| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح حسن عبدالأمير

 

 

 

 

الجمعة 7/9/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 



الشهيد علي محمد النوري


صباح حسن عبد الامير- كربلاء

"
اللافت سيكولوجيا أن معظم القياديين الشيوعيين من أبناء رجال الدين كانوا الاقدر على تحمل أقسى أنواع التعذيب بشجاعة نادرة، وفي رفض الاعتراف على رفاقهم، والاكثر أخلاصا لمبادئهم و التضحية بارواحهم من أجل معتقداتهم ".
                                                                  حسين قاسم العزيز (الباحث في علم الاجتماع)


وشهيدنا أبو أحسان من هذا الركب ، ولد عام 1936 في كربلاء من عائلة دينية ومنه كانت تربيته و علومه ونبغ في حفظ و قراءة الشعر العربي و تفوق فيه و ظهر تفوقه على أقرانة في البيت والمحلة و المدرسة فكان يجمع اخوته واهل بيته و يقرأ عليهم ما يحفظه من الشعر كل يوم حتى سمته جدته بلبل البيت ، وفي بداية الخمسينات بدأ ينشر مقالاته في احدى الصحف اليومية البغدادية، أثارت أهتمام الخطيب المرحوم الشيخ عبد الزهرة الكعبي، وطلب من أبوه الاهتمام به و رعايته. كان الشهيد يقضي معظم أوقات فراغه في المكتبة المركزيه في ساحة البلوش، وصار يشترك مع زملائه في حلقات الادب والشعر والمطاردات الشعرية في الصحن الحسيني الشريف.
يتحدث عنه شقيقه كيف أصر ان يسجله في مدرسة حكومية بدل ان يذهب به الى الكتاتيب او العمل في محل والده.
عام 1954 وبعد احتدام الصراع الوطني في العراق فقد اشتركت الاحزاب الوطنية في الانتخابات النيابية تلك السنة. ولخوف السلطة من فوز مرشحي المعارضة قامت بنفي بعضهم ومنهم الشيخ محمد حسين الشبيبي (من اقطاب حركة أنصار السلام والحركة الوطنية و الذي كان لابنائه دور كبير فيها منهم الشهيد حسين الشبيبي من مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي واعدم مع قيادة الحزب في 1949 و المرحوم علي الشبيبي –ابو كفاح – الشخصية التي كانت لها مقام جليل بين أدباء كربلاء و حضور دائم، وقد قام بتوثيق الكثير من الحياة الاجتماعية و السياسية في كربلاء و العراق ظلت حبيسة المخطوطات حتى الان) من النجف الى كربلاء. أستقبلت الحركة الوطنية و الجماهير الكربلائية الشيخ الجليل، ونظم له الوطنيون في كربلاء مجالس استقبال عديدة في المدينة كان طابعها العام الادب و العلم و الدروس الوطنية المستقاة من ثورة الحسين. أصطحب محمد علي الشروفي ( من كوادر الحزب الشيوعي في كربلاء ) صديقه الشهيد النوري الى مجلس الشبيبي. وكانت هناك مناظرات في الادب و الشعر بين الشيخ الشبيبي و النوري و التي رسخت لدى شهيدنا بداية العمل السياسي و الجماهيري.
و بعد ألغاء الانتخابات رفع النفي عن الشبيبي و سمح له بالعودة الى النجف ، نظمت القوى الوطنية مظاهرة كبيرة صاحبت الشبيبي في رحلة عودته و كان شهيدنا مرافقا للشيخ طيلة مدة رجوعه وعند عودته أنظم الى الحزب الشيوعي ( القاعدة ) و على يد صديقه الشروفي. فبدأ بدراسة الفكر الماركسي ولتصوغ منه قائدا شيوعيا عنيدا تمرس باخلاق نبيلة صنعت منه قائدا كبيرا و مناضلا مخلصاً أتعب أعدائه و قربت أصدقائه بحبه للديمقراطية و وتواضعه وفكره الموسوعي .
