| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صبحي خدر حجو

 

 

 

الأحد 6/4/ 2008

 

المثقف الايزيدي .. ما لَه وما عَليه

صبحي خدر حجو

كتب الكاتب والباحث هوشنك بروكا مقالة وافية وجميلة عن المثقفين الايزيديين سجل فيها تصوراته ، وعكسَ ملاحظات العديد من المثقفين الاخرين ايضا عن الموضوع المثار للنقاش .

قد اتفق مع مجموعة ملاحظات ورؤى الاخ هوشنك في بعض الجوانب التي تطرق لها ، ولكني اختلف ايضا معه في مجموعة اخرى .

المثقف الحر او ما يسمى بـ" السوبرمان "
بحكم امتلاك المثقف بشكل عام ، لثقافة واسعة او متخصصة ( بشكل متفاوت للافراد طبعا كل حسب تحصيله العلمي وتجربته وما اكتسبه من ثقافة عامة) ، وكونه يمتلك شيئا من ناصية العلم ، فهو مؤهل اذن لاستشراف خفايا المستقبل ، هكذا باختصار ، ترسم صورة فيها بعض المثالية عن المثقف ، ونتيجة للدورالايجابي للكثير من المثقفين في تاريخ شعوبهم والانسانية ووقوفهم مع نضال شعوبهم لا بل قيادتها على المستوى الفكري والثقافي واعلاء كلمة الحق ، اطلقت عليهم بجدارة صفة ضمير الامة او الانسانية ، طبعا هذه الصفة لا تنطبق على الجميع في الوقت الراهن ، وانما على من وقفوا حقيقة وعانوا في سبيل قناعاتهم وحقوق الانسان خاصة ومصالح الناس المشروعة عامة . وافادوا البشرية بشكل من الاشكال .

اذن على ضوء ذلك ينظر الى المثقف على انه مِثال ، ويطلب منه او( يفترض فيه ) ان يقف مواقف مثالية على الدوام بغض النظر عن كل ما عداها من الاشياء ، من معوقات ، صعوبات ، جوع ، مخاطر ، اذلال ، و هلاك . وهذا بحد ذاته نظرة مثالية لا يمكن ان تتحقق ، او لا يمكن تطبيقها على الجميع ، و لا يمكن لاي كان من المثقفين القيام بها ، سوى قلة قليلة سنأتي على ذكرها .

أذن لا يمكن ، لا بل من الخطأ النظر بمثالية مطلقة الى المثقف، او مطالبته بمواقف مثالية على الدوام ، ولا يصح ايضا ، بل من الخطأ تقييّم المثقف خارجاً عن محيطه الاجتماعي والسياسي والجغرافي ، أي عزله عن كل ما يحيط به ، والنظر اليه كشيء قائم بذاته خارج الزمان والمكان والظروف .

لاشك ولا اختلاف بين اثنين ، لو ( افتراضا ) ان تمسك كل المثقفين بقناعاتهم الحقيقية وتوحدوا ، خاصة في الدول ذات الانظمة الحزبية او الدينية الشمولية ، لتغيرت موازين القوى لصالح قضاياهم المرتبطة بقضايا شعوبهم .

ان النظرة والتقييم الصحيحين يجب ان يأخذان الكثير من الوقائع والحقائق الموضوعية والانصاف ايضاً في عملية التقييم هذه ، ومن ضمن هذه الوقائع :

المثقف هو انسان كباقي الناس قبل كل شيئ ، وهو صناعة اسرته و بيئته وجغرافيته ، على الاقل في فترة الطفولة والمراهقة والشباب واحياناً حتى النضوج ، وفي جميع هذه الفترات يكون الانسان متأثرا على الاغلب بما تلقاه او تعلمه في هذه الفترات الهامة من حياته ، حتى وان لم تكن ظاهرة عليه ، فهي تعيش كـ( خزين ) احتياطي في وعيه وعقله الباطني ، تؤثر في مسيرته وفكره بهذا القدر او ذاك ، واحياناً تطبعه بطابعها المميز.

