل ذلك ثانيةً...تذكر أنك وقعت على إنني مسؤول عن حمايتك حتى من نفسك، وأستطيع أن "أعالجك" كما أشاء!".
حينها سوف تتذكر وصية أهلك متأخراً، وتتأمل ورطتك، و.... تسكت!
لذلك تفكر الآن: إن كانت لديك أية فرصة للإفلات من هذه "الصداقة" المرعبة فهي الآن وقبل التوقيع. حركة شجاعة للهرب مصحوبة بصرخة بكل طاقتك لتسمعها المدرسة كلها: "لا أريد"!!
صرخة وركضة ربما تأخذ بسببها كفخة على رأسك أو ضربة على القفا، وقد تتمكن من الهرب أو لاتتمكن، لكنها فرصتك الوحيدة لتفلت!! فما تقول؟؟

ما شعورك لو كنت والد أو والدة هذا التلميذ؟ ألم تكن ستعمل المستحيل لتمنع إبنك من أن يتورط في مثل هذه الصداقة؟ ماذا عن الوطن؟

11 مايس 2008
 



 



 


 

Counters