وانتظم بعدها ضمن قواعد الحزب في الفرات الاوسط. وبعد وحدة الحزب في 1956 وعودة منظمة "راية الشغيلة" الى صفوف الحزب كان شهيدنا سباقا في توزيع بيان الوحدة ومتحمساً للم شمل الحزب تحت راية واحدة فكان ضمن لجنة مدينة كربلاء نائبا لسكرتيرها الاستاذ أبو شروق - جاسم حلوائي - .
اشترك في انتفاظة 1956 و اعتقل فيها و انتقل في عمله الحزبي بين النجف و الحلة و الشامية و كربلاء وبعد ثورة تموز 1908 عين الشهيد معلما للفنية في مدرسة العباس. يتحدث عنه مديره الاستاذ باقر قباني عن دماثة خلقه و حب طلابه له و فرحهم بغزارة ثقافته التي وسعت من ثقافة طلابه ووعيهم الوطني. ولكن الهجوم على الحزب في 1961 واعتقاله، رغم زواجه القريب من رفيقة دربه ام احسان والتي شاركت في الكفاح الوطني ضمن رابطة المرأة العراقية. اعادت الشهيد الى العمل السري، بعد إطلاق سراحه.
جاء الانقلاب الاسود في شباط 1963، وكانت الهجمة الشرسه على الحزب الشيوعي والحركة الوطنية، وطالت الحملة اعضاء الحزب و عوائلهم وأغتيل تحت التعذيب خيرة مناضلي الحزب و الشعب , فالقي القبض على شهيدنا في الايام الاولى للانقلاب الاسود، و قد استطاع الفرار من الموقف باعجوبة من خلال شباك التهوية في مرافق الموقف. واستطاع الهرب الى ايران ليتصل من هناك بحزب توده الايراني لغرض ترتيب اوضاع و مسيرة الحزب, فوقع في مصيدة السافاك الايراني و اعتقل و سفر الى الحدود العراقية لتسليمه الى الامن العراقي، فاوهمهم بانه من اهالي النجف وسيق الى النجف في احد مراكز الشرطة و هناك استطاع بحيلة اخرى ان ينجو من الاعتقال. فقد وجد في ممر الموقف ملابس رثة لبسها و اخذ مكنسة يكنس ممرات الموقف وسط اعتقاد السجان انه منظف، و عند باب السجن هرب و معه أنيس كاشف الغطاء ( و كان من كوادر الشيوعيين في النجف ) وأتصلا بمن تبقى من الحزب و اعيد تنظيمهم وشاركوا في مقاومة البعثيين الاشرار ( مقالة للاستاذ عبد الحسين شعبان ) .
ظل شهيدنا مختفيا و يعمل بسريه في اعادة بناء الحزب بعد الهجمة الشرسة.
وبعد مجيء عبد السلام عارف انتقل الشهيد من النجف الى ريف كربلاء منطقة الحسينية ( مقاطعة الغلطاوية ) و بقي هناك سنتين كانت له فرصة ان يطلع على احوال الفلاحين و معاناتهم و ان يستفيد من هذه المرحلة في كتابة مجموعة مقالات عن الحركة الفلاحية في جريدة المجتمع الكربلائية و الفكر الجديد و الثقافة الجديدة ( من لقاء خاص مع المناضل الشيوعي ابو تحرير )
و في منتصف 1966 انتقل الشهيد الى بغداد بتكليف من الحزب و في منظمة الاعظمية و حتى انقلاب 1968( لقاء مع المناضل الشيوعي محمد علي عزت ) .
و بعد 1970 اعيد الشهيد الى الوظيفة معلما في كركوك ( قره تبة ) و بقي فيها هناك حتى اعلان الجبهة الوطنية و نقل الى كربلاء و رجع الى محلية كربلاء و كان مسؤول المكتب المهني وكان مع المربي الشيوعي يوسف ابو طحين ممثلا للحزب في نقابة المعلمين و اصبح بعدها ممثلا للحزب في لجنة الجبهة في كربلاء ، فكان مجدا في جمع و حل الاشكالات التي كان البعثيين ينون بها اضطهاد الحزب و الحركة الوطنية ( شهادة المناضل الشيوعي سعد بدكت ) اضافة الى مشاركته الواسعة في الحركة الادبية و الاجتماعية و السياسية في المجتمع الكربلائي .