والمثقف هو ايضا ، وليد الظروف الاجتماعية والاعراف والتقاليد ، يتاثر بها لا ارادياً احياناً لانه نشأ في وسطها وتشرب من مفاهيمها واوجدت لها مكاناً في وعيه الداخلي . فالكثير منا وما زلنا لا نؤمن بالكثير من العادات والممارسات والتقاليد والاعراف الاجتماعية القديمة ، ولكننا نمارسها بهذا القدر او ذاك كلٌ لحسابات او اعتبارات خاصة به ، وبمجموعها ( الاعتبارات ) تعني ان لا يعزل المثقف نفسه عن مجتمعه ويعيش منفصلاً عنه، بحيث يضعف او يزول تماماً التأثير الذي كان يود احداثه في هذه العادات والاعراف او في المجتمع نفسه .

والمثقف هو ايضاً ، يتأثر بالبيئة الدينية التي نشأ عليها في اسرته او محيطه ، وتبقى تأثيرات هذه النشأة في اعماق وعيه الداخلي ( مخفية ) فترات بعيدة ، وفي الكثير من الحالات تظهر على السطح وتسيطر على نهج الانسان ومساره المتبقي من الحياة ، فالكثير من الاحداث والتجارب في محيطنا ولدى الكثيرين من معتقدي الاديان الاخرى ، ممن يدرسون علم الدين والعلوم المتفرعة عنه في المدارس ودور العبادة الاخرى ( مساجد وكنائس ، معابد ) وبشكل منهجي ومتواصل ، قد كشفت لنا ، ان الكثير من شباب معتنقي تلك الاديان وان تمردوا في فترة المراهقة والشباب وحتى منتصف الكهولة ايضا، ويظهرون بمظهر كأنهم لم يتأثروا قط بما درسوه من تلك العلوم ، ولكن في فترة ما وعلى الاغلب في نهاية الكهولة من العمر نلاحظ ان تلك الافكار والتربية الدينية التي اختزنت في وعيهم الداخلي تداهمهم وةظهر الى السطح بكل قوتها وعنفوانها وبالتالي هي التي تسود على تفكيرهم وسلوكهم اليومي ، واحيانا بشكل متطرف . ويتصور مَنْ لا يعرفهم بانهم منذ طفولتهم قد درجوا على هذا التفكير والسلوك التديني . وهذا ما نلاحظه عند الاغلبية الساحقة من مثقفي البلدان العربية والاسلامية ،لانهم قد تشربوا بتعاليم الدين بشكل ممنهج ودائمي ، فهم بشكل عام لا يدورون الأ في اطار الدين في تفكيرهم وكتاباتهم وسلوكهم ايضا ، مع وجود استثناءات تعتبر قليلة قياساً للاغلبيةالساحقة.

باعتقادي ان هذا الامر لا ينطبق على المثقف الايزيدي، بسبب عدم وجود تربية دينية منظمّة ومحددة له لا في الاسرة ولا المدارس ولا في اماكن خاصة بذلك ، باستثناء ما يتلقاه عن طريق المشاهدة او الوصايا اليومية البسيطة اومشاهدة بعض المراسيم والطقوس في فترات متباعدة ، اضافة الى مسألة هامة اخرى ان تعاليم الدين الايزيدي ووصياه لا تقود اصلاً الى التطرف حتى وان تعمق الفرد فيها لانها غير تبشيرية و لا تحمل ضغينة تجاه المعتقدات الاخرى وانما تجلّها وتدعو الى احترامها . ولهذا لا تترسخ المبادئ والتعاليم الدينية في نفسية الانسان الايزيدي بشكل عام والمثقف بشكل خاص ولا تشكل ( خزيناً ) كبيرا او مهما في وعيه وعقله الباطني بحيث اذا ما طفرت في مرحلة من عمره فان تأثيرها لن يكون ذا اهمية ولن تطبع سلوكه وبقية حياته بطابعها . ولكن هذا الامر يختلف عن موضوع الاعتزاز بالهوية الايزيدية ، برغم( ما يحمله المثقف من مآخذ على الدين نفسه، او ضعف او انعدام القناعة به ) فهي ( الهوية ) عند العامة والمثقفين الايزيديين ليست محلاً للنقاش ، فالاعتزاز والاستعداد للتضحية لاجلها ولصونها متوفرة لدى الجميع وان بدرجات متفاوتة طبعاً.

