| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأربعاء 10/12/ 2008



البديل الثالث للإتفاقية
لا سحب قوات مع أميركا ولاتمديد مع الأمم المتحدة بل سحب قوات مع الأمم المتحدة
(1-2)

صائب خليل

يهدف هذا المقال إلى تقديم بديل للمعاهدة الأمريكية العراقية المسماة مؤخراً باسم "إتفاقية سحب القوات الأمريكية"، والدافع لكتابتها هو الرغبة في التوصل إلى حل يمكن أن يوافق عليه فريق العراقيين المرتابين بنوايا الولايات المتحدة والرافضين بالتالي لتوقيع أية إتفاقية معها بعيداً عن الأمم المتحدة، وبين الفريق الآخر الذي رغم اعترافه بخطورة التعامل مع أميركا، أو اعترافه بانتقاص الإتفاقية المزمعة للسيادة وأنها ليست خالية من الإشكالات، فأنه يجد نفسه، وبسبب أخطار أخرى، في موقف يضطره لقبول الإتفاقية لأنه لم يتم طرح أية بدائل أو خيارات اخرى مقبولة. لقد اعتبر ان حل "تمديد بقاء ولاية الأمم المتحدة" مرفوضاً باعتباره "يعود بنا إلى المربع الأول"، وهي العبارة التي كررها بشكل أو بآخر إضافة إلى رئيس الوزراء المالكي، سكرتير الحزب الشيوعي حميد موسى ورئيس برلمان إقليم كردستان عدنان المفتي والعديد من السياسين الأخرين. ورغم أن هذا الوصف ليس دقيقاً فقد تم بناء جيش عراقي يتيح البدء باستلام الأمن وإخراج القوات المحتلة، لكن القول بإن التمديد ليس مرغوباً, ويثير الحساسيات في النفس، قول صحيح بدون شك.
وعدا هذا البديل لم يتم طرح أية أفكار أو محاولات أخرى جدية على ساحة النقاش، حسب علمي ولذا تكررت عبارة : "لا بديل" أو "لابديل أفضل" على ألسنة المؤيدين للإتفاقية بشكل عام شامل. لذا يقول السيد عدنان المفتي، رئيس برلمان إقليم كردستان: " أعتقد بأنه ليست هناك بدائل واقعية في حال رفضها" ويرى النائب هادي العامري من الائتلاف العراقي الموحد: " لا تخلو من السلبيات ولكنها افضل من الخيارات الاخرى" و حميد مجيد موسى وصف الاتفاقية بـ"اهون الشرور". أما رئيس الوزراء المالكي فيعبر عن حيرته وعدم وجود خيارات له بالقول: ""وماذا بعد؟ ....ليس لها حق الحركة؟ ليس لها حق العمل؟ عليها أن تنسحب؟ كم من الوقت تحتاج للإنسحاب؟.وهنا سنأتي مرة أخرى لعقد إتفاقية إنسحاب".
والحقيقة أن المالكي يجب أن لايجد نفسه في هذا الوضع، فهوالذي طلب تمديد بقاء القوات من مجلس الأمن "للمرة الأخيرة", وكان على علم منذ ذلك الحين بأن هذه اللحظة قادمة، وكان عليه أن يستعد لها بمجموعة من الخيارات، بل كان عليه أن يناقش ويدرس تلك الخيارات مع بقية الساسة العراقيين قبل تقديمه الطلب "الأخير" ولا يقدمه إلا بعد أن يكون قد اتفق معهم أن العراق لن يكون محصوراً في خياراته عند نهاية التمديد، لذا فهو يتحمل مسؤولية الموقف.
وحتى بعد تقديمه الطلب، لا احد يعلم لماذا لم يناقش المالكي مع رفاقه جميع البدائل الممكنة عند إنتهاء التمديد، بل لماذا لم يتحرك سياسياً لفحص فرصه الدولية ومعرفة من سيعترض ومن سيقبل وكيف ستكون ردود أفعال مختلف الدول وخاصة تلك التي في مجلس الأمن، من مختلف الإقتراحات من أجل التوصل إلى موقف واضح. لكنه الآن يقول: إن ذهبنا إلى مجلس الأمن، "ربما" لن يوافقوا....إن طلبنا من أميركا "ربما" لن تقبل...مجلس الأمن غير منسجم و "ربما" لن يسمح...الخ، ويبدو وكأن الحكومة "لم تفكر" في هذه اللحظة إطلاقاً خلال هذه السنة، فقبل اسبوعين من الآن ادهشنا الدباغ بالقول: "" حتى الان لم نصل الى مرحلة التفكير بالبدائل"! (1)
أي أن الحكومة اعتمدت كلية على نجاح المفاوضات وهذا يضع الطرف المقابل في موقف قوي جداً حين يرى أنك "لم تفكر بأية بدائل".
النتيجة هي أن العراقيين قد وضعوا خطأً أو عمداً في موقف صعب ضيق الوقت ومطالبين بإتخاذ قرار مصيري تحت ضغط الوقت إضافة إلى الضغوط السياسية والإرهابية والنفسية. وقد عبر الصدريين والعديد من الآخرين عن احتجاجهم على ضغطهم بهذا ا لشكل فقال النائب عن القائمة العراقية مهدي الحافظ:“ليس من الصحيح ان يوضع المجلس امام خيار واحد اما الموافقة او الرفض يجب ان يوجد وقت لكي تدرس بطريقة صحيحة، فهناك قضايا متعلة بالوضع المالي والاقتصادي ويجب ان تدرس بشكل موضوعي”. (2) وهو ما عبر عنه الزميل "باقر الفضلي" في مقالة له نشرت أمس وتصل إلى نفس استنتاجي هنا، فينتقد " أستلاب دور الأمم المتحدة وإختزاله بالإدارة الأمريكية، والإيحاء للمواطن العراقي بأن لا خيار للعراق من الحفاظ على وحدته وإستقلاله وأمنه إلا بالقبول بالإتفاقية. " (3)