عرفت الشهيد و انا طفل اعمل في محل والدي ابو فلاح ( والد الشهيد سعدون – وضاح ) الذي كان يجلس في باب المحل فاشاهد شهيدنا يجيء من بداية سوق العلاوي يخط بقدمة و بعرج بسيط وبشارب كث تلوح منه شبح ابتسامة دائمة و يجلس مع الوالد فأحضر له الشاي فاسمعهم يتهامسون في مواضيع الحياة السياسية واحوال الحزب و تجاوزات البعث على الشيوعيون والحركة الوطنية. وبعدها يعتدلون في جلستهم ليتحدثوا في شؤون الادب و الثقافة واعراب هذا البيت او تفسير شعر للجواهري او ابو نؤاس وقراءة للشعر الحديث ليقوم بعدها الشهيد ابو احسان بنفس الخطوات و الابتسامة الدائمة لينتقل الى مجلس و صديق اخر .
1975 سافر للدراسة الى الاتحاد السوفيتي انذاك و بقي حتى نهايه السنة ليرجع محملا بالخبرة الجديدة و خسر هناك شاربه الكثيف فقد حلقه عند سفره و تركه بلا عوده وبقيت ابتسامته المتفائلة حتى اخر عمره.
بعد الهجمة الشرسة على الحزب في نهاية 1978 واعتقال العديد من الشيوعيين واخذ براءاتهم وتعذيب من لم يقدمها وهروب العديد من كوادر الحزب، ظل شهيدنا يذهب الى مقر الحزب جالسا في بابه. وكان يقوم بمتابعة الرفاق المختبئين ويتابع احوالهم ويشرف على سلامتهم و ينقذ من بقي منهم. وكان يقدم اعتراضاته على هذه الاعتقالات في اجتماعات الجبهة. و بعد انفراط عقد الجبهة القي القبض عليه و اطلق سراحة بعد توقيع تعهد بعدم ممارسته العمل السياسي و بعد رفضة الاعتراف على الحزب و اعضاءه رغم كل الاغراءات. وبعد فترة القي القبض عليه و طلب منه كتابه مقالات في جريدة الثورة فرفض رغم التهديد. اطلق سراحه ثانية و ظل وفيا لحزبه و رفاقه و اصدقاءه  .
القي القبض عليه للمرة الثالثة و اختفت اخباره عن اصدقاءه ورفاقه و قيادة الحزب الشيوعي و بقيت ابحث بجد عن مصيره حتى استطعنا ان نصل الى حقيقة استشهاده ففي عام 1980 كان الشهيد معتقلا في موقف الامن في كربلاء الذي كان برئاسة العقيد المجرم صلاح التكريتي فطلب من السجانين اخراج السجناء السياسيين من المعتقل ليقفوا صفا واحدا امامه في باحة الموقف و وضع المنضدة وفوقها قنينة العرق. وأخذ يشتم الموقوفين وكان يضع مسدسه على الميز. اثار هذا الموقف غضب شهيدنا و كان تاريخه حاضرا و اعتقد انه استذكرفي نفسه شعر المتنبي  :
                    فطعم الموت في أمر عظيم             كطعم الموت في امر حقير

وصرخ من مكانه يؤنب المجرم على فعلته في استهانته بالمناضلين الموقفين. اثار هذا الرأي حفيظة المجرم فتناول مسدسه ووجهه ناحيه شهيدنا وأطلق عليه النار وأرداه قتيلاً، ليطفىء شمعة هذا المناضل المخلص لقضيته، وبذلك فقدت مدرسة النضال الشهيد علي محمد النوري.
اطبق جلاوزة الامن و البعث عن جريمتهم هذه وحاولوا اخفاءها عن الجميع حتى تمكنا من سماع شهادة احد الدفانين في كربلاء بأنه قام بدفن خمسه من ضحايا الامن في احدى الليالي و كانت بينهم امرأة و تذكر ان احد شهادات الوفاة باسم شهيدنا ابو احسان  .
لشهيدنا الخلود و لاهله و اصدقاءه العزاء و الاماني بان لا تذهب دماء شهيدنا هدرا بل لتكون الاساس مع شهداء الحركة الوطنيه لبناء و تحقيق الحرية و الديمقراطية و السلام في ربوع وطننا الغالي.