المثقف ، وطبيعة النظم السياسية ..
ان العوامل السياسية وطبيعة الانظمة القائمة في البلد هي العامل الاول والاهم التي تؤثر بقوة على المثقفين بشكل عام ، او بعبارة اخرى ان هذا العامل وتاثيراته المتشعبة لها التأثير الاكبر في المسار الذي يختطه المثقف .. ففي بلدان العالم الثالث وبشكل خاص بلدان الشرق الاوسطية ذات الانظمة الدكتاتورية والشمولية وفرض الثقافة القومية او الحزبية او الدينية الوحيدة الجانب وفي عقود كثيرة ، وفي ظل اجراءات وسياسات التهديد والوعيد ( سياسة الجزرة والعصا ) والاغراءات والتأثيرات الهائلة و الكثيرة وعلى مختلف المستويات على المثقفين لاجل كسبهم الى السلطة وحزبها لضمهم الى جوقة المطبلين والمزمرين ومبيضي وجه السلطة والمدافعين عنها ، قد شوهت المشهد الثقافي برمته ، وشوهت صورة الكثير من المثقفين او الذين يحسبون على الثقافة ، ومرغت تاريخ وسمعة بعض الاقطاب منهم ، وهنالك امثلة عديدة ولكن لا ينبغي ذكرها ..

نعم اصبح المثقف مطلوبا ومرغوبا اكثر من اية شريحة اجتماعية اخرى من قبل السلطة السياسية ، من زمن بعيد ، بعدما تبين تأثيره ودوره الواضح في المجتمع ، خاصة مع تنامي وسائل الاعلام بمختلف اجنحتهاواجنداتها . اذن اصبح المثقف هو العملة الثمينة للسلطة ، فهي تبذل كل المساعي والجهود من اجل كسبه الى صفها ، وكالاخطبوط تماماً تحيط بالمثقف من كل الجهات ، وهي تمتلك كل مصادر القوة والمال والاغراء والتاثير والتشويه ايضاً ، والمثقف اعزل الأّ من ثقافته وبقليل من دعم الاصدقاء والاقرباء والمؤازرين الذين يتشتتون شذر مذر اذا ما اشتد الضغط ، لا بل اذا احتدم الصراع تحاول السلطة السياسية ان تؤلب عائلته واهله و الاقربون واصدقاؤه عليه ، فضلا عن الاستعداد التام لتشويه سمعته من خلال سناريوهات معدة ومحكمة تنطلي على المجتمع المسكين والمضلل في الكثير من الاحوال .... وهنالك امثلة كثيرة على ذلك في الكثير من البلدان العربية والاسلامية ومنها العراق ايضا.. ومن بين مئات الالاف من المثقفين لم يستطع الصمود ، وتمثيل دور المثقف الملتزم بفكره وقناعاته بجدارة ، الاّ قلة قليلة قياسا للكم الهائل من المثقفين ، واغلب هؤلاء ايضا غادروا ولم يتمكنوا من البقاء في بلدانهم انما لجأوا الى بلدان الحرية في الغرب .