على أية حال، لقد وصلنا إلى هذه الحالة التي امامنا ومن هنا علينا أن نتحرك للوصول إلى حل يرضي أكبر نسبة ممكنة من الشعب إن لم يكن الجميع، لأن القضية مصيرية كما يعترف الجميع بذلك, وأن نبدأ بنبذ فكرة أننا محصورون في خيارين يرفض كل منهما فريق من الشعب, وأن نبدأ بالبحث عن نقاط اتفاق وخلاف الفريقين، معتمدين على تصريحاتهم ومفترضين أنها تعبر بصدق عن رغباتهم واسبابهم ودوافعهم.
النقطة الأساسية التي نلاحظها هي أن الصدريين وبقية الرافضين الأوائل لم يعودوا وحدهم يتحدثون عن ضرورة إخراج الإحتلال واستعادة السيادة ونقاط ضعف المعاهدة، فقد حدث ما يشبه الإنقلاب في الخطاب الذي كان مؤيداً للمعاهدة في نهاية المناقشات وبعد وصول النسخة الأخيرة التي سميت "إتفاقية انسحاب القوات الأمريكية"، وصار يتحدث بخطاب قريب من خطاب المعارضين حول السيادة والإحتلال، ولم تعد الأسباب الرئيسية في قبوله الإتفاقية الرغبة في الصداقة الأمريكية والفوائد الكبيرة المنتظرة منها، وأن هناك العديد من نقاط الضعف فيها لكنها "أهون الشرور".
وهي "أهون الشرور" لدى الموافقين عليها لأنهم يجدون فيها
1) خروج القوات التحالف التدريجي ضرورة كبيرة من أجل استعادة سليمة للسلطة الأمنية والعسكرية في العراق. ويتفق جميع مؤيدي الإتفاقية على هذه النقطة حتى الذين لايذهبون إلى تصديق تهويلات وزير الدفاع بأننا إن لم نوقع سوف "نضرب في عقر دارنا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب” و أننا سنتعرض إلى "عمليات قرصنة أغرب من الخيال"!
2) الخروج من الفصل السابع
3) الحفاظ على الأموال المحجوزة واستعادتها

