موقع الناس http://al-nnas.com/
مقالــــــــــــة.. تســــاوي .. اقالــــــــــة
صبحي خدر حجو
الخميس 16 /2/ 2006
وضع العراق السياسي ، يتسم بتداعيات وظواهر عجيبة وغريبة ، بحيث
اصبحت تحيّر المرء ، وحتى المحللين السياسيين وغير السياسيين وكل جهابذة مفسري
ومنظري الديمقراطية عن تطبيق القياسات النظرية او العملية بكل انواعها على ما يجري
في العراق من احداث ، ورغم ان النظام البائد كان ايضا قد حيّر المحللين وخاصة
الستراتيجيين منهم كثيرا وعلى مدى بقائه في السلطة، خاصة في السنوات الاخيرة من
عمره ، ولكن الوضع الحالي فاق كل تلك التوقعات وربما يسجل رقما قياسيا في ما نسمعه
من جديد من تلك التي اشكلّت على ماسكي السلطة وضع حلول لها . واول تلك الامور هي
قضية العملية السياسية الديمقراطية التي تتعلق انظار الشعب بكافة فئاته بها
وبمسرتها المتعثرة والتي ما زال امامها جبال من العقبات . وان ما يقال عن ان
المشكلة الاساسية من هذه العراقيل تكمن في انعدام الوعي لدى شرائح الشعب العراقي
بالديمقراطية فهذا ليس صحيحا بتاتا . وانا شخصيا رغم قناعتي بأهمية هذا القول ولكني
اصبحت اميل يوما بعد آخر خاصة بعد التجارب الكثيرة وخلال هذه السنوات الاخيرة ،
توصلت الى قناعة انه بالقدر الذي يحتاجه شعبنا الى الوعي بالديمقراطية الحقيقية ،
فان احزابنا وقادتهم وكوادرهم هم بحاجة اكثر من ذلك باضعاف ! وهنالك الكثير من
الوقائع التي تلمسناها والتي تؤكد على صحة هذا الرأي . ولست بحاجة الى ايراد الكثير
من الامثلة اليومية او الاسبوعية ، انما اتوقف عند واحدة منها واعتبرها فضيحة
بجلاجل كما يقول الاخوة المصريون ، فقبل اشهر تم اختيار احد المثقفين الايزيديين
لوظيفة مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الايزيدية ، الدكتور ميرزا حسن الدنايي ، الشاب
المثقف والمليئ بالنشاط والحيوية والغيور على مصلحة شعبه العراقي والكوردستاني .
وقد استبشر الايزيدية خيرا واعتبروا ذلك نجاحا ما بعده نجاح وسابقة تاريخية بالنسبة
لهم ، رغم ان هذه الوظيفة هي تشريفية اكثر منها عملية ، واعتقدوا ان ذلك ربما سيفتح
عليهم ابواب الخيروالمكاسب التي تعوضهم عن بؤسهم المزمن ، ويظهر ان المساكين كانوا
متفائلين اكثر مما يجب ، خاصة بعد ان جرد الوزير الايزيدي من حقيبته الرمزية
اليتيمة ، واعتبروا وعن حسن نية( زائدة شوية ) بالقيادة بانه ربما هو شيء من
التعويض على تلك الخسارة التي احبطت معنوياتهم ورمتها على الارض . وعودتنا قياداتنا
على ان يبقى اندهاشنا وذهولنا مستمرا من موضوع الى آخر ، فما كان من السيناريو (
البوليسي ) الغامض في قضية تغييب الايزيديين والاخوة المسيحيين والشبك من
الانتخابات الاولى ، والحرص الشديد بكل اشكاله على ضمان اصوات الايزيديين ورفاقهم
الشبك في الانتخابات الاخيرة وغيرها الكثير . المهم نعود الى صاحبنا المغدور
الدكتور ميرزا ، اذ انه كغيره الكثير من الايزيدية لم يكن مطمئنا لما يجري وراء
الكواليس من طبخات فاسدة للاقليات ، رغم التطمينات الكثيرة والمتنوعة التي اطلقت
جزافا للايزيدية المساكين من ان حقوقهم مضمونة باكثر من اصواتهم وباكثر مما يستحقون
من قبل قائمة التحالف الكوردستاني ، ولكن د . ميرزا وبحكم قربه من مراكز القوى علم