ورغم ما يجري في العراق من حراك سياسي بعد سقوط النظام الصدامي البائد ، وما فيه الان من حرية الرأي والكلمة وكثرة القوى السياسية الناشطة ، الاّ ان الملاحظ رغم ادانات القوى السياسية التي كانت معارضة للنظام السابق لتصرفات النظام وسلوكه تجاه المثقفين وو...الخ الاّ انها نفسها هذه القوى السياسية الحاكمة الان ، تنطلق مع الاسف في تنفيذ اجندتها من نفس المنطلقات الذاتية والانانية للنظام السابق وكأنه( لا رحنا ولا جينا ) ، ومن تلك الاجندة كسب شريحة المثقفين ، وهي تولي هذه المسالة اهمية ما بعدها من اهمية ، للتوسع الهائل في عدد هذه الشريحة ولتزايد دورهم وتأثيرهم في الحياة المدنية في المجتمع . فهي وبكل جدارة تعيد تجربة النظام السابق بحذافيرها ، وتبتكر اشياء جديدة لتحديثها كي تكون كالبضاعة الـ " المحسنة " . وهذا الامر حقيقة يشمل كردستان اكثر مما يشمل بقية العراق على الاقل في الوقت الراهن ، بسبب ان السلطة في كوردستان هي محصورة بين حزبين ، يوما بعد اخر تتحول سياستيهما الى شمولية( يفرض الحزبان نهجيهما على كل مفردات الحياة في المجتمع الكوردستاني ) ، بينما في العراق المركز ما زالت الخيارات افضل بسبب تعدد قوى الصراع خارج وداخل السلطة الحاكمة. .

المثقف الايزيدي ومسؤولياته خارج شؤون " الثقافة "
المثقف الايزيدي هو كأي انسان من لحم ودم ومشاعر وافكار ، وهموم ، له مسؤوليات كثيرة خارج شؤون الثقافة ، مسؤوليات عائلية ، اجتماعية ، عشائرية ( نعم عشائرية ولا استغراب منها في عراق اليوم ) ، دينية ، قومية وغيرها .

واذا كان تحصيل الرزق في الظروف المعيشية الصعبة في العراق وكردستان اليوم وضمان الحد الادنى لمعيشة العائلة والاطفال لا يكون الا بالحصول على وظيفة ، واذا كانت الوظيفة لا تمنح ولا ترسو على احد مهما كانت كفاءته وقدراته وثقافته وعلو شهادته ، الاّ بانتماء حزبي واضح المعالم ، او تزكية حزبية في الاقل ، ما هو موقف المثقف في هذه الحالة ؟؟. وقد اصبح وضع المثقف الايزيدي لا بل كل

الايزيديين كمن ينطبق المثل العربي الخاص بالغزوات القديمة عليهم ( العدو من امامكم .. والبحر من ورائكم ) !

في احدى زياراتي لقريتي في العراق قبل اكثر من سنة ، زارني احد الكتاب الشباب ذوي الامكانيات الكتابية الجيدة ، عاتبته على بعض المواقف ، وذكرّته باهمية تأكيد الموقف المبدأي للكاتب ، اجابني باختصار بليغ " المعيشة يا سيدي " .

على الاهمية البالغة لهذا " السلاح " المؤثر والذي يسلط كالسيف على الرقاب ، لا تعطي الاحزاب الحاكمة اهمية للمثل الشعبي التاريخي القائل ( قطع الاعناق ولا الارزاق ) ولا تعتبر به . فكل شيئ جائز ومشروع في عرفهم لاخضاع المقابل .

وعلى ما ذكرناه من اهمية هذا السلاح ، ولكن السلطات لم تكتفي به ، وانما لديها احتياطي هائل من الامكانيات والمؤثرات والوسائل الاخرى التي تردع بها أي مثقف لا ( يعدّل من مشيته ) ولا يكون طوع البنان . وكان المثقفون المساكين في داخل الوطن يحسدونا نحن مثقفي المهجر على الفرصة و الحرية والجرأة التي نمتلكها في حرية التعبير بكل ما نريد ، ولكن خلال بضعة سنوات لحقت بعضنا " بركات " الشمولية تلك ، على شكل تهديد عائلة هذا الرسام او ذاك الكاتب او او .. باشكال وارناك مختلفة ، وحالة الصديقين قوال سفو صاحب موقع بحزاني ، والكاتب بيرخدر جيلكي في الفترة الاخيرة خير مثال. .