أما اعتراضات الجانب الرافض فأهمها عدم الثقة بأميركا وتنفيذها لما قد توقع عليه من اتفاق، وقد سارت عملية التفاوض بشكل يثير الكثير من الريبة، إضيفت إلى الريبة الموجودة بحق عن أميركا، مضافاً إلى كل ذلك عدم وجود أية سلطة عالمية يمكن ان تقاضي أميركا وتجبرها على شيء إن اختلف معها على تفسير نص أو تطبيقه. المالكي حاول الإجابة عن هذا القلق في الجانب الآخر لكنه لم يجد سوى أن يقول: " من يضمن التنفيذ؟ الإتفاقية تضمن التنفيذ! ارادة ا لشعب العراقي تضمن التنفيذ! الإحترام المتبادل للإتفاقات يضمن التنفيذ! المجتمع الدولي سيضمن التنفيذ!" لينتهي إلى القول: "أنا أؤكد أنها ستنفذ كاملة بدون نقص!" ولا يلام الرافضون أن يزدادوا إصراراً على الرفض وأن تزداد مخاوفهم بدلاً من أن تطمئن. فلا يوجد شعب في العالم يضع وطنه في الرهان بضمانات من مثل هذا، ونتوقع أن يتفهم الموافقون أن مقالق الرافضين لم يتم الإستجابة لها.
قلنا أن الموافقين صاروا في المرحلة الأخيرة يدعون إلى الإتفاقية باعتبارها طريقاً للتخلص من قوات الإحتلال واستعادة السيادة، بل ذهب بعضهم إلى أن يتهم الرافضين بأنهم يريدون إبقاء الإحتلال وإبقاء سيادة العراق بيده، وهي نفس التهمة التي طالما وجهها الرافضون إلى الموافقين. إذن فالطرفين متفقان مبدئياً على التخلص من الإحتلال واستعادة السيادة، وهذه نقطة تقارب أساسية:
فؤاد معصوم: "ان اتفاقية انسحاب القوات الاجنبية وفق الجدول الموجود جيد لأنه ينهي وجود حقبة الاحتلال" (4)

النائب عن الائتلاف العراقي الموحد قاسم داود : "عدم تصويت البرلمان العراقي على الاتفاقية سيعني حرمان العراق من مبدأ السيادة الكاملة، وبقائه تحت الحكم العسكري الأمريكي، مما سيؤدي إلى أبقاء الأوضاع السيئة الحالية في العراق" (5)

الشيخ خالد العطية النائب الاول لرئيس مجلس النواب: "اهم ايجابيات الاتفاقية هي (كونها) خطوة كبيرة للحصول على السيادة الكاملة كما انها (تحمي) كل مصالح العراق من الخطر في حال الانسحاب الكامل للقوات الاميركية".(6)

النائب هادي العامري من الائتلاف العراقي الموحد :"اتفاقية انسحاب القوات الاميركية (..) لا تخلو من السلبيات ولكنها افضل من الخيارات الاخرى" معتبرا الموافقة على الاتفاقية وتمديد بقاء القوات الاميركية "سواسية بالنسبة الى سيادة العراق". (7)

النائب حسن السنيد من الائتلاف العراقي الموحد: " انسحاب القوات الاميركية الحل الامثل لكن وفق الجدول المذكور في الاتفاقية". (8)

إذن فالحل الذي يقترح نفسه فوراً هو: "إتفاقية سحب قوات" مع الأمم المتحدة بدلاً من أميركا.
بذلك نتجنب الحساسية الشديدة وعدم الثقة التي تثيرها اميركا لدى الرافضين, وبالمقابل يتنازل الرافضون عن فكرة سحب القوات الفوري، والذي هو غير ممكن عملياً ليتم الإتفاق على جدول زمني مناسب يطمئن الجميع على سلاسة إنتقال السلطة إلى العراق.

غداً في الحلقة الثانية سوف نناقش الفكرة بالتفصيل.


(1) http://www.alrisala95.com/home/index.php?mod=article&cat=irak&article=705
(2) http://www.yanabeealiraq.com/news_folder/n22110850.htm
(3) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=154335
(4) http://www.yanabeealiraq.com/news_folder/n21110828.htm
(8) http://www.france24.com/ar/node/285721


24 تشرين الثاني 2008
 

free web counter