بعد ان نشرت احدى الصحف الكوردية استثناءا ، قائمة بأسماء المرشحين للانتخابات
لقائمة التحالف
الكوردستاني وظهر ان القائمة تحتوي على اسمين من الايزديين ، ولا ( حظّ ) لهما في
الحصول على مقعد . ولم يكن هنالك متسع من الوقت لان يتم تحريك الفعاليات الايزيدية
لكي يستطيعوا ان يعالجوا الامر ، مما ادى بالدكتور
ميرزا ونتيجة غيرته وحرصه الشديد على حقوق ابناء جلدته ، ان يسطّر مقالة ، وانا
اعتبرها اثمن مقالة ربما كتبت في العراق ( اذ انها عادلت منصب مستشار الرئيس ) ودعا
فيها التحالف الكوردستاني الى معالجة هذا الخلل وازالة الغبن الواقع على الايزيدية
،( خاصة ان قادة التحالف الكوردستاني يعتبروهم في تصريحاتهم بانهم اصل الاكراد )
وفي حالة خلاف ذلك فيحق للايزيديين ان يتخذوا الموقف الذي يخدم مصالحهم ، ومن
الجدير بالذكر انه اشار في المقالة الى انه يكتب كمواطن وليس انطلاقا من موقعه
الوظيفي ! وبدلا من تفهم فحوى الرسالة المعبّرة عن ضمير الايزيديين فقد تحركت
خفافيش الظلام ومن وراء الكواليس حزبيا وكوردستانيا واعتبروا ان ذلك بمثابتة دعوة "
انقلاب " ربما سيؤدي ذلك الى العصف بكل " مكاسب " كوردستان !! وسرعان ما وضعت تلك
القوى المتحركة في الظلام الخطة المحكمة " لتخليص " كوردستان الحبيبة من هذا الخطر
الداهم ! فاوعزت الى ضرورة عزل هذا العدو والذي شبههوه بخطرانفلونزا الطيور!!
وقضوا على فرحة الايزيديين اليتيمة البائسة ، واصروا على ان لا تمتد فرحتهم حتى
انتهاء ولاية الفقيه عفوا ولاية الرئيس . وربما كانت تلك القوى تنتظر من الدكتور
ميرزا ان يعتذر عن مقالته كثمن لاصلاح الامر ، ولكنه ( ميرزا ) وقف وقفة المثقف
المبدأي والرجل المدافع عن قناعاته الصحيحة والوقوف مع شعبه في محنته ، مضحيا بكل
تلك المغريات التي لا يمكن ان تساوي شيئا بنظر الانسان الذي يحمل في نفسه قيم الخير
وينتمي بحق الى شعبه .
وقد اثبتت الاحداث والوقائع صحة تقديرات السيد ميرزا الدنايي ، اذ ظهرت النتائج
النهائية للقوائم الفائزة ، لتظهر انها بياض في بياض بالنسبة للايزيدية ، فبعدما
كان لهم ( 3 ) نواب ، فقد سلبت اصواتهم واستغلت ايما استغلال !، وتركوا على قارعة
الطريق يغنون ياليلي ياعين . وكأن لسان حال جماعة التحالف الكوردستاني يقول لهم :
انصرفوا الى حال سبيلكم ، فنحن لا نحتاجكم بعد الان، فلا قيمة لكم ....
نعم خسر الدكتور ميرزا الوظيفة ـ المنصب ، ولكنه كسب احترام الناس وحبهم العميق له
، واثار اعجاب بسطاء الايزيديين وحماسهم ، وقدم للايزيديين وبكل شرائحهم المثل
الايجابي الجيد عن المثقف الذي يمكن ان يضحي بالكثير من اجل مصلحة شعبه وقومه ،
بخلاف التجارب السابقة الراعية للولائم و المحبطة للعزائم .
وفي نفس الوقت اضيفت تجربة جديدة وبرهانا واضحا على هزالة ديمقراطية الاحزاب
والقيادات ، التي " تتطير " من مقالة بسيطة ، وتلجأ الى اسهل واسرع الحلول في
الازاحات و التصفيــ....
كما كانت هذه التجربة درسا قاسيا وبليغا لكافة الايزيديين ، وفتحت اعينهم على من
يتوجب عليهم مستقبلا ان يضعوا ثقتهم فيه .
حبنا واحترامنا لك دكتور ميرزا ، وانت في القلوب .
المانيا ــــ 16 / 02 / 2006