هل يحق لنا ان نطلب من جميع المثقفين ان يكونوا مثالاً وقدوة و( سوبرمانا ) ، وتحدي كل تلك الضغوطات والمؤثرات والاحتفاظ بقناعاتهم ومقارعة مخالفيهم مهما كانت النتائج ؟؟

نعم يمكن ان نطلب منهم فهذا واجبنا ، وان نشجعهم ونمد لهم يد العون المعنوي وندافع عنهم ، ونعرّف الرأي العام بقضيتهم ، ولكن في نفس الوقت علينا ان نكون واقعيين وموضوعيين ، اذ لا يمكننا ان نحمل حمل جميع هؤلاء المثقفين ، ويجب ان لا يسود التقدير الخاطئ لدينا من ان بامكان هذا الدعم المعنوي فقط اسناد كل هؤلاء ، او يعينهم في محنتهم الى النهاية .

ان قضية ، درجة صمود المثقف امام المحن والتجويع والتهديد والملاحقة والضغوطات النفسية والمادية ، لحمله على تغيير قناعاته او افكاره المؤمن بها ، تعتمد على عوامل عديدة ومهمة في نفس الوقت ، منها درجة قناعته وايمانه بالافكار التي يحملها ، درجة ايمانه بقدسية الحرية الشخصية والتفكيرالتي من حقه التمسك بها ، تساميه الكبير على ملذات الدنيا والامتيازات والملكية الشخصية ، درجة ايمانه بحتمية انتصار فكرته او وصولها للنهاية المنطقية وان آجلاً . اتصافه ببعض المواصفات الشخصية الاخرى كالتحمل والصبر وحرصه على المحافظة على كرامته و سمعته وشعبيته في نظر الناس .

كما نرى ان اتخاذ الموقف المبدأي والعمل بقناعة المرء ليس امراً هينا في بلدان كبلداننا ، فهي تحتاج الى توفر مواصفات غاية في الصعوبة والتضحية لا تتوفر الاّ في الانسان البطل ( السوبرمان ) ، فمن يجتاز مثل هذه الموانع ويتسامى على كل الجراح والالام ويثبت على قناعته الراسخة فهو بحق يستحق ان يلقب ببطل ،

ولكن على ذكر التضحية من المهم ايضا التفريق الان بين الاشكال الجديدة التي ظهرت في موضوع التضحية ، فالصمود والتضحية من اجل الافكار البناءة والتي تخدم المصالح المشروعة للناس وتخدم حرية الوطن وحرية التعبير وحقوق المرأة وحرية الاجتماع والتظاهر واقامة الجمعيات و..الخ يجب تمييزها عن تلك " الشهادات " التي تستهدف قتل الابرياء والمدنيين والمستشفيات والمدارس والمناطق الآهلة بغية الحصول على الحوريات والجنان التي لا وجود لها في مخلية تلك الوحوش ذات الوجوه الادمية !!.

وهل يصح ان نطلق على من لا يستطيع المقاومة الى النهاية بالمثقف الهامشي او الشفوي ؟؟ .

انا شخصيا لا أعتقد بصحة ذلك ، انما برأيّ وبتفسيري للامر ، انه يمكن ان نطلق اسم الهامشي او الشفوي على المثقف الذي يمالئ السلطة بقناعته ( لمصلحة او مركز وظيفي او حزبي او لقناعة فكرية معينة كأن تكون قومية او دينية او ايديولوجية ) ويصبح جزءا من ترسانتها ، فالسلطة الدكتاتورية او ذات الطابع الشمولي او الحزبية سمها ما شئت ، ستزول حتما ان عاجلا او آجلا ، وستزول ايضا الافكار والثقافات التي فرضتها على المجتمع ان عاجلا او آجلا ايضا ، وبهذا يكون هذا المثقف المرتبط بالسلطة شفويا او هامشياً ، وسينتهي دوره او الثقافة التي كان يروج لها طال الزمن او قصر ، وستبقى الثقافة الصحيحة المعبرة عن واقع الحياة ومصالح الناس .

وما قيل سابقا وحاليا عن التوجهات الدينية لدى بعض الكتاب او اغلبهم ، لانهم يكتبون في الشأن الايزيدي ، فذلك تقدير في غير محله من ناحية مَنْ يعتقدون بذلك عن قناعة ، ومغالطة مقصودة من ناحية اخرى ممن يريدون بها قصدا سياسيا وتشويهاً لمواقف هؤلاء الكتاب ، واتفق مع ما كتبه الاخ علي سيدو في مقاله الموسوم ( ماذا نريد من المثقف ؟ والمنشور في بحزاني نت .. ) . وكما ذكرت في اعلاه من ان الايزيدي اصلاً ليس له خزين ديني في وعيه الداخلي ، خاصة المثقفين و بالاغلبية الساحقة منهم ، سيما ان لديهم الكثير من الاسئلة والشكوك والتساؤلات وعدم الرضا عن الكثير مما ينسب الى الدين او بعض العادات والتقاليد البالية التي تنسب اليه ، ويعبرّون عن الكثير من انزعاجهم الواضح والعلني من القيادة الدينية والدنيوية لعدم الشروع بالاصلاحات في كل المفاصل حتى المهمة منها ، كيف يفهم على هذا الاساس ان المثقف الايزيدي هو مرتبط بالدين اكثر من ارتباطه بالثقافة ، وبرأيّ ان الكتاب الايزيديين وانا واحداً منهم لا بل حتى الباحثين والمتعمقين منهم في الشان والتاريخ والنصوص الدينية هم غير متدينين اصلا ، ولا يمارسون أي شكل من اشكال التدين ، انما جميعنا نكتب في الشأن الايزيدي كأقلية تمتلك ( سمات قومية + دينية ) وهذه الشؤون تتعلق بمحاولة الحفاظ على خصوصيتها اولا ، وثانياً النضال ضد محاولات تهميشها وتذويبها في المجتمع المحيط بها والتعامل معها على قدم المساواة مع الاطراف الاخرى ، وثالثا الدفاع عن المصالح المشروعة الاخرى( اقتصادية ، خدمات ، مشاريع ، معالجة البطالة ، فتح مدارس ، توظيف و..الخ ). ومن خلال التجربة لم يلاحظ ان هذا الامر يتعارض مع القناعات الفكرية والسياسية المختلفة للاغلبية الكبيرة من الباحثين و الكتاب والمثقفين بما فيهم غير المؤمنين اصلا بالدين ، تجمعهم في ذلك الهوية الايزيدية التي يعتزون بها ومستعدون لحملها والدفاع عنها .

ان ما يكتب عن وضع المثقفين الايزيديين من حقائق وقريباً عنها ، ومن وصف سلبي لتشرذمهم وتشتتهم بين الولاءات الحزبية واللامبالاة ، فيه قدر كبير من الصحة ، ولكن لو عاينا الوضع العام لكل مثقفي العراق ، ومثقفي الاقليات الدينية او القومية الشبيهة بالايزيدية ، نلاحظ ان نفس العوامل والاسباب التي تعيق وحدة المثقفين الايزيديين هي هي نفسها تعيق وحدة المثقفين في العراق وفي الاقليات القومية والدينية الاخرى ايضا ، اذ يلعب الظرف السياسي المرتبك الحالي والممارسات السياسية المشوة وباسم الديمقراطية ، وشراهة القوى السياسية المتنفذة لجمع اكبر عدد من المثقفين التي تنظر اليهم كـ ( قطيع ) ، بنفس شراهة استيلائها على الاموال العامة وتبذيرها ، وعدم ترسخ مبادئ واقدام الديمقراطية بعد’ . والدورالواضح لهذه القوى في محاولة منع نجاح اية محاولة لتوحيد المثقفين باية صورة من الصور الاّ اذا كان تحت خيمتها ، حقيقة ان دور القوى المتنفذة هو في الكثير من الاحيان معطل لدور المثقفين ، او يؤدي الى تجميد الكثير من الطاقات والامكانيات وتحجيمها وفي نفس الوقت استغلال امكانيات عددا كبيرا منهم في غير المجالات المنتجة او البناءة والمبدعة . .

اذن علينا ان نتفهم و نستوعب تماما كل الظروف المحيطة بالمثقف الايزيدي ، وان نعي كل الاجواء و المؤثرات خاصة السلبية منها التي يعيش في وسطها ، عندما نتصدى لتقييمه ..

ولكن مع كل التبريرات الموضوعية التي اعطينا فيها بعض الحق للمثقفين في خضوعهم للامر الواقع ، فان ذلك لا يعني ابداً اعفاء بعضهم من المسؤولية الشخصية ، فهنالك العديد منهم مع الاسف الشديد بامكانهم ببعض التضحية ابداء المزيد من المقاومة والاحتفاظ قدر الامكان باستقلالهم الفكري والثقافي ، والعديد الاخر منهم انانيون لا يفكرون بالثقافة اصلا وانما يستخدمونها مطية لتحقيق اغراضهم ومشاريعهم غير المشروعة ، والبعض الاخر يعتبر ان الفرصة قد جاءته وتجري الرياح في صالحه ولا يمكن ان يضحي بهذه الفرصة الذهبية فيغرف ويلهف ما استطاع الى ذلك سبيلاً ، وله الاستعداد الكامل ان يتحول الى سوط بيد السلطة يلهب ظهور زملائه ، وما شأنه بالثقافة او الناس الاخرين او المبادئ التي ما هي برأيه الاّ خزعبلات غير مرغوب بها .

ولابد من التذكير بحقيقة هامة اخرى ، ان أي تقيّيم للمشهد الثقافي الايزيدي ومثقفيه ، لابد ان يأخذ بنظر الاعتبار قصر الفترة الزمنية لظهورهم وتواجدهم ، اذ كان اول ايزيدي عراقي يسجل كتاب باسمه المرحوم الامير اسماعيل جول بك كان ذلك في الاربعينات على ما اذكر، وفي اوائل السبعينات ظهر كتاب مشترك للكاتبين خليل جندي وخدرسليمان ، وبدأت الحركة الثقافية الحقيقية بعد انتفاضة آذار 1991 ، وتأسيس مركز لالش ، وثم المراكز الاخرى وصدور مجلة روز في المهجر وصدور كتب و مؤلفات اخرى ، ونشّط هذه الحركة بشكل اكبر بروز المواقع الالكترونية ولعبت بالتأكيد بحزاني نت دوراً ايجابيا ورائدا في هذا المضمار الى جانب المواقع الاخرى . اذن ان تاريخ المثقفين الايزيديين قصير وقصير جداً اذا ما قيس بالاخرين ، والعبرة الايجابية الثمينة هي في توجهاتهم العلمانية والديمقراطية و الليبرالية ، وان كانوا في احيان قليلة ما زال ينجرالبعض القليل منهم ، خارج النقاش العلمي الرصين ، ويلجأ للمهاترات الشخصية ، ولكنها حتماً حالة مؤقتة ستزول مع تزايد الخبرة والتجربة والنضوج. .

وهكذا من اجل الحصول على مثقفين احرار واصحاب مواقف مبدأية ولا يعبرّوا الاّ عن قناعاتهم ولا يخضعوا لاية ضغوط ، يجب ان تتوفر لهم البيئة الملائمة والصحية والديمقراطية الحقيقية التي تطلق الطاقات والامكانيات في كل المجالات وفي كل الاتجاهات ، وهذا لن يتحقق الا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي علينا ان نسعى لبلوغه مهما كانت التضحيات والمعاناة وكلما خسرنا مجموعة من زملاء الطريق لابد ان يحل محلهم اخرون .

والاّ ما سر مئات الالاف من المثقفين اذا لم نقل ملايين في مختلف فروع الثقافة في البلدان العربية والاسلامية بشكل خاص والنامية بشكل عام ، لا تجد سوى القليل والقليل جداً منهم ممن حافظ على قناعاته الحقيقية وتمسك بها للنهاية وضحى بكل شيئ في سبيلها ، رغم كل الضغوطات والمحاربة والتهديد بالقتل ، وتحولوا بجدارة الى سوبرمان ورمز شامخ من رموز الثقافة والقناعة الحرتين ، ستحتفي الثقافة والبشرية بذكراهم واثرهم على الدوام.

مع احترامي للاخ هوشنك على اثارته هذا الموضوع الهام .


06 / 04 / 2008
 


 

Counters

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس